دمج

حقوق الملكية الفكرية

في سياسة التنمية

 

تقرير لجنة حقوق الملكية الفكرية

 

 

 

لندن

عام 2003


 

 

 

 

 

 

 

الناشر

لجنة حقوق الملكية الفكرية

بواسطة الإدارة البريطانية للتنمية الدولية

1 Palace Street

London SW1E 5HE

 

البريد الالكتروني: ipr@dfid.gov.uk

موقع الانترنت: http://www.iprcommission.org

 

عام 2003

 

يمكن الحصول على النص الكامل للتقرير وعلى الملخّص التنفيذي من موقع الانترنت الخاص بلجنة حقوق الملكية الفكرية وعنوانه: http://www.iprcommission.org

 

 

© لجنة حقوق الملكية الفكرية 2002

 

تصميم وطباعة

Dsprint/redesign

7 Jute Lane

Brimsdown

Enfield EN3 7JL


أعضاء اللجنة

 

البروفيسور جون بارتون (رئيس اللجنة)

كرسي استاذية جورج ئي. اوزبورن في القانون، جامعة ستانفورد، كاليفورنيا، الولايات المتحدة

 

السيد دانيال ألكسندر

محامي في المحاكم العليا متخصص في قانون الملكية الفكرية، لندن، المملكة المتحدة

 

البروفيسور كارلوس كورّيا

مدير برنامج الماجستر في سياسة وادارة العلوم والتكنولوجيا، جامعة بوينس آيرس، الأرجنتين

 

الدكتور راميش ماشيلكار، زميل الجمعية الملكية

المدير العام للمجلس الهندي للأبحاث العلمية والصناعية والأمين العام لدائرة الأبحاث العلمية والصناعية، دلهي، الهند

 

الدكتورة جيل سامويلز، حاملة وسام كوماندور في الامبراطورية البريطانية

كبيرة المدراء لسياسة العلوم والشؤون العلمية (اوروبا) في شركة فايزر انك، ساندويتش، المملكة المتحدة

 

الدكتورة ساندي توماس

مديرة مجلس نافيلد للأخلاقيات الحيوية، لندن، المملكة المتحدة

 

الأمانة

 

شارلز كليفت – الرئيس

فيل ثورب – محلل السياسة

توم بنجيللي – محلل السياسة

روب فيتر – الموظف المسؤول عن الأبحاث

برايان بيني – مدير المكتب

كارول اوليفر – مساعدة شخصية

 


تمهيد

 

في شهر مايو/أيار عام 2001 أسست كلير شورت، وزيرة الدولة للتنمية الدولية، لجنة حقوق الملكية الفكرية. اللجنة مؤلفة من أعضاء من مختلف الأقطار والخلفيات ووجهات النظر. وقد أتى كل عضو في اللجنة بوجهات نظره مختلفة بدرجة كبيرة الى مائدة المداولات. ونحن نعبر عن اصوات الدول المتقدمة والدول النامية في مجالات العلوم والقانون والأخلاقيات والاقتصاد والصناعة والحكومة والأكاديميا.

 

انني أعتقد بأننا حققنا انجازا عظيما باتفاقنا على اسلوب تناول الموضوع وعلى رسالتنا الأساسية. ومثلما يوحي عنوان تقريرنا فاننا نعتبر بأن هناك حاجة لدمج أهداف التنمية في سياسة الحقوق الفكرية، على الصعيدين القومي والدولي، ويقدم تقريرنا الطرق التي يمكن فيها ان نطبق ذلك عمليا.

 

وعلى الرغم من أنه قد تم تعييننا من قبل الحكومة البريطانية فقد تم منحنا الحرية المطلقة لوضع جدول اعمالنا واستنباط برنامج عملنا والتوصل الى نتائجنا الخاصة والى توصياتنا. وقد أوجدوا لنا الفرصة وقدموا لنا الدعم المالي لتحسين فهمنا للقضايا عن طريق التكليف باجراء دراسات وتنظيم ورشات عمل وعقد مؤتمرات وزيارة المسؤولين والمجموعات المتأثرة في كافة أنحاء العالم. وقد وفرت لنا الدعم على أفضل وجه بشكل الأمانة القديرة التي زودتنا اياها وزارة التنمية الدولية وكذلك من مكتب براءة الاختراع للمملكة المتحدة ونود ان نقدم اليهم الشكر بصورة خاصة.

 

تقابلنا كفريق للمرة الاولى بين 8 و 9 مايو/أيار عام 2001 وعقدنا سبعة اجتماعات منذ ذلك الحين. وقد قام جميعنا او البعض منا بزيارة البرازيل والصين والهند وكينيا وجنوب أفريقيا وقمنا أيضا بالتشاور مع المسؤولين في القطاع العام والقطاع الخاص ومع المنظمات غير الحكومية في لندن وبروكسيل وجنيف وواشنطن. وقمنا بزيارة لوحدة الأبحاث الخاصة بشركة فايزر في ساندويتش. وتجدون في نهاية التقرير لائحة بالمؤسسات الرئيسية التي قمنا باستشارتها. وقد كلفنا بإعداد سعبة عشر ورقة عمل وباقامة ثمانية ورشات عمل في لندن بخصوص شتى نواحي الملكية الفكرية. وقمنا بعقد مؤتمر كبير في لندن بين 21-22 فبراير/شباط عام 2002 لنتأكد من أننا نسمع الأسئلة ونعرف على الاهتمامات التي تصدر من وجهات نظر عديدة. ونحن نعتبر تلك الجلسات اجزاء مهمة من علمنا في حد ذاتها من عملنا. فهي التي جمعت معا مجموعة من الأفراد التي غايتها تسهيل الحوار والبحث في مجال السير قدماً في بعض القضايا.

واشتملت مهامنا على دراسة ما يلي:

·                   كيف يمكن تصميم أنظمة حقوق الملكية الفكرية بحيث تفيد الدول النامية ضمن اطار الاتفاقيات الدولية، بما فيها إتفاقية النواحي التجارية المرتبطة بحقوق الملكية الفكرية "تريبس" (TRIPS)؛

·                   كيف يمكن تحسين وتطوير الاطار الدولي للقواعد والاتفاقيات – مثلا في مجال المعرفة التقليدية – والعلاقة بين قواعد وأنظمة حقوق الملكية الفكرية التي تشمل القدرة على الوصول الى الموارد الجينية؛

·                   واطار السياسة الواسعة اللازم لتكملة أنظمة الملكية الفكرية بما في ذلك، مثلا، التحكم في الممارسات المناهضة للمنافسة وذلك عن طريق سياسة وقانون التنافس.

 

وقد قررنا من البداية ان لا نحاول فقط تقديم حلول وسط بين مختلف الجماعات المهتمة بالأمر بل ان تكون توصياتنا مبنية على الأدلة بقدر الامكان. وقد واجهتنا تحديات لأنه كثيرا ما كانت توجد أدلة محدودة او غير حاسمة ولكن ساعدتنا أمانتنا والاستشارات المسهبة التي قمنا بها وكذلك أوراق العمل التي كلفنا بها احد على تحديد هوية الأدلة المتوفرة التي قمنا فيما بعد بتقييمها بدقة وحذر.

 

كما أدركنا مبكرا أهمية التمييز بين الأقطار المختلفة التي تتمتع بقدرات عملية وتكنولوجية هائلة وتلك التي لا تتمتع بتلك القدرات (متوسطة او منخفضة الدخل). وقد حاولنا ان نتعرف على التأثيرات الحقيقية للملكية الفكرية، الايجابية منها والسلبية على حد سواء، في كل مجموعة من تلك الأقطار, وقد اخترنا التركيز على اهتمامات افقر تلك الأقطار في كل من الاقطار ذات الدخل المنخفض والمتوسط.

 

وكلنا متفقون على هذا التقرير. غايتنا هي الوصول الى حلول عملية ومتوازنة. في بعض الحالات تبنينا اقتراحات تقدم بها الآخرون ولكن مسؤولية الاستنتاجات تقع على عاتقنا وحدنا. ونحن نأمل بأن نكون قد وفينا بالمهمة وبأن يكون التقرير مصدرا ثمينا لكل من يشترك في الحوار حول كيف يمكن لحقوق الملكية الفكرية ان تخدم على نحو أفضل التنمية وتقلل الفقر.

 

وهكذا بالنيابة عن اللجنة أود ان أشكر جميع العاملين في كافة أنحاء العالم، وعددهم كبير يصعب ذكرهم بالاسم، وذلك على مساهماتهم في نقاشنا ولا سيما اولئك الذين أعدوا أوراق العمل.

 

وأخيرا أتوجه بالشكر الى السيدة كلير شورت والى الإدارة البريطانية للتنمية الدولية على بعد نظرها في تشكيل لجنة حقوق الملكية الفكرية. وقد تشرفت بترأس هذه اللجنة. لقد كانت خبرة رائعة بالنسبة لي وبالنسبة لجميع أعضاء اللجنة. طلب منا انجاز مهمة فيها نوع من التحدّي ونحن تمتعنا جدا بانجازها وبالفرصة التي سنحت لنا لنتعلّم من بعضنا البعض ولا سيما من العدد الكبير ممن ساهموا في عملنا.

 

جون بارتون

رئيس اللجنة

مقدمة

 

هناك القليل ممن يهتم بالملكية الفكرية الذين سيجدون راحة في قراءة هذا التقرير. لا توجد اشادة بالتقرير الذي أعده البروفيسور بارتون وفريقه من أعضاء اللجنة أكبر من هذه الاشادة. ولا توجد دلالة أكبر عن بعد نظر وشجاعة كلير شورت، وزيرة الدولة للتنمية الدولية، في تشكيل اللجنة من البداية ووضع نطاق سلطاتها وصلاحياتها.

 

ربما هناك شيء في الزمن الذي نعيش فيه يشجع الالتزام الأعمى بالمبادىء الثابتة أي بالدوغماتية. لقد أثّر ذلك على نواح عديدة من مرافق الحياة. وبكل تأكيد قد أثّر على مجال حقوق الملكية الفكرية بكامله. فمن ناحية العالم المتطور هناك لوبي قوي يعتقد بأن جميع حقوق الملكية الفكرية تعود بالنفع على المؤسسات العامة في السوق وعلى الشعب عامة وانها تعمل بمثابة حافز للتقدم الفني. فهم يعتقدون ويجادلون بانه اذا كانت حقوق الملكية الفكرية ذات فائدة فان المزيد من تلك الحقوق يجب ان تكون أكثر فائدة. ومن ناحية العالم النامي هناك لوبي عالي الصوت ممن يعتقدون بأن حقوق الملكية الفكرية من المحتمل ان تشلّ تنمية الصناعة والتكنولوجيا المحلية ومن شأنها ان تؤذي الشعب المحلي ولن تفيد إلا العالم المتقدم. وهم يعتقدون ويجادلون بأنه اذا كانت حقوق الملكية الفكرية سيئة فان القليل منها هو أفضل وأحسن. وعملية تنفيذ الاتفاقية ذات العلاقة بالنواحي التجارية المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية (تريبس) لم تسفر عن تضييق الفجوة التي تفصل بين الجانبين بل بالأحرى ساعدت على تقوية وجهات النظر التي يحملها كل طرف من الأطراف. فاولئك الذين يحبذون المزيد من حقوق الملكية الفكرية واحداث "ملعب متساوي يتسنى للجميع اللعب فيه" يرحبون باتفاقية (تريبس) على انها أداة مفيدة لتحقيق أهدافهم. وبالنسبة للذين يعتقدون بأن حقوق الملكية الفكرية هي سيئة للدول النامية، فهم يعتقدون بأن الملعب الاقتصادي كان غير متساو قبل اتفاقية "تريبس" وان ادخال هذه الاتفاقية قد عزز عدم المساواة هذه وقواها. كانت وجهات النظر هذه التي يحملها هؤلاء ثابتة وصادقة بحيث بدا أحيانا بأنه لم يكن أحد منهم مستعدا لسماع وجهة نظر الآخر. الاقناع كان منعدما والاكراه كان موجودا.

 

اذا كانت حقوق الملكية الفكرية حسنة او سيئة فقد تعوّد العالم المتقدم على التعايش معها خلال فترة طويلة من الزمن. حتى عندما تزيد المزايا عن المساوئ في بعض الأحيان، لدى العالم المتقدم على العموم القوة الاقتصادية القومية والآليات القانونية الموطدة للتغلب على المشاكل المرتبطة بها، طالما زادت الفوائد عن المساوئ فإن الدول المتقدمة لديها الثروة والبنية الأساسية التي تمكنها من الإستفادة من الفرص المتاحة. من المحتمل ان لا ينطبق ذلك على الدول النامية وعلى الدول الأقل نموا.

وهكذا ازاء هذه الخلفية قررت وزيرة الدولة تشكيل اللجنة وطلبت منها ان تأخذ بعين الاعتبار، من ضمن أمور أخرى، كيف يمكن تصميم نظام لحقوق الملكية الفكرية الوطنية يفيد أفادة أفضل الدول النامية. وفي هذا الطلب كان هناك اعترافا ضمنيا بأنه يمكن لحقوق الملكية الفكرية ان تكون أداة تساعد او تعيق الاقتصاد الهش. وأعضاء اللجنة أنفسهم يمثلون أفضل ما يمكن ان نبتغيه من الخبرة والبراعة ذات الصلة بالموضوع. وقد قاموا بالاستشارة على نحو واسع. وهذا التقرير هو نتيجة عملهم. انه تقرير رائع.

 

وعلى الرغم من ان نطاق السلطة والصلاحية دعا اللجنة الى ايلاء اهتمام خاص بالدول النامية فهم لم يهملوا مصالح واهتمامات الجانب الأخر. ومثلما يقول التقرير يجب ان لا تفرض معايير عالية من الملكية الفكرية على الدول النامية من دون القيام بتقييم جدي وموضوعي لتأثيرها على نمو تلك الدول. وقد اجتهدت اللجنة اجتهادا كبيرا في توفير هذا التقييم. فقد أصدرت تقريرا يحتوي على مقترحات معقولة معدة لتلبية معظم المتطلبات المعتدلة للجانبين.

 

ومع ذلك فان اصدار سلسلة من المقترحات القابلة للتنفيذ ليس أمرا كافيا بحد ذاته. الحاجة تدعو الى قبولها والى الارادة من أجل تنفيذها. ومن هذه الناحية نجد اللجنة مرة أخرى تلعب دورا رئيسيا. هذا ليس تقرير مجموعة ضغط. لقد جرى تشكيل اللجنة لتقديم نصيحة غير منحازة على قدر الامكان. ان أصول أعضاء اللجنة وطبيعة أفرادها يجب ان تشجّع جميع الأشخاص الموجه اليهم التقرير على أخذ توصياتها بجدية.

 

ظلت لمدة طويلة تعتبر حقوق الملكية الفكرية طعاما سائغا بالنسبة للدول الغنية وسمّا نقيعا بالنسبة للدول الفقيرة. أرجو ان يبيّن هذا التقرير بأن الأمر ليس بتلك السهولة. اذ يمكن للدول الفقيرة ان تجدها مفيدة شرط ان تكون معدة لكي تلائم الأذواق المحلية. تقترح اللجنة بأن يجري تقرير الوجبة الملائمة من حقوق الملكية الفكرية لكل بلد نامي على أساس ما هو الأفضل لنموه وانه يترتب على المجتمع الدولي وعلى الحكومات في جميع الدول ان تتخذ قراراتها مع وضع ذلك الأمر نصب عينيها. أرجو رجاء قويا ان يحثها هذا التقرير على القيام بذلك.

 

السير هيو لادي

قاضي بريطاني في المحاكم العليا متخصص في موضوع براءات الاختراع


قائمة بالمحتويات

أعضاء اللجنة                                                                             3

 

تمهيد                                                                                         4

 

كلمة اولى                                                                                   6

 

نظرة عامة                                                                                  13

المقدمة                                                                                       13

الخلفية                                                                                        15

مهمتنا                                                                                        19

 

الفصل الأول: الملكية الفكرية والتنمية                                                       27

المقدمة                                                                                       27

الأساس المنطقي لحماية الملكية الفكرية                                                        29

          المقدمة                                                                            

          براءات الاختراع                                                                         

          حقوق النشر والتأليف                                                                    

التاريخ                                                                                       36

الأدلة عن الملكية الفكرية                                                                          39

          سياق الكلام                                                                       

          تأثير اعادة التوزيع                                                              

          النمو والابتداع                                                                   

          التجارة والاستثمار                                                              

نقل التكنولوجيا                                                                                      45

 

الفصل الثاني: الصحة                                                                             52

المقدمة                                                                                      

          الموضوع                                                                                  

          الخلفية                                                                             

الابحاث والتطوير                                                                                   56

          حوافز الأبحاث                                                                            

القدرة على حصول الفقراء على الأدوية                                                       60

          انتشار براءات الاختراع                                                                

          براءات الاختراع والأسعار                                                   

          العوامل الأخرى التي تؤثر على القدرة على الحصول على الأدوية            

المتضمّنات السياسية                                                                      68

          خيارات السياسة الوطنية                                                                

          الترخيص الاجباري للدول التي ليست لديها قدرة كافية على الانتاج الصناعي        

          تشريعات الدول النامية                                                                  

التمديد الذي تقدم به اعلان الدوحة للدول الأقل نموا                     

 

الفصل الثالث: الزراعة والموارد الجينية                                                    91

المقدمة                                                                                       91

          الخلفية                                                                             

حقوق الملكية الفكرية في الزراعة                                                    

النباتات وحماية الملكية الفكرية                                                                   93

          المقدمة                                                                            

          الأبحاث والتطوير                                                                        

          تأثير حماية تنوّع النباتات                                                               

          تأثير براءات الاختراع                                                                  

          الخلاصة                                                                                   

القدرة على الحصول على المصادر الجينية للنباتات وحقوق المزارعين                          105

          المقدمة                                                                            

          حقوق المزارعين                                                                         

          النظام المتعدد الأطراف                                                                 

 

الفصل الرابع: المعرفة التقليدية والمؤشرات الجغرافية                                 112

المقدمة                                                                                       112

المعرفة التقليدية                                                                                     113

          الخلفية                                                                             

          طبيعة المعرفة التقليدية والغرض من حمايتها                                      

          ادارة الحوار حول المعرفة التقليدية                                         

          استغلال نظام الملكية الفكرية الحالي لحماية وتشجيع المعرفة التقليدية                  

          الحماية الضريبية Sui Generis للمعرفة التقليدية                                     

          استعمال المعرفة التقليدية في غير حقها                                    

القدرة على الحصول على المعرفة التقليدية وتقاسم فوائدها                                125

          الخلفية                                                                             

          ميثاق التنوّع الاحيائي                                                          

الافصاح بالمنشأ الجغرافي للموارد الجينية في طلبات تسجيل براءات الاختراع     

 المؤشرات الجغرافية                                                                               131

          الخلفية                                                                             

          المؤشرات الجغرافية واتفاقية "تريبس"                                              

          سجل متعدد الأطراف للمؤشرات الجغرافية                                         

          التأثير الاقتصادي للمؤشرات الجغرافية                                    

 

الفصل الخامس: حقوق النشر والتأليف والتأليف برامج الحاسب الآلي وشبكة الانترنت 139

المقدمة                                                                                       138

حقوق النشر والتأليف والتأليف كحافز للابداع                                                          140

          جمعيات الاقتناء                                                                 

هل ستسمح حقوق النشر والتأليف والتأليف للدول النامية على اغلاق الفجوة في المعرفة؟    143

الصناعات المبنية على أساس حقوق النشر والتأليف والتأليف ونسخ الأعمال المحمية بحقوق النشر والتأليف         145

حقوق النشر والتأليف والتأليف والقدرة على  الحصول على المعلومات                                    147

          المواد التعليمية                                                         

          المكتبات العامة                                                                  

حقوق النشر والتأليف والتأليف وبرامج الحاسب الآلي                                                150

توفير امكانيات شبكة الانترنت في مجال التنمية                                              152

          القيود التكنولوجية                                                     

 

الفصل السادس: اصلاح نظام براءات الاختراع                                            161

المقدمة                                                                                       159

تصميم أنظمة براءات الاختراع في الدول النامية                                  

          المقدمة                                                                   

          نطاق صلاحية براءات الاختراع                                            

          مقاييس صلاحية براءات الاختراع                                          

          الاستثناءات لحقوق براءات الاختراع                             

          توفير وسائل الحماية في سياسة تسجيل براءات الاختراع             

          تشجيع الابتداع على الصعيد الوطني                              

          استنتاجات                                                               

استخدام نظام براءات الاختراع في أبحاث القطاع العام                                     176

          المقدمة                                                                   

          الأدلة من الولايات المتحدة                                           

          الأدلة من الدول النامية                                               

كيف يمكن لنظام براءات الاختراع ان يعيق الأبحاث والابتداع                            180

          القضايا في الدول المتقدمة                                                              

          صلتها بالدول النامية                                                  

التوافق الدولي في مجال براءات الاختراع                                                     187

          الخلفية                                                                              187

          معاهدة لقانون اساسي لبراءات الاختراع في اطار

المنظمة العالمية للملكية الفكرية                                                         189

 

الفصل السابع: القدرات المؤسسية                                                  197

المقدمة                                                                                       195

وضع سياسة وتشريعات الملكية الفكرية                                                       

          وضع السياسة المتكاملة                                                                  196

ادارة ومؤسسات حقوق الملكية الفكرية                                                         199

          المقدمة                                                                   

          الموارد البشرية                                                                  

          تكنولوجيا المعلومات                                                  

الفحص مقابل انظمة التسجيل                                                           202

          التعاون الاقليمي او الدولي                                                              

التكاليف والايرادات                                                                       205

كلفة نظام للملكية الفكرية                                             

          تسديد التكاليف                                                         

التطبيق القانوني                                                                                     208

التطبيق في الدول النامية                                                                

التطبيق في الدول المتقدمة                                                              

تنظيم حقوق الملكية الفكرية                                                             210

المساعدات الفنية وبناء القدرات                                                                  212

          البرامج الحالية                                                                   

تقييم تأثير المساعدات الفنية                                                   

تمويل المساعدات الفنية الاضافية                                           

تأمين التقديم الفعال للمساعدات الفنية                              

 

الفصل الثامن: البنيان الدولي                                                                   221

المقدمة                                                                                       219

وضع المقاييس الدولية: المنظمة العالمية للملكية الفكرية ومنظمة التجارة العالمية              220

اتفاقية "تريبس"                                                                                     225

          مساعدة الدول النامية على تنفيذ اتفاقية "تريبس"                                  

          الجدول الزمني لتنفيذ اتفاقية "تريبس"                                      

الملكية الفكرية في الاتفاقيات الثنائية والاقليمية                                               229

مشاركة الدول النامية                                                                     231

          التمثيل الدائم في جنيف                                                         

          الوفود الخبيرة                                                          

دور المجتمع المدني                                                                                 234

تعميق الفهم بالملكية الفكرية والتنمية                                                   235

 

تلخيص الأسماء                                                                                    241

شرح الكلمات                                                                              243

كلمة تقدير                                                                                  249

نظرة عامة

 

المقدمة

 

تعترف "أهداف التنمية للألفية الثالثة" بأهمية تقليل الفقر والمجاعة وبتحسين الصحة والتعليم وبتأمين البيئة المستدامة. وبناء على ذلك فقد أخذ المجتمع الدولي التـزاما على نفسه بتخفيض نسبة الافراد الذين يعيشون تحت وطأة الفقر بالنصف مع حلول عام 2015، مع ما يرافق ذلك من أهداف معلومة لتحسين الصحة والتعليم والبيئة المستدامة.

 

ففي عام 1999 كان نحو 2ر1 بليون نسمة في العالم يعيشون على أقل من دولار واحد باليوم وما يقرب من  2.8 بليون نسمة يعيشون على أقل من دولارين باليوم.[5] وحوالي 65% من هؤلاء الناس كانوا يعيشون في جنوب و شرقي آسيا و 25% في دول افريقيا جنوب الصحراء. وفي عام 2001 توفي ثلاثة ملايين شخص من فيروس نقص المناعة البشرية / نقص المناعة المكتسبة من بينهم 2.3 مليون شخص في دول افريقيا جنوب الصحراء.[6] وكذلك يقضي داء السل على نحو1.7 مليون شخص في كافة أنحاء العالم.[7] وبموجب الاتجاهات الحالية فمن المتوقع ان تحدث 10.2 ملايين اصابة بتلك الأمراض في عام 2005.[8] ويتوفى سنويا أكثر من مليون شخص من داء الملاريا.[9] وفي عام 1999 كان 120 مليون طفل ما يزالون من دون التعليم الابتدائي. ولدول افريقيا جنوب الصحراء أدنى نسبة حالية من التعليم وهي 60% .[10]

 

مهمتنا هي دراسة هل وكيف يمكن لحقوق الملكية الفكرية ان تلعب دورا في مساعدة العالم على تحقيق تلك الأهداف ولا سيما أهداف تقليل الفقر ومكافحة الأمراض وتحسين صحة الأمهات والأطفال وتعزيز القدرة على الحصول على التعليم والمساهمة في النمو المستدام. ومهمتنا أيضا هي دراسة هل وكيف يمكن لتلك الحقوق ان تشكّل عائقا لتحقيق تلك الأهداف واذا كان هذا هو الحال كيف يمكن ازالة تلك العوائق.

 

والبعض يجادل بقوة قائلا بأن حقوق الملكية الفكرية هي ضرورية للحث على النمو الاقتصادي الذي بدوره يساهم في تقليل مستوى الفقر. اذ بالحث على الاختراع وعلى التكنولوجيات الحديثة فهذه ترفع الانتاج الزراعي او الصناعي وتحسّن توفر الأدوية اللازمة لمكافحة الأمراض. فهم يرون انه ليس هناك أي سبب يحول دون عمل نظام جيد في الدول النامية اذا كان ذلك النظام جيدا في الدول المتقدمة. والآخرون يجادلون بقوة متساوية على عكس ذلك. فهم يقولون بأن حقوق الملكية الفكرية لا تساهم بشكل يذكر في الحث على الاختراع في الدول النامية بسبب انعدام القدرات البشرية والفنية اللازمة في تلك الدول. فهي غير فعالة في الحث على الأبحاث التي تفيد الفقراء لأن هؤلاء لن يتمكنوا من تحمّل كلفتها حتى وان جرى تطويرها. فهي تحد من خيار التعلّم التكنولوجي عن طريق الممارسة. فهم يقولون بأن حقوق الملكية الفكرية تسمح للشركات الأجنبية بأن تطرد المنافسة المحلية وذلك بالحصول على حماية براءات الاختراع وتلبية حاجات السوق عن طريق الاستيراد بدلا من الانتاج المحلي. وعلاوة على ذلك فهي ترفع كلفة الأدوية الضرورية والانتاج الزراعي الأمر الذي يؤثر تأثيرا سلبيا على الفقراء وعلى المزارعين بصورة خاصة.

 

وفي تقييمنا لتلك الحجج المتضاربة يجب ان نتذكّر التباين التكنولوجي بين الدول النامية والدول المتقدمة كمجموعة من الدول. فالدول النامية ذات الدخل المنخفض والمتوسط يعود اليها نحو 21% من النتاج المحلي الاجمالي العالمي،8 ولكن أقل من 10% من الانفاق على الأبحاث والتطوير على الصعيد العالمي.[11]  وتنفق الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أكثر على الأبحاث والتطوير من مجمل دخل الهند الوطني. وبدون استثناء تقريبا تعتبر الدول النامية دولا مستوردة للتكنولوجيا.

 

ومن الاهمية ان نأخذ بعين الاعتبار التفاوت في الدول النامية من حيث ظروفها الاجتماعية والاقتصادية وقدراتها التكنولوجية. وعموما أكثر من 60% من فقراء العالم يعيشون في بلدان لديها قدرات علمية وتكنولوجية كبيرة والغالبية العظمى من هؤلاء الناس يعيشون في الصين والهند. وللصين وللهند بالاضافة الى دول نامية صغيرة عديدة أخرى قدرات على درجة عالمية في عدد من المجالات العلمية والتكنولوجية بما فيها مثلا، مجال الفضاء والطاقة النووية والحاسب الآلي والتكنولوجيا الاحيائية والادوية وتطوير برامج الحاسب الآلي والطيران.[12] وبالمقابل يعيش 25% من الفقراء في دول أفريقيا جنوب الصحراء (باستثناء جنوب أفريقيا) وبصورة رئيسية في بلدان تعتبر قدرتها العلمية الفنية ضعيفة نسبيا.[13] وفي عام 1994 يقدّر بأنه عاد الى الصين والهند وبلدان أمريكا اللاتينية 9% تقريبا من النفقات على الأبحاث في كافة أنحاء العالم ولكن لم يعد الى دول افريقيا جنوب الصحراء الا 0.5  % فقط والى الدول النامية، ما عدا الصين والهند، حوالي 4% فقط.[14]

 

وهكذا فان الدول النامية ليست دولا متجانسة وهذه حقيقة بديهية كثيرا ما تكون بعيدة عن الذهن. القدرات العلمية والفنية لتلك الدول تختلف فيما بينها وكذلك تركيبتها الاجتماعية والاقتصادية وعدم المساواة في الدخل والثروة. وهكذا فان مسببات الفقر وبالتالي السياسات المناسبة لمواجهته تختلف بناء على ذلك بين دولة وأخرى. والمسببات ذاتها تنطبق على السياسات المترتبة على حقوق الملكية الفكرية. فالسياسات المطلوبة في تلك الدول التي تنعم بقدرات تكنولوجية متقدمة نسبيا وحيث يعيش معظم الفقراء، مثل الهند والصين، قد تختلف عن تلك المسببات في الدول ذات القدرات الضعيفة مثلما هو الحال بالنسبة لعدد كبير من دول افريقيا جنوب الصحراء. وكذلك فان تأثير سياسات الملكية الفكرية على الفقراء تختلف أيضا وفقا لظروفهم الاجتماعية والاقتصادية. فالسياسات التي تعمل على خير ما يرام في الهند لن تعمل بالضرورة على ما خير يرام في البرازيل او بوتسوانا.

 

الخلفية

 

شاهدنا خلال العشرين سنة الماضية زيادة لم يسبق لها مثيل في مستوى ونطاق والمدى الاقليمي دور حماية حقوق الملكية الفكرية.[15] وتشتمل مظاهرها على ما يلي:

 

·                   التسجيل ببراءات للأشياء والمواد الحية الموجودة في الطبيعة على عكس المنتجات والعمليات الصناعية من صنع الانسان والتي يمكن للانسان العادي ان يتعرف عليها بسهولة على انها اختراعات.

·                   تعديل أنظمة الحماية لايواء التكنولوجيات الجديدة (ولا سيما التكنولوجيا الاحيائية وتكنولوجيا الاعلام) مثل توجيه الاتحاد الاوروبي الخاص بالتكنولوجيا الاحيائية (EU Biotechnology Directive) [16]  او قانون حقوق النشر والتأليف للألفية الثانية الرقمية (Digital Millenium Copyright Act) في الولايات المتحدة.

·                   تمديد الحماية لتشمل مجالات جديدة مثل برامج الحاسب الآلي وأساليب الأعمال والتبني في بعض الدول لأنظمة فريدة جديدة (sui generis) لشبه الموصّلات وقواعد المعلومات الرقمية.

·                   وتشديد جديد على حماية المعرفة الجديدة والتكنولوجيات التي ينتجها القطاع العام.

·                   والتركيز على العلاقة بين حماية الملكية الفكرية والمعرفة التقليدية[17] والفولكلور والموارد الجينية.

·                   والتمديد الجغرافي للمعايير الدنيا لحماية الملكية الفكرية عن طريق اتفاقية "تريبس" (المرجو مراجعة المربّع صفر:1) وللمعايير الآعلى عن طريق التجارة الثنائية والاقليمية واتفاقيات الاستثمار.

·                   وتوسيع الحقوق المقصورة وتمديد مدة الحماية وتقوية آليات التطبيق.

 

المربّع صفر:1  منظمة التجارة العالمية واتفاقية "تريبس"

انبثقت الاتفاقية حول النواحي التجارية من حقوق الملكية الفكرية "تريبس" (TRIPS) (16) من دورة يوروغواي من المفاوضات التجارية التي انتهت في عام 1994. أحدث الفصل الأخير من تلك المفاوضات "منظمة التجارة العالمية" (WTO) ووضع قواعد – اتفاقيات منظمة التجارة العالمية بما فيها اتفاقية "تريبس" – التي يجب على الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية ان يلتزموا بها. ووضعوا أيضا نظاما لتسوية النـزاعات من أجل حلّ النـزاعات التجارية بين الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية. وفي شهر يناير/كانون الثاني من هذا العام كانت تنتمي الى منظمة التجارة العالمية 144 دولة يعود اليها أكثر من 90% من التجارة العالمية. وأكثر من 30 دولة أخرى تتفاوض حاليا للانضمام الى المنظمة.

 

وتملي اتفاقية "تريبس" على جميع الأعضاء في منظمة التجارة العالمية ان يوفروا الحد الأدنى من مقاييس الحماية لمجموعة واسعة من حقوق الملكية الفكرية بما فيها حقوق النشر والتأليف وبراءات الاختراع والعلامات التجارية والتصاميم الصناعية والمؤشرات الجغرافية وتوبوغرافيات شبه الموصّلات والمعلومات غير المفشي عنها. وبقيامها بذلك، تشمل اتفاقية "تريبس" شروطا مأخوذة من عدد كبير من الاتفاقيات الدولية للملكية الفكرية القائمة حاليا مثل ميثاقي باريس وبيرن اللذين تديرهما المنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO). ولكن، تدخل اتفاقية "تريبس" عددا من الالتـزامات الجديدة، ولا سيما في ما يتعلق بالمؤشرات الجغرافية وبراءات الاختراع والأسرار التجارية والتدابير المترتبة على كيفية تطبيق حقوق الملكية الفكرية.

 

وقد تأسست هيئة خاصة تعرف بـ "مجلس تريبس" يجلس فيه ممثل عن كل عضو في منظمة التجارة العالمية وهذا المجلس تأسس لادارة عملية اتفاقية "تريبس". و "مجلس تريبس" مسؤول عن مراجعة مختلف نواحي اتفاقية تريبس الواردة في الاتفاقية نفسها وكذلك تلك التي يتطلبها مؤتمر منظمة التجارة العالمية المنعقد على مستوى وزاري كل سنتين.

 

ومن بين المواضيع التي تطرقت اليها اتفاقية "تريبس" والتي أثارت المحادثات أكثر من غيرها ما يلي:

 

* ان كان يمكن تحقيق الهدف الوارد في المادة 7 من الاتفاقية بأنه يجب لحقوق الملكية الفكرية ان تساهم في نقل التكنولوجيا، ولا سيما بالنسبة للدول النامية الأعضاء في منظمة التجارة العالمية.

* التوترات الملاحظة بين المادة 8 التي تسمح للبلدان لتبني تدابير لازمة لحماية الصحة العامة ومنع انتهاكات حقوق الملكية الفكرية، شرط ان تكون منسجمة مع اتفاقية "تريبس"، والمتطلبات الأخرى الواردة في الاتفاقية. تشتمل هذه على المتطلبات لتوفير حماية لبراءة الاختراع للادوية، ووضع حدود على الشروط المترتبة على اصدار التراخيص الاجبارية (المادة 31) وعلى نطاق الشروط التي تتيح الاستثناءات لحقوق براءة الاختراع (المادة 30).

* المتطلب لحماية معطيات التجارب ضد "الاستعمال التجاري غير المنصف" في المادة 39.

* والتبرير لتوفير حماية اضافية للمؤشرات الجغرافية للنبيذ والكحول (المادة 23) وهل يجب تمديد تلك الحماية الاضافية لتغطية المؤشرات الجغرافية الأخرى او كلها.

* المدى الذي يجب فيه السماح ببراءات الاختراع المتعلقة بالأشكال الحية، مثل الصغيرة جداً (المادة 27-3(ب)) والمتطلّب لتوفير حماية الملكية الفكرية للنباتات. وفي هذا الصدد برزت مسألة انسجام اتفاقية "تريبس" مع اتفاقيات أخرى مثل "ميثاق التنوّع الاحيائي" (CBD).

* وكلفة تلبية متطلبات "تريبس" بالنسبة لعدد كبير من الدول النامية والأقل نموا الأعضاء في منظمة التجارة العالمية فيما يتعلق بادارة حقوق الملكية الفكرية وتطبيقها بفعالية.

 

وضعت اتفاقية "تريبس" موضع التنفيذ في 1 يناير/كانون الثاني عام 1995. أعطيت الدول التي اعتبرت دولا متقدمة مهلة عام واحد للالتـزام بالاتفاقية بينما أعطيت الدول النامية والدول الكائن اقتصادها في مرحلة انتقالية حتى 1 يناير/كانون الثاني عام 2000 بينما أعطيت الدول النامية اللازم عليها تمديد حماية براءات المنتجات الى مجالات جديدة مثل الادوية مهلة خمس سنوات أخرى قبل ان يتعيّن عليها ان تدخل في مثل تلك الحماية. ويتوقع من الدول الأقل نموا (LDCs) ان تضع اتفاقية "تريبس" موضع التنفيذ في بلدها مع حلول عام 2006 بينما أتاح لها الاعلان الوزاري المنبثق عن مؤتمر الدوحة حول اتفاقية تريبس والصحة العامة مهلة 10 سنوات أخرى فيما يتعلق بمستحضرات بالادوية.

 

وحيث تنشأ نـزاعات حول تفسير اتفاقية تريبس وتنفيذها بموجب القوانين الوطنية، يمكن للأعضاء ان يرفعوا تلك القضايا للبت فيها من قبل "هيئة تسوية النـزاعات" (DSB) التابعة لمنظمة التجارة العالمية. وحتى الآن رفعت 24 قضية تتعلق باتفاقية تريبس استحضروا فيها اجراءات النـزاعات. ومن تلك القضايا 23 منها رفعتها دول نامية وواحدة رفعتها البرازيل. و 16 قضية تناولت نـزاعات بين دول نامية، و سبع منها رفعتها دول متقدمة ضد دول نامية وقضية رفعتها البرازيل ضد الولايات المتحدة. ومن القضايا الـ 24 تمت تسوية عشرة منها بالتراضي وسبع عالجتها لجان تشكّلت بموجب اجراءات الاتفاقية وسبع منها تنتظر البت والتسوية.

 

والقلق حول تشغيل نظام الملكية الفكرية وتمديد حقوق الملكية الفكرية لا يقتصر على تطبيق تلك الحقوق على الدول النامية. هناك حاليا تحقيقان هامان جاريان في الولايات المتحدة، واحد من قبل الأكاديميات الوطنية للعلوم والآخر من قبل وزارة العدل واللجنة الفدرالية للتجارة، وهما يبحثان في هذه المسألة المهمة.[18] والقلق يتركّز على الزيادة المتسارعة في طلبات تسجيل البراءات في الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة (زيادة بلغت أكثر من

50% في السنوات الخمسة الماضية) والانطباع بأنه يجري اصدار عدد كبير من براءات الاختراع ذات "الجودة المتدنية" والنطاق الواسع. وهناك تخوّف كبير بأنه يجري منح العديد من براءات الاختراع او يمكن منحها لأمور ذات أهمية قليلة. مثلا، بالنسبة لصناعة الادوية قد يعني ذلك اطالة الاحتكارات على أدوية قيّمة. وقد تمنح البراءات أيضا في بعض الدول لمواد بيولوجية على أساس انه جرى عزلها من الطبيعة، وذلك اذا تعرفوا على عمل او منفعة محتملة لها. والمدى الذي يمكن فيه لمثل تلك الممارسات ان تؤثر على المنافسة بجعله من الصعب على المخترعين المنافسين ان يبيعوا منتجات منافسة او أغلى ثمنا بالنسبة للمستهلكين، وهو أمر يثير القلق والنقاش المتنامي. وهناك نقاش واسع عن تأثير ذلك على الأبحاث ولا سيما في مجال برامج الحاسب الالي والتكنولوجيا الاحيائية، حيث يمكن للبراءات التي يجري الحصول عليها في مرحلة مبكرة من عملية الأبحاث ان تشكّل عائقا على مسار الأبحاث وفي استغلالها تجاريا بعد ذلك.

 

وفي مقال هام طلع العالم البيولوجي غاريت هاردين[19] بعبارة "مأساة الموارد الشائعة" لتفسير كيف يجري استغلال الموارد الشائعة أكثر مما ينبغي في غياب القواعد المترتبة على استخدامها. ويقال بأن تكاثر حقوق الملكية الفكرية في بعض المجالات مثل الأبحاث في الطب الحيوي قد يبرز احتمال نشوء "مأساة مختلفة، ضد الموارد الشائعة بحيث يستخدم الناس الموارد النادرة استخداما قليلا لأنه يمكن لعدد كبير من مالكي حقوقها ان يعيقوا بعضهم البعض بالتنافس عليها... وهكذا يمكن لحقوق الملكية الفكرية الزائدة ان تؤدي الى فائدة أقل مما يجب لتحسين صحة البشر".[20] يمكن للشركات الآن ان تتكبد تكاليف باهظة، بالوقت والمال، لمعرفة كيف يمكنها ان تقوم بالأبحاث من دون انتهاك حقوق البراءة للشركات الأخرى، او في الدفاع عن حقوق براءاتها ضد الشركات الأخرى. وهنا يطرح السؤال. هل التكاليف الباهظة في البحث بالبراءات وفي التحليل وفي المقاضاة القانونية هو ثمن ضروري للحوافز التي يوفرها نظام البراءات او يمكن ايجاد طرق أخرى لتقليلها؟

 

والأمور ليست مقتصرة على براءات الاختراع. ففي القرن الماضي تم تمديد في الولايات المتحدة مدة حقوق النشر والتأليف من 28 عاما (قابلة للتجديد لمدة 28 عاما آخر) بموجب قانون حقوق النشر والتأليف الصادر عام 1909 الى 70 عاما بعد وفاة المؤلف او 95 عاما من تاريخ النشر (تمشيا مع الممارسة الاوروبية). والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يمكن لتمديد الحماية ان تعتبر حقا بأنها تعزز الحوافز للابتكار في المستقبل ام انها تعزز قيمة الابتكارات الحالية فقط؟ في عام 1998 أصدر الكونغرس الأمريكي قانون حقوق النشر والتأليف للألفية الرقمي الذي يمنع، من بين أمور أخرى، التغلّب بالحيلة او المراوغة على الحماية التكنولوجية (أي التشفير). وفي اوروبا يتطلب "توجيه قاعدة المعطيات" ان تقوم جميع الدول الأعضاء بتوفير حماية ضريبية sui generis لأية مجموعة من المعطيات تكون مرتبة بطريقة نظامية ان كانت المعطيات بحد ذاتها أصلية ام لا. حتى الآن لم تتبع الولايات المتحدة هذا الاسلوب في التعامل بالموضوع. وهناك قلق متنامي من ان الحماية تحت تأثير الضغوط التجارية غير الممنوعة بشكل كاف باعتبارات المصلحة العامة، يجري تمديدها من أجل حماية قيمة الاستثمارات بدلا من الحث على المزيد من الاختراع او الابتكار.

 

ونحن نعتقد بأن القلق من تأثير الملكية الفكرية في الولايات المتحدة وفي الدول المتقدمة الأخرى هو ذو أهمية أيضا بالنسبة للدول النامية. ولكننا نعتبر أن تكاليف وضع نظام "خاطىء" للملكية الفكرية في دولة نامية من المحتمل ان تكون أكثر من تكاليفها في الدول المتقدمة. اذ لدى معظم الدول المتقدمة أنظمة متطوّرة من قواعد المنافسة تضمن عدم تأثير أية حقوق احتكارية تأثيرا غير ملائم على المصلحة العامة. في الولايات المتحدة وفي الدول الأعضاء في الاتحاد الاوروبي مثلا، تلك الأنظمة هي قوية بصورة خاصة وموطدة الأركان. ولكن في معظم الدول النامية فان الأمر ليس كذلك الأمر الذي يجعل مثل تلك الدول معرضة بصورة خاصة الى أنظمة غير ملائمة للملكية الفكرية. ونحن نرى بأنه يمكن للدول النامية ان تتعلم من خبرة الدول المتقدمة في استنباط أنظمتها الخاصة للملكية الفكرية التي تكون مناسبة لنظامها القانوني الخاص ولوضعها الاقتصادي.

 

وعدا عن تأثير قواعد الملكية الفكرية المحلية داخليا على الدولة النامية هناك أيضا تأثيرات غير مباشرة لنظام الملكية الفكرية في الدولة المتقدمة على الدول النامية. وفي عصر الحاسب الآلي فان القيود على حرية الحصول على المواد والمعطيات عن طريق الانترنت تؤثر على الجميع. يمكن، مثلا، ان يمنع العلماء في الدولة النامية من الحصول على المعطيات المحمية او ان لا تكون لديهم الموارد الكافية للقيام بذلك. اذ يمكن عرقلة الأبحاث حول الأمراض الهامة او حول المحاصيل الجديدة التي تؤثر على الدول النامية، وبينما هي تجري في الدول المتقدمة، او ترويجها بواسطة نظام الملكية الفكرية. ويمكن لنظام الملكية الفكرية في الدول النامية ان يوفر حوافز قوية للقيام بأنواع معيّنة من الأبحاث التي تفيد الناس في الدول المتقدمة وبالتالي ابعاد الموارد عن القيام بأعمال لحل مشاكل ذات أهمية عالمية. ويمكن للممارسة في الدول المتقدمة ان تسمح بالتسجيل ببراءة المعرفة او الموارد الجينية الناشئة أصلا في الدول النامية بدون ترتيبات مسبّقة لتقاسم أية فوائد من استغلال تلك المعرفة او الموارد تجاريا. وفي بعض الحالات يمكن تقييد صادرات الدول النامية الى الدول المتقدمة نتيجة لمثل تلك الحماية.

 

ومن الأهمية بالتساوي بالنسبة للدول النامية أيضا الاتجاه المستمر نحو التوافق العالمي على حماية الملكية الفكرية. والحركة نحو التوافق ليست حركة جديدة اذ هي جارية منذ أكثر من مائة عام. ولكن اتفاقية "تريبس"، التي أصبحت سارية المفعول في عام 1995، مع مراعاة فترات انتقالية محددة،  (المرجو مراجعة المربّع صفر:1) قد جعلت المقاييس الدنيا لحماية الملكية الفكرية الزامية على الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية. ولكن اتفاقية "تريبس" ما هي الا عنصر واحد في عملية التوافق الدولي. وهناك مباحثات مستمرة في المنظمة العالمية للملكية الفكرية غايتها المزيد من التوافق في نظام البراءات التي قد تحل محل اتفاقية "تريبس". وعلاوة على ذلك، فان التجارة الثنائية او الاقليمية واتفاقيات الاستثمار بين الدول المتقدمة والدول النامية كثيرا ما تشمل التـزامات متبادلة لتنفيذ أنظمة الملكية الفكرية التي تتجاوز المعايير الدنيا التي وضعتها اتفاقية "تريبس". وهكذا هناك ضغط مستمر على الدول النامية لرفع مستويات حماية الملكية الفكرية في أنظمتها وذلك بناء على المعايير القائمة في الدول المتقدمة.

 

وقد اندهشنا من طبيعة الأمور المشكوك بأمرها للقدر الكبير من الأبحاث الاقتصادية المكرّسة لتوضيح تأثير حقوق الملكية الفكرية حتى في الدول المتقدمة. هناك الشيء الكثير غير أكيد وبالنظر الى طبيعة الموضوع يمكن ان يبقى كذلك. اذ كثيرا ما يكون تأثير حقوق الملكية الفكرية مشروطا بظروف معيّنة وبالسياق. ولهذا السبب يبقى عدد كبير من المراقبين الأكاديميين متأرجحين في الرأي باصرار حول ما اذا كانت الفوائد الاجتماعية من حقوق الملكية الفكرية تفوق تكاليفها. وفيما يلي مثال نموذجي على ذلك:

 

"من المستحيل تقريبا ان نتصوّر أية مؤسسة اجتماعية متواجدة حاليا (نظام البراءات) فيها أخطاء في هذا العدد من النواحي. فهي باقية فقط لأنه لا يبدو ان هنالك أفضل منها".[21]

 

وبالنسبة للدول النامية علّقت تقارير عديدة أصدرتها وكالات دولية في الآونة الأخيرة على التأثير المحتمل لعولمة حماية الحقوق الفكرية على الدول النامية.[22] تعكس كل تلك التقارير مدى القلق من تكبّد التكاليف الباهظة وبأن الفوائد بالنسبة لعدد كبير من الدول من الصعب تحديدها.

 

مهمتنا

 

نحن نعتبر بأن تشكيل لجنتنا هو دليل على حساسية الحكومة البريطانية لهذا القلق. وفي ضوء ذلك، فان مهمتنا الأساسية هي دراسة ما اذا كان بامكان القواعد والمؤسسات الخاصة بحماية الملكية الفكرية حسب تطورها حتى تاريخه ان تساهم في التنمية وفي تخفيض الفقر في الدول النامية.

 

ونبتدىء بالقول بأن حماية ما للملكية الفكرية هي مناسبة لمرحلة ما من نمو الدول النامية مثلما كانت تاريخيا بالنسبة للدول المتقدمة. لا شك أبدا من انه يمكنها ان تساهم مساهمة هامة في الأبحاث وفي الابتداع في الدول النامية، ولا سيما في بعض الصناعات مثل صناعة الادوية والمواد الكيماوية. يتيح النظام الحافز للأفراد وللشركات للاختراع ولتطوير تكنولوجيات جديدة يمكنها ان تفيد المجتمع. ولكن الحوافز تعمل بشكل مختلف اعتمادا على ما اذا كانت هناك القدرات للاستجابة اليها. وبمنح الحقوق المقتصرة فهي تفرض تكاليف على المستهلكين وعلى المستعملين الآخرين للتكنولوجيات المحمية ببراءة. وفي بعض الحالات، تعني الحماية بأنه يتعذّر على المستهلكين او المستعملين المحتملين دفع الأسعار التي يطلبها مالكو الملكية الفكرية وبالتالي فهم يحرمون من الحصول على الابتكارات التي وضع نظام الملكية الفكرية من أجل توفيرها. ويتفاوت ميزان التكاليف والفوائد وفقا لكيفية تطبيق الحقوق وللظروف الاقتصادية والاجتماعية. مقاييس حماية الملكية الفكرية التي قد تكون مناسبة للدول المتقدمة قد تفرض تكاليف أكبر من الفوائد عند تطبيقها في الدول النامية التي تعتمد الى حد بعيد على المعرفة او على المنتجات التي تشمل المعرفة المتولدة في مكان آخر من أجل تلبية حاجاتها الأساسية وتعزيز تنميتها.

 

طبيعة حقوق الملكية الفكرية

 

يرى البعض حقوق الملكية الفكرية بصورة رئيسية على انها حقوق اقتصادية او تجارية بينما يراها الآخرون على انها شبيهة بالحقوق السياسية او حقوق الانسان. تعاملهم اتفاقية "تريبس" بموجب المفهوم السابق وبنفس الوقت تعترف بالحاجة الى ايجاد توازن بين حق المخترعين والمبتكرين في الحماية وحقوق المستعملين للتكنولوجيا (المادة 7 من اتفاقية تريبس). للاعلان العام لحقوق الانسان تعريف أوسع اذ هو يعترف بـ "الحق في حماية المصالح الأخلاقية والمادية الناجمة عن أي انتاج علمي او أدبي او فني يكون الشخص مؤلفه" مع مراعاة في كفة الميزان الأخرى "الحق... في حصة في التطوّر العلمي وفي فوائده".[23]  المسألة المهمة هي التوفيق بين المصلحة العامة في الحصول على المعرفة الجديدة وعلى منتجات المعرفة الجديدة من جهة والمصلحة العامة في الحث على الاختراع والابتكار اللذان ينتجان المعرفة الجديدة والمنتجات التي قد يعتمد عليها التقدّم المادي والثقافي من جهة أخرى.

 

تكمن الصعوبة في ان نظام الملكية الفكرية يسعى الى هذا التوفيق بمنح حق خاص وفوائد المواد الخاصة. وهكذا فان حق (الانسان) في حماية "المصالح الأخلاقية والمادية للمؤلفين" مرتبط ارتباطا تاما بالحق في فوائد المواد الخاصة الناجمة عن تلك الحماية. ويستمد المبدع او المخترع الفائدة الخاصة على حساب المستهلك. وعندما يكون المستهلك فقيرا قد يتعارض ذلك مع حقوق الانسان الأساسية، مثلا، الحق في الحياة. ولا يسمح نظام الملكية الفكرية، كما هو مبيّن في اتفاقية تريبس،، الا في طرق ضيّقة نوعا ما، التمييز بين السلع اللازمة للحياة او للتعليم من ناحية وبين السلع الأخرى مثل الأفلام او الوجبات السريعة من ناحية أخرى.

 

وهكذا نحن نرى بأن الحق في الملكية الفكرية يجب ان يرى كأحد الأساليب التي يمكن بموجبها للأمم والمجتمعات ان تساعد في تشجيع تحقيق حقوق الانسان الاقتصادية والاجتماعية. وبوجه خاص، لا توجد أية ظروف يجب فيها اخضاع حقوق الانسان الجوهرية الى متطلبات حماية الملكية الفكرية. حقوق الملكية الفكرية تمنحها الدول لأزمنة محدودة (على الأقل بالنسبة لبراءات الاختراع وحقوق النشر والتأليف والتأليف) بينما حقوق الانسان هي حقوق شاملة وغير قابلة للتحويل.[24]

 

تعتبر حقوق الملكية الفكرية عموما في هذه الأيام على انها حقوق اقتصادية وتجارية مثل ما هو الحال بالنسبة لاتفاقية "تريبس"، وكثيرا ما تملكها الشركات وليس المخترعون الأفراد. ولكن وصفها على أنها "حقوق" يجب ان لا يخفي المعضلة الحقيقية جدا الناجمة عن تطبيقها في الدول النامية حيث يمكن ان تكون التكاليف الاضافية التي تفرضها على حساب مستلزمات الحياة الأساسية للفقراء.

 

وبغض النظر عن العبارة التي تستخدم لها فنحن نفضل ان نعتبر حقوق الملكية الفكرية بمثابة آليات في السياسة العامة تمنح امتيازات اقتصادية للأفراد او المعاهد فقط لأغراض المساهمة في الخير العام الأوسع. وهكذا فان هذا الامتياز هو وسيلة لتحقيق غاية وليس غاية في حد ذاته.

 

وهكذا عندما نقيّم قيمة حماية الملكية الفكرية فيمكننا مقارنتها بدفع الضرائب. قلما يوجد من يدعي انه كلما ازدادت الضرائب كلما كان ذلك أفضل لنا. ومع ذلك هناك نزعة عند البعض لمعاملة حماية الملكية الفكرية على انها أمر حسن. ويمكن ان تكون الزيادة في الضرائب أمر مستحسن فيما لو قدّمت الخدمات العامة التي يقدّرها المجتمع أكثر من كلفة دفع الضرائب المباشرة وغير المباشرة. ولكن يمكن ان يكون الانخفاض في دفع الضرائب مفيدا أيضا اذا كانت الضرائب الباهظة من شأنها ان تضرّ النمو الاقتصادي. وعلاوة على ذلك يمضي الاقتصاديون والسياسيون قسطا كبيرا من الوقت في دراسة ما اذا كانت بنية النظام الضريبي هي البنية المثلى. فهم يتساءلون: هل ضرائب الضمان الاجتماعي الثقيلة تلحق الضرر بسبل التوظيف؟ وهل الفوائد الضريبية المعيّنة تخدم غرضها المعدة له او انها تقدم مجرد العون المالي لمستلميها للقيام بما هم يقومون به حاليا؟ وهل تأثير نظام الضرائب على توزيع الدخل هو مرغوب فيه من الوجهة الاجتماعية؟

نحن نعتقد بأن هناك أسئلة مشابهة علينا ان نطرحها بخصوص الملكية الفكرية. كم منها هو مفيد؟ كيف يجب تشكيل بنيتها؟ كيف تتفاوت البنية المثلى اعتمادا على قطاعات ومستويات التنمية؟ وعلاوة على ذلك حتى وان حصلنا على مستوى وبنية الحماية الصحيحة فمن أجل موازنة الحافز للاختراع والابتكار موازاة بتكاليفه للمجتمع علينا ان نفكر مليا في كيفية توزيع المكاسب.

التقاسم العادل للفوائد والتكاليف

الأثر الفوري لحماية الملكية الفكرية هي انها تفيد ماليا الحائزين على المعرفة وقوة الاختراع وتزيد تكاليف الحصول عليها من قبل اولئك الذين لا يملكون المعرفة وقوة الاختراع. فمن الواضح ان ذلك له صلة وثيقة بتوزيع المكاسب بين الدول المتقدمة والدول النامية. اذ حتى وان كانت هناك مكاسب اقتصادية للعالم أجمع من تمديد الحماية، وهو أمر موضع جدل، فان نتائج توزيعه بالنسبة للدخل قد لا تتفق مع حسّنا بالعدل والانصاف. ففي غالبية الدول النامية التي تتميّز بنياتها التحتية العلمية والفنية بالضعف، فان الفوائد المنطوية على الحافز على الابتكار الوطني ستكون خفيفة ومع ذلك عليها ان تواجه التكاليف الناجمة عن حماية التكنولوجيات (الأجنبية بصورة رئيسية). وهكذا فلن يجري التوزيع بعدل وانصاف تكاليف وفوائد النظام ككل.

 

وان لم يكن للدول النامية قاعدة تكنولوجية قوية يمكنها ان تستفيد من حماية الملكية الفكرية فلديها موارد جينية ومعرفة تقليدية ثمينة لها وللعالم أجمع على حد سواء. فهذه ليست بالضرورة موارد من موارد الملكية الفكرية بالمعنى الذي تفهمه الدول المتقدمة ومع ذلك فهي بكل تأكيد موارد يمكن على أساسها احداث الحماية للملكية الفكرية وفي الواقع حدث ذلك. هذا الأمر يبرز عددا من المسائل الصعبة حول ما اذا وكيف يجب ان تتفاعل تلك الموارد مع نظام الملكية الفكرية "الحديث"، وتقييمها بموجبه، ومدى حاجة تلك الموارد وتلك المعرفة لحمايتها ذاتيا (وليس فقط في معنى الملكية الفكرية)، وكيف يمكن تقاسم بعدل وانصاف الفوائد التجارية الناجمة عن تلك الموارد.

 

وتتيح الانترنت أيضا فرصا عظيمة للحصول على المعلومات التي تتطلبها الدول النامية، ولا سيما العلماء والباحثون، الذين يمكن ان تكون حرية حصولهم على المواد المكتوبة محدودة بسبب الافتقار الى الموارد المادية. ولكن هناك قلق من ان بعض اشكال التشفير (او "ادارة الحقوق الرقمية")، المعدة لمكافحة النسخ الواسع الانتشار، ان تجعل تلك المواد صعبة المنال مما هو الحال الآن بالمواد المطبوعة. ان مثل تلك الاتجاهات تعرّض للخطر مفهوم "الاستخدام المنصف"[25] (والمبادىء المشابهة) مثلما هي تنطبق حاليا على المواد المطبوعة، وفي الحد الأقصى يمكنها ان تصبح ما يساوي الحماية الأبدية لحقوق النشر والتأليف بوسائل تكنولوجية بدلا من الوسائل القانونية.

 

كيف يجب وضع سياسة الملكية الفكرية

 

بالنظر الى وجود هذا القدر الكبير من الشكوك والجدل حول التأثير العالمي لحقوق الملكية الفكرية، فاننا نعتقد بأنه من واجب واضعي السياسة ان يأخذوا بعين الاعتبار الأدلة المتوفرة، على الرغم من عدم كمالها، قبل توسيع نطاق او المدى الجغرافي لحقوق الملكية الفكرية.

 

كثيرا ما نجد بأن مصالح "المنتج" هي المهيمنة عند تطوير سياسة الملكية الفكرية وبأن مصالح المستهلك في نهاية الأمر لا تسمع ولا يؤخذ لها حساب. وهكذا يجري وضع السياسة بناء على مصالح المستعملين التجاريين للنظام بدلا من وضعها على أساس المصلحة العامة الكبرى. وفي المحادثات بخصوص حقوق الملكية الفكرية بين الدول المتقدمة والدول النامية هناك عدم توازن مشابه لذلك. وزارات التجارة في الدول المتقدمة تتأثر بصورة رئيسية بمصالح المنتج وهي ترى فوائد له من حماية قوية للملكية الفكرية في أسواق التصدير بينما لا يمكن للأمم المستهلكة، وهي في غالبيتها الدول النامية، ان تحدد وتمثّل مصالحها ازاء مصالح الأمم المتقدمة.

 

وهكذا فاننا نعترف بأن قواعد وممارسات الملكية الفكرية وكيفية تطورها هي حصيلة الاقتصاد السياسي. وهكذا تتفاوض الدول النامية، ولا سيما المستهلكين الفقراء للمنتجات التي تكون محمية بحقوق الملكية الفكرية، من موقع ضعيف نسبيا. هناك عدم تناسق جوهري في العلاقات بين الدول المتقدمة والدول النامية مبنية في آخر المطاف على قوتها الاقتصادية النسبية.

 

المفاوضات حول اتفاقية "تريبس" في دورة يوروغواي ما هي الا مثال واحد على ذلك. الدول النامية قبلت باتفاقية "تريبس" ليس لأنه في ذلك الوقت كان تبني حماية الملكية الفكرية عاليا في قائمة أولوياتها بل لأنها اعتقدت بأن الرزمة الكاملة المعروضة عليها، بما فيها تخفيض الحماية التجارية في الدول المتقدمة، ستكون مفيدة لها. اما الآن يشعر الكثير منها بأن الالتـزامات التي أخذتها الدول المتقدمة على عاتقها لتحرير الزراعة والأنسجة وتخفيض التعرفة، لم تحترمها او تنفّذها، بينما على الدول النامية ان تعيش تحت أعباء اتفاقية "تريبس". وتعترف الاتفاقية حول "تطوّر" جديد تم الوصول اليه في دورة الدوحة من مؤتمر منظمة التجارة العالمية في العام الماضي بأنه هناك حاجة الى تفسير تلك الصفقة بين الدول المتقدمة والدول النامية وجعلها ذات معنى.

 

الصعوبة بالنسبة للدول النامية في هذا الصدد هي انها دول "تأتي في المرتبة الثانية" في عالم شكلته الدول التي أتت قبلها ولهذا السبب فان العالم يختلف اختلافا كبيرا مما كان عليه عندما تطوّرت الدول التي سبقتها. اننا نعيش في عصر العولمة أصبح فيه الاقتصاد العالمي اكثر اندماجا مما كان عليه في السابق. ومن المعروف في المجتمع الدولي ان الاندماج في الاقتصاد العالمي بناء على شروط مناسبة هو شرط ضروري للتنمية. والسؤال بالنسبة لنا هو: ما هي الشروط المناسبة لذلك الاندماج في مجال حقوق الملكية الفكرية؟ اذ مثلما قامت الدول المتقدمة الآن بتشكيل أنظمتها للملكية الفكرية لتناسب ظروفها الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية الخاصة، يجب ان تتوفر الآن من حيث المبدأ الامكانية للدول النامية لتقوم بالمثل.

 

وهكذا فنحن نستخلص بالقول بأنه هناك حاجة تدعو الى ايلاء انتباه أكبر الى حاجات الدول النامية عند وضع السياسة الدولية المترتبة على الملكية الفكرية. وانسجاما مع القرارات الأخيرة التي اتخذها المجتمع الدولي في اجتماعاته في الدوحة ومونتري، يجب دمج أهداف التنمية عند وضع قواعد وممارسة الملكية الفكرية. وفي مونتري في شهر مارس/آذار 2002 رحّبت الحكومات بـ "القرارات التي اتخذتها منظمة التجارة العالمية لوضع حاجات ومصالح الدول النامية في صميم برنامج عملها". وهي اعترفت بقلق الدول النامية بما في ذلك قلقها مما يلي:

 

 "عدم الاعتراف بحقوق الملكية الفكرية لحماية المعرفة التقليدية والفولكلور؛ نقل المعرفة والتكنولوجيا؛ وتطبيق وتفسير الاتفاقية حول النواحي التجارية من حقوق الملكية الفكرية باسلوب يدعم الصحة العامة..."[26]

 

نحن نعتقد بأن ذلك هو جدول أعمال جيد ولكنه منحاز. هناك الشيء الكثير الذي يجب التفكير به وعمله عند دراسة تأثير النظام القائم على الدول النامية. نحن نعتقد بأنه يمكن لأنظمة الملكية الفكرية، ان لم نكن حذرين، ان تدخل تشوّهات يمكنها ان تضر بمصالح الدول النامية. يمكن للمستويات "العالية" جدا من الحماية ان تكون في المصلحة العامة في الدول المتقدمة التي تتمتع ببنيات تحتية علمية وتكنولوجية متطوّرة للغاية (مع انه من الجدير بالملاجظة بأن ذلك مثير للجدل من نواح عديدة)، ولكن ذلك لا يعني بأن المستويات ذاتها هي مناسبة في جميع الدول النامية. في الواقع اننا نعتبر بأنه على الدول النامية ان تولي اهتماما أكبر الى التوفيق بين مصلحتها الذاتية التجارية كما تراها، مع مصلحتها في تخفيض الفقر في الدول النامية.

2 Paragraphs on P10 of the English text are missing here

لقد حددنا عددا من القضايا الرئيسية بالنسبة للدول النامية والتي نعالجها في الفصول التالية وهي:

 

·                   ماذا يمكننا ان نتعلمه من الأدلة الاقتصادية والتجريبية حول أثر الملكية الفكرية في الدول النامية؟ وهل تحمل الخبرة التاريخية لدى الدول المتقدمة أية دروس يمكن للدول النامية ان تتعلم منها في الوقت الحاضر؟ وكيف يمكن تسهيل نقل التكنولوجيا الى الدول النامية؟ (الفصل الأول)

·                   كيف يساهم نظام الملكية الفكرية في تطوير الأدوية التي يحتاج اليها الفقراء؟ وكيف يؤثر على حصول الفقراء على الأدوية ويؤثر على توفرها؟ وماذا يعني ذلك لقواعد وممارسات الملكية الفكرية؟ (الفصل الثاني)

·                   هل يمكن لحماية الملكية الفكرية الخاصة بالنباتات والموارد الجينية ان تفيد الدول النامية والفقراء؟ ما هو نوع الأنظمة التي يجب ان تأخذها الدول النامية بعين الاعتبار لحماية أنواع النباتات وبنفس الوقت حماية حقوق المزارعين؟ (الفصل الثالث)

·                   كيف يمكن لنظام الملكية الفكرية ان يساهم في مبادىء حرية المنال والفوائد المكرّسة في ميثاق التنوّع الاحيائي (CBD)؟ هل يمكنه ان يساعد في حماية او تشجيع المعرفة التقليدية والتنوّع الاحيائي والتعابير الثقافية؟ وهل يمكن لتمديد المؤشرات الجغرافية (27) (GIs) ان تفيد الدول النامية؟ (الفصل الرابع)

·                   كيف تؤثر حماية حقوق النشر والتأليف والتأليف على حرية الدول النامية للحصول على المعرفة والتكنولوجيات والمعلومات التي هم بحاجة اليها؟ وهل يمكن لحماية الملكية الفكرية او الحماية التكنولوجية ان تؤثر على القدرة على الوصول الى الانترنت؟ وكيف يمكن استعمال حقوق النشر والتأليف والتأليف لدعم الصناعات المبتكرة في الدول النامية؟ (الفصل الخامس)

·                   وكيف يترتب على الدول النامية ان تعد تشريعاتها وممارساتها المتعلقة ببراءات الاختراع؟ هل يمكن للدول النامية ان تعد تشريعاتها بطرق يمكن بموجبها ان تتجنّب بعض المشاكل التي قد حدثت في الدول المتقدمة؟ ما هو أفضل موقف يمكن للدول النامية ان تتخذه في ما يتعلق بانسجام براءات الاختراع؟ (الفصل السادس)

·                   ما هي المؤسسات التي تحتاج اليها الدول النامية لادارة وتطبيق وتنظيم الملكية الفكرية بكفاءة وكيف يمكن تأسيس تلك المؤسسات؟ ما هي السياسات والمؤسسات المكملة اللازمة، ولا سيما فيما يتعلق بالمنافسة؟ (الفصل السابع)

·                   هل المؤسسات الدولية والوطنية المشمولة في حقوق الملكية الفكرية فعالة كما يجب في مصلحة مصالح الدول النامية؟ (الفصل الثامن)

_______________________________________________________

(1) البنك العالمي (2001) "التوقعات الاقتصادية العالمية والدول النامية 2002: جعل التجارة تعمل لصالح فقراء العالم"، البنك العالمي، واشنطن، الصفحة 30 المصدر:

http://www.worldbank.org/prospects/gep2002/full.htm

(2) حملة الايدز ومنظمة الصحة العالمية (2001) "أحدث المعلومات عن وباء الايدز" UNAIDS/WHO، جنيف، المصدر:

http://www.unaids.org/worldaidsday/2001/Epiupdate2001/Epiupdate2001 en.pdf

 (3) منظمة الصحة العالمية (2001) "تقرير عن الصحة العالمية 2001"، منظمة الصحة العالمية، جنيف، ملحق احصائيات، الجدول الثاني. "الوفيات حسب السبب والجنس وعدد الوفيات في سنين معيّنة في المناطق التي تغطيها منظمة الصحة العالمية، التقديرات لعام 2000". المصدر:

http://www.who.int/whr/2001/main/en/pdf/annex2.en.pdf

(4) معلومات من البنك العالمي. المصدر: http://www.developmentgoals.org/HivAids.htm

(5) منظمة الصحة العالمية (2001).

(6) معلومات من البنك العالمي. المصدر: http://www.developmentgoals.org/education.htm

(7) معلومات من البنك العالمي. المصدر: http://www.worldbank.org/data/databytopic/GDP.pdf.. نحدد في هذا التقرير على ان الدول النامية هي تلك الدول التي صنفها البنك العالمي على انها دول ذات دخل منخفض او ذات دخل متوسط الانخفاض ودول ذات دخل متوسط الارتفاع. المصدر:

http:www.worldbank.org/data/countryclass/classgroups.htm

(8) المرجو مراجعة الملاحظة 12 أدناه.

(9) بلغت مصاريف منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في عام 1999 553 بليون دولار أمريكي. منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (2001) "لوحة الاحصاءات للعلوم والتكنولوجيا والصناعة 2001 – نحو اقتصاد مبني على المعرفة"، اعداد منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، باريس. المصدر:

http://www1.oecd.org/publications/e-book/92-2001-04-1-2987/A.2.htm . كان دخل الهند الوطني 440 بليون دولار. معلومات من البنك العالمي. المصدر: http://www.developmentgoals.org/Data.htm

(10) أحد مقاييس القدرات التكنولوجية هو عدد براءات الاختراع الأمريكية التي تصدر سنويا. ومن بين الدول النامية التي تم منحها أكثر من 50 براءة اختراع أمريكية في عام 2001 ما يلي: الصين 266؛ الهند 179؛ جنوب أفريقيا 137؛ البرازيل 125؛ المكسيك 87؛ الأرجنتين 58؛ ماليزيا 56. تلقت الصين (تايوان) 6545 وكوريا 3763 ولكن الدولتان لا تعتبران دولا نامية بموجب تصنيف البنك العالمي. المصدر:

all.pdf  http://www.uspto.gov/web/offices/ac/ido/oeip/taf/cst  

(11) تلقت هذه المنطقة 10 براءات اختراع أمريكية فقط في عام 2001. المصدر:

all.pdf  http://www.uspto.gov/web/offices/ac/ido/oeip/taf/cst 

(12) في عام 1994 بلغ حساب الصين 9ر4% من النفقات العالمية على الأبحاث والتطوير؛ والهند ودول آسيا الوسطى 2ر2%؛ وأمريكا اللاتينية 9ر1% ودول المحيط الهادىء وجنوب شرقي آسيا 9ر0% (باستثناء الدول الصناعية الجديدة) دول افريقيا جنوب الصحراء5ر0%. منظمة الاونسكو (1998) "التقرير العالمي للعلوم 1998"، منظمة الاونسكو، جنيف، الصفحات 20-21. المصدر:

pub/wsr98en.htm eng http://www.unesco.org/science/publication   

(13) المرجو مراجعة المربع صفر : 1

(14) التوجيه 98/44/EC الصادر عن البرلمان الاوروبي وعن المجلس في 6 يوليو/تموز 1998 حول الحماية القانونية للاختراعات البيوتكنولوجية، المجلة الرسمية ل 213، 30 يوليو/تموز 1998، الصفحات 13-21 . المصدر:

http://europa.eu.int/smartapi/cgi/sga

doc?smartapi!celexapi!prod!CELEXnumdoc&lg=EN&numdoc=31998L0044&model=guichett

(15) راجع شرح الكلمات للتعريف.

(16) يمكن ايجاد النص الكامل لاتفاقية "تريبس" على موقع الانترنت وعنوانه:

e/legal  e/27-trips.pdf  http://www.wto.org/english/docs

(17)  الأقل نموا هي الدول وعددها 49 المصنّفة كذلك من قبل الأمم المتحدة. ومن هذا العدد هناك 30 دولة منتسبة حاليا الى منظمة التجارة العالمية. للحصول على التفاصيل المرجو مراجعة:

http://www.unctad.org/en/pub/ldcprofiles2001.en.htm

(18) تحقيق جار مجراه في الأكاديميات الوطنية الأمريكية. المصدر:

Projects IPR Phase II Description.html  http://www7.nationalacademies.org/step/STEP

والتحقيق الثاني تقوم به لجنة التجارة الفدرالية الأمريكية ووزارة العدل حول العلاقة بين الملكية الفكرية وسياسة المنافسة. خطاب رئيس لجنة التجارة الفدرالية في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2001، "المنافسة وسياسة الملكية الفكرية: الطريق الى الأمام"، يعرض بدقة القلق الحالي بدقة متناهية. المصدر:

http://www.ftc.gov/speeches/muris/intellectual.htm

(19) n, G. (1968) "مأساة العلوم الشائعة"، المجلّد 162، الصفحات 1243-1248

(20) Heller.M. & Eisenberg, R. (1998) هل يمكن لبراءات الاختراع ان تردع الابتكار؟ مضادات العلوم الشائعة في الأبحاث البيوطبية"، مجلة العلوم، المجلّد 280، الصفحات 698-701ز المصدر:

http://www.sciencemag.org/cgi/content/full/280/5364/698

(21)  Jewkes, J., Sawers, D. & Stillerman, R. (1959) "مصادر الاختراع"، دار سانت مارتنز للنشر، نيويورك، الصفحة 255

(22) تشتمل هذه على ما يلي: تقرير مؤتمر الأمم المتحدة حول التجارة والتنمية (انكتاد) (UNCTAD) (1996) "اتفاقية تريبس والدول النامية"، انكتاد، جنيف، البرنامج التنموي الخاص بالأمم المتحدة (UNDP) "تقرير التنمية البشرية 2001" ، البرنامج التنموي الخاص بالأمم المتحدة، جنيف. المصدر: http://www.undp.org/hdr2001/ ؛ البنك العالمي (2001)، الفصل الخامس و Bystrom, M. & Einarsson, P. مستنسخ (2001) "اتفاقية تريبس: نتائجها على الدول النامية: آثارها على التعاون التنموي السويدي"، سيدا، ستكهولم. المصدر:

http://www.grain.org/docs/sida-trips-2001-en.PDF

(23) الأمم المتحدة (1948) "الاعلان العام حول حقوق الانسان"، الأمم المتحدة، جنيف، المادة 27. المصدر:

http://www.un.org/Overview/rights.html

(24) اللجنة الفرعية التابعة للأمم المتحدة حول تشجيع وحماية حقوق الانسان (2001) "حقوق الملكية الفكرية وحقوق الانسان"، الأمم المتحدة، جنيف، الصفحة 6، الفقرة 14، رقم الوثيقة E/CN.4/Sub.2/2001/12 . المصدر:

http://www.unhchr.ch/Huridocda.nsf/(Symbol)/E.CN.4.Sub.2.2001.12.En?Opendocument

(25) المرجو مراجعة شرح الكلمات للحصول على التعريف.

(26) اجماع مونتري، مارس/آذار 2002. المصدر: http://www.un.org/esa/ffd/aac257L13-E.doc

(27) المرجو مراجعة شرح الكلمات للحصول على التعريف.


الفصل الأول

 

الملكية الفكرية والتنمية

 

المقدمة

 

الملكية الفكرية هي شكل من أشكال المعرفة قررت المجتمعات ان تخصص لها حقوق ملكية معيّنة. فهي تشبه الى حد ما حقوق الملكية على العقار او الأرض. ولكن المعرفة هي أكثر الى حد بعيد من الملكية الفكرية. المعرفة مجسّدة بالناس وبالمؤسسات وبالتكنولوجيات الحديثة بطرق ترى منذ أمد بعيد بمثابة محرك رئيسي للنمو الاقتصادي. (1) هذا كان رأي ألفرد مارشال، الأب الراعي للاقتصاد الحديث، في القرن التاسع عشر.(2) ومع التقدمات العلمية الفنية في الآونة الأخيرة ولا سيما في التكنولوجيا الاحيائية والمعلومات وتكنولوجيات الاتصالات (ICTs) أصبحت المعرفة الى حد حتى أكبر من الماضي المصدر الرئيسي للأفضلية التنافسية بالنسبة للشركات والدول على حد سواء. فالتجارة بالسلع التي تتميّز بتكنولوجيا رفيعة والخدمات المبنية على المعرفة المكثّفة، والتي تكون فيها حماية الملكية الفكرية شائعة، تزداد نموا وبسرعة على صعيد التجارة الدولية. (3)

 

وفي الدول المتقدمة هناك أدلة دامغة تشير الى ان الملكية الفكرية كانت ولا تزال مهمة في تشجيع الاختراع في بعض القطاعات الصناعية، مع ان الأدلة حول أهميتها بالدقة في مختلف القطاعات غير معروفة بالتأكيد. مثلا، تشير الأدلة من الثمانينات من القرن الماضي بأن صناعات الادوية والمواد الكيماوية والبترول كانت من بين اوائل الصناعات التي اعترفت بضرورة نظام البراءات لتشجيع الاختراع.(4) وفي هذه الأيام يترتب على المرء ان يضيف اليها التكنولوجيا الاحيائية وبعض العناصر في تكنولوجيا الاعلام. واثبتت حقوق النشر والتأليف والتأليف ضرورتها في مجالات الموسيقى والأفلام والنشر.

 

وبالنسبة للدول النامية، مثلها مثل الدول المتقدمة من قبلها، فقد أثبت تطوّر القدرة التكنولوجية الأهلية بأنه العامل المقرر الرئيسي للنمو الاقتصادي وتقليل الفقر، اذ تقرّر تلك القدرة المدى الذي يمكن فيه لتلك الدول ان تستوعب التكنولوجيا الأجنبية وتطبقها. فقد توصّلت دراسات عديدة الى النتيجة القائلة ان العامل الأحادي المميّز أكثر من غيره الذي يقرّر نجاح نقل التكنولوجيا هو البروز الباكر للقدرة التكنولوجية الأهلية.(5)

 

ولكن الدول النامية تتفاوت تفاوتا كبيرا من حيث جودة وقدرة بنياتها الاساسية العلمية والفنية. وثمة دليل يستعمل عادة للقدرة التكنولوجية وهو عدد التسجيلات ببراءة في الولايات المتحدة وفي عدد الطلبات الدولية عن طريق معاهدة التعاون في براءات الاختراع (PCT).(6)  وفي عام 2001 منحت الولايات المتحدة أقل من 1% براءات اختراع للمتقدمين من الدول النامية وما يقرب من 60% منها جاء من سبع دول او أكثر من الدول النامية المتقدمة تكنولوجيا. (7) وفي معاهدة التعاون ببراءات الاختراع أتى أقل من 2% من الطلبات من الدول النامية في عام 1999-2001 وأكثر من 95% من تلك الطلبات جاء من مجرد خمس دول وهي: الصين والهند وجنوب أفريقيا والبرازيل والمكسيك. (8) وفي هذه الدول فان طلبات تسجيل البراءات، على الرغم من قلتها، تنمو أكثر من الطلبات التي تتلقاها معاهدة التعاون ببراءات الاختراع عموما. وبين عامي 1999 و 2001 ازدادت طلبات التسجيل بموجب معاهدة التعاون ببراءات الاختراع بنسبة 23% تقريبا ولكن ارتفع نصيب تلك الدول في العدد الاجمالي من 1% في عام 1999 الى 6ر2% في عام 2001. ومثل ما رأينا فان الانفاق على الأبحاث والتطوير مركز تركيزا شديدا في الدول المتقدمة وفي عدد قليل من الدول النامية المتقدمة تكنولوجيا. وهناك عدد قليل من الدول النامية قد تمكنت من تطوير قدرة تكنولوجية أهلية قوية. هذا يعني انه يصعب عليها تطوير تكنولوجيتها الخاصة بها او استيعاب التكنولوجيا من الدول المتقدمة.

 

والسؤال الحرج هو ما يلي: هل يمكن لتمديد أنظمة الملكية الفكرية ان تساعد الدول النامية في الحصول على مثل تلك التكنولوجيات ام لا؟ وهل يمكن لحماية حقوق الملكية الفكرية ان تساعد الدول النامية في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتخفيض الفقر وكيف يمكنها القيام بذلك؟ في هذا الفصل سنقوم بدراسة ما يلي:

 

·                   الأساس المنطقي لحماية الملكية الفكرية

·                   استعمال حماية الملكية الفكرية تاريخيا في الدول المتقدمة والدول النامية

·                   الأدلة المتوفرة عن تأثير الملكية الفكرية على الدول النامية

·                   الدور الذي يمكن للملكية الفكرية ان تلعبه في تسهيل نقل التكنولوجيا الى الدول النامية

 

المربّع 1:1 ما هي حقوق الملكية الفكرية؟

 

حقوق الملكية الفكرية (IP) هي الحقوق التي يمنحها المجتمع الى الأفراد او المنظمات بصورة رئيسية للأعمال الابتداعية وهي: الاختراعات والأعمال الأدبية والفنية والرموز والأسماء والصور والتصاميم المستعملة في التجارة. فهي تعطي المبتدع الحق في منع الآخرين من استعمال ملكيته استعمالا غير مصرح به لمدة محدودة من الوقت. والملكية الفكرية مصنّفة كما يلي: الملكية الصناعية (الابتكارات التجارية العملية) و الملكية الفنية والأدبية  (الابتداعات الثقافية). التطورات التكنولوجية الحالية تغبش، الى حد ما، على هذا التمييز وبدأت تبرز بعض الأنظمة الهجينية او الضريبية sui generis.

 

الملكية الصناعية

 

براءات الاختراع: براءات الاختراع هي حق مقتصر يمنح الى المخترع لمنع الآخرين من صنع او بيع او توزيع او استيراد او استعمال اختراعه من دون ترخيص او تصريح لمدة محددة من الوقت (تنص اتفاقية "تريبس" على مدة 20 عاما كحد أدنى من تاريخ تقديم الطلب). ومقابل ذلك يتطلب المجتمع من طالب براءاة الاختراع ان يفشي عن اختراعه باسلوب يسمح للآخرين بوضع اختراعه قيد العمل. ان هذا من شأنه ان يزيد من قدر المعرفة المتوفرة للقيام بالمزيد من الأبحاث. وبالاضافة الى افصاح كاف عن الاختراع هناك ثلاثة متطلبات أخرى (مع ان التفاصيل قد تختلف بين بلد وآخر) تقرّر امكانية تسجيل الاختراع ببراءاة وهي: الجدّة أي كون الشيء جديد او غير مألوف (خصائص جديدة ليست "فنا قديما")؛(9) وغير بديهي (خطوة مبدعة غير بديهية لشخص ماهر في هذا المجال)؛ والمنفعة (كما هي مستخدمة في الولايات المتحدة) او التطبيق الصناعي (كما هي مستخدمة في المملكة المتحدة). ونماذج المنفعة شبيهة ببراءات الاختراع ولكنها تمنح حقوقا قصيرة الأمد لبعض أنواع الابتكارات الصغيرة او التدريجية.

التصاميم الصناعية: التصاميم الصناعية تحمي النواحي الجمالية للشيء (الشكل والملمس والنقش واللون) بدلا من الخصائص الفنية. تنص اتفاقية "تريبس" بأن التصميم الأصلي يستحق الحماية من الاستخدام غير المصرّح به من قبل الآخرين لمدة 10 سنوات كحد أدنى.

 

العلامات التجارية: تمنح العلامات التجارية حقوقا مقتصرة على استخدام علامات مميّزة مثل الرموز او الألوان او الحروف او الأشكال او الأسماء لتحديد هوية صاحب المنتج وحماية سمعته الملازمة لذلك. وحتى تستحق الحماية يجب ان تكون العلامة مميّزة لصاحبها بحيث تحدد سلعه او خدماته. والغرض الرئيسي من العلامة التجارية هو منع تضليل او خداع الزبائن. ومدة الحماية تتفاوت ولكن يمكن تجديد العلامة التجارية الى أجل غير مسمى. وبالاضافة الى ذلك هناك عدد كبير من الدول توفر الحماية ضد المنافسة غير العادلة وأحيانا عن طريق منع اعطاء فكرة خاطئة عن مصدر التجارة بغض النظر عن تسجيل العلامة التجارية.

 

المؤشرات الجغرافية: المؤشرات الجغرافية (GIs) تحدد هوية المصدر الجغرافي المعيّن للمنتج والصفات والسمعة او الخصائص الأخرى الملازمة لذلك. وهذه مؤلفة عادة من اسم مكان المصدر. مثلا، تتميّز الأطعمة احيانا بميزات مستمدة من مكان انتاجها ومن عوامل بيئية محلية. المؤشرات الجغرافية تمنع الجهات غير المصرحة لها من استعمال مؤشر جغرافي محمي لمنتجات ليست من ذلك المصدر او تمنع تضليل الشعب حول المصدر الحقيقي للمنتج.

 

الأسرار التجارية: تتألف الأسرار التجارية من معلومات ثمينة تجاريا حول اساليب الانتاج ومخططات الأعمال التجارية والزبائن الخ. فهي محمية طالما هي سرية وذلك بموجب قوانين تمنع حيازتها بأساليب تجارية غير منصفة او بافشائها من دون تصريح.

 

الملكية الفنية والأدبية:

 

حقوق النشر والتأليف: حقوق النشر والتأليف والتأليف تمنح حقوقا مقتصرة للمبدعين لأعمال أدبية وعلمية وفنية أصيلة. حقوق النشر والتأليف والتأليف تمنع فقط النسخ وليس الاشتقاق المستقل. وحماية حقوق النشر والتأليف والتأليف تبدأ، بدون رسميات، ابتداء من ابتداع العمل وتدوم (كقاعدة عامة) طوال حياة المبدع بالاضافة الى 50 سنة (70 سنة في الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي). فهي تمنع الاستنساخ غير المصرّح به والأداء العام والتسجيل والاذاعة والترجمة او الاقتباس وتسمح بأخذ المال (الجعالة) (royalties) لقاء الاستعمال المصرّح به. برامج الحاسب الآلي محمية بحقوق النشر والتأليف والتأليف اذ جرى تعريف برامج الحاسب الآلي والشيفرة بمثابة تعبير أدبي.

 

أنظمة الحماية الضريبية  sui generis:

 

دوائر الحاسب الآلي الموحّدة: حماية ضريبية فريدة لتصميم دوائر الحاسب الآلي الموحّدة. وبما ان الخطوة الاختراعية كثيرا ما تكون في الحد الأدنى والمتطلب الوحيد هو الابتداع فان فترة الحماية الدنيا بموجب اتفاقية "تريبس" هي 10 سنوات.

 

حقوق مربّي النباتات: تمنح حقوق مربي النباتات (PBRs) الى مربي أنواع النباتات الجديدة والمميّزة والمتّسقة والمستقرة. وهي عادة تمنح الحماية لمدة خمس عشرة سنة على الأقل (تبدأ من تاريخ منحها). ولدى معظم الدول استثناءات للمزارعين من أجل توفير واعادة زراعة البذور ولاستعمال المواد المحمية للتربية الاضافية.

 

حماية قواعد المعلومات العلمية: تبنى الاتحاد الاوروبي تشريعات لمنح حماية ضريبية sui generis بخصوص قواعد المعلومات وبذلك منع الاستعمال غير المصرّح به للمواد المجمّعة في قاعدة المعلومات حتى وان لم تكن أصلية. تمنح حقوق مقتصرة لاقتباس او استعمال كل او جزء كبير من محتويات قاعدة المعلومات المحمية.

 

 

الأساس المنطقي لحماية الملكية الفكرية

 

المقدمة

توفر الملكية الفكرية وسيلة قانونية للمعرفة المناسبة. ومن خصائص المعرفة ان استعمالها من قبل شخص ما لا يحد من حق شخص آخر اليها (مثلا، قراءة هذا التقرير). وعلاوة على ذلك فان الكلفة الاضافية المترتبة على تمديد استعمالها الى شخص آخر كثيرا ما تكون منخفضة جدا او تكون صفر (مثلا، اعارة كتاب او نسخ ملف الكتروني). ومن وجهة نظر المجتمع فكلما ازداد عدد الناس الذين يستخدمون المعرفة كلما كان ذلك أفضل للمجتمع لأن كل مستخدم يكسب شيئا منها بكلفة بسيطة او بدون كلفة وبالتالي فان المجتمع هو بتعبير ما المستفيد. وهكذا يقول علماء الاقتصاد بأن للمعرفة صفة المصلحة العامة التي لا تضاهى. (10)

 

والناحية الأخرى من المعرفة او المنتجات التي تجسّد المعرفة هي الصعوبة، التي كثيرا ما تكون جوهرية، في منع الآخرين من استخدامها او نسخها. يمكن بسهولة نسخ عدد كبير من المنتجات التي تحتوي على معرفة حديثة. ربما يمكن نسخ معظم المنتجات، بمجهود كاف، بجزء من كلفة  اختراعها وتسويقها (مع انها لن تكون قليلة بالضرورة). يشير علماء الاقتصاد الى الخاصية الأخيرة هذه على انها تساهم في فشل السوق. فاذا تطلّب انتاج المنتج مجهودا كبيرا وبراعة وأبحاثا ولكن يمكن استنساخه بسهولة فمن غير المحتمل ان يتوفر الحافز المالي الكافي من وجهة نظر المجتمع لتخصيص الموارد للاختراع.

 

براءات الاختراع

 

براءات الاختراع هي احدى أساليب مواجهة هذا الفشل في السوق. اذ بمنح حقوق مقصورة مؤقتة في السوق تسمح براءات الاختراع للمنتجين الامكانية للتعويض عن تكاليف الاستثمار في الأبحاث والتطوير والامكانية لجني الربح، وذلك مقابل جعل المعرفة المبنية على أساسها متوفرة للعموم. ولكن لا يمكن لشخص آخر ان يضع تلك المعرفة ويستخدمها تجاريا الا بتصريح من حامل البراءة. ويتم التعويض عن تكاليف الاستثمار في الأبحاث والتطوير والحصول على عائد الاستثمار بفرض سعر على المستهلك مبني على القدرة على استبعاد المنافسة.

 

وهكذا فان الحماية هي مساومة يعقدها المجتمع على أساس انه في غياب الحماية لن يتوفر ما يكفي من الاختراع والابتداع. والافتراض هو انه على المدى الطويل فان المستهلكين هم في وضع أفضل على الرغم من الأسعار العالية التي تفرضها الأسعار الاحتكارية، لأن الخسائر التي يتكبدها المستهلكون على المدى القصير تعوّض وأكثر من جراء القيمة التي يستمدوها من الاختراعات الجديدة التي تنجم عن المزيد من الأبحاث والتطوير. ويقول علماء الاقتصاد بأن نظام براءات الاختراع يحسّن الكفاءة الديناميكية (بحثّ التقدم الفني) على حساب الكفاءة الاستاتية (الناجمة عن التكاليف الملازمة للاحتكار).

 

والأساس المنطقي لحماية براءات الاختراع هو أمر بسيط نوعا ما ولكنه يعتمد على عدد من الافتراضات البسيطة التي قد لا تؤيدها الممارسة. مثلا، لا يمكن تعريف الدرجة المثلى لحماية براءات الاختراع. فاذا كانت الحماية ضعيفة جدا فقد يثبّط تطوير التكنولوجيا بسبب الحوافز غير الكافية للقيام بالأبحاث والتطوير. واذا جرى منح حماية أكثر مما يجب فقد لا يستفيد المستهلك حتى على المدى الطويل ويمكن لأصحاب براءات الاختراع ان يجنوا أرباحا تتجاوز الى حد بعيد التكاليف الاجمالية التي أنفقوها على الأبحاث والتطوير. وعلاوة على ذلك يمكن خنق المزيد من الابتداع المبني على التكنولوجيا المحمية بسبب، مثلا، طول مدة الحماية التي يوفرها حق براءاة الاختراع او لأن نطاق الحماية الممنوحة واسع أكثر مما يجب.

 

وطول مدة الاحتكار الممنوحة هو أحد مقررات قوة حماية براءات الاختراع. ومقرر آخر هو نطاق براءة الاختراع. فبراءاة الاختراع الواسعة هي التي تمنح حقا يتجاوز الى حد بعيد جدا الاختراع المزعوم نفسه. مثلا، ثمة براءة اختراع تدعي الحق بجينة يمكن ان تحدد استخدام واحد لتلك الجينة. ولكن بموجب بعض طرق النظر الى موضوع نطاق الحماية، يكون لصاحب براءة الاختراع حقوق استخدامات المعرفة الجينية غير تلك المفشية في براءة الاختراع بما فيها تلك المعلومات التي يكتشفها شخص آخر في وقت لاحق. تعمل براءات الاختراع الواسعة الى عدم تشجيع الابتداع اللاحق من قبل رجال الأبحاث في المجال العام من براءة الاختراع. وبالمقابل يمكن للمطالبات الضيقة ان تشجّع الآخرين على "العمل حول" براءة الاختراع وبالتالي تتيح قدرا أقل من الحصر على الأبحاث المتصلة بالموضوع من قبل الآخرين. وقد تمنح حقوقا أقوى يصعب الطعن فيها في المحاكم. (11) وسياسة الترخيص التي يتبعها أصحاب براءات الاختراع من شأنها ان تؤثر تأثيرا هاما على نشر التكنولوجيات الجديدة والمدى الذي تتأثر به الأبحاث الاضافية من جراء الحقوق الممنوحة.

 

وكذلك فان درجة الحماية المثلى (حيث تفوق الفوائد الاجتماعية التكاليف الاجتماعية) تتفاوت أيضا تفاوتا كبيرا حسب المنتج والقطاع وترتبط بالتفاوتات في الطلب وهياكل السوق وتكاليف الأبحاث والتطوير وطبيعة العملية الابتداعية. وعمليا يمكن تكييف أنظمة حقوق الملكية الفكرية تكييفا دقيقا وبالتالي فان مستوى الحماية التي تتوفر عمليا هي بالضرورة حل وسط. وهكذا فان الوصول الى الحل الوسط الخاطىء - ان كان كثيرا جدا او قليلا جدا - قد يكلّف المجتمع تكاليف باهظة ولا سيما على المدى الطويل.

 

وثمة افتراض بأن هناك امدادا كامنا من القدرة الابتداعية في القطاع الخاص على أهبة الاستعداد للانفلات فيما لو تم منح الحماية التي يوفرها نظام الملكية الفكرية. وقد يكون ذلك صحيحا في الدول التي تتواجد فيها قدرة عظيمة للأبحاث. ولكن في معظم الدول النامية فان أنظمة الابتداع المحلية (على الأقل من النوع الموطد في الدول المتقدمة) هي ضعيفة. وحتى عندما تكون مثل تلك الأنظمة قوية هناك قدرة أكبر في القطاع العام مما هو الحال في القطاع الخاص. (12) وهكذا، في هذا الصدد، فان الفائدة الديناميكية المستمدة من حماية الملكية الفكرية غير أكيدة. يمكن لنظام براءات الاختراع ان يوفر الحافز ولكن قد تكون القدرة المحلية محدودة لكي تستفيد منها. وحتى عند تطوير التكنولوجيات نادرا ما تتمكن الشركات في الدول النامية من تحمّل تكاليف الحصول عليها وصون الحقوق وفوق كل ذلك قد لا تتمكن من تحمّل تكاليف الدعاوي في المحاكم فيما لو نشأت نزاعات بهذا الخصوص.

 

وعلماء الاقتصاد هم الآن على دراية بما يسمونه ب "تكاليف الصفقات". وتأسيس البنية الاساسية لنظام حقوق الملكية الفكرية والآليات اللازمة لتطبيق حقوق الملكية الفكرية باهظ الثمن لكل من الحكومات وللمهتمين بالأمر في القطاع الخاص. وفي الدول النامية حيث الموارد البشرية والمالية نادرة والأنظمة القانوية غير متطوّرة جيدا فان تكاليف فرص ادارة النظام بفعالية هي عالية. تشمل تلك التكاليف تكاليف فحص صحة المطالبات بحقوق براءة الاختراع (في كل من مرحلة تقديم الطلب وفي المحاكم) والنظر في موضوع انتهاكات الحقوق. وهناك تكاليف باهظة من جراء عدم التأكد من نتائج المقاضاة في المحاكم. يجب أيضا أخذ تلك التكاليف بعين الاعتبار ازاء الفوائد التي يمكن ان تنجم عن نظام الملكية الفكرية.

 

وهكذا هناك حاجة الى تقييم نظام براءات الاختراع بطريقة متوازنة معترفين بأن لها تكاليف وفوائد وبأن ميزان التكاليف والفوائد من المحتمل ان يتفاوت تفاوتا ملحوظا في ظروف متفاوتة.

 

وبين الأكاديميين ولا سيما خبراء الاقتصاد تظهر حقوق الملكية الفكرية عموما بشكل نقديّ. اذ مثل تلك الحقوق تشمل بالضرورة قيودا على المنافسة قد تكون على حساب المستهلكين وعلى حرية التجارة والسؤال المطروح هو ما اذا كانت تلك التكاليف تفوقها وزنا الحوافز للأبحاث والاختراع. المقتبسات في المربّع 2:1 أدناه تعكس التناقض الظاهر حول تأثير نظام الملكية الفكرية في الدول المتقدمة وتأثيره على الدول النامية. ويزداد هذا التناقض عندما يبدأ نظام الملكية الفكرية يشمل التكنولوجيات الجديدة.

 

المربّع 2:1 خلاصات عن قيمة نظام الملكية الفكرية

 

ايديث بنروز في "الاقتصاد في النظام الدولي المترتب على براءات الاختراع" في عام 1951:

 

"يمكن لأية دولة ان تخسر فيما لو منحت امتيازات احتكارية في السوق المحلية التي لا تحسّن ولا ترخّص البضائع المتوفرة ولا تطوّر قدرتها الانتاجية الخاصة بها ولا تحصل لمنتجيها على امتيازات مماثلة على أقل تقدير في الأسواق الأخرى. ولا يمكن لأي قدر من الكلام عن "وحدة العالم الاقتصادية" ان تخفي الواقع ومفاده ان بعض الدول التي لديها تجارة تصدير قليلة في البضائع الصناعية وقليلا، ان وجد، من الاختراعات للبيع، ليس لديها ما تكسبه من منح براءات الاختراع التي يجري عملها وتسجيلها ببراءة في الخارج الا تجنّب الانتقام الأجنبي البغيض في الاتجاهات الأخرى. وفي هذه الفئة تجد الدول الزراعية والدول التي تسعى الى التصنيع ولكنها تصدّر بصورة رئيسية المواد الخام...مهما تكن الفوائد لتلك الدول...فهي لا تشمل فوائد تتصل بكسبها الاقتصادي من منح او الحصول على براءات الاختراع." (13)

 

فريتز ماكلاب استخلص ما يلي بعد دراسة نظام تسجيل براءات الاختراع في الولايات المتحدة عام 1958:

 

"فاذا لم يكن المرء يعلم ان كان النظام... نظاما حسنا او سيئا، فان أفضل "خلاصة سياسية" هي المضي بلخبطة - اما معه، ان كان المرء قد عاش في ظله طويلا، او بدونه، ان كان المرء قد عاش بدونه. فان لم يكن لدينا نظاما لبراءات الاختراع فهو من قبيل عدم المسؤولية، وذلك على أساس معرفتنا الحالية بنتائجه الاقتصادية، ان نوصي بتأسيس نظام كذلك. ولكن بما ان لدينا نظاما لبراءات الاختراع منذ مدة طويلة فمن قبيل عدم المسؤولية على أساس معرفتنا الحالية ان نوصي بالغائه. تشير الجملة الأخيرة الى دولة مثل الولايات المتحدة وليس الى دولة صغيرة وليس الى دولة على الغالب غير صناعية، حيث يمكن لنظرة مختلفة ان تصل الى نتيجة أخرى." (14)

 

وفي عام 1997 كتب عالم اقتصادي مرموق وهو ليستر ثورو ما يلي:

 

"في اقتصاد عالمي هناك حاجة الى نظام عالمي لحقوق الملكية الفكرية. يجب على مثل ذلك النظام ان يعكس حاجات الدول النامية وعلى الدول المتقدمة على حد سواء. والمشكلة شبيهة بتلك المتعلقة بماهية أنواع المعرفة التي يجب ان تكون معلومة من العامة في العالم المتقدم. ولكن حاجة العالم الثالث الى الحصول على الأدوية الرخيصة لا تساوي حاجته الى الحصول على أقراص موسيقية مدمّجة رخيصة. وهكذا فان أي نظام يعامل مثل تلك الحاجات بالتساوي، مثل ما هو الحال بالنسبة لنظامنا الحالي، فانه ليس حسنا وليس نظاما قابلا للبقاء." (15)

 

وفي عام 1999 صرّح المحامي الأكاديمي المرموق لاري ليسيغ بقوله:

 

"لا شك بأننا في وضع أفضل بوجود نظام براءات الاختراع مما نكون بدونه. فالقدر الكبير من الأبحاث والاختراع لن يحدث بدون الحماية التي توفرها الحكومة. ولكن بما ان بعض الحماية هي حسنة فهذا لا يعني ان الأكثر منها هو بالضرورة  أحسن... هناك شك متزايد بين الأكاديميين حول ما اذا كان مثل تلك الاحتكارات المفروضة من قبل الدولة تساعد في نمو سوق متطوّرة بسرعة مثل سوق الانترنت...والسؤال الذي يطرحه علماء الاقتصاد الآن هو ما اذا يمكن لتوسيع حماية براءات الاختراع ان يكون مفيدا ومجديا. بكل تأكيد سيجعل بعض الناس أثرياء ولكنه لا يعني انه يحسّن السوق.. بدلا من الحماية غير المحدودة تعلمنا تقاليدنا التوازن وتحذرنا من المخاطر الكامنة في أنظمة الملكية الفكرية القوية أكثر مما ينبغي. ولكن يبدو بأن التوازن في الملكية الفكرية قد ولى في المرحلة هذه. هناك جشع ضارب أطنابه ليس فقط في مجال براءات الاختراع بل في الملكية الفكرية عموما..." (16)

 

وفي عام 2002 صرّح عالم الاقتصاد المرموق جيفري ساكس بقوله:

 

"... هناك فرصة لاعادة التفكير بنظام حقوق الملكية الفكرية لنظام التجارة العالمي ازاء أفقر دول العالم. ففي مفاوضات دورة يوروغواي دفعت صناعة الادوية الدولية دفعا شديدا لايجاد تغطية شاملة لحماية براءات الاختراع من دون أخذ اعتبار لتأثير ذلك على الدول الفقيرة. لا يوجد أي شك بأن الترتيبات الجديدة للملكية الفكرية قد تجعل من الصعب على المستهلكين في الدول الفقيرة  بأن يحصلوا على التكنولوجيات الجديدة مثلما رأينا بوضوح في مسألة الأدوية اللازمة. فالدول المتفاوضة في دورة الدوحة الجديدة قد أخذت التـزاما باعادة النظر في موضوع حقوق الملكية الفكرية وذلك في ضوء أولويات الصحة العامة، وهم على حق في القيام بذلك. ومن المحتمل ان يبطىء تشديد حقوق الملكية الفكرية نشر التكنولوجيا الى أفقر دول العالم والتي تأتيها عادة عن طريق النسخ والهندسة العكسية. يجري بشكل متزايد ابطاء المسارات المقدّسة لنشر التكنولوجيا ويمكنها بالتالي ان تعيق تنمية أفقر الدول في العالم. هذا مجال يستدعي النظر فيه عن كثب وكذلك الانتباه السياسي والأبحاث المتواصلة.( 17)

حقوق النشر والتأليف والتأليف

الأساس المنطقي لحماية حقوق النشر والتأليف والتأليف لا يختلف عن ذلك الخاص ببراءات الاختراع على الرغم من انه تاريخيا تم وضع وزن أكبر على حقوق الفنانين المبدعين المتأصلة في تلقيهم مكافأة عادلة عن أعمالهم بدلا من تأثير الحوافز على الابتداع. حقوق النشر والتأليف والتأليف تحمي الشكل الذي يجري فيه التعبير عن الأفكار وليس الأفكار نفسها. كانت حقوق النشر والتأليف والتأليف ولا تزال الأساس لجعل نشر الأعمال الأدبية والفنية مقترحا اقتصاديا وذلك بمنع نسخ تلك الأعمال. اذ بعكس براءات الاختراع فان حماية حقوق النشر والتأليف والتأليف لا تحتاج الى تسجيل او الى أية رسميات أخرى (مع انه لم يكن الأمر كذلك دائما).

 

وكما هو الحال بالنسبة لبراءات الاختراع فان المقايضة بالنسبة للمجتمع هي بين الحافز الذي توفره حقوق النشر والتأليف والتأليف لمبدعي الأعمال الأدبية والفنية والقيود التي تضعها على التدفق الحر للأعمال المحمية بحقوق النشر والتأليف والتأليف. ولكن بعكس براءات الاختراع، فان حقوق النشر والتأليف من حيث المبدأ تحمي التعبير عن الأفكار وليس الأفكار بحد ذاتها، التي يمكن استعمالها من قبل الآخرين. وهي تمنع فقط نسخ ذلك التعبير وليس الاشتقاق المستقل منه. والمسألة المركزية بالنسبة للدول النامية تتعلق بكلفة الحصول على القيمة الرقمية للأعمال المحمية والطريقة المتبعة في تطبيق حماية حقوق النشر والتأليف والتأليف.

 

وكما هو الحال بالنسبة لبراءات الاختراع هناك عادة استثناءات في القانون حيث يجري تليين حقوق أصحاب حقوق النشر والتأليف والتأليف من أجل المصلحة العامة عموما والتي تعرف في بعض الدول بتدابير "الاستخدام المنصف" (مثلا في الولايات المتحدة) و "المعاملة المنصفة" في المملكة المتحدة والاستثناءات لحقوق الاستنساخ في التقليد الاوروبي. (18) والمسألة المهمة بصورة خاصة بالنسبة للدول النامية هي مسألة تكاليف الحصول على الأعمال المحمية بحقوق النشر والتأليف وتفسير عبارة "الاستخدام المنصف" وهي مسألة ازدادت أهمية بتمديد حقوق النشر والتأليف والتأليف الى المواد الالكترونية مثل برامج الحاسب الآلي.

 

وحقوق النشر والتأليف والتأليف تحمي الأعمال الأدبية والفنية لمدة أطول من الزمن من براءات الاختراع ولكنها لا تحمي من الاشتقاق المستقل من العمل المعني بالأمر. وبموجب اتفاقية "تريبس" تسري حقوق النشر والتأليف لمدة خمسين عاما بعد وفاة المؤلف على أقل تقدير، ولكن معظم الدول المتقدمة وعدد كبير من الدول النامية قد مددوا هذه المدة الى 70 سنة او أكثر. ومع ان السبب الرئيسي وراء تمديد حقوق النشر والتأليف والتأليف هو الضغط من صناعات حقوق النشر والتأليف والتأليف (ولا سيما صناعة الأفلام السينمائية في الولايات المتحدة)، لا يوجد أساس منطقي واضح لتكون مدة الحماية التي توفرها حقوق النشر والتأليف والتأليف أطول من المدة التي توفرها براءات الاختراع. وفي الواقع فان نسبة التغيير الفني قد أدت، في العديد من الصناعات، الى مدد أقصر (مثلا، الطبعات المتتالية من برامج الحاسب الآلي) الأمر الذي يجعل حماية حقوق النشر والتأليف والتأليف لمدد طويلة زائدة عن الحاجة. والزيادات المتعاقبة في مدد حماية حقوق النشر والتأليف والتأليف قد أثارت بعض القلق في بعض الأوساط. ففي هذا العام ستنظر المحكمة العليا في الولايات المتحدة في قضية تتحدى قانون تمديد مدة حقوق النشر والتأليف والتأليف الصادر عام 1998 على أساس انه يخالف الدستور الذي يحدد بأن الحماية يجب ان تكون "لمدد محدودة". وبالاضافة الى ذلك فهم يؤكدون بأن تمديد الحماية لعمل موجود حاليا لن يعمل بمثابة حافز وهو يخالف أيضا متطلب "شيء مقابل الآخر" الوارد في الدستور بأنه يمنح حقوق الاحتكار في مقابل الفوائد العامة. (19)

 

وكما هو الحال بالنسبة لبراءات الاختراع فان المسألة الرئيسية بالنسبة للدول النامية هي ما اذا كانت المكاسب التي يمكن انتزاعها من الحوافز التي توفرها حقوق النشر والتأليف والتأليف تفوق وزنا وقيمة التكاليف الزائدة الملازمة للقيود المفروضة على الاستعمال الناجمة من حقوق النشر والتأليف. وعلى الرغم من ان هناك استثناءات، مثل صناعة الأفلام السينمائية الهندية او صناعة برامج الحاسب الآلي، فان معظم الدول النامية هي مستوردة خالصة للمواد المحمية بحقوق النشر والتأليف مثل ما هي مستوردة خالصة للتكنولوجيات. وبما ان حقوق النشر والتأليف لا تحتاج الى التسجيل او الى أية رسميات أخرى، حالما تبدأ دولة بتطبيق قوانين حقوق النشر والتأليف، فان أثر حقوق النشر والتأليف اقوى بكثير من براءات الاختراع. برامج الحاسب الآلي وكتب المدارس والجامعات والمجلات الأكاديمية هي مواد رئيسية تعتبر فيها حقوق النشر والتأليف عاملا مقررا للأسعار ولقدرة الحصول عليها وأيضا مكوّنات رئيسية في التعليم وفي مجالات مهمة أخرى من عملية التنمية. مثلا، ان اختيارا معقولا للمجلات الأكاديمية يكلّف أكثر مما يمكن ان تتحمله ميزانيات مكتبات الجامعات في معظم الدول النامية وعلى نحو متزايد أيضا في الدول المتقدمة.

 

والتفاعل بين الانترنت وحقوق النشر والتأليف هو مسألة ذات أهمية خاصة ومتنامية بالنسبة للدول النامية. بالنسبة لوسائل الاعلام المطبوعة هناك تدابير "للاستخدام المنصف" بموجب قانون حقوق النشر والتأليف، وطبيعة وسيلة الاعلام هذه تجعلها قابلة للاستعمال من قبل عدد كبير من الناس اما رسميا عن طريق المكتبات العامة او غير رسمي عن طريق الاعارة والتصفّح (مثلما يحدث في محلات بيع الكتب حيث يتصفّح الشخص الكتاب قبل ان يشتريه). بالنسبة للمواد التي يحصل عليها المرء عن طريق الانترنت تسمح التكنولوجيا التحفّظ لمنع المستعملين المحتملين من حتى تصفّح المعلومات ما لم يكونوا قد دفعوا رسما مسبقا. وبينما كانت فلسفة "الانترنت" حتى الآن تنطوي على حرية الحصول على المعلومات عبرها هناك مواقع متزايدة على الانترنت فيها مواد قيّمة تتجه نحو فرض رسم على الحصول عليها او تقييد الحصول عليها بطرق أخرى. وعلاوة على ذلك لقانون حقوق النشر والتأليف للألفية الرقمية في الولايات المتحدة والتوجيه الاوروبي الخاص بقاعدة المعطيات شروط تتجاوز تلك المطلوبة بموجب اتفاقية "تريبس" وهي مملوكة من قبل مستعملين عديدين الأمر الذي رجّح كفة ميزان الحماية الى حد كبير لمصلحة المستثمرين وجامعي المعطيات او المعلومات العلمية.

 

وهكذا كما هو الحال بالنسبة لبراءات الاختراع هناك حاجة الى التوازن. فالحماية أكثر مما يجب عن طريق حقوق النشر والتأليف او عن طريق أي شكل آخر من أشكال حماية الملكية الفكرية او عن طريق التكنولوجيا قد يقيّد التدفّق الحر للآراء التي يعتمد عليها تقدم الأفكار والتكنولوجيا. وبالنسبة للدول النامية قد تتأثر حريتها في الحصول على الأعمال اللازمة لتنميتها وبأسعار يمكن ان تتحملها مثل المواد التعليمية والمعرفة العلمية والفنية من جراء وجود قواعد لحقوق النشر والتأليف قوية على نحو غير ملائم. 

 

التاريخ

 

هناك دروس عديدة يمكننا ان نتعلمها من التاريخ ولا سيما من خبرة الدول المتقدمة في القرن التاسع عشر ومن الاقتصادات الناشئة في شرقي آسيا في القرن الماضي.

 

أولا، تاريخيا كانت أنظمة الملكية الفكرية تستخدم من قبل الدول لتعزيز ما كانت تراه انه في مصالحها الاقتصادية. وقد غيّرت الدول أنظمتها في مراحل مختلفة من تنميتها الاقتصادية مع تغيّر تلك الرؤية والمكانة الاقتصادية لتلك الدول. مثلا بين عامي 1790 و 1836بصفتها مستوردة خالصة للتكنولوجيا قيّدت الولايات المتحدة اصدار براءات الاختراع بمواطنيها وبالمقيمين فيها فقط. حتى في عام 1836 ثبتوا رسوم براءات الاختراع للأجانب بعشرة أضعاف الرسم المفروض على المواطنين الأمريكيين (وثلثان أكثر من ذلك ان كان الشخص بريطانيا). في عام 1861 فقط بدأوا بمعاملة الأجانب على أساس غير تمييزي تقريبا تماما. ففي تقريره السنوي الصادر عام 1858 أبدى المفوّض الأمريكي لبراءات الاختراع الملاحظة التالية:

 

"انه واقع هام بالقدر ما هو مخزي بأنه من بين 10359 اختراع تم في الخارج في العام الماضي فقط 42 منها تم تسجيلها ببراءة في الولايات المتحدة. فالرسوم الباهظة المفروضة على الأجنبي وشدة التمييز المجحف ضده تعطينا تفسيرا كافيا لتلك النتيجة... ويمكن الاستخلاص من ذلك بأن حكومة هذه البلاد تعتبر اختراعا يتم فيما وراء البحار على أنه خطر حقيقي، ان لم نقل بغيض، ومن العدل اخلاقيا وحكمة سياسيا ان نرهقه بعبء الضريبة، مثل ما ترهق بالضريبة استيراد نوع ما من العقار السامّ الأجنبي. وهناك رؤية حسنة لهذه المسألة وواحدة تعتبر أكثر انسجاما مع الروح المتقدمة للعصر وهي الرؤية التي تحيي ثمرة العبقرية المخترعة، مهما كانت الأجواء التي ترعرعت فيها، على أنها ملكية مشتركة للعالم، وهي موضع ترحيب بصفتها نعمة مشتركة للجنس المكرّسة لتحسينه. (20)

 

وحتى عام 1891 كانت حماية حقوق النشر والتأليف الأمريكية مقتصرة على المواطنين الأمريكيين ولكن بقيت شتى أنواع التقييدات مفروضة على حقوق النشر والتأليف الأجنبية (مثلا كان يجب أن تطبع المواد على مطابع أمريكية) الأمر الذي أخّر دخول الولايات المتحدة في ميثاق بيرن لحقوق النشر والتأليف حتى عام 1989 بعد 100 عام من دخول المملكة المتحدة. ولهذا السبب قد يتذكّر بعض القراء شراء كتب كتبت على أغلفتها الكلمات التالية: "لأسباب حقوق النشر والتأليف هذه الطبعة لسيت للبيع في الولايات المتحدة الأمريكية".

 

وحتى تبني ميثاق باريس (حول حماية الملكية الصناعية) في عام 1883 وميثاق بيرن المرادف له في عام 1886 (حول الأعمال الأدبية والفنية) كانت قدرة الدول على تكييف طبيعة أنظمتها بموجب ظروفها غير مقيّدة. وحتى في ذلك الحين كانت قواعد تلك المواثيق مرنة للغاية. فميثاق باريس أتاح للدول المجال بأن تستثني مجالات من التكنولوجيا من الحماية وتقرير طول مدة الحماية الممنوحة بموجب براءات الاختراع. وقد سمحت تلك القواعد أيضا بالغاء براءات الاختراع والتراخيص الاجبارية (21) لعلاج مسألة الانتهاكات.

 

وثانيا أبعدت دول عديدة في بعص الأحيان أنواع مختلفة من الاختراعات في بعض قطاعات الصناعة من الحماية التي توفرها براءات الاختراع. وكثيرا ما كان القانون يقيّد براءات الاختراع على المنتجات مقتصرا الحماية على عمليات انتاجها. ونموذجيا كانت تلك القطاعات تنطوي على المواد الغذائية والادوية والمواد الكيماوية وذلك بناء على الرأي بأنه ينبغي ان لا يمنح الاحتكار الى السلع الضرورية وانه يمكن كسب الكثير من تشجيع حرية الحصول على التكنولوجيا الأجنبية بدلا من حث الاختراع في الصناعة المحلية. وقد تبنت هذا الاسلوب دول عديدة من الدول المتقدمة حاليا في القرن التاسع عشر ومن البعض حتى أواخر القرن العشرين وأيضا من دول شرق آسيا (مثل تايوان وكوريا) حتى الآونة الأخيرة نسبيا. ومع ذلك فان اتفاقية "تريبس" تمنع الآن التمييز في منح حماية براءات الاختراع فيما يتعلق بمختلف مجالات التكنولوجيا.

 

وثالثا، كثيرا ما تكون الملكية الفكرية وبراءات الاختراع بصورة خاصة مسألة مثيرة للنـزاع سياسيا. بين عامي 1850 و 1875 هاج النقاش في اوروبا، في الأوساط الأكاديمية والسياسية، حول ما اذا كان نظام براءات الاختراع يسيء الى مبادىء التجارة الحرة او على أفضل الأساليب العملية للحث على الاختراع. جون ستيوارت ميل أخذ بوجهة النظر الأخيرة قائلا:

 

"...الامتياز المقتصر، وطوال مدة مؤقتة هو أفضل (كوسيلة للحث على الاختراع)؛ لأنه لا يترك أي شيء عرضة لتقدير المرء؛ ولأن المكافأة التي يمنحها تعتمد على ايجاد الاختراع مفيدا، وكلما ازدادت الفائدة كلما ازدادت المكافأة؛ ولأن تلك المكافأة تدفع من قبل الأشخاص الذين تقدم لهم تلك الخدمة وهم المستهلكون لتلك السلعة." (22)

 

ومن الوجهة الجوهرية يبقى ذلك هو الحال بالنسبة للنظام في الوقت الحاضر - طريقة زهيدة الثمن (على الأقل بالنسبة للحكومات كونها غير مشترية للبضائع) لتوفير الحافز للاختراع مع ما يرافقه من مكافأة متناسبة مع الاستعمال الذي يوضع فيه في وقت لاحق. (23)

 

وتقدمت المعارضة للحماية عن طريق براءات الاختراع اعتراضاتها على أسس مختلفة ولكن يمكن ايجازها بعبارات مجلة "الاكونوميست" في عام 1851 عندما قال:

"الامتيازات التي تمنحها القوانين المترتبة على براءات الاختراع للمخترعين هي امتيازات ممنوعة على الآخرين وبالتالي فان تاريخ الاختراعات يعجّ بحكايات عن تحسينات طفيفة مسجلة ببراءات، وضعت حدا لمدة طويلة من الزمن على تحسينات مشابهة وتحسينات أفضل منها بكثير... الامتيازات قد خنقت الاختراعات الأخرى أكثر من التشجيع عليها.. كل براءة اختراع هي حائل ضد التحسينات في اتجاه معيّن، الا من قبل صاحب براءة الاختراع، لعدد معيّن من السنوات، ومهما كان ذلك مفيدا بالنسبة لصاحب الامتياز، لا يمكن للمجتمع ان يستفيد منها... وبالتالي فهي بالواقع تعتبر حائلا على جميع المخترعين من ممارسة قواهم العقلية وحيث أنهم أكثر عددا من صاحب الامتياز الأحادي، فان ذلك يشكل عائقا على التقدم بوجه عام..." (24)   

ولذلك فالأمر هذا يوضح من جديد موضوعا يتكرر ذكره في المحادثات الجارية وهو: اذا كان النظام يحمي مجموعة من الاختراعات فهل يمكنه ان يتجنّب ردع اولئك الذين يسعون الى ادخال تحسينات على الاختراع الأول؟

 

والمناقشات الدائرة حول اتفاقية "تريبس" سبقها جدال في القرن التاسع عشر حول التجارة الحرة حيث كانوا يرون آنذاك بأن منح الاحتكارات يشكّل انتهاكا لمبادىء التجارة الحرة. وعلاوة على ذلك كانت تلعب المصالح الذاتية لعبتها. في سويسرا في الثمانينات من القرن التاسع عشر لم يرغب رجال الصناعة باصدار قانون لبراءات الاختراع لأنهم كانوا يريدون الاستمرار في استعمال اختراعات المنافسين الأجانب. وحافظوا على تلك المعارضة على الرغم من ان السويسريين أنفسهم كانوا من المطالبين المتحمسين أنفسهم لبراءات الاختراع في الدول الأخرى. وبما انه كان لسويسرا آنذاك تعرفة منخفضة فقد خشوا ان يأخذ هؤلاء المتنافسون براءات اختراع في سويسرا ومن ثم ابعاد المنافسة السويسرية بفضل تلك الحماية.

 

تبنت سويسرا في آخر الأمر قانونا لبراءات الاختراع شملته شتى الاستثناءات والاجراءات الواقية، ليس لأن معظم السويسريين رأوا بأن هناك أية فائدة خالصة من السماح ببراءات الاختراع الأجنبية، ولكن لأن سويسرا وجدت نفسها تحت ضغط شديد ولا سيما من ألمانيا للقيام بذلك ولم تكن ترغب في معاملتها بالمثل من قبل الدول الأخرى.(25) واشتملت الاجراءات الوقائية التي تبنوها على تدابير للعمل الاجباري (26) والترخيص الاجباري مما سمح للحكومة بفرض الانتاج في سويسرا بطريقة او بأخرى، اذا رغبت في ذلك. وبالاضافة الى ذلك استثنوا المواد الكيماوية وصباغة الأنسجة من حماية براءات الاختراع. وفي أماكن أخرى من اوروبا ربح الموالون لنظام براءة الاختراع الحجة في الوقت الذي انحسر مد حركة التجارة الحرة في وجه الكساد الاقتصادي الكبير في اوروبا. فقط في هولندا نجحت الحركة ضد براءات الاختراع نجاحا تاما وبين عامي 1869 و 1912 لم يصدروا أية براءات اختراع هناك. (27)

 

ورابعا أفضل أمثلة في ماضي التنمية الحديث هي دول شرقي آسيا التي استعملت أشكالا ضعيفة من حماية الملكية الفكرية وكيّفتها لظروفها الخاصة في تلك المرحلة من تنميتها. طوال المرحلة الحرجة من النمو السريع في تايوان وكوريا بين عامي 1960 و 1980، عندما تحوّلت اقتصادياتها تحوّلا لافتا للنظر، شددت الدولتان على أهمية التقليد والهندسة العكسية (28) على انها عنصر هام في تطوير تقنياتها المحلية وقدرتها الابتداعية. وفي عام 1961 تبنت كوريا تشريعات مترتبة على براءات الاختراع ولكن نطاق براءات الاختراع استثنى المواد الغذائية والمواد الكيماوية والادوية. كانت مدة براءاة الاختراع 12 عاما فقط. بعد ذلك في أواسط الثمانينات من القرن الماضي، ولا سيما نتيجة للعمل الذي قامت به الولايات المتحدة بموجب القسم 301 من قانون التجارة لعام 1974، قاموا بمراجعة قوانين براءات الاختراع، مع انها لم تكن قد بلغت بعد المستويات التي وضعتها اتفاقية "تريبس". جرت عملية مماثلة في تايوان. وفي الهند يعتبر اضعاف حماية الملكية الفكرية في الادوية في قانون براءات الاختراع لعام 1970 (29) عاملا مهما في النمو السريع اللاحق لصناعتها في الادوية وذلك كمنتجة ومصدرة للأدوية الرخيصة غير المحمية ببراءة (30) والمنتجات الوسيطة بالجملة. (31)

 

والدرس العام الذي يعلمنا اياه هو ان الدول قد تمكنت من تكييف أنظمة حقوق الملكية الفكرية لتسهيل التعلم التكنولوجي وتعزيز غاياتها الصناعية الخاصة. وبما ان السياسات في بلد ما تمسّ مسّا وثيقا مصالح الآخرين كانت هناك دوما أبعادا دولية للمناقشات حول الملكية الفكرية. اعترف ميثاقا باريس وبيرن بهذا البعد وبجاذبية المعاملة بالمثل ولكنهما أتاحا مرونة كبيرة في تصميم أنظمة الملكية الفكرية. وبقدوم اتفاقية "تريبس" أزيل قسم كبير من تلك المرونة. لم يعد بامكان الدول السير في المسار الذي سلكته سويسرا او كوريا او تايوان في تنميتها. عملية التعلم التكنولوجي والتقدم من التقليد والهندسة العكسية الى توطيد قدرة ابداعية أهلية حقيقية يجب القيام بها الآن بشكل مختلف عن الماضي.

 

الأدلة حول تأثير الملكية الفكرية

 

سياق الكلام

 

تحليل الأدلة المتوفرة حول تأثير أنظمة حقوق الملكية الفكرية على الدول المتقدمة والدول النامية هو عملية معقّدة. ومثلما نوّهنا اعلاه، لا نريد ان نركّز على حقوق الملكية الفكرية على انها غاية بحد ذاتها بل على كيف يمكنها ان تساهم في التنمية وفي تقليل الفقر. ونحن نعتقد انه من الشروط المسبقة للتنمية القابلة للاستمرار والدوام في أي بلد هو تطوير قدرة علمية وتكنولوجية أهلية. انه ضروري للسماح للدول لتطوير عمليتها الخاصة في الابتداع التكنولوجي والسماح لها بامتصاص بفعالية التكنولوجيات التي تم تطويرها في الخارج. ومن البديهي ان تطوير مثل تلك القدرة يعتمد على عدد كبير من العوامل. فهو يحتاج الى نظام تعليمي فعال، لا سيما على المستوى الصناعي والحرفي، وعلى شبكة من المؤسسات الداعمة والبنيات القانونية. وهو يتطلب أيضا توفر الموارد المالية، العامة والخاصة على حد سواء، للسعي وراء التطوير التكنولوجي. وهناك عوامل أخرى عديدة تساهم في ما يعرف كثيرا بـ "أنظمة الابداع الوطنية".

 

وعند النظر اليها من هذا الزاوية فان المسألة هي هل يمكن لحقوق الملكية الفكرية ان تساهم في ترويج أنظمة قومية فعالة للابتداع من حيث المبدأ، وبالنظر الى التفاوتات الحالية الواسعة في القدرة العلمية والتكنولوجية الأهلية، كيف يمكنها ان تقوم بذلك بفعالية في الممارسة، آخذين بعين الاعتبار الظروف في الدول المعيّنة. وعلاوة على ذلك، بما اننا لسنا مهتمين فقط بالأثر الديناميكي لحقوق الملكية الفكرية في تشجيع الابتداع بل أيضا في الكلفة التي تفرضها حماية الملكية الفكرية على المجتمع، ولا سيما على الفقراء، علينا ان نأخذ بعين الاعتبار تلك التكاليف عند دراسة الأدلة وقيمة أي نظام معيّن من أنظمة الملكية الفكرية.

 

والقدر الكبير من الأدلة حول حقوق الملكية الفكرية هو اما غير مباشر او مبني على أساس تدابير بالوكالة. لا يمكننا ان نقيس مباشرة قدرة بلد على الابتداع (مثلا، يمكننا ان نستخدم النفقات المبذولة عادة على الأبحاث والتطوير او النفقات المتعلقة بالابتداع بمثابة توكيل). ولا يمكننا ان نقيس مباشرة قوة حماية براءات الاختراع في بلد ما (مع انه قد جرى جمع مؤشرات باستعمال مزيج من التوكيلات). فاستعمال القياسات الاقتصادية التي تحاول عزل التأثير المستقل لحقوق الملكية الفكرية على المتغيرات الاقتصادية، كثيرا ما يطعن فيه ولا سيما ان كانت تظهر فيه الترافقية بدلا من التسببية. مثلا، بعض السلطات تحاور بأن غياب حماية الملكية الفكرية يشجّع نقل التكنولوجيا والتعلم التكنولوجي (عن طريق النسخ والتقليد). والآخرون يحاورون بالقول ان حماية الملكية الفكرية هي آلية تشجّع تحويل التكنولوجيا من الخارج وذلك عن طريق الاستثمار المباشر او الترخيص وان التأثيرات غير المباشرة هي وسيلة فعالة للتعلم التكنولوجي. والتقرير أين تقع الحقيقة هي مسألة صعبة بالنسبة لواضعي السياسة.

 

تأثير اعادة التوزيع

 

الدول النامية، اذا أخذناها ككل، هي مستوردة خالصة للتكنولوجيا التي تزود القدر الكبير منها الدول المتقدمة. تملك المنظمات في الدول المتقدمة النسبة الساحقة من حقوق براءات الاختراع في كافة أنحاء العالم. لقد جرى بناء نماذج قياسات الاقتصاد لتقدير ما سيكون الأثر العالمي من تطبيق اتفاقية "تريبس" (أي عولمة المقاييس الدنيا لحماية الملكية الفكرية). والتقدير الأخير الذي قام به البنك العالمي يوحي بأن معظم الدول المتقدمة ستكون الدول المستفيدة الكبرى من اتفاقية "تريبس" من حيث تعزيز قيمة براءات الاختراع التي تملكها وتقدّر الفائدة بالنسبة للولايات المتحدة بمبلغ سنوي قدره 19 مليار دولار أمريكي. (32) اما الدول النامية وعدد قليل من الدول المتقدمة فستكون الخاسرة. اما الدولة التي ستتكبد أكبر الخسائر في الدراسة التي قام بها البنك العالمي فهي كوريا التي ستبلغ خسائرها مبلغا قدره 15 مليار دولار. يجب ان لا نقرأ الشيء الكثير في القيمة الدقيقة لتلك الأرقام، التي تعتمد على عدد من الافتراضات القابلة للجدل، ولكن يمكننا ان نقول بثقة بأن تأثير تطبيق حقوق براءات الاختراع على الصعيد العالمي سيفيد استفادة كبيرة حاملي براءات الاختراع، الموجودين بصورة رئيسية في الدول المتقدمة، وذلك على حساب مستعملي التكنولوجيات والبضائع المحمية ببراءات الاختراع في الدول النامية. وبين عامي 1991 و 2001 ارتفع فائض الولايات المتحدة الصافي من الجعالات (المتعلقة بصورة رئيسية بمعاملات الملكية الفكرية) من 14 مليار دولار الى أكثر من 22 مليار دولار. (33) وفي عام 1999 أشارت الأرقام من البنك العالمي الى عجز بالنسبة للدول النامية المتوفرة لها أرقام بلغ قدره 5ر7 مليار دولار على الجعالات ورسوم الترخيص. (34)

 

النمو والابتداع

 

يجب ان لا نندهش من معرفة ان تمديد حقوق الملكية الفكرية من شأنه ان يفيد الدول المتقدمة وهو يفسّر لماذا قامت الصناعة في الدول المتقدمة بالضغط لتبني اتفاقية "تريبس". ولكن الحسابات الواردة اعلاه تأخذ بعين الاعتبار فقط جانب الكلفة من معادلة حقوق الملكية الفكرية بالنسبة للدول النامية. فاذا كان لحقوق الملكية الفكرية ان تفيد الدول النامية يجب ان تأتي عن طريق تشجيع الاختراع والابتداع التكنولوجي وبالتالي تعزيز النمو.

 

وعلى مستوى الدول يبدو ان هناك قدرا قليلا من الأبحاث في الدول النامية تربط مباشرة بين نظام الملكية الفكرية والابتداع المحلي والتنمية. وثمة طريقة شائعة في المانيا وفي دول شرقي آسيا (بما فيها الصين) تنطوي على استحداث نماذج منفعية سهل الحصول عليها (او براءات اختراع ثانوية) تجمع بين مستوى منخفض من الابتداع مع التسجيل بدلا من الفحص ومع فترة حماية قصيرة الأمد. (35) وعندما جرى استحداثها في ألمانيا في عام 1891 وفّرت تلك البراءات حماية مدتها ثلاث سنوات (قابلة للتجديد لمدة ثلاث سنوات أخرى) ومع حلول الثلاثينات من القرن الماضي بلغ عدد البراءات المنفعية الممنوحة ضعف تلك التي خضعت للفحص. (36) والدراسات التي جرت على نظام براءات الاختراع في اليابان بين عامي 1960 و 1993 أوحت بأن النماذج المنفعية مهمة أكثر من براءات الاختراع في الحث على نمو الانتاجية. (37) وهناك أيضا بعض الأدلة تنسب الابتداع في قطاعات معينة في البرازيل والفيليبين الى نماذج منفعية من هذا القبيل. (38) وفي اليابان توحي الأدلة بأن نظام من الحماية "الضعيفة" مبني على أساس النماذج المنفعية والتصاميم الصناعية سهّل الابتداع التدرّجي من قبل الشركات الصغيرة وسهّل امتصاص التكنولوجيا وانتشارها. ونسبوا ذلك كما هو الحال بالنسبة الى تايوان وكوريا الى غياب حماية براءات الاختراع للمواد الكيماوية والادوية. أدخلت اليابان الحماية للمنتجات السابقة الذكر في عام 1976 فقط. (39)

 

هناك أدلة أكثر حول تأثير حماية براءات الاختراع في الدول المتقدمة. يبدو ان تلك الأدلة تشير الى ان الشركات الكبرى تعتبر حماية براءات الاختراع ذات أهمية بالغة في قطاعات معيّنة (مثلا قطاع الادوية) ولكن في العديد من القطاعات لا تعتبر مسببات مهمة للابتداع. (40) وعلاوة على ذلك يبدو ان براءات الاختراع قلما يجري استعمالها من قبل الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم في معظم القطاعات في عدد كبير من الدول المتقدمة كوسيلة لترويج ابتداعاتها او كمورد لمعلومات فنية مفيدة. ولكن هناك استثناء هام وهو قطاع الادوية الحيوية حيث كثيرا ما تنظر الشركات الى براءات الاختراع بمثابة مصدر قوة هام في أعمالها. (41) وهناك دراسة كبيرة جرى القيام بها في الآونة الأخيرة في المملكة المتحدة استخلصت الى القول بأن "أنظمة الملكية الفكرية الرسمية قابلة للتطبيق فقط على نسبة صغيرة من نشاطات الشركات مثل شركات الانتاج الكبرى." أساليب الحماية غير الرسمية الأخرى وأساليب الحصول على المعلومات الفنية كانت عموما أكثر فعالية بالنسبة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم. (42)

 

المسألة المهمة من وجهة نظرنا هي الى أي مدى يمكن لحقوق الملكية الفكرية ان تشجّع النمو. الأدلة التي اطلعنا عليها لا توحي بوجود تأثير مباشر قوي على النمو الاقتصادي في الدول النامية. (43) وقد وجدت دراسة أخيرة ان كل ما كان الاقتصاد منفتحا (على التجارة) كلما أثرت حقوق براءات الاختراع على النمو. وبموجب هذا التحليل ففي الاقتصاد المنفتح يمكن لحقوق براءات الاختراع القوية ان تزيد نسب النمو بنسبة 0.66% سنويا. (44) ولكن هناك بعض النقاش حول التسببية لأن كل من الانفتاح على التجارة وقوة نظام حقوق الملكية الفكرية ينـزعان الى التزايد بأي حال مع دخل الفرد.

 

وتوحي الأدلة الأخرى بأن قوة حماية براءات الاختراع تزداد مع النمو الاقتصادي ولكن ذلك لا يحدث حتى ترتفع مستويات دخل الفرد ارتفاعا كبيرا. وفي الواقع، قبل تقوية قوانين الملكية الفكرية عالميا مؤخرا، كانت هنالك علاقة ملحوظة ثابتة معقولة بين قوة حقوق الملكية الفكرية ودخل الفرد. وفي مستويات الدخل المنخفضة كانت الحماية عالية (الأمر الذي يعكس تأثير الاستعمار الغابر) ومن ثم يهبط الى نقطة منخفضة من الحماية الضعيفة لما يبلغ دخل الفرد حوال 2000 دولار أمريكي (بالأسعار السائدة عام 1985). وتبقى هذه النقطة الضعيفة على ما هي عليه حتى يبلغ دخل الفرد حوالي 8000 دولار أمريكي عندما تبدأ قوة الحماية بالازدياد من جديد. هذا الترابط ليس تسببيا بالضرورة ولكنه يشير بأنه حتى يبلغ دخل الفرد مستويات عالية نسبيا لا تعتبر حماية الملكية الفكرية ذات أولوية عالية في سياسة الدول النامية. (45)

 

لربما كانت أبسط الأدلة على تأثير نظام الملكية الفكرية هي مقدار استعمالها ولا سيما من قبل المواطنين. الميل الى تسجيل براءات الاختراع من شأنه ان يعكس بعض الحكمة بالنسبة للفوائد وان تكن هي الفوائد الخاصة بدلا من الفوائد الاجتماعية. في دول افريقيا جنوب الصحراء (باستثناء جنوب أفريقيا) جرى منح 35 براءة اختراع الى المقيمين بالمقارنة بـ 741 براءة اختراع الى غير المقيمين. في الولايات المتحدة بلغت الأرقام المقابلة 80292 و 67228. (46)

 

وتبدو الخلاصة الرئيسية بأنه بالنسبة لتلك الدول النامية التي حصلت على قدرات تكنولوجية وابتداعية ذات شأن هناك ترابط مع الأشكال "الضعيفة" بدلا من "القوية" من حماية الملكية الفكرية في الفترة البدائية من تنميتها الاقتصادية. وهكذا فاننا نخلص الى القول انه في معظم الدول المنخفضة الدخل وذات البنية التحتية العلمية والتكنولوجية الضعيفة فان الحماية على المستويات التي تتطلبها اتفاقية "تريبس" ليست مقررا هاما للنمو. بالعكس، فان النمو السريع كثيرا ما يكون مترابطا مع حماية ضعيفة للملكية الفكرية. وفي الدول النامية المتقدمة تكنولوجيا هناك بعض الأدلة بأن حماية الملكية الفكرية تصبح مهمة في مرحلة من مراحل نموها ولكن تلك المرحلة لا تبلغها الدولة الا عندما تصبح في فئة الدول النامية ذات الدخل المتوسط العالي.(47)

 

التجارة والاستثمار     

 

على الرغم من أنه من الصعب معرفة التأثير المباشر على النمو فقد بذلت جهود جمة في معرفة تأثير تغيير حقوق الملكية الفكرية على التجارة والاستثمار الأجنبي. نحن لا نجد مثل ذلك العمل مفيدا لدراستنا. الشيء الكثير منه لا يخاطب تأثير حقوق الملكية الفكرية على الدول النامية بل يركّز بدلا من ذلك على مسألة كيف يمكن لصادرات واستثمارات الدول المتقدمة ان تتأثر من تقوية حقوق الملكية الفكرية في الدول النامية. الاسلوبان هذان في النظر بالموضوع ليسا متشابهين.

 

مثلا، تبيّن بعض الدراسات بأن حقوق براءات الاختراع القوية في الدول النامية من شأنها ان تزيد زيادة كبيرة الواردات من الدول المتقدمة (او في الواقع من الدول النامية الأخرى). (48) والحجة ان بعض الواردات هي شكل من أشكال تحويل التكنولوجيا (مثلا، للواردات من المعدات ذات التكنولوجيا العالية تأثير مستقل على الانتاجية). ولكن تقوية حقوق الملكية الفكرية تؤثر أيضا بصورة خاصة على زيادة الواردات من المواد الاستهلاكية ذات التكنولوجيا المنخفضة وهي مترابطة مع الهبوط في الصناعات الأهلية المبنية على أساس التقليد. (49) وهكذا من الواضح بأن هذا التأثير هو نعمة متفاوتة بالنسبة للدولة النامية. قد تتوفر الامكانية للحصول على مقدار أكبر من واردات التكنولوجيا العالية ولكن لم تستخدم في السابق بسبب الافتقار الى حماية براءات الاختراع ولكن التكاليف يمكن ان تكون باهظة من حيث فقدان الانتاج والعمل او حتى تأخير النمو. هذه معضلة حقيقية جدا ولا سيما في بعض الدول مثل الصين. وتوحي تلك الدراسات بأن الدول ذات القدرة التكنولوجية الضئيلة قد تواجه انخفاضا في الواردات لأن قوانين براءات الاختراع تنـزع الى زيادة أسعار الواردات على المتوسط وبالتالي تخفّض القدرة على الاستيراد. وفي الماضي كانت الدول تحمي نفسها من التأثيرات المناوئة المحتملة لزيادة الواردات على الصناعة المحلية وذلك عن طريق تدابير تتعلق بالعمل الاجباري لبراءات الاختراع مثل ما فعلت سويسرا في القرن التاسع عشر.

 

وبالنسبة لتحليل تأثيرها على الاستثمار الأجنبي لدينا تحفّظات مشابهة. هناك دراسات كثيرة تبحث في مدى تأثير حقوق الملكية الفكرية القوية على الاستثمار الأجنبي وعلى الترخيص ونقل التكنولوجيا. يصل القسم الكبير من تلك الدراسات الى نتائج مؤقتة فقط بسبب مواطن الضعف في المعلومات او اسلوب العمل (الميثودولوجيا). (50) وعدد كبير من الدراسات يطرح السؤال كيف يمكن لتقوية حقوق براءات الاختراع في الدول النامية ان تؤثر على الاستثمار والانتاج وسلوك الترخيص الذي تمنحه الشركات الأمريكية المتعددة الجنسيات في الدول النامية. مثلا، من الخلاصات التي توصلت اليها احدى الدراسات الأخيرة ولكنها خلاصة نموذجية للأخرى المتعاطية مع معطيات مشابهة، هي ما يلي:

 

"...توحي تلك النتائج بأنه فيما لو قامت دولة نامية عادية بتقوية مؤشر براءات الاختراع لديها بنسبة وحدة واحدة، فان المبيعات المحلية للمؤسسات الأمريكية الفرعية ترتفع بنسبة ... حوالي 2% من معدل المبيعات السنوية... ارتفاع وحدة واحدة في مؤشر براءات الاختراع للدولة النامية العادية من شأنه ان يرفع مخزون الموجودات للشركات الأمريكية المتعددة الجنسيات الفرعية ... حوالي 16% من متوسط مخزون الموجودات." (51)

 

بالنسبة لواضعي السياسة في الدولة النامية قد يختلف هيكل الأسئلة نوعا ما. قد يريد هؤلاء ان يعلموا انه فيما لو جرت تقوية حقوق الملكية الفكرية هل من المحتمل ان يؤثر ذلك على النمو الاقتصادي وعلى العمل والاستثمار والأبحاث والتطوير في القطاع الخاص وعلى حرية الحصول على التكنولوجيا الأجنبية وعلى الابتداع المحلي وعلى الصادرات (وكذلك على الواردات). هناك قلة من الدراسات التي تخاطب مباشرة تلك المسائل المهمة جدا لواضعي السياسة في الدول النامية ناهيك عن الوصول الى خلاصات حاسمة عن تأثير حقوق الملكية الفكرية.

 

الواضح من الدراسات هو ان حقوق الملكية الفكرية القوية وحدها لا توفر الحوافز الضرورية او الكافية للشركات للاستثمار في دول معيّنة. فان كان هذا هو الحال لن تكون الدول الكبيرة التي تتمتع بنسب نمو عالية ولكن أنظمة ضعيفة لحقوق الملكية الفكرية قد تلقت استثمارات أجنبية واردة كبيرة في الماضي وحتى في الوقت الحاضر. وهذه تشمل الكثير من دول شرقي آسيا وأمريكا اللاتينية التي تلقت معظم تلك الاستثمارات. (52) فاذا تمت مواجهة المسألة من حيث ماهية العوامل المهمة أكثر من غيرها في تقرير الاستثمار الأجنبي فمن العادي ان تحذف حقوق الملكية الفكرية تماما. مثلا، التقارير الواردة من المؤسسات والهيئات الدولية حول تدفق الاستثمار لم تأت قطعيا على ذكر حقوق الملكية الفكرية على انها عامل في ذلك. تشمل تلك التقارير، مثلا، تقرير البنك العالمي على أموال التنمية العالمية 2002 (53) وتقرير زيديللو عن تمويل التنمية. (54) وكذلك، فان مسودة تقرير أخير للبنك العالمي حول تحسين جو الاستثمار في الهند لا يذكر قطعيا أي دور لحقوق الملكية الفكرية. (55)

 

مثل ما نوّهنا هناك بعض الأدلة بأنه بالنسبة لبعض الصناعات (مثل المواد الكيماوية) وبالنسبة لبعض النشاطات (مثل الأبحاث والتطوير) يمكن ان تشكّل حقوق الملكية الفكرية عاملا هاما في القرار الذي تتخذه الشركات للاستثمار. (56) ولكن قرار الاستثمار يتوقف على عوامل عديدة. بالنسبة للصناعات ذات التكنولوجيا المنخفضة من النوع الذي من المحتمل ان تستقطبه الدول النامية الأقل تقدما تكنولوجيا فمن غير المحتمل ان تشكل حقوق الملكية الفكرية عاملا هاما في قرار الاستثمار. ولكن عندما تكون التكنولوجيات متطورة ولكن من السهولة نسبيا نسخها عندئذ يمكن لحقوق الملكية الفكرية ان تشكّل عاملا هاما، ولكن ليس بالضرورة، في قرارات الاستثمار اذا كانت لدى الدولة المعنية قدرة علمية للنسخ وسوق كبيرة بما فيه الكفاية لتبرير تكاليف تسجيل براءات الاختراع وتطبيقها وكانت العوامل ذات الصلة الأخرى مؤاتية. ولكن في الحالات الأخرى فقد كان استحداث حماية الملكية الفكرية مترابطا، مثل ما ذكرنا اعلاه، مع زيادة في الواردات بدلا من الاستثمار في الانتاج المحلي. وأخيرا، في الصناعات ذات التكنولوجيا العالية وبالنسبة للدول ذات القدرات التكنولوجية المتقدمة، قد يختار أصحاب التكنولوجيا ان يرخصوا تكنولوجياتهم، المحمية بنظام الملكية الفكرية، بدلا من الاستثمار مباشرة في الانتاج. وهكذا فان الحقوق القوية قد تردع تدفق الاستثمار ولكن تسهّل تحويل التكنولوجيا بموجب ترخيص، وهو موضوع سنتطرق اليه في القسم التالي.

 

وهكذا نحن نستخلص ما يلي من الدراسات الحالية:

 

·                   هناك بعض الأدلة التي تشير بأن تدفق التجارة في الدول النامية يتأثر بقوة حماية الملكية الفكرية ولا سيما في تلك الصناعات (عادة التكنولوجيا العالية) التي تكون "حساسة من حيث حقوق الملكية الفكرية" (مثلا، المواد الكيماوية والادوية) ولكن الأدلة ليست واضحة تماما.

·                   يمكن لتلك التدفّقات ان تساهم في القدرة الانتاجية. ولكن يمكنها ان تكون على حساب الانتاج المحلي والعمل في "النسخ" المحلي والصناعات الأخرى. ويمكن للدول النامية ذات البنية الاساسية التكنولوجية المعدومة او الضعيفة ان تتأثر تأثرا ضارا من جراء الأسعار العالية التي يفرضها استيراد البضائع المحمية بالملكية الفكرية.

·                   لا توجد أدلة على ترابط الاستثمار الأجنبي ترابطا ايجابيا مع حماية الملكية الفكرية في معظم الدول النامية.

·                   وبالنسبة للدول النامية المتقدمة تكنولوجيا يمكن ان تكون حقوق الملكية الفكرية مهمة لتسهيل الوصول الى التكنولوجيات العالية المحمية وذلك عن طريق الاستثمار الأجنبي او الترخيص.

·                   وتحقيق التوازن الصحيح قد يكون صعبا بالنسبة لبعض الدول مثل الهند او الصين حتى لدى بعض الصناعات التي فيها الامكانية من الاستفادة بحماية الملكية الفكرية، ولكن التكاليف الملازمة لذلك بالنسبة لبعض الصناعات التي تأسست تحت أنظمة ضعيفة من أنظمة الملكية الفكرية وبالنسبة للمستهلكين قد تكون عالية.ومعظم الأدلة المتعلقة بدور الملكية الفكرية في التجارة والاستثمار تتعلق بتلك الدول النامية المتقدمة تكنولوجيا أكثر من غيرها. اما بالنسبة للدول النامية الأخرى فاننا نستخلص الى القول بأن أية فوائد تجارية واستثمارات من غير المحتمل ان تفوق قيمة التكاليف على الأقل في الأمد القصير والمتوسط.

 

نقل التكنولوجيا

 

من ناحية فان المسألة الحرجة بالنسبة للملكية الفكرية ليست ما اذا كانت الملكية الفكرية تشجّع التجارة او الاستثمار الأجنبي بل كيف تساعد او تعيق الدول النامية على الوصول الى التكنولوجيات اللازمة لتنميتها. فاذا قام مورّد للتكنولوجيا الأجنبية بترخيص الانتاج الى شركة محلية بدلا من قيامها بتأسيس مصنع محلي للانتاج فتكون البلد قد استقطبت قدرا قليلا من الاستثمار الأجنبي. ولكن قد تكون النتيجة على العموم مفيدة للاقتصاد المحلي بسبب المساهمة غير المباشرة في القدرات التكنولوجية المحلية. فاذا ازدادت الواردات من التكنولوجيا العالية نتيجة لتقوية أنظمة الملكية الفكرية، يمكن تحقيق نقل في التكنولوجيا (مثلا، بشكل سلع انتاجية) ولكن لا يوجد أي ضمان من أن الاقتصاد المحلي يمكنه امتصاص تلك التكنولوجيا واعتمادها كأساس للمزيد من الابتداع. وهكذا قد لا يكون نقل التكنولوجيا قابلا للدوام والاستمرار. بدلا من ذلك، وكما رأينا، قد تستخدم بعض الدول أنظمة الملكية الفكرية الضعيفة كوسيلة للحصول على التكنولوجيات الأجنبية وتطويرها عن طريق الهندسة العكسية وبالتالي تعزيز قدرتها التكنولوجية الأهلية. تطبيق اتفاقية "تريبس" الآن تقيّد قدرة الدول النامية على اتباع هذا المسار.

 

ولكن مقرّرات النقل الفعال للتكنولوجيا هي عديدة ومتنوّعة. وقدرة الدول على امتصاص المعرفة من أماكن أخرى ومن ثم استغلالها وتكييفها لأغراضها الخاصة هي أيضا مسألة ذات أهمية كبيرة. هذه الميزة تتوقف على تنمية القدرات المحلية عن طريق التعليم والأبحاث والتطوير وتطوير المؤسسات المناسبة التي بدونها حتى نقل التكنولوجيا بموجب أفضل الشروط من غير المحتمل ان ينجح. ويحتاج نقل التكنولوجيا أيضا الى نقل المعرفة "الضمنية" التي لا يمكن تشفيرها بسهولة (مثلا كما هو الحال بالنسبة للافصاحات المحمية ببراءاة او كتيبات تعليمات التشغيل). ولهذا السبب حتى أفضل البرامج تصميما الهادفة الى تعزيز القدرة الوطنية للأبحاث والتي تمولها الدول المانحة لم تتكلل دائما بالنجاح. وحيث ان العديد من التكنولوجيات التي تهم الدول النامية تنتجها منظمات في الدول المتقدمة فان حيازة تلك التكنولوجيا تحتاج الى القدرة على التفاوض بفعالية بناء على فهم لمجال التكنولوجيا المعني. تتطلب تلك العملية اسلوبا حازما من جانب الجهة المتلقية للتكنولوجيا للحصول على القدرات البشرية اللازمة وعلى المؤسسات المناسبة. هناك دول مثل كوريا بدأت من مستوى متدني من البراعة التكنولوجية قبل أربعين عاما، بالنسبة لعدد كبير من الدول ذات الدخل المحدود في هذه الأيام، ولكنها قد أصبحت الآن دولة مبتدعة بحد ذاتها.

 

هذه الناحية من عملية نقل التكنولوجيا هي الى حد كبير بين أيدي الدول النامية نفسها. ولكن هذا لا يعني ان الدول المتقدمة او السياسات الدولية على وجه العموم لا يمكنها تسهيل تلك العملية او اعاقتها. تعترف اتفاقية "تريبس" في المادة 7 بأنه يتعيّن على حقوق الملكية الفكرية ان تساهم في "نقل ونشر التكنولوجيا" ولكنها تنص في المادة 8 بأنه قد تكون هناك حاجة الى اتخاذ تدابير لمنع انتهاك حقوق الملكية الفكرية التي "تؤثر تأثيرا ضارا على التحويل الدولي للتكنولوجيا." وتنص المادة 40 على اجراءات لمنع الممارسات غير التنافسية في التراخيص التعاقدية. والمادة 66-2 تلزم الدول المتقدمة على توفير الحوافز لشركاتها ومؤسساتها من أجل قيام تلك الدول بنقل التكنولوجيا الى الدول الأقل نموا لكي "تمكّنها من تأسيس قاعدة اقتصادية سليمة وقابلة للاستمرار." تعكس تلك التدابير الواردة في اتفاقية "تريبس" بعض التدابير الواردة في مسودة المدونة الدولية للمارسة الخاصة بنقل التكنولوجيا والتي فشلت فيها المفاوضات بين الدول النامية والدول المتقدمة في الثمانينات من القرن الماضي (57). 

 

تغيّر الاقتصاد العالمي منذ ذلك الحين. والجدير بالذكر ان السياسات الاقتصادية حول العالم قد تغيّرت من الاستعاضة عن الواردات والتصنيع الموجّه خلف حواجز التعرفة العالية باتجاه سياسات السوق المفتوحة التي تركز على الفوائد التي يمكن كسبها من التعرفة المنخفضة والمنافسة العالمية ومن دور أقل توجيها من قبل الحكومات في التنمية الاقتصادية. والصناعات المبنية على المعرفة والاتجار بالمنتجات ذات التكنولوجيا العالية قد نمت بسرعة. وقد ازدادت أهمية الأبحاث والتطوير وقصرت دورات العمر العملي للمنتجات. وهكذا في هذه البيئة المتحررة والمنافسة لا يمكن للشركات في الدول النامية ان تتنافس على أساس استيراد التكنولوجيات "الناضجة" من الدول المتقدمة وانتاجها من وراء حواجز تعرفية. والشركات حذرة أكثر مما كانت سابقا من نقل التكنولوجيا في طرق يمكنها ان تزيد التنافس التي تواجهها.

 

وهكذا فان المشكلة ليست الآن مشكلة الحصول على مقدار أكبر او أقل من التكنولوجيات الناضجة بموجب شروط عادلة ومتوازنة بل هي مشكلة حرية الحصول على التكنولوجيات المتقدمة اللازمة لتتمكن الشركات من المنافسة في الاقتصاد العالمي في هذه الأيام. لقد قوّت اتفاقية "تريبس" الحماية العالمية التي توفرها لموردي التكنولوجيا ولكن ليس هناك اطار دولي لتأمين حصول نقل التكنولوجيا ضمن اطار تنافسي يخفّض الى الحد الأدنى ممارسات ترخيص التكنولوجيا المقيّدة التي كانت المدونة تعالجها.

 

نحن غير متأكدين كيف يمكن ملء تلك الفجوة في الاطار الدولي. اعادة المحادثات بخصوص مدونة للمارسات ليست خيارا قابلا للتطبيق في هذه البيئة المتغيّرة. ولكننا نعتقد انه بتشجيع الدول النامية ومساعدتها على اصدار أنظمتها القانونية للمنافسة يخدم مصالحها على نحو أفضل. وقد جرى البحث منذ مدة طويلة في أروقة منظمة التجارة الدولية في تطوير اطار لسياسة المنافسة الدولية. ونحن نتفهم تردد الدول النامية في المضي بهذا المسار ولكن تطوير قوانين المنافسة الوطنية والتعاون الدولي الفعال من شأنهما ان يعملا بمثابة ثقل موازن لتلك النواحي من اتفاقية "تريبس" التي تقيّد المنافسة على الصعيد العالمي وتعيق نقل التكنولوجيا في بعض الظروف.

 

وبالنسبة الى اتفاقية "تريبس" فان الأدلة توحي بأن التدابير الواردة في المادة 66-2 لم تكن فعالة. لا يبدو بأن الدول المتقدمة قد اتخذت تدابير اضافية لتشجيع نقل التكنولوجيا من قبل شركاتها ومؤسساتها. وعلاوة على ذلك، بما ان المادة تنطبق فقط على الدول الأقل نموا فهي تبدو مقيّدة أكثر مما ينبغي. ومثلما ذكرنا أعلاه، فهذه الدول هي دول من المحتمل ان تكون الى حد بعيد دولا ذات قدرة امتصاصية قليلة للتكنولوجيا. وهكذا فنحن لا نعتبر المادة 66-2 الوسيلة المناسبة لمواجهة المسألة الكاملة لنقل التكنولوجيا الى الدول النامية. وبالاضافة الى ذلك، بعض التدابير الواردة في اتفاقية "تريبس" والتي كانت تستخدم تاريخيا لنقل التكنولوجيا، مثل استعمال العمل الاجباري، قد تم تخفيفها بموجب اتفاقية "تريبس". وبما ان التكنولوجيا هي معظمها في أيدي خاصة واتفاقية "تريبس" تتعاطى بصورة رئيسية بحماية حقوق الملكية الفكرية بدلا من نقل التكنولوجيا، فنحن لسنا متأكدين ما اذا كانت اتفاقية "تريبس" او منظمة التجارة العالمية بوجه عام هي المنبر الصحيح للمباحثات حول نقل التكنولوجيا.

 

ولذلك نحن نرحب بتشكيل مجموعة العمل حول التجارة ونقل التكنولوجيا والتي سترفع تقريرها الى مؤتمر منظمة التجارة الدولية على المستوى الوزاري الذي سينعقد العام المقبل. (58) ونحن نقترح بأن تتضمن مداولاته دراسة ما اذا يمكن جعل اتفاقية "تريبس" تعمل بشكل أفضل كآلية واحدة لتشجيع نقل التكنولوجيا وما هي التدابير التي يمكن ان يكون مرغوبا بها لتأمين بأن نظام حقوق الملكية الفكرية يشجّع تحويل التكنولوجيا ولا يعيقه. ولكننا نرى بأن مجموعة التدابير المكملة والتي ستكون لازمة لتشجيع نقل التكنولوجيا على قدر متساو من الأهمية.

 

ومع ان معظم التكنولوجيا التطبيقية هي مملوكة ملكية خاصة فمن الأهمية ان نتذكر مدى دعم الانفاق العام على الأبحاث الأساسية والتطبيقية لعملية التطوير التكنولوجي. كثيرا ما نجد الآن بأن الانفاق العام في الدول المتقدمة له هدف واضح وهو تعزيز المنافسة الدولية، وعلى نحو متزايد، تسجيل مثل تلك الأبحاث ببراءة كما نبحث في الفصل السادس. وهكذا فان تمويل الأبحاث لا يكون عادة مربوطا بمواطني الدولة، وهو أمر نتفهمه، ولكن يمكن أيضا ان تكون الفوائد الناجمة عن مثل تلك الأبحاث مقيّدة بمواطني الدولة. مثلا، القانون في الولايات المتحدة يقيّد الى حد ما ترخيص التكنولوجيات الممولة من الأموال العامة بمواطني الولايات المتحدة، وهي سياسة منطقها العلمي والاقتصادي غير واضح. (59)

 

القدر الكبير من أجندة نقل التكنولوجيا هو خارج نظاق صلاحيتنا ولكننا نعتقد انه من الجدير أخذ التدابير التالية بعين الاعتبار بجدية وهي:

 

·                   توفير سياسات حافزة منافسة في الدول المتقدمة لتشجيع نقل التكنولوجيا، مثلا إعفاءات    ضريبية للشركات التي تعطي تراخيص لتكنولوجيتها الى الدول النامية.

·                   وضع سياسات للمنافسة الفعالة في الدول النامية.

·                   توفير مبالغ أكبر من الأموال العامة لتشجيع القدرات التكنولوجية والعلمية الأهلية في الدول النامية وذلك عن طريق التعاون العلمي والتكنولوجي. مثلا، تأييد تحالف الأبحاث العالمي المقترح (60) بين مؤسسات الأبحاث في الدول النامية والمتقدمة.

·                   أخذ تعهدات وضمان جعل فوائد الأبحاث الممولة من الأموال العامة متوفرة للجميع.

·                   وأخذ تعهدات وضمان قدرة وصول الجميع الى قواعد المعلومات العلمية.

 

________________________________________________________________________________

(1) الدور الدقيق للمعرفة والتغيير الفني كان موضوع نقاش بين علماء الاقتصاد، ولكن هذا هو الرأي المهيمن. وللحصول على المباحثات غير الفنية للمناقشة المرجو مراجعة البنك العالمي (1991) "تقرير التنمية العالمية 1998-1999: المعرفة من أجل التنمية"، البنك العالمي، واشنطن دي سي، الصفحات 18-22. المصدر: http://www.worldbank.org/wdr/wdr98/ 

(2) البنك العالمي (1999)، الصفحة 20

(3) K. Maskus   (2000أ) "حقوق الملكية الفكرية في الاقتصاد العالمي"، معهد الاقتصادات العالمية، واشنطن دي سي، الصفحات 73-79.

(4) E. Mansfield (1986) "براءات الاختراع والابتداع"، علم الادارة، المجلد 32:2 الصفحات 173-181.

(5) S. Radovesic  (1999) "نقل التكنولوجيا الدولية واللحاق بالتنمية الاقتصادية"، الغار، تشلتنهام الصفحة 242. وأيضا K. Saggi. (2000) "التجارة والاستثمار الأجنبي المباشر ونقل التكنولوجيا الدولية: دراسة"، البنك العالمي، واشنطن دي سي (المصدر: http://www1.worldbank.org/wbiep/trade/papers2000.saggiTT-fin.pdf) ، N. Rosenberg (1982)

"داخل الصندوق الأسود؛ التكنولوجيا والاقتصاد"، دار جامعة كيمبريدج للنشر، كيمبريدج.

(6) راجع ملخص الأسماء للحصول على تفسير لمعاهدة التعاون في براءات الاختراع

(7) اشتملت تلك الدول النامية التي منحت أكثر من 50 براءة اختراع أمريكية في عام 2001 على ما يلي: الصين 266، الهند 179، جنوب أفريقيا 137، البرازيل 125، المكسيك 87، الأرجنتين 58، ماليزيا 56. وتلقت الصين (تايوان) 6545 وكوريا 3763 ولكن هاتان الدولتان ليستا دولا نامية حسب تصنيف البنك العالمي. ويفيد حسابنا بأن 1560 براءة اختراع أمريكية منحت الى الدول النامية الواردة في لائحة البنك العالمي من بين 184057 براءة اختراع منحت في عام 2001. المصدر: all.pdf http://  www.uspto.gov/web/offices/ac/ido/oeip/taf/cst

(8) المعلومات وفرتها لنا المنظمة العالمية للملكية الفكرية. 4816 طلب لبراءة الاختراع بين عامي 1999-2001 أتت من تلك الدول الخمسة من بين 5014 طلبا تقدمت بها الدول النامية. وبلغ مجموع الطلبات بين عامي 1999-2001 مجموع  268918 طلبا. وكانت كل من كوريا (4622 طلبا) و سنغافورة (640 طلبا) أيضا من المقدمين الكبار  لطلبات تسجيل البراءات.

(9) راجع تلخيص الأسماء للتعريف.

(10) J. Stiglitz "المعرفة كصالح عام عالمي"، في Kaul، I. Grunberg، و M. Stern. (المحررين) (1999) "الصالح العام العلمي في القرن العشرين: التعاون الدولي في القرن العشرين/ دار جامعة اكسفورد للنشر، اكسفورد.

(11) نبحث في هذه المواضيع بتفصيل أكثر في الفصل السادس.

(12) تجربة الاقتصادات "الناشئة" مثل كوريا توحي بأنه في بادىء الأمر يتخذ القطاع العام مركز القيادة ومن ثم لما يصبح القطاع أكثر ابتداعا يتجه القطاع الخاص الى الهيمنة. وهكذا نجد في كوريا بأن معظم براءات الاختراع الأمريكية يستصدرها القطاع الخاص ولا سيما في مجال الالكترونيات. وفي الهند لا يزال القطاع العام هو القطاع المسيطر ولكن هناك مؤشرات تشير الى ازياد النشاط في طلب براءات الاختراع من قبل القطاع الخاص. مثلا في عام 2001، منحت شركتان من قادة شركات الادوية في الهند 11 براءاة اختراع في الولايات المتحدة بالمقارنة ب 58 براءة اختراع للمجلس الهندي للأبحاث العلمية والصناعية.  المصدر: stc.htm  http://www.uspto.gov/web/offices/ac/ido/oeip/taf/asgstc/inx

(13) E. Penrose (1951) "اقتصادية نظام براءات الاختراع الدولي"، دار جون هوبكينز للنشر، بولتيمور، الصفحات 116-117.

(14) F. Machlup. (1958) "مراجعة اقتصادية لنظام براءات الاختراع"، مكتب الحكومة الأمريكية للطباعة،واشنطن دي سي، الصفحة 80.

(15) L. Thurow (1997) "مطلوب: نظام جديد لحقوق الملكية الفكرية"، مراجعة هارفارد للأعمال، سبتمبر/أيلول-اكتوبر/تشرين الأول 1997، الصفحة 103. المصدر:

home.jhtm  http://harvardbusinessonlime.hbsp.harvard.edu/b01/en/hbr/hbr   

(16) L. Lessig. (1999) "المشكلة مع براءات الاختراع"، مقياس الصناعة، 23 أبريل/نيسان 1999. المصدر:

http://www.thestandard.com/article/display/0,1151,4296.html

(17) J. Sachs "الفرق العالمي في الابتداع"، في A. Jaffe،  J. Lerner. و S. Stern، محررون (آت قريبا) "سياسة الابتداع والاقتصاد: المجلد 3، دار ام آي تي للنشر، كيمبريدج، ماساتشوستس. المصدر:

http://www.nber.otg/books/innovation3/

(18) راجع تلخيص الأسماء للتعريف.

(19) تلخّص وثيقة مقدمي العريضة قضيتهم كما يلي: "هذه التمديدات الشاملة المتكررة لمدد حقوق النشر والتأليف القائمة حاليا تتجاوز صلاحيات الكونغرس بموجب مادة حقوق النشر والتأليف، لأنها تنتهك متطلب "الأوقات المجدودة" ولأنها تنتهك متطلب "الأصالة" التي تتطلبها هذه المحكمة. وهي تنتهك متطلب "الأوقات المحدودة"، اولا، لأن المدد  المعرضة الى التمديدات الشاملة المتكررة ليست "محدودة"؛ وثانيا، لأن المدة الممنوحة الى عمل قائم حاليا لا "تشجّع تقدم العلوم"؛ وثالثا، لأن منح مدة أطول لأعمال قائمة حاليا تنتهك متطلب المعاملة بالمثل في مادة حقوق النشر والتأليف والذي يقضي بمنح حقوق الاحتكار في مقابل الفائدة العامة." المصدر:

http://eon.law.harvard.edu/openlaw/eldredvashcroft/supct/opening-brief.pdf

(20) المصدر: http://www.myoutbox.net/poar1858.htm

(21) راجع تلخيص الكلمات للتعريف.

(22) F..Machlup و E. Penrose. (1950) "الجدل حول براءات الاختراع في القرن التاسع عشر". مجلة التاريخ الاقتصادي، المجلد 1:10، الصفحة 20.

(23) مع ان فاحصي براءات الاختراع قد يتساءلوا ما اذا كان منح براءة الاختراع "يترك أي شيء لحكمة المرء".

(24) Machlup و Penrose (1950)، الصفحة 24.

(25) Penrose (1951) الصفحات 120-124.

(26) العمل الاجباري فرض الزاما مختلف الأنواع بموجب قانون براءات الاختراع يضمن بأن البضائع المحمية ببراءات الاختراع مصنوعة محليا وليست مستوردة من البلد حيث جرى فيه منح براءاة الاختراع.

(27) E. Schiff (1971) "التصنيع بدون براءات اختراع قومية": هولندا 1869-1919، سويسرا، 1850-1907"، دار جامعة برنستون للنشر، برنستون.

(28) راجع تلخيص الأسماء للتعريف.

(29) من بين أمور أخرى، ينص القانون على حماية العملية فقط (لمدة سبع سنوات )في مجال الأطعمة والعقاقير والمواد الكيماوية. وهذا يتيح المجال لعكس هندسة العقاقير المحمية ببراءة شرط ان تتبع في ذلك عملية صناعية مختلفة.

(30) راجع تلخيص الأسماء للتعريف.

(31) N. Kumar. (2002) "حقوق الملكية الفكرية، التنمية التكنولوجية والاقتصادية: خبرات الدول الآسيوية"، وثيقة خلفية للجنة 1ب، الصفحات 27-35. المصدر: http://www.iprcommission.org

(32) البنك العالمي (2001أ) "التوقعات الاقتصادية العالمية والدول النامية 2002: جعل التجارة تعمل لصالح فقراء العالم"، البنك العالمي، واشنطن دي سي، الصفحة 133. المصدر: http://www.worldbank.org/prospects/gep2002/

(33) وزارة التجارة الأمريكية، مكتب التحليل الاقتصادي، نشرات مختلفة

(34) البنك العالمي (2001ب) "مؤشرات التنمية العالمية 2001"، البنك العالمي، واشنطن دي سي، الجدول 5-11. المصدر: http://www.worldbank.org/data/wdi2001/

(35) راجع تلخيص الأسماء للحصول على تعريف للعبارات المستعملة في هذه الجملة.

(36) Z. Khan. (2002) "الملكية الفكرية والتنمية الاقتصادية: دروس من التاريخ الأمريكي والاوروبي"، وثيقة خلفية للجنة 1أ، لندن. الصفحة 16. المصدر: http://www.iprcommission.org

(37) K. Maskus و C. McDaniel (1999) "تأثير نظام براءات الاختراع الياباني على نمو الانتاجية". اليابان والاقتصاد العالمي، المجلد 11، الصفحات 557-574.

(38) S. Dahab . (1986) "التغيير التكنولوجي في صناعات الأدوات الزراعية البرازيلية"، اطروحة دكتوراه غير منشورة، جامعة ييل، نيو هيفن و K.  Mikkelsen (1984) "نشاط الاختراع في الصناعة الفيليبينية"، اطروحة دكتوراه غير منشورة، جامعة ييل، نيو هيفن.

(39) هذه مستمدة من Maskus و McDaniel (1999) و Kumar (2002).

(40) Mansfield (1986)

(41) S. Thomas "الملكية الفكرية في المشاريع التكنولوجية الحيوية الصغيرة والمتوسطة الحجم"، في بلاكبيرن، آر. (المحرر) (قيد الطباعة) "الملكية الفكرية وادارة الابتداع في الشركات الصغيرة"، راتليدج، لندن.

(42) خلاصات برنامج الأبحاث في الملكية الفكرية، المصدر: http://info.sm.umist.ac.uk/esrcip/background.htm

(43) راجع الأبحاث في Kumar (2002)، الصفحة 6 و في ماسكوس (2000أ)، الصفحة 169.

(44) D. Gould و W. Gruben. (1996) "دور حقوق الملكية الفكرية في النمو الاقتصادي"، مجلة اقتصادات التنمية، المجلد 48، الصفحات 323-350.

(45) راجع المباحثات في Maskus (2000أ)، الصفحات 102-109.

(46) احصائيات المنظمة العالمية للملكية الفكرية. المصدر: http://www.wipo.int

(47) دخل الفرد بين 2976 دولار أمريكي و 9205 دولار أمريكي في عام 2001، مجموعة الدول النامية في فئة الدخل المتوسط الأعلى حسب تصنيف البنك العالمي. المصدر: http:www.worldbank.org/data/countryclass/countryclass.html

(48) K. Maskus و M. Penubarti (1997) "ما هو مدى علاقة حقوق الملكية الفكرية بالتجارة؟" مجلة الاقتصادات الدولية، المجلد 39، الصفحات 227-248، P. Smith (1999) "هل تشكّل حقوق براءات الاختراع الضعيفة حائلا للصادرات الأمريكية؟"، مجلة الاقتصادات الدولية، المجلد 48، الصفحات 151-177.

(49) Maskus (2000أ)، الصفحة 113.

(50) المباحثات في تلك المعلومات موجودة في Maskus (2000أ)، الصفحات 119-142، و Kumar (2002)، الصفحات 11-18.

(51) Maskus (2000أ)، الصفحة 131.

(52) K. Maskus. (2000ب) "حقوق الملكية الفكرية والاستثمار الأجنبي المباشر"، وثيقة مباحثات السياسة الرقم 0022، جامعة أديليد، أديليد الصفحات 2-3. المصدر: http://www.adelaide.edu.au/CIES/0022.pdf

(53) اشارة عابرة عند وصف اتفاقية الدوحة في البنك العالمي (2002) "تمويل التنمية العالمية 2002"، البنك العالمي، واشنطن دي سي. المصدر: http://www.worldbank.org/prospects/gdf2002/

(54) وثيقة الجمعية العامة للأمم المتحدة أ/55/1000، 26 يونيو/حزيران 2001. حقوق الملكية الفكرية مذكورة ولكن ليس في المباحثات المتعلقة بتدفق الرأسمال الخاص او الاستثمار الأجنبي المباشر. المصدر:

http://www.un.org/esa/ffd/a55-1000.pdf

(55) البنك العالمي/اتحاد الصناعات الهندية (2002) "تحسين جو الاستثمار في الهند"، مسودة، مجموعة البنك العالمي، واشنطن دي سي. المصدر:        course/core  pdfs/roger  india.pdf http://www.worldbank.org/wbi/corpgov/core   

(56) E. Mansfield (1994) "حماية الملكية الفكرية، الاستثمار الأجنبي المباشر، ونقل التكنولوجيا"، وثيقة المباحثات لمؤسسة التمويل الدولية 19، آي اف سي، واشنطن دي سي. المصدر: http://www.ksg.harvard.edu/dvc/ifcintellprop.pdf

(57) جرت مراجعة التأثيرات التاريخية والحالية في S. Patel،  P. Roffe و A. Yusuf (2001) "نقل التكنولوجيا الدولية: اصول ونتائج مفاوضات الأمم المتحدة حول مسودة مدونة السلوك"، مجلة كلوير للقانون الدولي، لاهاي.

(58) راجع:  e/dda  e/dohaexplained  e.htm#technologytransfere http://www.wto.org/englis/tratop

(59) معاهد الصحة الوطنية في الولايات المتحدة اقترحت مؤخرا سياسة لتخويل حقوق الملكية الفكرية على الصعيد العالمي المستمدة من المتعاونين الأجانب في الأبحاث في الحكومة الأمريكية، باستثناء في بلد المتعاون في الأبحاث. المصدر: http://grants.nih.gov/grants/guide/notice-files/NOT-OD-02-039.html

(60) المصدر: http://www.research-alliance.net


الفصل الثاني

 

الصحة

 

المقدمة

 

الموضوع

 

ان تأثير قواعد وممارسات قواعد الملكية الفكرية على صحة الفقراء في الدول النامية قد أثار جدلا كبيرا في السنوات الأخيرة. وعلى الرغم من ان هذا الجدل قد سبق اتفاقية "تريبس" (1) وبرز في المفاوضات حول اتفاقية "تريبس"، فقد ازدادت قوته الدافعة بدخول اتفاقية "تريبس" موضع التنفيذ وبالارتفاع الدراماتيكي في حوادث فيروس نقص المناعة البشرية/الايدز، ولا سيما في الدول النامية. وبالنسبة للدول المتقدمة كانت صناعة الادوية احدى قوات الضغط (اللوبي) الرئيسية في التمديد العالمي لحقوق الملكية الفكرية. (2) وبالنسبة للدول النامية، ثمة قلق رئيسي ساورها وهو كيف يمكن لتبني أنظمة الملكية الفكرية ان يؤثر على جهودها في تحسين الصحة العامة والتنمية الاقتصادية والتكنولوجية على وجه العموم، ولا سيما اذا كان تأثير ادخال حماية براءات الاختراع هو زيادة سعر الأدوية وتخفيض مجال اختيار مصادرها.

 

ونحن ندرك أهمية حماية براءات الاختراع حماية فعالة بالنسبة للصناعة المشمولة أكثر من غيرها في اكتشاف وتطوير الادوية الجديدة. وفي الواقع من دون حافز براءات الاختراع فمن الشك ان يقوم القطاع الخاص باستثمار ذلك القدر من الأموال في اكتشاف او تطوير الأدوية، العدد الكثير منها قيد الاستعمال حاليا في الدول النامية والدول المتقدمة. صناعة الادوية في الدول المتقدمة تعتمد اعتمادا كبيرا على نظام براءات الاختراع أكثر من أية قطاعات صناعية أخرى للتعويض عن تكاليفها السابقة على الأبحاث والتطوير ولجني الأرباح ولتمويل الأبحاث والتطوير في المنتجات العتيدة. وقد بيّنت الدراسات المتعاقبة بأن شركات الادوية تعتقد، أكثر من الشركات في أي قطاع آخر، بأن حماية براءات الاختراع هي مهمة جدا في المحافظة على نفقاتها على الأبحاث والتطوير وعلى الابتداع التكنولوجي. (3) وتنظر الصناعة عن كثب، بكل اهتمام، الى كيفية تطبيق حقوق الملكية الفكرية على الصعيد العالمي، وهي تقاوم عموما الرأي القائل بأنها تشكّل حائلا رئيسيا امام الحصول على الادوية او تشكّل رادعا للتنمية في الدول النامية. مثلا، صرّح السير ريتشارد سايكس، الرئيس السابق لشركة غلاكسو سميث كلاين في شهر مارس/آذار الماضي بقوله:

 

"قلما يوجد من يجادل بأن هناك حاجة لحماية الملكية الفكرية في العالم المتقدم، ولكن يتساءل البعض ما اذا كان من المناسب تمديد تغطيتها بحيث تشمل العالم النامي، الأمر الذي تقوم به تدريجيا اتفاقية "تريبس" ومثل ما قلت، حماية الملكية الفكرية ليست سببا في الافتقار الحالي الى الحصول على الأدوية في الدول النامية. في مؤتمر الدوحة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قرر الأعضاء المنتسبون الى منظمة التجارة العالمية الى تأجيل تنفيذ اتفاقية "تريبس" بالنسبة الى الدول الأقل نموا الى عام 2016. أنا لا أعتقد بأن اتفاقية "تريبس" ستمنع الدول النامية الأخرى، مثل البرازيل والهند، من الحصول على الأدوية التي هي بحاجة اليها. ومن ناحية أخرى، فاني أعتقد بحزم بأن تلك الدول تملك القدرة على احتضان ورعاية صناعات لالادوية تعتمد على الأبحاث، بالاضافة الى رعاية صناعات ابتداعية أخرى، ولكن ذلك يحصل فقط عندما توفر الحماية للملكية الفكرية المتجسّدة في اتفاقية تريبس. هناك حاجة تدعو الى الاعتراف باتفاقية "تريبس" على انها أداة هامة للتنمية الصناعية في الدول النامية.(4)

 

ومع ذلك، فنحن أيضا على يقين تام بالقلق الذي تعبّر عنه الدول النامية والتي تعبّر عنه جهات أخرى بالنيابة عنها حول تأثير مثل تلك الحقوق على تلك الدول ولا سيما على أسعار الادوية. فاذا تم رفع أسعارها فهذا سيؤثر تأثيرا حادا بصورة خاصة على الفقراء، خصوصا في غياب توفر التدابير الواسعة الانتشار للحفاظ على الصحة العامة مثل تلك المتوفرة في معظم الدول المتقدمة. وهكذا فقد جادل الكثيرون من العديد من الدول النامية ومن المنظمات غير الحكومية عكس ذلك:

 

"لماذا تعارض الدول النامية بهذه الشدة اتفاقية "تريبس"؟ خطأ الاتفاقية الرئيسي هو انها تلزم جميع الدول، الفقيرة منها والغنية، ان تمنح حماية لبراءة الاختراع مدتها 20 عاما على الأقل وذلك للأدوية الجديدة، وبالتالي تؤخّر انتاج الأدوية البديلة الزهيدة الثمن غير المحمية ببراءة التي تعتمد عليها الخدمات الصحية والفقراء في الدول النامية. ولا يوجد أي جانب مفيد في ذلك: ان الأرباح المتزايدة التي تجنيها شركات العقاقير الدولية من أسواق الدول النامية لن تضعها في القيام بأبحاث اضافية في أمراض الفقراء – وهو حقيقة تعترف بها بعض الشركات في السر." (5)

 

وهكذا فان نقطة الابتداء في هذا التحليل هي ان اعتبارات العناية بالصحة يجب ان تكون الغاية الرئيسية في تقرير ما هو نطام الملكية الفكرية الذي يجب ان يطبق على منتجات العناية بالصحة. لا تمنح حقوق الملكية الفكرية لتوفير الأرباح للصناعة الا لتتمكن تلك الشركات من استخدامها لتوفير عناية أفضل بالصحة على المدى الطويل. وهكذا يجب مراقبة تلك الحقوق عن كثب  للتأكد من انها في الواقع تعزز غايات العناية بالصحة، وفوق كل شيء، بأنها ليست مسؤولة عن منع الفقراء في الدول النامية من الحصول على العناية الصحية.

 

الخلفية

 

والحافز للقدر الكبير من النقاش في الآونة الأخيرة كان وباء فيروس نقص المناعة البشرية/الأيدز المتفشي. من الأهمية بصورة خاصة ان لا ندع المناقشة في هذا المجال ان تتأثر بافراط بتجربة نقص المناعة البشرية/الأيدز، على الرغم من دراماتيكيتها. اذ عدا فيروس نقص المناعة البشرية/الأيدز، الذي يشكّل أكبر سبب للوفاة في الدول النامية، فان داء السل والملاريا يؤديان تقريبا الى العدد نفسه من الوفيات. أدت الأمراض الثلاثة معا الى وفاة ستة ملايين شخص تقريبا في العام الماضي وأدت الى مرض الملايين الآخرين مرضا مبدئيا. (6) وبالاضافة الى ذلك هناك عدد من الأمراض الأقل شيوعا ولكنها مهمة كمجموعة. تشتمل هذه الأمراض، مثلا، على الجدري وداء الليشمانية ومرض النّوام (وهو مرض منتشر في أصقاع كثيرة من أفريقيا الاستوائية يتميّز بالحمى والنعاس والارتعاد والهزال) وداء شاغاس (الدّراق الطفيلي). (7)

 

وتعرض كل مجموعة من الأمراض مشاكل مختلفة فيما يتعلق بتطوير المداواة والعلاجات واقتصادات عملية الأبحاث والتطوير. بالنسبة للأمراض السائدة في العالم المتقدم وأيضا في الدول النامية، مثل فيروس نقص المناعة البشرية/الأيدز، السرطان او السكر، يمكن للأبحاث في القطاع الخاص او العام في العالم المتقدم تنتج علاجات 

تكون مناسبة أيضا للعالم النامي. بالنسبة لتلك الأمراض، يجدر بنا ان نتوقع بأن الوعد في توفير حماية قوية للملكية الفكرية في العالم المتقدم من شأنه ان يعمل بمثابة حافز رئيسي للاستثمار في الأبحاث والتطوير. ولكن من الجدير بالملاحظة ان بعض أنواع فيروس نقص المناعة البشرية/الأيدز المتفشية في أفريقيا تختلف، مثلا، عن تلك الموجودة في الدول المتقدمة وهكذا يتطلب الأمر استنباط علاجات مختلفة لها.

 

وحيث تكون العلاجات المناسبة موجودة فان الحصول عليها يعتمد على القدرة على تحمّل نفقاتها وعلى وجود بنية اساسية للخدمة الصحية لدعم توفيرها. ونحن نعتبر كلفة الادوية عاملا مقلقا هاما في الدول النامية لأن معظم الفقراء في الدول النامية يدفعون ثمن العقاقير التي يحتاجون اليها وتوفيرها من قبل الدولة هو عادة اختياريا ومقيّدا بالمصدر. ليس هذا هو بالأمر عموما بالنسبة للعالم المتطوّر حيث تسدّد التكاليف عموما اما الدولة او شركات التأمين. ومع ذلك فان كلفة العقاقير هي مسألة سياسية مثيرة للجدل في الدول المتقدمة بالنسبة للحكومات وللمرضى غير المشمولين في مشاريع الدولة او التأمين الفعالة. (8) وفي الدول النامية يشكّل عدم كفاية البنية التحتية مشكلة هامة وهذه قد تعني ان حتى الأدوية الرخيصة لا تستعمل او انه يساء استعمالها الأمر الذي يساهم في نشوء جراثيم او فيروسات مقاومة للعقاقير.

 

ومن جديد نرى بأن فيروس نقص المناعة البشرية/الأيدز يوفر رسما بيانيا مساعدا لتلك المسائل. معالجة فيروس نقص المناعة البشرية بمضادات لارتجاع الفيروس او بعقاقير لعلاج العدوى الانتهازية الملازمة للمرض يبرز موضوع امكانية تحمّل كلفة العلاج بوضوح تام. التكاليف السنوية الدنيا للعلاج بمضادات ارتجاع الفيروس، حتى بأسعار مخفّضة جدا او بأسعار الأدوية المساوية غير المحمية ببراءة لا تغطي تكاليف الأبحاث والتطوير، تتجاوز الى حد بعيد نفقات الصحة السنوية للفرد في معظم الدول النامية. يبلغ الانفاق الحالي للفرد على الصحة في الدول النامية ذات الدخل المنخفض معدل 23 دولارا بالسنة ولكن أرخص العلاجات الثلاثية لمضادات ارتجاع الفيروس هي حاليا فوق 200 دولار بالعام او نحو ذلك. (9) وهكذا، بدون تمويل اضافي للأدوية ولخدمات توفير الخدمات الصحية تبقى كلفة علاج جميع الذين يحتاجون اليه كلفة لا يمكن تحملها حتى في أرخص أسعار الأدوية المحلية غير المحمية ببراءة. تقدر منظمة الصحة العالمية بأن أقل من 5% من الذين يحتاجون الى العلاج من فيروس نقص المناعة البشرية/ الأيدز يتلقون العلاج بمضادات ارتجاع الفيروس. فقط حوالي 230 ألف شخص من الستة ملايين شخص الذين يقال بأنهم بحاجة الى مثل ذلك العلاج في العالم النامي يتلقون بالفعل هذا العلاج ونحو نصف هؤلاء يعيشون في البرازيل. (10)

 

وتنشأ أسئلة مماثلة حول القدرة على تحمّل تكاليف العلاج بالنسبة لأمراض أخرى. مثلا، داء السل والملاريا سائدان الى حد كبير في الدول النامية مع ان هناك انبعاثا لداء السل في العالم المتقدم. ويجب ان لا يغيب عن ذاكرتنا بأن داء السل هو السبب الأول للوفاة بين المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية وحوالي الثلث من هؤلاء مصابين معا بداء السل. (11) وبالنسبة لتلك الأمراض وللأمراض المقتصرة على العالم النامي فان المسألة هي مسألة كيفية تعبئة الموارد من اجل الأبحاث والتطوير من القطاعين الخاص والعام لايجاد أدوية جديدة وبعد تطويرها تأمين وصولها الى الذين هم بحاجة اليها.

 

والنقطة الأخيرة هي من المسائل الحرجة للغاية المتعلقة بالعناية بالصحة في الدول النامية. كيف يمكن ايجاد الموارد اللازمة لتطوير العقاقير الجديدة واللقاحات للأمراض التي تصيب بصورة سائدة الدول النامية وليس الدول المتقدمة عندما تكون القدرة على دفع ثمنها هي محدودة الى هذا الحد؟ وحتى بوجود سوق لها في دولة متقدمة يمكن فيها استرجاع تلك الموارد من الأسعار العالية لتلك العقاقير، كيف يمكن تأمين القدرة على تحمّل تكاليف تلك العقاقير في الدول النامية؟ كيف يمكن حل التضارب بين هاتين الغايتين، أي تغطية تكاليف الأبحاث والتطوير وتخفيض الكلفة بالنسبة للمستهلك؟  ومثل ما هو الحال بالنسبة للتطوّر التكنولوجي عموما، هل لنظام الملكية الفكرية دور يمكنه ان يلعبه في حفز قدرات الدول النامية نفسها على تطوير وانتاج العقاقير التي هي او دول نامية أخرى بحاجة اليها؟

 

هذا هو السياق الذي نحتاج فيه الى دراسة الدور الذي يمكن فيه لحقوق الملكية الفكرية ان تلعبه في المساعدة على مواجهة تلك المعضلات. ليس من صلاحيتنا دراسة في العمق النطاق الواسع من العوامل التي تؤثر على صحة الفقراء او على جودة الخدمات الصحية في الدول النامية. لقد تم البحث في تلك العوامل بعمق في التقرير الأخير الذي أصدرته لجنة منظمة الصحة العالمية حول الاقتصادات الكبرى والصحة. (12) استخلصت لجنة الاقتصادات الكبرى والصحة بأن هناك حاجة الى ادخال مقدار كبير من الأموال العامة الاضافية في خدمات الصحة وفي البنية الاساسية والأبحاث من أجل مواجهة الحاجات الصحية للدول النامية. وفي رأيها لم تعرض حماية براءات الاختراع الا حافز صغير للأبحاث في الأمراض المتفشية في الدول النامية، في غياب سوق هامة. (13) وبالنسبة الى القدرة على الحصول على الأدوية فهي تحبّذ العمل التنسيقي لتأسيس نظام من التسعير التفاضلي (14) لمصلحة الدول النامية. واذا اقتضت الضرورة باستخدام واسع للترخيص الاجباري. (15)

 

تلك الاستنتاجات ذات صلة بمهمتنا الحالية. ينطوي دورنا على الاشارة بتفصيل أكبر الى كيف يمكن لقواعد الملكية الفكرية وممارساتها ان تساهم في ضمان صحة أفضل للفقراء مع ادراكنا التام بأنه يجب تكملة تلك التغييرات بسلسلة من الأفعال التي اقترحتها لجنة اللجنة المختصة بالاقتصادات الكبرى والصحة.

 

ونحن نقوم بذلك بالنظر في ثلاثة أسئلة رئيسية وهي:

 

·                   كيف يساهم نظام الملكية الفكرية في تطوير الأدوية واللقاحات التي يحتاج اليها الفقراء؟

 

·                   كيف يؤثر نظام الملكية الفكرية على قدرة حصول الفقراء على العقاقير وعلى توفرها؟

 

·                   ماذا يعني ذلك ضمنيا بالنسبة لقواعد وممارسات الملكية الفكرية؟

 

الأبحاث والتطوير

 

حوافز الأبحاث

 

يقدّر بأن أقل من 5% من المال المنفق في كافة أنحاء العالم على الأبحاث والتطوير في الادوية هو من أجل أمراض تؤثر بصورة رئيسية على الدول النامية.(16) والأبحاث في الادوية التي يقوم بها القطاع الخاص تدفعها اعتبارات تجارية واذا كان الطلب في الواقع هو صغير من حيث حجم السوق، حتى للأمراض الشائعة مثل السل والملاريا، فكثيرا ما يكون غير مجدي تجاريا تكريس موارد كبيرة لمواجهة تلك الحاجات. في عام 2002 تم تقدير سوق العقاقير العالمية بـ 406 مليار دولار أمريكي تعود نسبة 20% منها الى العالم النامي ونسبة أقل بكثير من ذلك الى الدول النامية ذات الدخل المنخفض.(17) وفي عدد كبير من الشركات المنتجة للادوية فهم يضعوا غاياتهم للأبحاث على أساس العائد. وقد علمنا بأن الشركات الكبرى المنتجة للادوية غير مستعدة للقيام بنوع معيّن من الأبحاث ما لم تكن النتيجة منتج تبلغ مبيعاته السنوية مليار دولار أمريكي. وبما ان الشركات الخاصة مسؤولة بصورة أولية تجاه حاملي أسهمها فهذا يؤدي بالضرورة الى أجندة أبحاث يقودها طلب السوق وذلك في أسواق العالم المتقدم، بدلا من حاجات الفقراء في العالم النامي وهي بالتالي تركز اهتمامها على الأمراض غير المعدية.

 

وبغض النظر عن نظام الملكية الفكرية السائد في الدول النامية، ففي الواقع لا يوجد حافز تجاري للقطاع الخاص للقيام بأبحاث ذات صلة محددة بغالبية الفقراء المقيمين في الدول ذات الدخل المنخفض. وبناء على ذلك قلما يجري مثل ذلك العمل في القطاع الخاص. ومجمل الأبحاث والتطوير في مجال الادوية التي  يقوم بها القطاع الخاص قد تضاعف في السنوات العشرة الماضية وتم تقديره في عام 2000 بـ 44 مليار دولار أمريكي.(18) من الصعب التقرير بدقة ما هي النسبة من ذلك الرقم يجري توجيهه نحو الأبحاث في الأمراض المتفشية بصورة خاصة في الدول النامية. ولكن جرى التقدير بأنه من بين 1393 عقارا تم التصديق عليها بين عامي 1975 و 1999 فقط 13 عقارا منها كانت موجهة مباشرة الى الأمراض المتفشية في المناطق الاستوائية.(19) ولكن عندما تكون الأمراض مشتركة في كل من الدول المتقدمة والدول النامية فان الصورة تبدو مختلفة. وهكذا هناك أبحاث وتطوير كبيرة من قبل القطاع الخاص في فيروس نقص المناعة البشرية/الأيدز. وبالمقارنة هناك عمل محدود على داء السل والملاريا وتقريبا لا يوجد البتة على داء النّوام.(20) وبالنسبة لفيروس نقص المناعة البشرية/الأيدز هناك الآن 64 عقارا مصدقا عليه في الولايات المتحدة لعلاج المرض والعدوى الانتهازية المرافقة له و 103 عقاقير قيد التطوير.(21)

 

وفي حال القطاع العام مثل المعاهد الوطنية للصحة في الولايات المتحدة او في مجالس الأبحاث الطبية في الدول المتقدمة الأخرى، لا يختلف الوضع كثيرا لأن أولوياتها في الأبحاث تقررها بصورة رئيسية الاعتبارات المحلية. يقدّر بأن انفاق القطاع العام على الأبحاث الصحية كان 36 مليار دولار أمريكي في عام 1998 تم الانفاق منه 5ر2 مليار دولار أمريكي على الدول النامية المنخفضة والمتوسطة الدخل. (22) وفي عام 2001 أنفقت المعاهد الوطنية الأمريكية للصحة وحدها أكثر من 20 مليار دولار أمريكي. وبالاضافة الى ذلك يقدّر بأن المؤسسات الخيرية أنفقت 6 مليارات دولار أمريكي على الأبحاث.(23) والبرنامج الخاص للأبحاث والتدريب في الأمراض الاستوائية الذي ترعاه منظمة الصحة العالمية لا يتلقى أكثر من 30 مليون دولار أمريكي بالسنة. ولم يجر التقدير رسميا النسبة الدقيقة لانفاق القطاع العام على الأمراض ذات الصلة بالدول النامية، ولكن من غير المحتمل ان يكون أكثر من

10%. تجري الآن مواجهة الوضع عن طريق منظمة الصحة العالمية والمنبر العالمي للأبحاث الصحية وعن طريق مبادرة الأطباء بلا حدود للبحث في عقاقير للأمراض المهملة وكذلك لتوفير التمويل الاضافي من قبل المؤسسات الوقفية وتطوير عدد كبير من الشراكات العامة-الخاصة لمواجهة أمراض معيّنة.(25) ولكن لا يزال مستوى التمويل الاجمالي لتلك الجهود معتدلا جدا بالنسبة لنطاق المشكلة والانفاق العالمي على الأبحاث والتطوير الذي يقدّر بـ 75 مليار دولار أمريكي، ولا تزال النتيجة غير أكيدة.

 

وهكذا ما هو الدور الذي تلعبه حماية الملكية الفكرية في الحفز على الأبحاث والتطوير في الأمراض السائدة في الدول النامية؟ كل الأدلة التي فحصناها توحي بأنه قلما ما يلعب أي دور البتة الا بالنسبة لتلك الأمراض التي يوجد لها سوق في العالم المتطوّر (مثلا مرض السكر او أمراض القلب). هناك بعض الأدلة الضعيفة تشير الى زيادة في مؤشرات الأبحاث في داء الملاريا منذ ان تم الاتفاق على اتفاقية "تريبس"، ولكن لم تتضح العلاقة بين السبب والنتيجة.(26) ان لب المشكلة هو الافتقار الى طلب سوقي كاف لحث القطاع الخاص على تخصيص الموارد للأبحاث والتطوير. وهكذا فنحن نعتقد بأن وجود او غياب حماية الملكية الفكرية في الدول النامية هو في أفضل الأحوال ذو أهمية ثانوية في توليد الحوافز للأبحاث الموجهة نحو الأمراض السائدة في الدول النامية.

وهكذا فان تلك الأبحاث قد لا تكون كافية من حيث المقدار بسبب الطلب الفعال غير الكافي من الدول النامية حيث المرض متركّز بشدة. وعلاوة على ذلك فان الأبحاث، ولا سيما على اللقاحات، قد يتطلب معالجة خصائص الأمراض الخاصة بالدول النامية، حيث الحل في العالم المتقدم قد لا يعالج المشكلة في العالم النامي. مثلا معظم اللقاحات ضد فيروس نقص المناعة البشرية يجري تطويرها من أجل بروفيلات جينية من النوع الفرعي ب، السائد في الدول المتقدمة بينما معظم المرضى بالأيدز في الدول النامية هم مصابون بالنوعين أ و ج. والأبحاث في اللقاحات ضد فيروس نقص المناعة البشرية تشكّل تحديا علميا بصورة خاصة بسبب الطريقة التي يتجنب فيها الفيروس استجابات المناعة الطبيعية في جسم الانسان والطريقة التي يتحوّل فيها.(27) والأبحاث في اللقاح ضد الملاريا يشكل تحديا أيضا بسبب حجم والتنوع لطفيّل الملاريا وتعقّد تحوّله.(28) وهكذا، بالنسبة للقطاع الخاص فان الأبحاث باللقاح يعتبر استثمارا عالي الخطر ومنخفض المردود ولا سيما فيما يتعلق بأنواع الأمراض السائدة في الدول النامية. ينـزع السوق الى التقليل من قيمة المردود الاجتماعي من اللقاحات أكثر مما هو الحال بالنسبة للعلاجات.(29) وبالنسبة للملاريا فان طلب السوق تهيمن عليه عقاقير مانعة للمرض تقدم للمسافرين من الدول المتقدمة بدلا من ايجاد لقاحات من شأنها ان تساعد المعانين من المرض في العالم النامي.

 

وفيما يتعلق بداء السل حيث يوجد نحو ثمانية ملايين شخص يعانون من المرض في الدول النامية فلم يجر تطوير فئة جديدة من العقار المضاد للسل منذ أكثر من 30 عاما. والعلاجات الحالية تتطلب مجموعة جرعات من العقاقير لمدة 6 أشهر او أكثر. وثمة عقار يمكنه ان يؤدي الى النتيجة ذاتها في ظرف شهرين يمكنه ان يؤثر تأثيرا دراماتيكيا في المساعدة على التحكم بالمرض على الصعيد الدولي. والتحدي العلمي في انتاج مثل هذا الدواء هو تحدي هام بالنظر الى خصائص المرض.(30) فقد قدّر تقرير أخير للاتحاد العالمي لتطوير عقار ضد مرض السل بأنه اعتمادا على طلب السوق (الخاص والعام وكذلك من الدول المتقدمة) قد يكون هناك بالفعل مردود مالي محترم على الكلفة المقدّرة لتطوير عقار جديد ومحسّن. ومع ذلك، لا يعتبر بأن حماية الملكية الفكرية والاقتصادات المؤاتية ستحث الاستثمار من دون اشتراك كبير من القطاع العام.(31) والنموذج الحالي المتبع من قبل شركات الادوية المبنية على أساس الأبحاث هو ان الانفاق على الأبحاث وجني الربح يعتمدان على مبيع عدد قليل من العقاقير "الرنانة"، التي تبلغ مبيعاتها عادة أكثر من مليار دولار بالسنة، الأمر الذي يساعد على تمويل النسبة العالية من الفشل في عملية الأبحاث والتطوير.(32) ولكن لدى تلك الشركات الحرية في متابعة مسارات واعدة أينما تقود بها، مثلا في علاج مرض او حالة لم يتصورونها من قبل. ويجب ان تكون اقتصادات الأبحاث من أجل علاج معيّن لمرض معيّن مؤاتيا لكي يحثّ الأبحاث الهامة فيه.    

 

والبعض مثل السير ريتشارد سايكس أعلاه قد حاجج بقوله ان توفير حماية للملكية الفكرية في الدول النامية ذات المهارات العلمية والفنية الهامة من شأنها ان تساعد في زيادة مقدار الأبحاث المكرّسة لأمراض الدول النامية. هناك افتقار الى الأدلة حول هذا الأمر لأن معظم الدول المعنية قد بدأت باصدار قوانين تلتزم باتفاقية "تريبس" او لم تقم بذلك حتى الآن ولكننا لا نرى أي سبب يحول دون استجابة الشركات ذات القدرة على الأبحاث في الدول النامية الى حماية الملكية على الصعيد العالمي والى حوافز السوق بشكل يختلف اختلافا كبيرا عن تلك الموجودة في الدول المتقدمة. هناك بعض الأدلة على هذا السلوك من بعض الشركات في دول مثل الهند.(33) اما الواقع فهو ان الشركات الخاصة ستخصص مواردها الى المجالات التي تعود اليها بالحد الأكبر من الدخل. وعلاوة على ذلك، فان التحركات المدعومة دعما واسعا لتأسيس أسعار تفاضلية من شأنها ان تخفّض الهوامش لمكافأة الأبحاث والتطوير في الدول النامية، الأمر الذي يقوّض أية حوافز للقيام بأبحاث اضافية في الأمراض السائدة في الدول النامية.

 

وباختصار فنحن لا نعتقد بأن عولمة حماية الملكية الفكرية من شأنها ان تساهم مساهمة هامة في زيادة الانفاق على الأبحاث والتطوير من قبل القطاع الخاص في أمور ذات صلة بعلاج أمراض تصيب الدول النامية بصورة خاصة. الطريقة المجدية الوحيدة للقيام بذلك هي بزيادة مقدار المساعدات الدولية المخصصة للأبحاث والتطوير في تلك الأمور. وقد أوصت اللجنة المختصة بالاقتصادات الكبرى والصحة بتخصيص مبلغ سنوي اضافي قيمته 3 مليارات دولار أمريكي لانفاقه على الأبحاث والتطوير وذلك عن طريق صندوق عالمي جديد للأبحاث في الصحة وعن طريق الآليات الموجودة حاليا وبواسطة الشراكات الخاصة والعامة.(34)

 

وتتطلب كيفية توجيه الأموال العامة المتزايدة للأبحاث من الموارد العامة دراسة مستفيدة وحذرة. يجب ان لا تعمل تلك الأمور بمثابة منبر لاعانة صناعة الادوية القائمة حاليا على الرغم من ان للصناعة بكل تأكيد دور تؤديه. يجب انتهاز الفرصة لبناء قدرات الدول النامية نفسها للقيام بالأبحاث والتطوير على علاجات لتلك الأمراض التي تؤثر عليها. وفي الدول النامية الأكثر تطورا تكنولوجيا يمكن ان تكون تلك الأبحاث فعالة جدا من حيث الأموال المنفقة عليها. مثلا، أسست شركة جنرال الكتريك ثاني أكبر مركز للأبحاث والتطوير في العالم في الهند وهي توظف هناك نحو ألف شخص من حاملي شهادات الدكتوراه كما قامت 27 شركة عالمية بتأسيس مراكز لها للأبحاث والتطوير في الهند بين عامي 1997 و 1999.(35) وهكذا يجب القيام بالأبحاث بالمساهمة النشيطة لمؤسسات الأبحاث المختارة والشركات في الدول النامية، مستغلين بذلك الموارد البشرية المتوفرة في تلك الدول والتكاليف المنخفضة للأبحاث والتطوير. وهناك حاجة أيضا الى التفكير تفكيرا مليا بالبنية المؤسسية لمثل ذلك التمويل. ان شبكة المجموعة الاستشارية حول الأبحاث الزراعية الدولية (36) من معاهد الأبحاث الزراعية (والتي نتكلم عنها في الفصل الثالث) هي نموذج من ذلك. وفي هذا الصدد لعل من الأفكار الواعدة فكرة تأسيس شبكة من الشراكات العامة والخاصة في الدول النامية مستغلين بذلك تركيز موارد الأبحاث في مؤسسات القطاع العام ومنتهزين أيضا الفرصة لبناء قدرة للأبحاث في القطاع الخاص. ويجب بصورة خاصة الضمان على قدر الامكان ان تكون الترتيبات للملكية الفكرية الناجمة عن مثل تلك الأبحاث بشكل يتيح المجال للفقراء للحصول على منتجات الأبحاث.

 

ينبغي زيادة الأموال العامة المنفقة على المشاكل الصحية في الدول النامية. ويجب ان يجري استخدام تلك الأموال الاضافية لاستغلال وتطوير القدرات المتوفرة حاليا في الدول النامية لمثل تلك الأبحاث وكذلك لتشجيع القدرات الجديدة في القطاعين العام والخاص على حد سواء. 

 

وعلى الرغم من ان الملكية الفكرية لن تساهم مساهمة كبيرة في توليد الأبحاث الاضافية ذات الصلة بالفقراء ، من الواضح لنا ان هناك مسائل هامة حول تأثير نظام براءات الاختراع على عملية الأبحاث. اذ بينما توفر حماية براءات الاختراع حافزا للأبحاث والتطوير، فان التسجيل ببراءة للتكنولوجيات المتوسطة (ولا سيما تلك المبنية على أساس الجينات) واللازمة لعملية الأبحاث من شأنها ان تخلق في الواقع امورا غير حافزة للباحثين من حيث حرية الوصول الى براءات الاختراع التي هم بحاجة اليها او من حيث انتهاك من دون قصد براءات الاختراع هذه.(37) وهذا مجال يمكن فيه لممارسات براءات الاختراع في العالم المتقدم ان تؤثر مباشرة على نوع الأبحاث التي ستجري من أجل الناس في الدول النامية، وهناك آثار ضمنية أيضا على نوع أنظمة براءات الاختراع التي ستتبناها الدول النامية. وترتيبات الملكية الفكرية في الشراكات الخاصة والعامة تبرز أيضا مشاكل هامة حول كيفية ادارة الملكية الفكرية بحيث تفيد الفقراء. ونحن نعالج تلك المسائل في الفصل السادس.

 

القدرة على حصول الفقراء على الأدوية

 

ان الغرض من براءات الاختراع، مثلما نوّهنا اليه هو توفير احتكار مؤقت لصاحبي الحقوق ليكون بمثابة حافز للاختراعات والاتجار بها. ولكن من الجدير الاشارة الى ان حق الاحتكار الذي توفره براءة الاختراع تستثني عادة فقط الآخرين من صنع المنتج المخترع المحمي ببراءة الاختراع او من استخدامه او من بيعه. وهو لا يمنع المنافسة من العقاقير الأخرى، ان كانت محمية ببراءة ام لا، التي تعالج الحالات الطبية ذاتها. ومع ذلك، وان تساوت الأمور الأخرى، هناك افتراض من أن الصانع لمنتج محمي ببراءة، عن طريق قدرته على استثناء استنساخ منتجه، سيحاول ان يكسب أرباحا احتكارية ويفرض أسعارا لن تتوفر له لو لم تتوفر له براءة الاختراع. هذا هو في الواقع أساس النظام. والمساومة مع المجتمع هي ان الفوائد للمجتمع التي يحدثها الابتداع تفوق فائدة الكلفة الاضافية للمنتج (مثلا، اختراع عقار ينقذ الحياة يمكن ان لا يتوفر لولا نظام براءات الاختراع).

 

هذا وبما انه من المسلّم به ان معظم الناس في الدول النامية هم فقراء وبأن حماية براءات الاختراع من شأنها ان ترفع الأسعار، فمن الضرورة بمكان الفحص بدقة الحجج التي يتقدم بها البعض والتي تقول بأنه من غير المحتمل لبراءات الاختراع في الدول النامية ان تؤثر تأثيرا هاما على حرية الحصول على الادوية الخاضعة لحماية براءات الاختراع. هناك أساسان يجري عليهما بناء تلك الحجج. أولا، بما ان براءات الاختراع لا تسعى اليها بعض الدول النامية ولا سيما الصغيرة منها فلا يمكن بالتالي ان تشكّل مشكلة هامة في الحصول على الأدوية. وثانيا، حتى عندما يسعون اليها فهي لا تشكّل العامل المقرر لسعر الدواء او تكون هناك عوامل طاغية تحول دون حصول الفقراء على تلك العقاقير.

 

انتشار براءات الاختراع

 

مع ان حماية براءات الاختراع للادوية متوفرة في معظم الدول النامية، لم تقم الشركات المتعددة الجنسيات بتسجيل ببراءة منتجاتها في جميع تلك الدول. يسري هذا الحال عادة على الدول ذات الأسواق الصغيرة والقدرة التكنولوجية المحدودة. ترى الشركات بأن الحصول والمحافظة على حماية براءاة الاختراع لا يستحق الكلفة المترتبة على ذلك عندما تكون السوق المحتملة صغيرة وخطر انتهاك الحماية منخفض. مثلا، وجدت دراسة جرت في الآونة الأخيرة في 53 دولة أفريقية بأنه بلغت نسبة التسجيل ببراءة لـ 15 عقار هام مضاد لاسترجاع الفيروس

6ر21% من المجموع المحتمل.(38) وفي 13 دولة لم توجد حماية لبراءاة الاختراع لتلك الأدوية البتة. وهكذا استنتجت الدراسة انه بما ان نسبة التسجيل ببراءة كانت صغيرة فان براءات الاختراع "لا تبدو عموما بأنها تشكل حائلا كبيرا للعلاج في أفريقيا في الوقت الحاضر"، مع انه كان هناك اعتراف بأنها قد تشكّل مشكلة عندما تصبح اتفاقية "تريبس" نافذة المفعول في جميع الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية.(39)

 

ومع انهم وجدوا في الدراسة بأن انتشار براءات الاختراع عموما هو منخفض نسبيا في مجموعه، فمن العجب ان لا يكون حتى أقل انخفاضا من ذلك بالنظر الى نسب العلاج المنخفضة جدا والى الأسواق الصغيرة والى عدم قدرة الا عدد قليل من الدول من انتاج نسخ غير محمية ببراءة من تلك العقاقير. انشتار براءات الاختراع هو أكثر بكثير في الدول ذات الأسواق الكبيرة وذات القدرة التكنولوجية. وهكذا نجد انه في جنوب أفريقيا (التي يعود اليها وحدها أكثر من 17% من الاصابات بفيروس نقص المناعة البشرية في أفريقيا) 13 من 15 عقارا هو محمي ببراءة. هناك ما بين 6-8 براءات اختراع لتلك العقاقير في بوتسوانا وغامبيا وغانا وكينيا ومالاوي والسودان وسوازيلاند ويوغندا وزامبيا وزمبابوي التي يعود اليها معا 31% أخرى من الاصابات بفيروس نقص المناعة البشرية في دول افريقيا جنوب الصحراء.(40)

 

وتشير الصناعة بأن انتشار براءات الاختراع هو أقل كثيرا او معدوم بالنسبة لمجموعة واسعة من العقاقير لعلاج الأمراض الأخرى. وحتى آخر مراجعة هذا العام فان أقل من 5% من العقاقير الواردة على لائحة العقاقير اللازمة التي وضعتها منظمة الصحة العالمية كانت مسجلة ببراءة.(41) وقد دلت دراسة قامت بها صناعة الادوية بأن 94% من الدول التي جرت دراستها لم تكن لديها أية براءات لعقاقير خاصة بعلاج السل والملاريا ولا توجد لأية دولة براءات عن كافة العقاقير ذات الصلة بتلك الأمراض. لا توجد أية براءات اختراع البتة على العقاقير الخاصة بعلاج داء الاسهال.(42) والحجة التي تقدمها الصناعة هي انه حتى في عدم وجود حماية براءة الاختراع فالعقاقير غير متوفرة.(43) مثلا، حتى عند وجود اللقاحات ضد شتى الأمراض الشائعة ووجود برنامج تطعيم موسع ترعاه منظمة الصحة العالمية، مثلا أقل من دولار واحد للقاح متعدد القوى، فهو يفشل في الوصول الى عدد كبير من الأطفال الذين يمكنهم ان يستفيدوا منه على الرغم من نجاح هذا البرنامج.

 

هذا طبعا صحيح ولكن لا يتبع منه بأنه ليس لنظام براءات الاختراع آثار مناوئة ضارة. اذ حتى في عدم وجود براءات الاختراع لمنتجات معينة وفي دول معينة، يمكن لنظام براءات الاختراع ان يؤثر على حرية الحصول على الأدوية. تعتمد معظم الدول النامية على الواردات. وجود براءات الاختراع في الدول الموردة قد يسمح لصاحب براءة الاختراع بأن يمنع تصدير منتجه الى دولة أخرى ولا سيما عن طريق رقابات على قنوات التوزيع. هذا سبب آخر لماذا تقوم الشركات بتسجيل منتجاتها ببراءة في دول مثل جنوب أفريقيا لأنه يمكن ان تكون جنوب أفريقيا موردة محتملة لجيرانها الفقراء في أفريقيا الجنوبية او في الواقع لأماكن أخرى. في الوقت الحاضر لدى الدول المستوردة التي لا توجد فيها حماية لبراءة الاختراع حرية الاختيار في استيراد المنتجات من الشركات غير المحمية منتجاتها ببراءة، بصورة رئيسية من الهند، لأنه لا يلزم على الهند ان تفرض حماية على الادوية حتى عام 2005. ولكن بعد ذلك وبموجب اتفاقية "تريبس" سيجري التسجيل ببراءة العقاقير الجديدة وتلك التي جرى تقديم طلب بالتسجيل ببراءة لها بعد عام 1994، وهكذا تنخفض الامكانية لاستيراد تلك العقاقير بناء على ذلك مع مرور الزمن. ولكن من الجدير بالملاحظة انه سيستمر توفر جميع العقاقير الحالية المنتجة كعقاقير مماثلة غير محمية ببراءة في الهند او أماكن أخرى للتصدير شرط، طبعا، ان لا تكون محمية ببراءة في الدولة المستوردة. سنعود الى مناقشة هذا الموضوع أدناه في مناقشتنا حول الخيارات السياسية المتوفرة.

 

براءات الاختراع والأسعار

 

لا شك ان أهمية أسعار الأدوية على المستهلكين الفقراء في الدول النامية هي من بديهيات الأمور. ولكن من الجدير التشديد بأن المريض الذي يترتب عليه ان يدفع مبلغا أكبر على دواء محمي ببراءة يبقى له مبلغ أقل للانفاق على متطلبات الحياة الأخرى مثل الطعام او الملجأ. والاستغناء عن الدواء بسبب عدم توفره او سعره الغالي قد يؤدي الى سوء الصحة المزمن او الى الوفاة. لذلك من الأهمية الأخذ بعين الاعتبار تأثير ادخال نظام للملكية الفكرية على أسعار الأدوية مع الاعتراف في الوقت ذاته بالعوامل العديدة التي تؤثر على الأسعار. تشتمل تلك العوامل على القدرة الشرائية وعلى المنافسة والهيكل السوقي واستجابة الطلب للسعر والرقابات والأنظمة التي تضعها الحكومات على الأسعار.

 

ومن الصعوبة بوجه خاص المراقبة مباشرة وعزل أثر ادخال براءات الاختراع في أسواق الدول النامية. علينا ان نعتمد الى حد ما على نماذج الاقتصاد القياسي لمعرفة تأثير ادخال حماية براءاة الاختراع والى حد آخر على خبرة الدول المتقدمة حيث تتنافس الشركات المنتجة للعقاقير غير المحمية ببراءة مع الشركات المنتجة المبني انتاجها على الأبحاث.

 

الدول المتقدمة 

 

لا توجد أدلة واسعة من الدول المتقدمة تشير الى ان أسعار العقاقير تهبط هبوطا حادا حالما تخرج تلك العقاقير من الحماية التي توفرها براءات الاختراع، وذلك على افتراض وجود عقاقير منافسة غير محمية ببراءة. يبدو ان الأسعار تهبط هبوطا أكبر كلما دخلت العقاقير المنافسة غير المحمية ببراءة السوق. يمكن للحكومات ان تشجّع تخفيض الأسعار وذلك بتسهيل الدخول المبكّر لمنتجي العقاقير غير المحمية ببراءة الى السوق. مثلا، قانون المنافسة في اسعار العقاقير وعودة مدة براءات الاختراع في الولايات المتحدة (المعروفة بقانون هاتش-واكسمان) حقق ذلك تماما مما أدى الى ارتفاع نسبة مبيعات الأدوية غير المحمية ببراءة من 19% في عام 1984 الى 47% في عام 2000.(44) وفي الدول المتقدمة مثل المملكة المتحدة فان نصيب الأدوية غير المحمية ببراءة في السوق هو أعلى من ذلك بكثير. كما رفعت شركات الادوية قضايا باهظة الثمن في المحاكم او كانت الطرف المدعى عليه في تلك القضايا وذلك من أجل تأخير او منع الدخول الى السوق الأدوية غير المحمية ببراءة او لحماية او تمديد احتكارها على عقار رائج في السوق.(45) وعلينا ان نتذكر بالتساوي ان الشركات المنتجة للأدوية غير المحمية ببراءة تحكمها حوافز السوق كما هو الحال بالنسبة للشركات المبنية منتجاتها على أساس الأبحاث، وبأنه من الضروري تشجيع المنافسة في صناعة الأدوية غير المحمية ببراءة اذا كان من جراء ذلك يمكن تخفيض أسعار العقاقير. ووجدت دراسة أخيرة جرت في الولايات المتحدة بأن أسعار العقاقير تهبط عندما تدخل الى السوق العقاقير غير المحمية ببراءة ولكن هناك حاجة الى خمسة عقاقير غير محمية ببراءة على الأقل لتنـزيل الأسعار الى الحد الأدنى.(46) وعدد العقاقير المنافسة التي تدخل الى السوق والسرعة التي تدخل فيها يعتمد على الأرباح المتوقعة. وقد وجدوا بأن الفوائد الكاملة من المنافسة يمكن الشعور بها فقط في الأسواق الكبيرة. اما في الأسواق الصغيرة فعدد صغير من الشركات المنتجة للعقاقير غير المحمية ببراءة ستعتبر بأنه من المجدي لها الدخول الى تلك الأسواق وهكذا ستبقى الأسعار التي يدفعها المستهلكون أسعارا عالية. هذا أمر ذو صلة بوضع الدول النامية مثلما نناقش أدناه.

 

الدول النامية

 

يمكن أيضا للدول النامية ان تحد من تكاليف نظام براءة الاختراع بالنسبة لشعوبها بتسهيل دخول العقاقير غير المحمية ببراءة وتسهيل المنافسة في تلك العقاقير. ولكن في معظم الحالات نجد بأن خياراتها محدودة جدا بالنظر الى صغر أسواقها والافتقار الى قدرة تكنولوجية وانتاجية وتنظيمية أهلية. ان هذا الافتقار الى القدرة على خلق بيئة تنافسية لكل من المنتجات المسجّلة ببراءة وللمنتجات غير المحمية ببراءة مما يجعل وجود براءات الاختراع أمر مثير للجدل مما هو الحال في الأسواق المتقدمة التي تتمتع بقدرة أكبر على تطبيق بيئة تنظيمية قوية موالية للمنافسة.

 

وتدل المقارنات الدولية بأن نسخ العقاقير المسجّلة ببراءة في مكان آخر هي أرخص الى حد بعيد في الأسواق التي لا توفر حماية لبراءات الاختراع. السوق الهندية التي لا توجد فيها حماية للمنتجات هي أرخص الأسواق في العالم. وقد دلت احدى الدراسات التي قمنا بها انه بالنسبة لـ 12 دواء لعلاج مجموعة من الحالات الصحية كانت الأسعار الأمريكية بين أربعة و 56 أضعاف أسعار الأدوية المساوية لها المباعة في الهند ومع ذلك تعذّر على عدد كبير من الناس في الهند الحصول عليها.(47)

 

ولكن تشير الدراسات الخاصة بسياسات التسعير التي تضعها الشركات المتعددة الجنسيات (ولا سيما بخصوص مضادات ارتجاع الفيروس) بأنه حتى مؤخرا لم يكن هناك ارتباط بين سعر الدواء نفسه وبين دخل الفرد في البلاد. ويتوقعوا مثل هذا الارتباط على أسس نظرية لأنه يجب ان يكون بوسع الشركات ان تجني أرباحا أكثر عندما تطلب أسعارا منخفضة في الأسواق ذات الدخل المنخفض وأسعارا عالية في الأسواق ذات الدخل العالي (يعرف ذلك بالتسعير التفاضلي) مما هو الحال فيما لو طلبت سعرا عالميا متحدا. ولكن بدت الأسعار متفاوتة عشوائيا بين بلد وآخر. بعض الدول النامية دفعت أسعارا أعلى من الولايات المتحدة وبعضها دفعت أقل. وفي أفضل الأحوال كانت هناك علاقة ضعيفة جدا بين أسعار العقاقير بالجملة وبين دخل الفرد. (48) والسعر الحقيقي الذي يدفعه المريض يتعقّد بسبب رسوم الاستيراد والتعرفة المحلية والضرائب والأرباح التي يجنيها البائع بالجملة.(49)

 

ربما تكون تلك الحالة قد تغيّرت نوعا ما خلال السنتين الماضيتين اذ خفّضت بعض الشركات أسعارها تخفيضا كبيرا استجابة للضغوط الدولية، ولا سيما من المنظمات غير الحكومية، ومن جراء المنافسة المحتملة من شركات صنع الأدوية غير المحمية ببراءة، ولا سيما من الهند. مثلا، بين شهر يوليو/تموز عام 2000 وشهر أبريل/نيسان عام 2002 انخفض السعر السنوي للعلاج الثلاثي المسجّل ببراءة لمضاد استرجاع الفيروس من عشرة آلاف دولار الى مجرد 700 دولار لمجموعات مختارة من المستهلكين. وفي ذلك الوقت كان قد انخفض أدنى سعر للعلاج الثلاثي غير المحمي ببراءة الى 209 دولار أمريكي.(50)

 

ولكن لتقدير أثر ادخال أنظمة براءات الاختراع من جديد الى الدول النامية من الضرورة استخام نماذج الاقتصاد القياسي. هناك عدد صغير ولكن متزايد من النشرات الاعلامية تتعلق بالدول النامية ذات الدخل المنخفض والمتوسط والتي لديها صناعات هامة للادوية. تشير تلك المعلومات بأن ادخال أنظمة براءات الاختراع الى مثل تلك الدول النامية سيرفع أسعار الأدوية او من المنتظر ان يرفعها. وتتراوح التقديرات تراوحا واسعا اعتمادا على العقاقير وعلى الدول التي تجري دراستها، من 12% الى أكثر من 200%، ولكن حتى أدنى التقديرات تعني تكاليف باهظة جدا للمستهلكين.(51) ويدل نطاق التقديرات بأن النتيجة ستقررها الى حد بعيد بنية السوق والطلب ولا سيما درجة المنافسة.

 

وهناك أيضا أدلة كبيرة تشير الى أن استهلاك الأدوية له علاقة مباشرة بسعرها. وقد قدّرت دراسة جرت في اوغندا بأن تخفيض سعر العلاج الثلاثي بمضاد لاسترجاع الفيروس من 6000 دولار أمريكي الى 600 دولار أمريكي في السنة من شأنه ان يرفع الطلب للعلاج من ألف الى خمسين ألف مريض وذلك عندما كان ملازما لاستثمارات معتدلة نسبيا في بنية علاجية تتراوح بين 4 و 6 ملايين دولار أمريكي. (52) وقد دلّت دراسة أخرى أيضا في اوغندا بأن تخفيض الأسعار الناجم عن تنـزيلات في أسعار الأدوية المسجلة ببراءة والمخفّض اضافيا من جراء استيراد أدوية مماثلة غير محمية ببراءة، زاد عدد المرضى الجاري علاجهم ثلاثة أضعاف بين عامي 2000 و 2001.(53) وقدّرت دراسة للاقتصاد القياسي العالمي بأن ازالة براءات الاختراع في قطاع متعارض من الدول النامية من شأنها ان تزيد حرية الحصول على مضادات استرجاع الفيروس بنسبة 30%، مع ان ذلك يحصل من مستوى حالي منخفض جدا.(54)

 

ومن المحتمل ان يؤثر ادخال أنظمة براءات الاختراع تأثيرا قويا على مجموعة الدول التي طوّرت صناعات قوية لانتاج الأدوية غير المحمية ببراءة مع ما يرافق ذلك من درجة من المنافسة قد أبقت الأسعار منخفضة. وهناك أدلة من بعض الدول من أن ادخال براءات الاختراع (مثلا في ايطاليا في عام 1978) او تقوية نظامها، كما حصل في كندا في التسعينات من القرن الماضي، وذلك بتقوية قوة السوق للشركات المتعددة الجنسيات الأجنبية، سيؤدي الى تعزيز واعادة هيكلة الصناعة المحلية. قد يسفر عن ذلك زيادة كبيرة في الأسعار بالنسبة للمستهلك من جراء تخفيض درجة المنافسة في السوق ومن جراء زيادة الواردات. هناك جدل حول ما اذا يمكن التعويض عن تلك التكاليف بفوائد أخرى مثل تعزيز الأبحاث المحلية. وفي ايطاليا وكندا، وهما دولتان متقدمتان، فان الأدلة متفاوتة.(55) في ايطاليا استولت الشركات المتعددة الجنسيات على عدد كبير من الشركات المحلية وانخفضت الصادرات من العقاقير غير المحمية ببراءة وارتفعت الواردات من العقاقير المسجّلة ببراءة. ولم تتوفر أدلة جديرة بالذكر حول ازدياد الأبحاث والتطوير. وفي كندا ظهرت أدلة تشير الى زيادة هامة في الأبحاث والتطوير نتيجة لصفقة توصلوا اليها مع الشركات الصانعة المتعددة الجنسيات والاعتمادات الضريبية التي وفرتها كندا بموجب قانون ضريبة الدخل لعام 1987، ولكن الأبحاث والتطوير تركّزت على التجارب قبل السريرية والسريرية وعلى تحسين عمليات الانتاج بدلا من التركيز على تطوير أمور جزئية جديدة.(56) وفي البلدين استخدمت الرقابة على الأسعار للحد من ارتفاع سعر المنتجات المسجّلة ببراءة.

 

وبالنسبة للدول النامية ذات الصناعات القوية في انتاج العقاقير غير المحمية ببراءة فان المستقبل غير أكيد أيضا. فمن ناحية من المنتظر ان تتأثر الشركات المنتجة للعقاقير غير المحمية ببراءة بصورة رئيسية نأثيرا ضارا نتيجة لادخال حماية براءات الاختراع كما سيتأثر تأثيرا ضارا المستهلكون والحكومات الذين يتوجب عليهم ان يدفعوا أسعارا أعلى للعقاقير المحمية ببراءة الاختراع. ومن ناحية أخرى قد ترى الشركات القائمة على تطوير قدرات للأبحاث او التي يمكنها ان تحصل على تراخيص من الشركات المتعددة الجنسيات فوائد من حماية براءة الاختراع. تفسّر تلك التأثيرات المتضاربة لماذا ادخال حماية براءات الاختراع في الهند هو مسألة مثيرة للجدل. بعض أقسام صناعة الادوية الهندية تؤيد ادخال حماية براءات الاختراع وهم يحضرون أبحاثهم تمهيدا لادخالها ولكن هناك أقسام أخرى تعارضه بشدة. وطبعا فان ادخال تلك الحماية هو مثير للجدل بالنسبة لجماعات المستهلكين وللمنظمات الأهلية أي غير الحكومية.

 

وعموما، لدى تطبيق اتفاقية "تريبس" سنجد بأنه سيمنع استنساخ العقاقير الجديدة واستصدار مثيلة لها غير محمية ببراءة. في الوقت الحاضر فان الخطر من المنافسة الدولية من المزوّدين لنسخ غير محمية ببراءة لعقاقير مسجّلة ببراءة يشكّل عاملا مقيّدا على الأسعار التي يمكن فرضها على الدول التي لا تطبق أنظمة لبراءة الاختراع، والى حد أقل في الدول التي لديها أنظمة لحماية براءات الاختراع ولكن فيها خطر مصداقي من الترخيص الاجباري. وعندما تصدر جميع الدول المنتجة للعقاقير قوانين تترتب على براءة الاختراع ستصبح العقاقير غير المحمية ببراءة محدودة بشكل متزايد على العقاقير القديمة التي تكون قد نفذت مدة صلاحية براءة اختراعها. وهذا الأمر لن يختلف مما هو عليه الحال الآن في الدول المتقدمة ولكن ستجد الدول النامية من الصعوبة تحمّل كلفة الأدوية الجديدة المحمية ببراءة. وهكذا هناك حاجة الى ايجاد ضمن نظام براءات الاختراع وخارجه وسائل لاحداث بيئة تنافسية من شأنها المساعدة في التعويض على أثر الأسعار الضارة على المستهلكين في الدول النامية. نقدم أدناه بعض التدابير التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار لضمان قيام نظام براءة الاختراع بدعم حق الدولة في حماية الصحة البشرية وتشجيع الحصول على الأدوية وذلك تمشيا مع اعلان الدوحة عن اتفاقية "تريبس" والصحة العامة (المعروفة فيما بعد باعلان الدوحة – المرجو مراجعة المربّع1:2).

 

العوامل الأخرى التي تؤثر على القدرة على الحصول على الادوية

 

يقال، مثلا من قبل صناعة الادوية، بأن أهم القيود على الحصول على الأدوية في الدول النامية ليست حماية براءات الاختراع بل الافتقار الى الانفاق على العناية بالصحة في الدول النامية والى غياب البنية الاساسية الصحية المناسبة لوصف الأدوية بسلامة وبكفاءة. وصف الأدوية غير الصحيح قد يساهم في تطوير مقاومة للدواء عدا عن كونه غير فعال. وبالنسبة لفيروس نقص المناعة البشرية حيث يتغيّر الفيروس بسهولة، فان توزيع مضادات استرجاع الفيروس الواسع من دون تطوير بنية اساسية مناسبة لذلك قد يساهم في نشوء مقاومة للدواء.(57) ويقال أيضا بأن الأشكال غير المحمية ببراءة من العقاقير المسجّلة ببراءة قد تكون ذات مستوى متدني او حتى محفوفة بالخطر.(58)

ويفيد تقرير من جمعية صناعة الادوية الأمريكية ما يلي:

 

"بالنظر الى محدودية الموارد المالية فان قدرة تلك الدول على احتواء مرض الأيدز (ظاهرة نقص المناعة المكتسبة) ومواجهة مجموعة من الأمراض القاتلة الأخرى تتقوّض بسبب عدم كفاية بنيتها التحتية والحواجز الثقافية الحائلة دون العناية وسوء ادارة أنظمة العناية الصحية. وبعض الدول النامية تعيقها أيضا القيادة السياسية التي تفتقر الى الارادة لمواجهة او حتى الاعتراف بحاجات البلاد الصحية."(59)

 

وعدا براءات الاختراع هناك عدد من العوامل التي تؤثر على أسعار العقاقير مثل التعرفة وأشكال أخرى من الضرائب غير المباشرة.(60) وقد يبدو من الخطأ التذمّر من تأثير براءات الاختراع على الأسعار وبنفس الوقت اهمال السياسات الأخرى تحت المراقبة الوطنية التي لها تأثير مشابه. وهكذا من الأهمية ان تدار أنظمة الضرائب الوطنية بطريقة تدعم سياسات الصحة العامة مثل ما يترتب على نظام براءات الاختراع ان يفعله.

 

ومن أجل التخفيف من القلق حول آليات توزيع العقاقير المضادة للأيدز، أنتجت منظمة الصحة العالمية هذا العام اول الارشادات للعلاج بمضادات استرجاع الفيروس في الأماكن الفقيرة وأصدرت لائحة بالشركات المنتجة وبالمنتجات (بما فيها 11 عقارا من مضادات استرجاع الفيروس) التي تفي بمقاييس الجودة التي وضعتها منظمة الصحة العالمية على أنها موردة لوكالات الأمم المتحدة. وتحتوي اللائحة حاليا على شركات منتجة للمنتجات المسجّلة ببراءة وعلى عدد من الأشكال من تلك المنتجات غير المحمية ببراءة بما فيها حتى الآن شركتان موردتان هنديتان. وبالاضافة الى ذلك شملت لائحة منظمة الصحة العالمية للمرة الاولى 12 عقارا من مضادات استرجاع الفيروس لعلاج مرض الأيدز على لائحة العقاقير اللازمة (اثنان منها كانا في اللائحة ولكن لعلاج انتقال المرض من الأم الى الطفل).(61)

 

هناك مقدار كبير من الجدل حول الصلة المقارنة لبراءات الاختراع والعوامل الأخرى في تعيين القدرة على الحصول على الأدوية. نحن نعتبره من الأهمية ان تعالج جميع تلك العوامل. ولكن لا نعتبر ان هناك مساومة حقيقية بين تحسين ترتيبات الملكية الفكرية لمتابعة أهداف الصحة العامة ومواجهة مسائل السياسة والبنية الاساسية والموارد لتحقيق الأهداف ذاتها. هناك حاجة لمتابعة الاثنين ومتابعة واحد منهما ليس له أية علاقة على القدرة على متابعة الآخر. قال أحد المشاركين في مؤتمرنا ما يلي:

 

"... أود ان أثني اللجنة من الوصول الى الاستنتاج في هذا الحوار بأن الكل يتعلق بالبنية الاساسية وبالموارد. فاذا كان هذا هو الاستنتاج، أعتقد بأنكم ستحصلون على ما يفيده العنوان الا وهو: "الناس فقراء". وهكذا لا تتقدموا بتوصيات تقولون فيها بأن الناس فقراء لأننا نعلم ذلك. نحن نحاول ان نحل مشاكلهم وان لا نقول لهم بأنهم فقراء."(62)

 

هناك حاجة تدعو الدول الى تبني سلسلة من السياسات لتحسين الحصول على الأدوية. الموارد الاضافية لتحسين الخدمات توفير أدوات توزيع الأدوية والبنية الاساسية اللازمة لذلك هي أمور مهمة وحرجة. وهناك حاجة أيضا تدعو الى انسجام سياسات الاقتصاد الكبير مع أهداف السياسة الصحية. وذلك أيضا ينطبق على نظام الملكية الفكرية. على الدول ان تضمن بأن أنظمتها لحماية الملكية الفكرية لا تسير في مسار معاكس لسياسات الصحة العامة التي تتبعها وبأن تلك الأنظمة ثابتة على مبدأ تلك السياسات وتؤيدها.

 

المتضمّنات السياسية

 

خيارات السياسة الوطنية

 

السياق

 

السياق لمباحثاتنا حول المتضمّنات السياسية هو اعلان الدوحة الذي تم الاتفاق عليه في الاجتماع على مستوى الوزراء لمنظمة التجارة العالمية الذي انعقد في الدوحة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني عام 2001 (المرجو مراجعة المربّع 1:2). أوضح الوزراء بأنه يجب ان لا تحول اتفاقية "تريبس" دون قيام الدول باتخاذ اجراءات لحماية الصحة العامة في بلادها. وهم أكّدوا بأنه في اطار شروط الاتفاق يمكن منح التراخيص الاجبارية على أسس تقررها الدول الأعضاء. وعلاوة على ذلك يمكن تلبية الطلب المحلي بواردات متوازية (يحكمها بعبارات قانونية مبدأ "استنفاد الحقوق").(63) وهم اعترفوا بأنه توجد مشكلة خاصة بالنسبة للدول التي تكون قدرتها الصناعية غير كافية للاستفادة من الترخيص الاجباري، وأملوا على مجلس "تريبس" بأن يجد حلا مع نهاية العام. وقد اتفق الأعضاء على استثناء الدول الأقل نموا من تنفيذ او تطبيق او فرض حماية للعقار والمعلومات الخاصة بالتجارب (64) حتى عام 2016. أكّد مجلس "تريبس" هذا القرار في 27 يونيو/حزيران عام 2002. وفي الوقت ذاته وافق المجلس على تنازل من شأنه ان يستثني الدول الأقل نموا من الحاجة الى توفير حقوق تسويقية مقتصرة لأية عقاقير جديدة وذلك في الفترة التي لا تتوفر فيها حماية لبراءات الاختراع. يجب مراجعة هذا التنازل الذي وافق عليه المجلس العام لمنظمة التجارة العالمية كل سنة من قبل المؤتمر الوزاري لمنظمة التجارة العالمية (أو المجلس العام بين الاجتماعات الوزارية) حتى ينتهي أمده.

 

والافتراض المنطقي لتوصياتنا هو انه بالنسبة للدول النامية فان أية فوائد لها من حيث تطوير علاجات جديدة للأمراض تعاني منها ستكون في أفضل الأحوال طويلة الأمد بينما ستكون تكاليف تنفيذ نظام براءات الاختراع حقيقيا وفوريا. وهكذا نحن نركّز على تدابير في نظام الملكية الفكرية من شأنها ان تخفّض الى الحد الأدنى أسعار العقاقير وبنفس الوقت تحافظ على توفرها. ومثلما نوّهنا أعلاه لم نجد أدلة تشير الى ان مثل تلك التدابير من شأنها ان تقلل الحوافز للأبحاث في أمراض تعني الدول النامية بوجه خاص، لأن العامل المقرّر هنا هو الافتقار الى الطلب وليس نظام الملكية الفكرية. ولكن بما اننا نعترف بأننا ندخل بحارا مجهولة هناك ضرورة الى مواصلة الأبحاث لتحديد مدى تأثير تنفيذ اتفاقية "تريبس" عمليا على كل من الحوافز للأبحاث وللحصول على نتائجها، ولا سيما على الأمد الطويل.

 

المربّع 1:2 الاعلان الوزاري الناجم عن اجتماع منظمة التجارة العالمية في الدوحة حول اتفاقية "تريبس" والصحة العامة

 

تم تبنيه في 14 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2001

 

1          نحن نعترف بخطورة المشاكل التي يعاني منها العديد من الدول النامية والدول الأقل نموا، ولا سيما تلك الناجمة عن فيروس نقص المناعة البشرية/الأيدز والسل والملاريا ومن غيرها من الأوبئة.

 

2          ونحن نشدّد على ان تشكّل اتفاقية منظمة التجارة العالمية حول النواحي التجارية من حقوق الملكية الفكرية (اتفاقية "تريبس") جزءا من العمل الوطني والدولي الواسع لمواجهة تلك المشاكل.

 

3          ونحن نعترف بأن حماية الملكية الفكرية هي مهمة لتطوير الأدوية الجديدة. ونحن نعترف أيضا بالقلق الذي يساور الناس حول تأثيرها على الأسعار.

 

4          ونحن نوافق بأن اتفاقية "تريبس" لا ويجب ان لا تمنع الأعضاء من اتخاذ تدابير لحماية الصحة العامة في بلادها. وبناء على ذلك، ومع تكرار التـزامنا باتفاقية "تريبس" نؤكد بأنه يمكن ويجب تفسير وتنفيذ الاتفاقية بطريقة تؤيد حق الأعضاء في منظمة التجارة العالمية بحماية الصحة العامة ولا سيما تشجيع الحصول على الأدوية للجميع.

 

وفي هذا الصدد نحن نعود فنؤكد حق الأعضاء في منظمة التجارة العالمية باستخدام استخداما تاما الاجراءات في اتفاقية "تريبس" التي توفر المرونة لهذا الغرض.

 

5          وبناء على ذلك، وفي ضوء ما جاء في الفقرة 4 أعلاه،، ومع الاحتفاظ بالتزاماتنا باتفاقية "تريبس"، فنحن نعترف بأن تلك المرونات تشتمل على ما يلي:

 

أ)          لدى تطبيق القواعد العادية في تفسير القانون الدولي العام، ستجري قراءة كل شرط من شروط اتفاقية "تريبس" في ضوء الغاية والغرض من الاتفاقية كما هي معبّرة بوجه خاص في غاياتها ومبادئها.

ب)        يحق لكل عضو ان يمنح تراخيص اجبارية والحرية لتعيين الأسس التي تمنح بموجبها تلك التراخيص.

ج)         يحق لكل عضو ان يعيّن ما هي الأمور التي تشكّل حالة طارئة وطنية  او أية ظروف ملحة للغاية، شرط الادراك بأن ازمات الصحة العامة، بما فيها تلك المتعلقة بفيروس نقص المناعة البشرية/الأيدز والسل والملاريا والأوبئة الأخرى، يمكنها ان تمثّل حالة طارئة وطنية او أية ظروف ملحة للغاية.

د)          وأثر شروط  اتفاقية "تريبس" ذات الصلة باستنفاد حقوق الملكية الفكرية هو ترك كل عضو حرّ لتأسيس نظامه الخاص لاستنفاد مثل تلك الحقوق من دون الطعن فيها، شرط الامتثال الى MFN والى شروط العلاج الوطنية الواردة في المادتين 3 و 4.

 

6          ونحن نعترف بأن أعضاء منظمة التجارة العالمية التي تفتقر الى قدرات الانتاج او التي تكون قدرتها على الانتاج غير كافية في قطاع الادوية قد تواجه صعوبات في الاستفادة استفادة فعالة من الترخيص الاجباري بموجب اتفاقية "تريبس". ونحن نأمر مجلس "تريبس" بأن يجد حلا سريعا لهذه المشكلة وان يرفع تقريرا بهذا الخصوص الى المجلس العام قبل نهاية عام 2002.

7          ونحن نعيد فنؤكد التـزام الدول المتقدمة الأعضاء بتوفير الحوافز لمشاريعهم ومؤسساتهم لترويج وتشجيع نقل التكنولوجيا الى الدول الأعضاء الأقل نموا عملا بالمادة 66-2.  ونحن نتفق أيضا بأن الدول الأعضاء الأقل نموا لن تكون ملزمة، فيما يتعلق بالادوية، بتنفيذ او تطبيق القسمين 5 و 7 من الجزء الثاني من اتفاقية "تريبس" او بتطبيق الحقوق المنصوص عنها في القسمين حتى 1 يناير/كانون الثاني عام 2016، وذلك بدون الاخلال بحق الدول الأعضاء الأقل نموا في السعي الى تمديد الفترات الانتقالية المنصوص عنها في المادة 66-1 من اتفاقية "تريبس".  ونحن نصدر تعليماتنا الى مجلس "تريبس" لكي يتخذ الاجراء الضروري لوضع ذلك موضع التنفيذ عملا بالمادة 66-1 من اتفاقية "تريبس.

 

التسعير التفاضلي

 

ومثلما نوّهنا به فان التسعير التفاضلي من حيث المبدأ يجب ان يكون طريقة منطقية من الوجهة الاقتصادية للشركات العالمية لكي ترفع أرباحها الى الحد الأقصى على المنتجات المباعة في كل من الأسواق ذات الدخل المنخفض والعالي.(65) كما يجب ان يكون طريقة لضمان حصول الفقراء على المنتجات الزهيدة الثمن.

 

هناك مبادرات عديدة لتسهيل نظام عالمي من التسعير التفاضلي. ومثلما نوّهنا أعلاه هناك عوامل كثيرة غير متعلقة بحقوق الملكية الفكرية تؤثر على الأسعار وعلى توفر الأدوية. هناك عاملان هامان في تأسيس نظام للتسعير التفاضلي من شأنه ان يحعل الأسعار المنخفضة في الدول النامية تتعايش مع الأسعار العالية في الدول المتقدمة وهما:

 

·                   يجب تقطيع الأسواق التي لديها مستويات مختلفة من الأسعار بحيث لا يمكن للأدوية الزهيدة الثمن ان تدخل الأسواق ذات الأسعار العالية. يعني ذلك مراقبة صادرات وواردات منتجات ذات الصلة.

·                   يجب ان لا يجري اتخاذ قرارات التسعير في الأسواق ذات الأسعار العالية، حيث تقرر تلك الأسعار او تتأثر بسياسة الحكومة، بالرجوع الى الأسعار في الأسواق ذات الأسعار المنخفضة.

 

العامل الثاني لا يشمل اعتبارات الملكية الفكرية ولكنه يمثّل مشكلة سياسية في عدد كبير من الدول المتقدمة بسبب وجود تفاوت في أسعار الادوية، حتى بين الدول النامية نفسها، وبسبب الضغط على ميزانيات المرضى وعلى مشاريع التأمين وعلى الدولة لتسديد فواتير العقاقير المسجّلة ببراءة المرتفعة باستمرار.

 

ولكن من المحتمل ان تلعب أدوات نظام الملكية الفكرية، بما فيها الواردات المتوازية والترخيص الاجباري، دورا أساسيا في تعضيد التسعير التفاضلي وتقطيع السوق. ولضمان فعالية نظام التسعير التفاضلي يتعيّن على القوانين الوطنية في الدول النامية ان تحافظ على حق الحكومة في ادخال الورادات المتوازية وفي اصدار التراخيص الاجبارية.

 

ونحن على يقين أيضا بتخفيضات الأسعار الأخيرة وبعدد المشاريع الخاصة التي تديرها بعض الشركات، أحيانا بالتعاون مع الوكالات الدولية، لتوفير تنـزيلات كبيرة او عقاقير مجانية، وذلك بالاشتراك مع الحكومات المحلية والمنظمات الأهلية والبنية الاساسية الداعمة لضمان توزيعها على المريض. تنطبق تلك العروض عموما فقط على المشترين الذين هم عادة الحكومات او المنظمات غير الحكومية او منظمات تقديم المساعدات او شركات القطاع الخاص ولكن ليس على الشركات التجارية الموردة للأدوية. هذه كلها مساهمات نرحب بها لتحسين القدرة على الحصول على الأدوية في الدول النامية.(66) ولكن هناك أيضا حاجة الى ايجاد حلول عريضة الأساس، تكون قابلة للدوام والاستمرار، لمشاكل الصحة العامة العويصة التي يجري البت فيها حاليا. ولذلك هناك حاجة الى الاستمرار في بذل الجهود لجعل التسعير التفاضلي كفوءا وفعالا.

 

الواردات المتوازية  

 

من حيث المبدأ، من غير المستحسن وضع تقييدات على الحركة الحرة للمنتجات حالما تضعها الشركة المنتجة في السوق. ولكن عمليا وفقط من أجل ضمان تزويد منتجات بأسعار زهيدة للذين هم بحاجة الى أسعار زهيدة، ولهم فقط، قد تدعو الضرورة الى الانحراف عن هذا المبدأ العام. وهكذا هناك عنصر هام في توطيد نظام للتسعير التفاضلي وهو ان الأسواق بحاجة الى التقطيع الى قطاعات لمنع قيام المنتجات الرخيصة بتقويض الأسواق ذات الأسعار العالية. ولهذا السبب من الضروري ان تضع الدول المتقدمة آليات فعالة يمكنها منع الاستيراد المتوازي للأدوية. يبدو الحال كذلك بوجه عام بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الاوروبي ولكنه لا يبدو هو الحال بالنسبة لليابان.(67)

 

يترتب على الدول المتقدمة ان تحافظ على أنظمتها التشريعية وان تقويها منعا من دخول الادوية الزهيدة الثمن والآتية أصلا من الدول النامية.

 

ولكن، لتأمين تقطيع الأسواق الى قطاعات، من المستحسن أيضا للدول النامية ان تعمل على منع تصدير الى الدول المتقدمة عقاقير تشكّل جزءا من تبرعات او مشروع للتسعير التفاضلي. من المهم بصورة خاصة منع تحويل المنتج من المرضى الموجهة اليهم الأدوية. ولكن، مع الاعتراف بحدود قدراتها على التطبيق، يقع العبء الأساسي في تقطيع السوق الى قطاعات بين الدول المتقدمة والنامية على عاتق الدول المتقدمة.

 

يجب ان لا تزيل الدول النامية الموارد المحتملة للواردات الزهيدة الثمن من دول نامية اخرى او متقدمة. وحتى يكون تدبير فعال موالي للمنافسة في اطار الامتثال التام لاتفاقية "تريبس" يجب السماح بالواردات المتوازية عندما تستنفد حقوق صاحب براءة الاختراع في الدولة الأجنبية. وحيث تسمح اتفاقية "تريبس" للدول بأن تصمم أنظمتها الخاصة لاستنفاد الحقوق (وهي نقطة أعيد ذكرها في اجتماع الدوحة)، يجب على الدول النامية ان تسهّل الورادات المتوازية في تشريعاتها. 

 

الترخيص الاجباري

 

ومثلما نوّهنا أعلاه ستكون نتيجة تطبيق اتفاقية "تريبس" هي تقليص امداد نسخ غير محمية ببراءة من المنتجات المسجّلة ببراءات اختراع. هذا من شأنه ان يزيل عاملا هاما في تقييد وتخفيض اسعار المنتجات المسجّلة ببراءة في الدول النامية. توفير تشريعات فعالة واجراءات للترخيص الاجباري قد يلعب دورا هاما في المحافظة على سياسة موالية للمنافسة لحقوق الملكية الفكرية في البيئة الجديدة. نحن لا نعتبر الترخيص الاجباري دواء عاما بل بوليصة تأمين لازمة لمنع انتهاك نظام الملكية الفكرية.

 

ومع ان اتفاقية "تريبس" تسمح بالترخيص الاجباري (كما هو موضح في اعلان الدوحة)، شرط تلبية اجراءات وشروط معيّنة، لم تستعمله الدول النامية حتى الآن. ومن السخرية ان الدول المتقدمة هي التي تستعمل الترخيص الاجباري بنشاط لعدد من الأغراض، وليس فقط في مجال الادوية فقط، بما في ذلك في قضايا ضد التجميع الضخم للرساميل في الولايات المتحدة. استخدمت كندا الترخيص الاجباري بشكل واسع في مجال الادوية من عام 1969 حتى أواخر الثمانينات من القرن الماضي. هذا أدى الى انخفاض اسعار العقاقير المرخّصة بنسبة 47% مما هي عليه في الولايات المتحدة في عام 1982.(68) استعملت المملكة المتحدة أيضا الترخيص الاجباري حتى السبعينات من القرن الماضي بما في ذلك للعقاقير الهامة مثل الليبريوم والفاليوم. ومؤخرا في عام 2001 تصوّر وزير الصحة والخدمات البشرية الأمريكي علنا امكانية الحصول على عقاقير مشابهة غير محمية ببراءة قبل مفاوضاته مع شركة باير (صاحبة براءة الاختراع) لشراء العقار "سيبرو" للتعامل مع عواقب الهجمات بالجمرة الخبيثة، مع انه في النهاية تم الاتفاق مع شركة باير.(69)

 

الدول النامية لم تستعمل النظام لعدد من الأسباب. أولا يتطلب النظام بنية اساسية ادارية وقانونية غير موجودة في عدد كبير من الدول النامية. ثانيا، خشيت الدول النامية من العقوبات الاقتصادية التي قد تهددها، الثنائية او المتعددة الأطراف. ثالثا، يجب ان يكون الترخيص الاجباري "بصورة سائدة للسوق المحلية". ورابعا، تشير كلمة "اجباري" الى الحد الشرعي لحقوق صاحب براءة الاختراع الذي تضعه الحكومة. المنتج الحقيقي للعقار المرخّص ينتجه تطوّعيا ولجني الربح (على الأقل بالنسبة لحامل الرخصة من القطاع الخاص). وبالتالي يجب ان يكون لصاحب الرخصة المعرفة لهندسة العقار عكسيا وانتاجه بدون تعاون صاحب البراءة، كما عليه ان يتوقع سوقا كبيرة لتبرير تكاليف الاستثمار والانتاج وتوفير مكافأة كافية لصاحب البراءة. فان لم تستوف تلك الظروف لن يكون خطر الترخيص الاجباري مصداقيا.

 

وقد جرى استعمال بنجاح تهديد الترخيص الاجباري من قبل البرازيل في مسعاها لتنفيذ برنامجها الوطني الخاص بالأمراض المنقولة جنسيا/الأيدز (المرجو مراجعة المربّع 2:2). ونتيجة لقدرتها في الأبحاث ولتطوير قدرة انتاجية للقطاع العام، تمكنت البرازيل من استعمال التهديد بالترخيص الاجباري في مفاوضاتها مع شركات الادوية. يشمل ذلك القدرة على استخدام تقديرات لتكاليف انتاجها تحت الترخيص الاجباري عند التفاوض بشأن الأسعار مع أصحاب البراءات. ولكن هناك القليل نسبيا من الدول النامية التي هي في وضع البرازيل، وهكذا فان التهديد يفقد مصداقيته في معظم الدول النامية ما لم يكن بوسعها الاعتماد على الواردات من الدول التي لديها القدرة المطلوبة.

 

المربّع 2:2 برنامج البرازيل الوطني الخاص بالأمراض المنقولة جنسيا/الأيدز

 

المهمة الأساسية لبرنامج البرازيل الوطني الخاص بالأمراض المنقولة جنسيا/الأيدز هي جعل الأدوية لعلاج فيروس نقص المناعة البشرية/الأيدز متوفرة مجانا لجميع مواطنيها الذين هم بحاجة اليها وذلك عن طريق النظام الوطني للعناية بالصحة العامة. ابتدأوا بهذا البرنامج في أوائل التسعينات من القرن الماضي وفي عام 1996 أصبح علاج المرضى بفيروس نقص المناعة البشرية/الأيدز واجبا قانونيا. وبمساعدة المنظمات غير الحكومية العاملة في مجال فيروس نقص المناعة البشرية/الأيدز، جرت اعادة تنظيم رئيسية لخدمات الصحة العامة الوطنية لتوزيع العقاقير وفحص المرضى لمعرفة ان هم مصابون بالأيدز والعناية بهم. هناك الآن بعض المئات من وحدات توزيع العقاقير في كافة أرجاء البلاد.

 

ويقدم البرنامج الآن العقاقير المضادة لاسترجاع الفيروس الى نحو 105 ألف من أصل 600 ألف مريض بفيروس نقص المناعة البشرية/الأيدز. وهو خفّض الآن عدد حوادث الاصابة بفيروس نقص المناعة البشرية والوفيات بين ضحايا الأيدز الى النصف مما كان متوقعا في أوائل التسعينات من القرن الماضي. كما انخفض الدخول الى المستشفى للعلاج بنسبة 80% منذ عام 1996. وهكذا، على الرغم من ان البرنامج غالي الثمن (تبلغ كلفته السنوية 500 مليون دولار أمريكي من أصل ميزانية اجمالية للصحة تبلغ قيمتها 10 مليارات دولار أمريكي)، فقد بدأت التوفيرات في التكاليف بسبب هبوط المرض والدخول الى المستشفى للعلاج وغيرها من آثار المرض بفيروس نقص المناعة البشرية/الأيدز تتوازن مع الميزانية. قدّرت وزارة الصحة البرازيلية انه في عام 2001 كانت الكلفة النهائية للبرنامج صفر وذلك عندما نأخذ بالاعتبار نفقات انتشار المرض، الأمر الذي يعطينا توفيرا صافيا تبلغ قيمته 50 مليون دولار أمريكي.(70)

 

ومن اجمالي تكاليف البرنامج ينفقوا 300 مليون دولار أمريكي على عقاقير لعلاج الأيدز. وقد انخفضت مؤخرا كلفة الحصول على العقاقير المضادة لاسترجاع الفيروس وذلك مع قيام الوزارة والبرنامج بتطوير انتاج محلي في القطاع العام، تأسيس مختبرات وطنية وايجاد أدوات للتفاوض مع الشركات المتعددة الجنسيات، بما في ذلك التهديد بالترخيص الاجباري. معهد "فار-مانغوينهوس" (وهو جزء من وقف ازوالدو كرز) هو المنتج الرئيسي للحكومة للعقار، اذ طوّر التكنولوجيا التي توفر للبلاد العقاقير المضادة لاسترجاع الفيروس بثمن زهيد. يقوم المعهد بانتاج سبعة أدوية من 15 دواء تستعمل في الكوكتيل المضاد لاسترجاع الفيروس في البرازيل. لا عقار من تلك العقاقير مسجّل ببراءة في البرازيل. هبطت أسعار تلك العقاقير عند تطويرها للانتاج المحلي بمعدّل 5ر72% بين عامي 1996 و 2000. وفي عام 1999، تم انتاج 47% من العقاقير المضادة لاسترجاع الفيروس في البرازيل ولكن عاد اليها فقط 19% من اجمالي النفقات. وهكذا 81% تم انفاقه على عقاقير مضادة لاسترجاع الفيروس اشتروها من الشركات المتعددة الجنسيات.

 

وبما ان لمعهد "فار-مانغوينهوس" القدرة الفنية لهندسة العقاقير المسجلة ببراءة عكسيا ويمكنه ان يقدّر تكاليف انتاج واقعية فان وزارة الصحة هي في وضع مساوم قوي للتفاوض مع المنتجين الأجانب لتخفيض الأسعار، يدعمها تهديد مصداقي في الترخيص الاجباري. وفي عام 2001 استخدم وزير الصحة هذا الاسلوب مع شركة روش وميرك بشـأن عقاقيرها "نيلفينافير" و ايفافيرينز"، وفي الآخر تمكن من الحصول على تخفيضات في السعر تراوحت بين 40 و 70%.

 

وبينما أشادوا اشادة كبيرة بالبرنامج البرازيلي على أنه نموذج محتمل تحتذي به الدول الأخرى، من الجدير بالملاحظة بأن كلفة البرنامج تبلغ حوالي 5 آلاف دولار أمريكي في العام للشخص الواحد الخاضع للعلاج، او 800 دولار أمريكي لكل شخص معدي بفيروس نقص المناعة البشرية او 3 دولارات أمريكية لكل شخص في البرازيل. وهكذا أعطت البرازيل أولوية لعلاج المرضى بفيروس نقص المناعة البشرية/الأيدز. يمكن للبرازيل ان تتحمّل تلك التكاليف لأنها دولة نامية غنية نسبيا ولأن تناسبيا لديها نسبة منخفضة من العدوى بفيروس نقص المناعة البشرية. علاوة على ذلك، فان المعرفة الفنية لديها تتيح المجال لوزارة الصحة للتفاوض في تنزيل الأسعار بفعالية وكفاءة. ومثلما نوّهنا أعلاه انه استثمار يمكن ان يعوّض عن نفسه بشكل انخفاض الوفيات وانتشار المرض. ولكن الاستثمار المبدئي لهذا النوع من البرنامج قد لا تتحمّله الدول الفقيرة  التي لديها نسب عالية من الاصابات بفيروس نقص المناعة البشري، بدون مساعدة خارجية. وبالنسبة لتلك الدول تشكل قدرتها التكنولوجية الضعيفة تقييدا أيضا في غياب وسائل فعالة للترخيص الاجباري كما اقترحه اجتماع الدوحة.

 

 

الترتيبات الوطنية للترخيص الاجباري

 

ثمة حائل هام للترخيص الاجباري في الدول النامية وهو غياب التشريعات البسيطة والاجراءات الادارية لوضعه موضع التنفيذ. وبما ان الأنظمة القانونية في الدول النامية مرهقة بالأعباء  فمن المناسب التشريع لتأسيس نظام شبه قانوني واداري مستقل لتنفيذ الترخيص الاجباري. تشمل العناصر الأساسية ما يلي:

 

·                   اجراءات بسيطة وشفافة وسريعة

·                   واجراءات للاستئناف لا تعلّق تنفيذ الترخيص

·                   وتشريعات تستغل استغلالا تاما المرونات التي توفرها اتفاقية "تريبس" لتعيين أسس الترخيص الاجباري بالاضافة الى الاستعمال غير التجاري من الحكومة بما في ذلك الانتاج للتصدير (راجع أدناه)

·                   وارشادات واضحة وسهلة التطبيق وشفافة لوضع نسب الجعالة (التي قد تتفاوت).

 

هناك الشيء الكثير الذي يمكن تعلّمه من خبرة الدول المتقدمة ولا سيما كندا التي يبدو بأن لديها أكثر البرامج شمولا. وضعت كندا نسبة شاملة للجعالة نوعا ما بلغت 4%، جرى فيها وضع أسبقية سابقة في قضية اختبارية هامة. وقد تفاوتت الممارسة الأمريكية تفاوتا كبيرا من نسب منخفضة جدا الى نسب عالية، اعتمادا على حكم المحكمة. تحتاج الدول النامية الى تطوير قواعد واجراءات تتكيّف مع ظروفها لوضع نسب الجعالة ولكن الافتراض من خبرة الدول الأخرى هو انه لا داعي الى وضع نسب عالية حدا.

 

وتحتاج الدول النامية أيضا الى الأخذ بعين الاعتبار التبني في هذا السياق شروطا قوية حول الاستعمال الحكومي وغير الحكومي. يختلف ذلك عن الترخيص الاجباري ولكن له تأثير مماثل في قطاع الصحة العامة. وأيضا لدى العديد من الدول المتقدمة والدول النامية مثل تلك الشروط في قوانينها. وفي دول الكومنولث هذه مستمدة من القانون البريطاني 1883 الذي جرى الاحتفاظ به في القوانين الحالية.(71) هذه السلطات هي سلطات شاملة ولا تحدد بدقة ظروفا معيّنة يمكن فيها استعمال تلك السلطات. مثلا في نيوزيلندا:

 

"... يمكن لأية وزارة حكومية... ان تصنع وتستعمل وتمارس وتبيع أي اختراع مسجّل ببراءة لخدمة التاج وأي شيء يجري القيام به بموجب القسم الفرعي هذا لن يشكّل خرقا لبراءة الاختراع المعنية."(72)

 

يجب على الدول النامية ان تسن قوانين قابلة للتنفيذ واجراءات تتيح الترخيص الاجباري وتوفير الشروط المناسبة لاستخدامها من قبل الحكومة.

 

الترخيص الاجباري للدول التي ليست لديها قدرة كافية على الانتاج الصناعي

 

الفقرة السادسة من اعلان الدوحة توجّه مجلس "تريبس" الى تطوير حل سريع للمشكلة التي تواجهها بعض الدول التي تفتقر الى قدرة كافية في قطاع الادوية. وهي تعرّف المشكلة على انها عدم قدرة تلك الدول على استعمال الترخيص الاجباري للحصول على الادوية التي هي بحاجة اليها من شركة منتجة تقع في أراضيها. عادة يمكن استعمال الترخيص الاجباري لهذا الغرض، اذ تقوم الدولة بالتصريح عن طريق الترخيص الاجباري لشركة محلية لانتاج المنتج داخل أراضيها او التصريح لمستورد لشرائه من مكان آخر. ولكن الدول التي تم التعرّف عليها على انها تعاني من تلك المشكلة لا يمكنها الالتجاء الى شركة منتجة محلية للحصول على تلك المنتجات بهذه الطريقة وبالتالي تحتاج الى الاعتماد على شركة منتجة من بلد آخر.

 

ونحن نوافق بأنه من المهم ان نفسّر اتفاقية "تريبس" او تعديلها تفسيرا صحيحا، مع الأخذ بعين الاعتبار السيناريو الطويل الأمد عندما ستنطبق حماية براءات الاختراع على الدول التي تقوم حاليا بانتاج وتصدير نسخ غير محمية ببراءة من العقاقير المسجّلة ببراءة. الحاجة في آخر المطاف هي ايجاد حل موال للمنافسة لسوق العقاقير المسجلة ببراءة في الدول النامية وذلك بعدما تصبح اتفاقية "تريبس" نافذة المفعول تماما أي ايجاد حل يسمح بشراء العقاقير بسرعة باسلوب قابل للدوام وبأدنى الأسعار الممكنة. وهذا الأمر ينطبق ان كنا نفكر في شراء العقاقير المسجّلة ببراءة مباشرة حيث توجد مجموعة من البدائل الدوائية او كنا نفكر في شرائها بموجب الترخيص الاجباري.

 

ويجب النظر الى الترخيص الاجباري على انه وسيلة لتحقيق غاية. والغاية في تلك الحالة هي المساعدة على تحقيق أدنى سعر ممكن للأدوية في الدول النامية من أجل تسهيل حرية الحصول عليها. والنقطة الوحيدة للترخيص الاجباري في هذا الصدد هي ان الترخيص الاجباري يساعد في تحقيق ذلك. ومثلما نوّهنا أعلاه، بغض النظر عن النواحي القانونية والادارية يكون الترخيص الاجباري فعالا فقط اذا رأى صاحب الترخيص الاجباري امكانية للحصول على عائد معقول من الاستثمار وبنفس الوقت يزوّد العقاقير بأسعار أدنى بكثير من الأسعار التي يطلبها صاحب براءة الاختراع او الذي منحه رخصة.

 

وبينما توجد الآن دول عديدة، ولا سيما تلك التي لديها أسواق محلية هامة، تتمتع بقدرة على انتاج نسخ من العقاقير بالرخص فقد يصبح الأمر أكثر صعوبة بعد عام 2005. اذ لن يوجد الحافز عندئذ مثل ما هو الحال الآن للشركات المنتجة في تلك الدول لهندسة عكسيا العقاقير المسجلة جديدا ببراءة ولاتخاذ الخطوات الأخرى اللازمة  لصنعها وبيعها (بما فيه الحصول على الموافقة القانونية) لأن السوق المحلية ستكون مغلقة أمامها. وهكذا سيتلاشى تدريجيا الامداد الحاضر من البدائل غير المحمية ببراءة للعقاقير المسجّلة ببراءة. وهكذا يتعيّن عندئذ على المرخصين الاجباريين ان يطلبوا أسعارا لعقاقيرهم أقرب ما تكون الى السعر الاقتصادي التام (بما في ذلك تكاليف بدء العمل والانتاج) بالمقارنة بامكانية توفير بدائل غير محمية جاهزة بأسعار تكون الى حد ما قد استهلكت تكاليف بدء العمل في السوق المحلية. ولكن اذا توفر الاستثمار الضروري فقط عند توفر الترخيص الاجباري ستحدث لا محال تأخيرات طويلة الأمد قبل ان يصل العقار الى المرضى.(73) وبالاضافة الى ذلك هناك بعض الأدلة التي تشير الى ان الهندسة العكسية لبعض الأدوية الجديدة هي في حد ذاتها أكثر صعوبة في الادوية الحيوية مما هي عليه في كيمياء العمليات التقليدية.

 

وهذا يوحي بأنه من دون ترتيبات خاصة ستكون امكانية كون الترخيص الاجباري وسيلة لتنـزيل الأسعار محدودة أكثر مما هي عليه الآن، حتى في الدول النامية القليلة المتقدمة تكنولوجيا. وبالنسبة لمعظم الدول فان المورد المجدي الوحيد قد يكون صاحب براءة الاختراع او الذي يرخّص له.

 

وهكذا نحن نرى المشكلة حسبما جرى تحديدها في اجتماع الدوحة على انها مشكلة اقتصادية بالقدر الذي هي مشكلة قانونية. وحل شبه قانوني مثل ما يمكن ان يحدده مجلس "تريبس" هو ضروري ولكن لن يكون كافيا لحل المشكلة التي أوجزناها. والحل شبه القانوني يكون أقل فعالية كلما أحيط الترخيص الاجباري بالقيود. مثل تلك القيود تخفض امكانية ان يكون مثل ذلك الترخيص أداة مساومة فعالة للدول النامية التي تتفاوض على الأسعار مع أصحاب براءات الاختراع. يمكن للترخيص الاجباري ان يكون فعالا اذا شكّل اقتراحا اقتصاديا قابلا للحياة.

 

النواحي القانونية   

 

ننظر في هذا القسم ونعلّق على شتى المقترحات التي تقدّمت بها مختلف الدول ومجموعات الدول لمواجهة حل مشكلة منظمة التجارة العالمية التي جرى تحديدها في الفقرة 6 من اعلان الدوحة. تدور هذه حول جوهر المادة 28 (الحقوق الممنوحة) والمادة 30 (استثناءات للحقوق الممنوحة) والمادة 31(و) من اتفاقية "تريبس" حيث المادة 31 تتعاطى بـ "الاستعمال الآخر من دون تصريح من صاحب الحق". تنص المادة 31(و) بأن الترخيص الاجباري يجب ان يكون "غالبا لتزويد السوق المحلية للعضو الذي يصرّح مثل ذلك الاستعمال."

 

وهكذا لا يمكن للدول التي ليست لديها قدرة انتاجية او لديها قدر قليل من تلك القدرة ان تصدر ترخيصا اجباريا الى منتج محلي او الى منتج أجنبي لأن براءات الاختراع هي اقليمية. يمكن لتلك الدول حاليا اصدار ترخيص اجباري الى المورّد الذي يمكن ان يستورد الامداد من شركة منتجة للمواد غير المحمية ببراءة في بلد لا يكون فيها المنتج مسجّل ببراءة. بعد عام 2005 لن يكون هذا الخيار ممكنا للعقاقير التي تكون مسجّلة ببراءة في الدولة المزوّدة للمنتج.

 

والأثر العملي لهذا التدبير هو انه يجعل تدابير الترخيص الاجباري عديمة الجودة عمليا بالنسبة للدول ذاتها التي هي من المحتمل ان تكون بأمس الحاجة اليها أي أفقر الدول في العالم. وبالنظر الى محدودية قدرتها الانتاجية المحلية لا يوجد أحد في تلك الدول ليضع تلك التدابير موضع التنفيذ. هذا الأمر هو بصريح العبارة غير مرض واعترف اعلان الدوحة بحق بأنه يجب ايجاد حل لتلك المشكلة على جناح السرعة.

 

هناك عدد من المشاكل التفسيرية التي أثارها اعلان الدوحة نستعرض هنا البعض منها. يشير الاعلان الى ان الدول حرة في تقرير الأسس التي تمنح فيها التراخيص الاجبارية (الفقرة 5ب) والحق في تقرير ما هي الأمور التي تشكّل "الحالة الطارئة الوطنية او الظروف الملحّة للغاية" (الفقرة 5ج). يعكس التدبير الأخير الطريق المختصرة في الاجراءات المسموحة في تلك الظروف في المادة 31(ب) من اتفاقية "تريبس". وهكذا تشير الفقرة السادسة الى الاجراءات المترتبة على الترخيص الاجباري في قطاع الادوية اللازمة للتعاطي "بمشاكل الصحة العامة...ولا سيما تلك الناجمة عن فيروس نقص المناعة البشرية/الأيدز والسل والملاريا وغيرها من الأوبئة" (الفقرة 1).(74) فهي لا تشير مثل ما يفترض احيانا فقط الى الترخيص الاجباري في الظروف الطارئة او الملحة. وهي ليست محدودة بنوع معيّن من المرض.

 

وهناك حاجة الى التوضيح ما هي الدول التي ليست لديها قدرة انتاجية او قدرة انتاجية غير كافية. ومجددا نحن نعتقد بأن ذلك يتطلب تفسيرا اقتصاديا. فاذا كان انتاج دواء بحاجة اليه ممكنا فنيا ولكن سيكون باهظ الثمن فلا فائدة ترجى من اصدار ترخيص اجباري محلي. ولكن اذا كانت الغاية هي الحصول على أدوية يمكن تحمل كلفتها ومن نوع مناسب وبكمية مناسبة ينطوي الحل عندئذ على السماح في الانتاج باسلوب اقتصادي قابل للحياة، اما محليا او في الخارج. تحبّذ الدول النامية عموما تفسير لـ "القدرة الانتاجية" يأخذ بعين الاعتبار المعايير الاقتصادية (مثلا، اذا كانت القدرة بشكل يكون فيه الانتاج الاقتصادي ممكنا في الظروف المتوقعة)، ويضع التشديد على قدرة الدولة على تقرير المعايير على أساس كل منتج على حدة. تقترح الدول المتقدمة، باستثناء واحد، بأنه يجب رسم المعايير من دون تحديد ما قد تكون عليه.(75)

 

وبما ان اعلان الدوحة يسمح للدول الأقل نموا بأن لا تبدأ بتطبيق براءات الاختراع على الادوية حتى عام 2016، فان الدول التي تستغل هذا التدبير لن يمكنها ان تصدر تراخيص اجبارية وكذلك الأمر بالنسبة لأي دولة لم يجر فيها استخراج براءة للاختراع. في الوقت الحاضر، يمكن لمثل تلك الدول ان تستورد امدادات رخيصة من دول أخرى بدون براءات اختراع على المنتجات المعنية ولكن هذا الوضع سيتغيّر بعد عام 2005. وهكذا مع ان الفقرة السادسة تشير بصورة خاصة الى الترخيص الاجباري فهي معدة بوضوح الى مخاطبة هذا السياق الأوسع وبالتالي معالجة مسألة امكانية تحمّل كلفة الأدوية والقدرة على الحصول عليها، ولا سيما في الدول النامية والدول الأقل نموا.

 

لا يحدد الاعلان من هي الدول التي يمكنها ان تعمل بمثابة دول موردة للدول المعنية بالأمر. فمن أجل رفع مستوى المنافسة الى الحد الأقصى وتحقيق أدنى الأسعار الممكنة فان عدم وضع قيود على الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية التي يمكنها ان تعمل بمثابة مورّد يبدو انه الحل المنطقي الذي يأخذ السوق أساسا له. وللأسباب ذاتها فان الدول التي تسعى الى الترخيص يجب ان تبحث منطقيا عن المرخصين الاجباريين المنافسين أينما تجدهم. تحبّذ الدول النامية الاستيراد من مورّدين من أي بلد كان. هناك دولة متقدمة تفضّل الاستيراد من الدول المتقدمة ولكن ليس للاتحاد الاوروبي أي رأي في الأمر بينما تحبّذ الولايات المتحدة الاستيراد من الدول النامية مثل ما هو الحال بالنسبة لصناعة الادوية المبني انتاجها على الأبحاث.

 

لقد جرى اقتراح خمسة حلول رئيسية للمشكلة المشار اليها في الفقرة 6 من اعلان الدوحة ونحن نبحث في كل حل بدوره.

 

تعديل المادة 31 من اتفاقية "تريبس". يجب حذف المادة 31(و). غير انه يمكن اعتبار ذلك على أنه يغيّر معنى الاتفاقية بالنسبة للترخيص الاجباري غير ذلك المتعلق بمشاكل الصحة العامة. البديل هو الحاجة الى تعديل الاستثناء المميز بوضوح للقيد الذي تفرضه المادة 31(و) التي تغطي الترخيص الاجباري من أجل مواجهة مشاكل الصحة العامة التي يراها الاعلان. ان مثل ذلك التعديل لاتفاقية "تريبس" سيكون مضيعا للوقت ويتطلب التصديق عليه من الحكومات الوطنية. يمكن توفير حل مؤقت او انتقالي/ مثل القيام باعلان للنيّة، وتنازل مؤقت او موراتوريوم على حل النـزاع وذلك لتغطية الفترة حتى يتم التصديق على أي تعديل. ولكن قد يتردد عدد كبير من الدول المتقدمة والنامية في اعادة فتح اتفاقية "تريبس"، بسبب الخطر من فتح نواحي أخرى من الاتفاقية لاعادة التفاوض في الوقت ذاته. ولنفترض انهم وجدوا الحل يصبح من الضروري على الدولة المصدّرة المحتملة ان تحذف بند "غالبا" من تشريعاتها وتتأكد من ان أسس الترخيص الاجباري تتوافق مع تلك المتصوّرة في الاعلان. وفي المرحلة الأخيرة يجب تنفيذ التراخيص الاجبارية ودفع ثمنها في كل من الدولة المستوردة والدولة المصدّرة اذا كانت هناك براءة مسجلة في كلتيهما. ويجب ان تكون الدولة المصدرة مستعدة، في أي حال، لاصدار ترخيص اجباري لفائدة الدولة المستوردة.

 

وقد اقترحت الدول النامية عددا من الخيارات لحل المشكلة بما في ذلك مراجعة المادة 31 او حذف المادة 31(و) للتأكد من ان المادة 31(و) لن تنطبق على أية قوانين او تدابير او أنظمة ادارية بما في ذلك التراخيص الاجبارية، التي تم تبنيها لحماية الصحة العامة وبصورة خاصة لضمان الحصول على الادوية التي يمكن تحمّل تكاليفها. وثمة دولة نامية اخرى نبّهت بأنه بموجب المادة 31(و) هناك حاجة الى اصدار التراخيص الاجبارية في كل من الدولة المستوردة والمصدّرة مما يجعل الأمر مرهقا اداريا. يحبّذ الاتحاد الاوروبي التعديل المحدد للمادة 31(و) الذي أتى وصفه أعلاه. اما الولايات المتحدة فهي لا تحبّذ تعديل للمادة 31(و) بل موراتوريوم على اجراءات حل النـزاع لتحقيق التأثير ذاته.

 

تفسير المادة 30. تنص المادة 30 على استثناءات محدودة لحقوق براءات الاختراع التي لا تتعارض مع الاستغلال العادي لبراءة الاختراع. وبموجب هذا الحل المقترح لا حاجة الى تعديل اتفاقية "تريبس" ولا الى ترخيص اجباري في الدولة المصدرة. ثمة فائدة مزعومة بأنه يسمح بالتصدير الى الدول التي لا توجد فيها براءات اختراع على الدواء المعني. كل ما هو مطلوب هو "تفسير رسمي" بموجب المادة (1X) من اتفاقية منظمة التجارة العالمية يتبناه ثلاثة أرباع الأعضاء في منظمة التجارة العالمية. هذا يوضّح بأن استثناء بموجب حقوق براءات الاختراع للسماح بالتصدير في الظروف التي تصوّرها الاعلان هو شرعي. عندئذ يتطلب الأمر تعديل التشريعات الوطنية في الدولة المصدّرة لضمان ادخال الاستثناء المتصوّر فيها. النقطة الفاصلة في هذا الحل المقترح هو عما سيكون "استثناء الدوحة" منسجما مع الشروط التي تنص عليها المادة 30. أوحى تفسير لهذه المادة تقدمت به هيئة المستشارين لحل النـزاعات (76) بأنه يجب تفسير "الاستثناءات المحدودة" تفسيرا ضيّقا. كان ذلك في سياق تبرير تدبير كندا لاستثناء العمل الباكر من قبل المنافسين المحتملين لأغراض الحصول على الموافقة التنظيمية. ويمكن التسليم بذلك بالقول ان الاستثناء، كما هو مقترح هنا، هو "محدود" بظروف معيّنة مثل ما قام الاعلان بتعريفه. ويمكن القول بأنه لا "يتعارض بشكل غير معقول" مع الاستغلال العادي لبراءة الاختراع، للتصدير بأسعار متهاودة، شرط حماية "المصالح المشروعة" لصاحب البراءة (مثلا، منع تحويل المنتج الى الأسواق الأخرى). وعلاوة على ذلك يجب الأخذ بعين الاعتبار المصالح المشروعة للأطراف الثالثة (الذين يعانون من الأمراض في الدول النامية) ازاء مصالح صاحب البراءة. ان الظروف المختلفة جدا هنا، على النقيض من تلك التي سادت في الحالة الكندية، تعني ان قانون الحالات لمنظمة التجارة العالمية هو ذو صلة محدودة.

 

بعض الدول النامية تحبّذ بصورة خاصة الحل الوارد في المادة 30، ملاحظة بأنه يحل مشكلة المكافأة المزدوجة التي تنص عليها المادة 31 ويزيل الحاجة الى الترخيص الاجباري في الدولة المصدّرة. ومن حيث الاجراءات الادارية فهي تشعر بأنه الحل الأخف عبئا. والجدير بالملاحظة أيضا بأن المنظمات غير الحكومية النشيطة تعتبر الحل المنصوص عنه في المادة 30 هو الأفضل من بين الخيارات الأخرى.

 

الموراتوريوم او التنازل. والبديل هو اقتراح الموراتوريوم او التنازل للصادرات في "ظروف اعلان الدوحة". والمنادون بذلك الحل يحاججون بأن التنازل هو أسرع الحلول ويقولون بأنه يوفر الأمن القانوني وبنفس الوقت يتجنّب الحاجة اما الى التعديل او التفسير الرسمي لاتفاقية "تريبس". ويمكن وضع شروط التنازل مقدما لتعريف الظروف التي يمكن فيها ان تنطبق. طبعا ستنشأ حاجة الى صياغة ذلك بوضوح وبشكل غير مبهم بحيث يرضى بها جميع الأعضاء في منظمة التجارة العالمية. لم تجر المحاولة للقيام بذلك وقد يتعرّض الوضوح الى التسوية في المفاوضات حول المعايير.

 

ويتعيّن على المجلس الوزاري لمنظمة التجارة العالمية ان يوافق على المعايير التي يمكن بموجبها استثناء الأعضاء من الامتثال لشروط اتفاقية "تريبس". ولكن في حالتي الموراتوريوم والتنازل يمكن للأطراف المعنية ان تنفّذ فقط الحماية بموجب الاتفاقية اذا جرى تغيير التشريعات الوطنية لتنفيذ الاستثناء بموجب متطلّب المادة 31(و)(77). فاذا لم يجر تغيير التشريعات الوطنية يمكن لصاحب البراءة ان يرفع قضية في المحاكم الوطنية على الرغم من ان الموراتوريوم او التنازل وفقا لمنظمة التجارة العالمية ينطبق على ذلك. وعلينا ان نتذكّر بأن التنازل يتطلب مراجعة دورية من قبل المؤتمر الوزاري/المجلس العام اذا منح التنازل لمدة أكثر من عام.

 

وقد اقترح الاتحاد الاوروبي بأن التنازل (او الموراتوريوم) قد يكون ضروريا حتى يتفقوا على تعديلهم المقترح للمادة 31(و). وقد اقترحت بعض الدول النامية بأن التنازل (او الموراتوريوم) لن يشكّل حلا قابلا للدوام ومتوقعا قانونيا. وعلى النقيض من ذلك اقترحت الولايات المتحدة بأن التنازل او الموراتوريوم من شأنه ان يحقق حلا سريعا وقابلا للعمل وشفافا وقابلا للدوام وأكيدا قانونيا. ونحن نعلم بأن صناعة الادوية تدعم اقتراح على هذا المنوال.

 

غير صالح لأن تنظر فيه المحكمة. والاقتراح لتبني خيار غير صالح لأن تنظر فيه المحكمة من شأنه ان يحقق الكثير مما تنص عليه المادة 30 بأساليب مختلفة. وهو يعمل باسلوب مماثل لموقف اتفاقية "تريبس" حول استنفاد الحقوق (الفقرة السادسة من اتفاقية "تريبس"). بتفسير رسمي او تعديل للاتفاقية يقرروا بأن حل النـزاعات بموجب اتفاقية "تريبس" لن يتبع فيما يتعلق بالصادرات التي يتصورها اعلان الدوحة. ولكن، من غير الواضح تماما كيف يمكن تنفيذ هذا المقترح.

 

التصدير من قبل دولة لديها ترخيص اجباري. هناك خيار أخير ليس في متناول منظمة التجارة العالمية وهو انه يمكن للدول ذات القدرة على الهندسة العكسية والانتاج وذات الأسواق الكبيرة للأدوية المطلوبة ان تصدر تراخيص اجبارية وفقا لتشريعاتها. في هذه الحالة، يمكن عرض نسبة من المواد المصنوعة للتصدير الى الدول التي هي بحاجة اليها (على أساس ترخيص اجباري للاستيراد اذا دعت الضرورة) وذلك بأسلوب لا يخرق المادة 31(و). ويمكن أيضا منح ترخيص اجباري لتصحيح الممارسات المناهضة للمنافسة (المادة 31(ل)، وفي هذه الحالة لن تنطبق القيود على الصادرات. ولكن هذا الخيار يعتمد على كون الدولة المزوّدة لديها الأسس المشروعة لاصدار الترخيص الاجباري في المقام الأول وعلى ان لديها سوق كبيرة بما فيه الكفاية بحيث تشكّل الصادرات أقل من نصف الانتاج الاجمالي، وكذلك على استعدادها للتصدير.

 

والاختيار بين تلك الخيارات سيجري التعامل معه سياسيا ولكننا نشدد بقوة بأنه مهما يكن الحل القانوني الذي ستتبناه منظمة التجارة العالمية عليها ان تبدأ بناء على المبادىء التالية. اولا، يجب ان يكون الخيار سريعا وسهل التنفيذ وبحيث يشكّل حلا طويل الأمد. ثانيا، يجب ان يضمن الحل بأن الأولوية هي تلبية حاجات الفقراء في الدول النامية الذين لا تتوفر لهم القدرة الانتاجية. ثالثا، يجب ان يضمن وضع شروط لتوفير للموردين المحتملين الحافز الضروري لتصدير الأدوية.

 

النواحي الاقتصادية 

 

مهما كانت الأساليب المستعملة لتحقيق الأهداف التي يضمنها اعلان الدوحة، ستحتاج الدول المتقدمة الى اجراءات وقائية لمنع تسرّب المنتج من الدولة المقصود اليها الى الأسواق الأخرى، والضمان بأن يكون الانتاج للتصدير فقط الى الدولة المعنية وليس للبيع محليا. وقد تحتاج أيضا الى اجراءات عن طريق منظمة التجارة العالمية لضمان ابلاغ جميع الاعضاء بطبيعة الصفقة باسلوب شفافي. ومهما كانت الاجراءات الوقائية التي يجري الاتفاق عليها المسألة الحرجة هي ان اقتصادات الامداد الى دولة معينة واحدة ذات سوق محدودة قد لا تكون كافية لاستقطاب موردين محتملين للمنتجات غير المحمية ببراءة. وعلاوة على ذلك اذا كانت الأسعار المعروضة بموجب الترخيص الاجباري متدنية على قدر الامكان، يجب عندئذ ان تكون هناك منافسة بين أكثر من مورد واحد عند تقديم الطلبيات، وكذلك عند الامداد الحقيقي. وللأخذ بعين الاعتبار اقتصادات اتساع السوق ودرجة المنافسة من الأهمية تجميع الأسواق الصغيرة معا على قدر الامكان.

 

والحل البديهي هو ان تقوم مجموعات من الدول ذات الحاجات المماثلة للعقاقير اللازمة ان تتعاضد معا. ويمكن للمؤسسات الدولية مثل منظمة الصحة العالمية او الصندوق العالمي لمكافحة الأيدز والسل والملاريا ان تلعب دورا ضروريا في تسهيل وتمويل مشتريات الأدوية بالجملة من الشركات الصانعة للأنواع المسجلة ببراءة وللأنواع غير المحمية ببراءة.

 

هناك حاجة الى ايجاد طريقة للتوفيق بين طبيعة الحل الذي يجري تبنيه مع الهدف الا وهو توفير أدوية من النوعية المناسبة وبأقل الأسعار الممكنة. فاذا تعذّر ذلك لن يكون للحل القانوني حقيقة عملية. ولن يكون خيار الترخيص الاجباري فعالا كأداة للتفاوض.

 

تشريعات الدول النامية 

 

الطريقة الوحيدة التي يمكن فيها للدول النامية ان تستخدم حقوق الملكية الفكرية لمواجهة قضايا الصحة العامة هي تضمين نصوص تشريعاتها على المقاييس والممارسات المناسبة. وقد يتفاوت ما هو مناسب وفقا لظروف الدولة ولمستوى تنميتها. مثلا، قد ترغب الدول التي تملك قدرة جيدة على الأبحاث والتطوير، او ذات القوى المعينة، مثلا في التكنولوجيا الحية، في حيازة حماية "أقوى" من الدول التي هي مستخدمة تماما تقريبا لتكنولوجيا الدول الأخرى.

 

يجب ان لا تشعر الدول النامية بأنها مجبورة، او في الواقع يجب ان لا تجبر، على تبني مقاييس الدول المتقدمة بالنسبة لأنظمة حقوق الملكية الفكرية. فقد تغرق تحت وطأتها. فقد هبط عدد الكيانات الكيماوية الجديدة التي وافقت على استعمالها ادارة الأغذية والعقاقير الأمريكية الى 27 كيانا في عام 2000 بالمقارنة بحوالي 60 كيانا في عام 1985.(78) ولكن بلغ عدد براءات الاختراع التي منحت في فئة براءات الاختراع الرئيسية لتركيبات العقاقير الجديدة (424) ما يساوي 6730 في عام 2000.(79) والغالبية العظمى من براءات الاختراع لا تمنح الى المركبات الدوائية الجديدة بل تتعلق بتغايرات في عمليات الانتاج وللصيغ الجديدة او الأشكال المتبلورة او مركّبات جديدة لمنتجات معروفة ولاستعمالات جديدة لعقاقير معروفة. وفي الفترة ما بين عامي 1989-2000 كان 153 عقارا من بين 1035 موافقات جديدة على العقاقير من قبل ادارة الأغذية والعقاقير الأمريكية من أجل عقاقير تحتوي على مقومات نشيطة جديدة وتقدم تحسينا سريريا هاما. وتم تصنيف 472 عقارا آخر على انها مبتدعة باعتدال.(80)

 

يجب ان يكون الهدف من المبدأ هو ايجاد مقاييس صارمة للتسجيل ببراءة وتضييق نطاق طلبات التسجيل المسموح بها، على ان يكون الغرض من ذلك ما يلي:

 

·                   الحد من نطاق المواضيع التي يمكن تسجيلها ببراءة

 

·                   وضع مقاييس بحيث تمنح براءات الاختراع فقط لتلك البراءات التي تفي بالمتطلبات الصارمة للتسجيل ببراءة وان يكون وسع كل براءة اختراع متناسب مع اسهامه الاختراعي والافصاح بصدده

 

·                   تسهيل المنافسة وذلك بتقييد قدرة أصحاب البراءات على منع الآخرين من البناء على الاختراعات المسجلة ببراءة او التصميم حولها

 

·                   توفير اجراءات وقائية واسعة لضمان عدم استغلال حقوق براءات الاختراع بشكل غير ملائم.

 

كل ذلك من شأنه ان يساعد في الضمان بأن قواعد التسجيل ببراءة تحد على قدر الامكان نطاق التسجيل ببراءة الذي يحمي الأسواق ويستبعد المنافسة بدلا من تشجيع الأبحاث والتطوير المحلية. وعلاوة على ذلك فان مقاييس التسجيل ببراءة وممارستها المفسحة المجال لتأويلات مختلفة، مثلما نوّهنا اعلاه، من شأنها في الواقع ان تعيق الابتداع باعاقة الأبحاث من قبل الآخرين. وبما انه من غير الممكن بموجب اتفاقية "تريبس" التمييز بين مختلف حقول التكنولوجيا سنتعاطى بموضوع تطبيق تلك المبادىء بالتفصيل في الفصل السادس.

 

ولكن، في مجال الادوية بوجه الخصوص، الأحرى بالدول النامية ان تنتهز الامكانية التي تتيحها لها اتفاقية "تريبس"(81) واستثناء أساليب التشخيص والمداواة والأساليب الجراحية لعلاج البشر او الحيوانات من براءات الاختراع بالاضافة الى الاستعمالات الجديدة للمنتجات المعروفة (التي هي في جوهرها تساوي اساليب المداواة). وبما ان معظم الدول النامية ليست في وضع يمكنها من تطوير مثل تلك الأساليب لا يوجد لديها ما تكسبه من عدم استغلال تلك المرونة. طبعا، الدول النامية القليلة التي لها قدرات للأبحاث في تلك المجالات قد ترغب في الحصول على مثل تلك الحماية، ولكن من الجدير بالملاحظة ان معظم الدول النامية تستثني أيضا تلك المجالات من التسجيل ببراءة. ونحن نقترح أيضا ان تفكّر الدول النامية مليّا بخصوص تخفيف هذا الاستثناء بارخاء مفهوم البدعة وقبول طلبات التسجيل ببراءة للاستعمالات الطبية الاولى او اللاحقة للمركبات الكيماوية المعروفة مثلما حصل في عدد من الدول المتقدمة والنامية.(82) ومرة أخرى، قد تجد الدول المتقدمة بأن الحافز على الأبحاث يبرر قبول مثل تلك الطلبات للتسجيل ببراءة ولكن بالنسبة لمعظم الدول النامية ذات قدرات الأبحاث المحدودة فنحن نرى بأن التكاليف ستفوق وزنا الفوائد المستمدة منها.

 

معظم الدول النامية ولا سيما تلك التي تفتقر الى قدرات الأبحاث يجب ان تستثني تماما أساليب التشخيص والمداواة والأساليب الجراحية من تسجيلها ببراءة بما في ذلك الاستعمالات الجديدة للمنتجات المعروفة.

 

ونعالج هنا أيضا مسألتين تؤثران بصورة خاصة على قطاع الادوية وعلى انتاج العقاقير غير المحمية ببراءة.

 

استثناء بولار

 

في الولايات المتحدة أسقط قانون المنافسة على أسعار العقاقير واستعادة مدة براءة الاختراع الصادر عام 1984 قرار صدر عن المحكمة يمثّل نقطة تحوّل (روش ضد بولار، 1984) وذلك بادخال، بين أشياء أخرى، ما يعرف الآن بـ "استثناء بولار" (او "استثناء العمل الباكر"). هذا يجعل قانونيا قيام المنتج للمواد غير المحمية ببراءة استيراد وصنع وتجربة منتج مسجّل ببراءة قبل انتهاء مدة البراءة للتأكد من أنه يفي بالمتطلبات التنظيمية التي تفرضها دول معيّنة على انها ضرورية لتسويق المنتج كمنتج غير محمي ببراءة. تأكدت مشروعية منظمة التجارة العالمية لهذا الاستثناء في عام 2000 عندما جرت تسوية قضية النـزاع التي رفعها الاتحاد الاوروبي ضد كندا.(83) بالنسبة للدول النامية هذا أمر مهم ولا سيما اذا كانت حاليا ام من المحتمل ان تكون منتجة للعقاقير غير المحمية ببراءة، من أجل تأمين وصول العقاقير غير المحمية ببراءة الرخيصة الثمن الى السوق حالما تنفذ صلاحية براءة الاختراع. وحتى ان لم تكن من المحتمل ان تكون منتجة محتملة لتلك العقاقير في المستقبل المنظور فمن الحكمة ان تشمل هذا الاستثناء في تشريعاتها. مثلا، قد تحتاج الشركة الأجنبية الى القيام بتجارب من أجل الحصول على الموافقة التنظيمية. ومن بين 63 دولة نامية فحصنا تشريعاتها فقط ثمانية منها شملت بشكل محدد "استثناء بولار" مع ان البعض الآخر قد يسمحوا "للعمل الباكر" بموجب الاستثناءات العامة للحقوق المقتصرة (المشمولة بكلمات مماثلة للمادة 30 في اتفاقية "تريبس").(84)

 

يترتب على الدول النامية ان تشمل استثناء مناسبا "للعمل الباكر" لحقوق براءات الاختراع في تشريعاتها، الأمر الذي من شأنه ان يسرع في ادخال العقاقير البديلة غير المحمية ببراءة لدى انتهاء مدة صلاحية البراءة.

 

الموافقة على التسويق

 

ثمة خطوة هامة أخرى في تسويق العقار غير المحمي ببراءة وهي الحاجة الى الايفاء بالمتطلبات التنظيمية لهذه الغاية. تنص اتفاقية "تريبس" في المادة 39-3 بأنه واجب على الدول ان توفر الحماية ضد الاستعمال التجاري غير العادل للمعلومات السرية (مثلا، معلومات عن التجارب) بخصوص الكيانات الكيماوية الجديدة التي تقدمها الشركات للحصول على الموافقة لتسويق العقاقير الجديدة من الوكالة التنظيمية (مثل وكالة الأغذية والعقاقير في الولايات المتحدة).

 

الأساس المنطقي لذلك هو "المجهود الكبير" الذي تستثمره الشركات في تجميع تلك المعلومات. وتجادل شركات الادوية بحق بأنه من غير العدل وضع منتج كلفها ربما ملايين الدولارات في التجارب السريرية وفي الاستقصاءات الأخرى في متناول الشركات المنافسة التي تتجنب الحاجة الى تكبّد مصاريف مشابهة للحصول على الموافقة على التسويق. وبالمقابل هناك من يجادل بأنه، من وجهة نظر الصحة العامة، يجب ان تكون تلك المعلومات في الميدان العام لأنها تحتوي على معلومات طبية هامة ليست متوفرة في مكان آخر وبأن للسرية المفرطة آثار غير مستحبة (مثلا، يمكن اعادة تحليل المعلومات لتفهم المفعول الجانبي للعقار الذي لا يمكن اكتشافه الا بعد تسويق العقار). وعلاوة على ذلك، من وجهة النظر الاجتماعية، فمن غير المعقول لمنافس محتمل للعقار غير المحمي ببراءة ان يكرر التجارب الباهظة الثمن اذا كان يمكن برهان فعالية  العقار المساوي الحيوي من نسخته من العقار بوثوق. يمكن ان تشكّل مقصورية المعلومات حائلا لدخول العقاقير المشابهة غير المحمية ببراءة بغض النظر ان كان العقار مسجلا ببراءة او كانت صلاحية براءاة الاختراع قد انتهت.

 

لا تقضي اتفاقية "تريبس" بفرض المقصورية على معلومات التجارب هذه، بمعنى الكلمة، بل الحماية من الاستعمال التجاري غير العادل. ولكن للاتحاد الاوروبي قواعد تمنح المقصورية لمثل تلك المعلومات لمدة تتراوح بين ست وعشر سنوات وهو يفكّر في الاتجاه نحو عشر سنوات. وهذا يعني، من بين أمور أخرى، بأنه لا يمكن للهيئات الصحية ان تعتمد على مثل تلك المعلومات للموافقة على تطبيقات أخرى من دون موافقة أصحاب المعلومات. في الولايات المتحدة، تطبق الحماية المشابهة لمدة خمس سنوات.

 

وفي ضوء ما تقدم، نرى بأنه يجب على الدول النامية ان تحمي معلومات التجارب ضد الاستعمال التجاري غير العادل من أجل حماية المصالح المشروعة لأصحاب المعلومات و "جهودهم العظيمة". ولكن اتفاقية "تريبس" تتيح حرية كبيرة في كيفية القيام بذلك.

 

يمكن للدول السماح للهيئات الصحية بأن توافق على البدائل الشبيهة غير المحمية ببراءة وذلك "بالاعتماد" على المعلومات الأصلية. ويتعيّن على الدول النامية ان تنفّذ التشريعات الخاصة بحماية المعلومات التي تسهّل دخول العقاقير المشابهة المنافسة غير المحمية ببراءة، وبنفس الوقت ان توفر الحماية المناسبة للمعلومات السرية، التي يمكن القيام بها بطرق مختلفة تنسجم مع متطلبات اتفاقية "تريبس". ويجب ان لا تسن الدول النامية تشريعات يكون أثرها احداث حقوق مقتصرة حيث لا توجد حماية لبراءات الاختراع او تمدد فترة الاحتكار الفعالة بموجب براءة الاحتكار خارج المدة الصحيحة.

 

التمديد الذي تقدم به اعلان الدوحة للدول الأقل نموا

 

أملى اعلان الدوحة (الفقرة السابعة) على "مجلس تريبس" بأن يسمح للدول الأقل نموا تأخير، إدخال الحماية لبراءات الاختراع لمنتجات الصيدلة وكذلك حماية معلومات التجارب السرية حتى عام 2016 على الأقل. ونحن نشيد بالنية الحسنة وراء هذه الفقرة ولكنها تحدث وتسلط الأضواء على عدد من المفارقات.

 

على الأقل 70% من الناس في الدول الأقل نموا هم في دول توفر حماية لبراءات اختراع الادوية، و27 من 30 دولة من الدول الأقل نموا في أفريقيا توفر تلك الحماية. هذه الدول بحاجة الى تعديل تشريعاتها لازالة الحماية التي تفرضها على الادوية من أجل الاستفادة من هذا التمديد. وقد يكون من مصلحتها القيام بذلك بالنظر الى طول مدة التمديد الممنوحة. ولكننا نفترض بأن التعديلات للتشريعات لن تكون استعادية وبأن براءات الاختراع الحالية تبقى نافذة المفعول.

 

وعلاوة على ذلك، قد تكون بعض الدول مقيّدة الايادي في تعديل قوانينها من جراء الاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف. مثلا تحتاج 12 دولة من الدول الأقل نموا الأعضاء في المنظمة الأفريقية للملكية الفكرية (ثلاثة منها ليست من الدول الأقل نموا) الى الاتفاق على مراجعة "معاهدة بانغوي" التي تحكم المنظمة الافريقية للملكية الفكرية. وكذلك يمكن للآخرين ان يكونوا مقيّدين باتفاقيات ثنائية لا تسمح لهم باتخاذ هذا العمل.

 

وبالنسبة للدول التي لم تنفّذ حماية الملكية الفكرية، نحن نتساءل ان كان معقولا تنفيذ نظام حماية الملكية الفكرية بكامله في عام 2006، الا لحماية الادوية. وبما ان الادوية يعود اليها نسبة هامة من جميع طلبات التسجيل ببراءة (مثلا، 50% من براءات الاختراع التي أصدرتها منظمة الملكية الصناعية الأفريقية الاقليمية في عام 1994-1999 كانت تتعلق بالادوية)، (85) من الصعب تبرير الموارد المالية والبشرية اللازمة لتنفيذ نظام للملكية الفكرية في تلك الدول الا للقطاعات التي لا تتعاطى بالادوية. المادة 66-1 من اتفاقية تريبس تنص بأنه يمكن لمجلس "تريبس" ان يمنح تمديدات للفترة الانتقالية للدول الأقل نموا آخذا بعين الاعتبار "حاجاتها ومتطلباتها الخاصة... وقيودها الاقتصادية والمالية والادارية وحاجتها الى المرونة في احداث قاعدة تكنولوجية قابلة للحياة. لذلك ليس منطقيا منح تمديد لقطاع ما على أساس الصحة العامة حتى تاريخ محدد في المستقبل، عندما تكون المعايير بموجب اتفاقية "تريبس" لمنح التمديدات هي واسعة أكثر من ذلك.

 

يتعيّن على تلك الدول الأقل نموا التي توفر حاليا الحماية للادوية ان تفكّر مليا في تعديل تشريعاتها للاستفادة من اعلان الدوحة. وتمشيا مع تحليلنا في أماكن أخرى، يتعيّن على مجلس "تريبس" ان يراجع الترتيبات الانتقالية للدول الأقل نموا في جميع ميادين التكنولوجيا بما فيها الترتيبات لتلك الدول المتقدمة للانضمام الى منظمة التجارة العالمية.

_________________________________________________________

(1) شنّت USTR تحقيقات (بموجب القسم 301 من قانون التجارة) في فشل الدول في توفير الحماية الكافية للملكية الفكرية الى الادوية في البرازيل (1987) والأرجنتين (1988) وتايلاند (1991). المصدر: 52 http://www.ustr.gov/html/act301.htm#301

(2) M. Ryan (1998) "ديبلوماسية المعرفة: المنافسة العالمية وسياسات الملكية الفكرية"، معهد بروكينغز، واشنطن دي سي. الصفحات 67-72. المصدر:

http://brookings.nap.edu/books/0815776535/html

(3) مراجعة الأدلة في F.M. Scherer  (2001) "نظام براءات الاختراع والابتداع في الادوية"، المجلة الدولية للحقوق الاقتصادية (نسخة خاصة، "براءات الاختراع الادوية، الابتداعات والصحة العامة") الصفحات 109-112

(4) العرض الذي قدمه السير ريتشارد سايكس امام المعهد الدولي للشؤون الدولية، لندن، 14 مارس 2002.

(5) اكسفام (2001) : "بسعر يجعل المرء عاجزا عن شرائه"، وثيقة اعلامية لاكسفام الرقم 4، اكسفام انترناشونال، اكسفورد. المصدر:

http://www.oxfam.org.uk/policy/papers/priced/priced/html

(6) منظمة الصحة العالمية (2002) "تقرير عن الأمراض المعدية 2002"، منظمة الصحة العالمية، جنيف. المصدر:

http://www.who.int/infectious-disease-report/2002/framesinto.html

(7) أطباء بلا حدود (2001) "عدم التوازن المميت: أزمة الأبحاث والتطوير في العقاقير للأمراض المهملة"، أطباء بلا حدود، بروكسل. المصدر:

http:www.msf.org/source/access/2001/fatal/fatal.pdf

(8) راجع مثلا "ملاطفة البلاء"، مجلة ذي اكونوميست، 8 يونيو/حزيران 2002. المصدر: http://www.economist.com/

(9) اللجنة المختصة بالاقتصادات الكبرى والصحة (2001) "الاقتصادات الكبرى والصحة: الاستثمار في الصحة لتحقيق التنمية الاقتصادية"، منظمة الصحة العالمية، جنيف، الصفحة 56. المصدر: http://www.3.who.int/whosis/menu.cfm?path=whosis.cmh&language=english;

أطباء بلا حدود (2002) "فك عقدة تنـزيلات الأسعار" دليل للأسعار لشراء مضادات استرجاع الفيروس للدول النامية"، أطباء بلا حدود، جنيف. المصدر:

http://www.who.int/medicines/organization/par/edl/access-hivdrugs.shtml

(10) بيان صحفي صادر عن منظمة الصحة العالمية (منظمة الصحة العالمية/58)، 9 يوليو/تموز 2002. المصدر:

 www.who.int/inf/en/pr-2002-58.html

(11) راجع الأمم المتحة والأيدز (2002) "تقرير عن الوباء العالمي بفيروس نقص المناعة البشرية/الأيدز 2002"، الأمم المتحدة والأيدز، جنيف. الصفحة 151. المصدر: http://www.unaids.org/barcelona/presskit/report.html

(12) لجنة الاقتصادات الكبرى والصحة (2001)

(13) لجنة الاقتصادات الكبرى والصحة (2001)، الصفحة 77

(14) راجع شرح الكلمات للتعريف.

(15) لجنة الاقتصادات الكبرى والصحة (2001)، الصفحات 86-91

(16) لجنة الاقتصادات الكبرى والصحة (2001)، الصفحة 79، والحاشية 203 للحصول على بحث لمختلف التقديرات.

(17) أطباء بلا حدود (2001)، الصفحة 16.

(18) موسوعة سكريبس للأبحاث والتطوير في الادوية 2000. المصدر: www.inpharm.com/intelligence/largesize/cmr020801al.gif

ولكن لاحظ بأن التقديرات متفاوتة. التقدير من هذا المصدر في عام 1998 هو 38 مليار دولار أمريكي بينما قدّره المنبر العالمي للأبحاث الصحية بمبلغ 5ر30 مليار دولار أمريكي في عام 1998. المنبر العالمي للأبحاث الصحية (2002) "التقرير 10/90 حول الأبحاث بالصحة 2001-2002"، المنبر العالمي للأبحاث الصحية، جنيف، الصفحة 107، المصدر: http://www.globalforumhealth.org/pages/index.asp

(19) P. Trouiller والآخرون (2002) "تطوير العقاقير للأمراض المهملة: سوق ضعيفة واخفاق في سياسة الصحة العامة"، مجلة ذي لانست، المجلد 359، الصفحات 2188-2194. المصدر: http://www.thelancet.com

(20) أطباء بلا حدود (2001) الصفحة 12.

(21) الأبحاث في الادوية والشركات المنتجة في أمريكا (2001)، "بروفيل لصناعة الأبحاث في الادوية والشركات المنتجة في أمريكا"، الأبحاث في الادوية والشركات المنتجة في أمريكا، واشنطن دي سي، الصفحة 16.

(22) المنبر العالمي للأبحاث الصحية، الصفحة 107.

(23) المنبر العالمي للأبحاث الصحية، الصفحة 107.

(24) أطباء بلا حدود (2001)، الصفحة 21. من غير المحتمل ان يكون قد تم انفاق أكثر من 2ر1 مليار دولار أمركي فوق مبلغ 5ر2 مليار دولار أمريكي الذي تم تسجيله للدول النامية ذات الدخل المنخفض والمتوسط.

(25) هذه تشمل أدوية لمشروع المالاريا، ةالاتحاد العالمي لتطوير عقار لمرض السل، والمبادرة الدولية لتطير لقاح ضد الأيدز والمبادرة المقترحة لتطوير أدوية ضد داء الليشمانية وداء المثقبيات، من بينها.

(26) J. Lanjouw و I. Cockburn (2001) "أقراص دواء جديدة للفقراء؟ أدلة تجريبية بعد غات"، مجلة التنمية العالمية، المجلد 29:2 ، الصفحات 265-289.

(27) راجع الأمم المتحدة والأيدز (2002) الصفحة 105.

(28) مبادرة لقاح ضد المالاريا هو شراكة بين القطاع العام والخاص. تجد تفسيرا لتعقّدات الأبحاث في موقع الانترنت وعنوانه:

http://www.malariavaccine.org/mal-vac2-challenge.htm. راجع أيضا A. Clark(2002)"وراثيات الشعوب: طبعة محقّقة للمالاريا"، مجلة الطبيعة 418، الصفحات 283-285. المصدر:

fs.html http://www.nature.com/cgi-taf/Dynapage.taf?file=nature/journal/v418/n6895/full/418283a

(29) M. Kremer و C. Snyder (2002)"نتائج الدخل من اللقاحات مقابل العلاج بالعقاقير"، مسودة ورقة عمل، الصفحة 3، المصدر: 

vaccines snyder.pdf  http://www.iaen.org/files.cgi/6913  

(30) يمكن للبكتير المسبب للمرض ان يبقى ساكنا وغير مكتشف في الجسم لأشهر عديدة  او سنوات.

(31) الاتحاد العالمي لتطوير عقار ضد السل (2001) "اقتصاديات تطوير عقار ضد السل"، الاتحاد العالمي لتطوير عقار ضد السل، نيويورك. المصدر:  

 per.pdf  http://www.tballiance.org/pdf/rpt 

(32) تشير الصناعة ان الأمر يحتاج الى بين 10 سنوات و 15 سنة لاكتشاف وتطوير دواء جديد ناجح وثلاثة أدوية من أصل عشرة أدوية جديدة تعود بمردود جيد. ويمكن ان يكلّف كل عقار بين 500-800 مليون دولار أمريكي لتطويره. ولكن تلك الأرقام هي موضع جدل. وللاطلاع على وجهة نظر الصناعة راجع مثلا: http://www.phrma.org/publications/publications/primer01

(33) H. Kettler (2002) "استخدام الابتداع لتلبية حاجات الصحة العالمية عن طريق أنظمة الملكية الفكرية القائمة حاليا"، وثيقة بمعلومات خلفية تنشرها اللجنة 1أ، لندن، الصفحات 24-26. المصدر: http://www.iprcommission.org

(34) لجنة الاقتصادات الكبرى والصحة (2001)، الصفحة 85.

(35) يقال ان شركات الادوية الأجنبية مترددة في زيادة الأبحاث والتطوير بسب غياب الحماية للادوية. من ناحية أخرى هناك أدلة تشير الى زيادة الاستثمار في السنوات الأخيرة لاستغلال الباحثين المهرة الهنود. مثلا، قامت شركة أسترازينيكا مؤخرا بتأسيس مركز للأبحاث في بتغالور لاجراء أبحاث في داء السل، من ضمن أمراض أخرى. راجع مثلا،، N. Kumar "حقوق الملكية الفكرية، التكنولوجيا والتنمية الاقتصادية: خبرة الدول الآسيوية"، وثيقة بمعلومات خلفية تنشرها اللجنة 1ب، لندن، الصفحة 35، المصدر: http://www.iprcommission.org . راجع أيضا مجلة Express Pharma Pulse، 2 مايو/أيار 2002. المصدر: http://www.expresspharmapulse.com/20020502/story3.shtml

(36) المجموعة الاستشارية حول الأبحاث الزراعية الدولية، قامت بالتنسيق الأمانة العامة للبنك العالمي، المصدر: http://www.cgiar.org/

(37) راجع مثلا، اللجنة الاستشارية للأبحاث الصحية (2002) "اقتصاد المرثات والصحة العالمية"، منظمة الصحة العالمية، جنيف، الصفحة 138. المصدر:  report.cfm http://www3.who.int/whosis/genomics/genomics

(38) A. Attaran و L. Gillespie-White   (2001 ) "هل تحتوي براءات الاختراع الخاصة بالعقاقير المضادة لاسترجاع الفيروس تقيّد حصول العلاج ضد مرض الأيدز في أفريقيا"، JAMA ، المجلد 286:15. المصدر: http://jama.ama-assn.org/issues/v286n15/ffull/jsc10222.html

(39) A. Attaran و L. Gillespie-White   (2001 )، الصفحة 1891.

(40) راجع الأمم المتحدة والأيدز (2002)، الصفحات 189-201.

(41) بيان صحفي لـ IFPMA، جنيف، 20 ديسمبر/كانون الأول 2001. المصدر:

 www.ifpma.org/pdfifpma/CMH%20report-news%20release.pdf . مع ان وضع براءة الاختراع لا تشكّل اعتبارا في اختيار الأدوية للقائمة، الا ان الكلفة الاجمالية للعلاج والفعالية بالنسبة للكلفة المنفقة عليه هي معيار لشمل الدواء في القائمة وهكذا يمكن حذف بعض الأدوية المسجلة ببراءة الهامة من حيث المداواة على تلك الأسس. يمكن ايجاد المعايير في: http://www.who.int/medicines/organization/par/edl/procedures.shtml#4

(42) والى حد بعيد فان غياب براءات الاختراع يشير أيضا الى غياب الأبحاث الأخيرة على تلك الأمراض. راجع Trouiller P. مع الآخرين (2002)

(43) الأبحاث في الادوية والشركات المنتجة في أمريكا (2002) "العناية بالصحة في العالم النامي"، الأبحاث في الادوية والشركات المنتجة في أمريكا، واشنطن دي سي. المصدر: http://world.phrma.org/ip.access.aids.drugs.html

(44) الأبحاث في الادوية والشركات المنتجة في أمريكا (2001)، الصفحة 61.

(45) مثلا شركة GSK متورطة حاليا في المحاكم في الولايات المتحدة لتوطيد صلاحية براءات الاختراع على عقارها Augmentin الذي تنتهي صلاحيته في عامي 2017 و 2018. تسعى الشركات المنتجة لعقار مماثل ولكن غير محمي ببراءة الى الدخول في السوق بعد انتهاء صلاحية الدفعة الاولى من براءات الاختراع على العقار في عام 2002. وأسقطوا مؤخرا في المحكمة العليا في لندن جزئيا براءة الاختراع على أكثر عقاقير الشركة مبيعا. راجع "GSK تتلقى ضربة من الحكم الصادر بخصوص براءة الاختراع على Paxil"، جريدة الفايننشال تايمز، 13 يوليو/تموز عام 2002. المصدر: http://www.ft.com . وللحصول على موجز للقضايا الخاصة ببراءات الاختراع في صناعة الادوية المرجو مراجعة "قطاع الادوية يخسر حده الدفاعي"، مجلة انفستورز كرونيكل، 19 يونيو/حزيران عام 2002. المصدر: http://investorschronicle.ft.com/IC/home

(46) D. Reiffen و M. Ward (2002) "ديناميات صناعات العقاقير غير المحمية ببراءة"، ورقة عمل للجنة الأمريكية للتجارة الفدرالية 248. المصدر: http://www.ftc.gov/be/workpapers/industrydynamicsreiffenwp.pdf

(47) N. Kumar (2002)، الصفحة 28.

(48) F.M. Scherer و J. Watal (2001): "الخيارات ما بعد اتفاقية تريبس للحصول على الأدوية المسجّلة ببراءة في الدول النامية"، وثيقة معلومات خلفية تنشرها لجنة الاقتصادات الكبرى والصحة، الصفحة 45. المصدر: http://www.icrier.res.in/pdf/schrerwatal62.PDF

(49) F.M. Scherer و J. Watal (2001)، الصفحة 45.

(50) أطباء بلا حدود (2002)، الصفحة 6.

(51) C. Fink (2000) "كيف يمكن لحماية براءات الاختراع الوطنية في الهند ان تؤثر على سلوك صناعات الادوية المتجاوزة الجنسيات"، ورقة أبحاث للسياسة صادرة عن البنك العالمي رقم 2352و البنك العالمي، واشنطن دي سي. المصدر:

http;//wbln0018.worldbank.org/research/workpapers.nsf/0/5d9b67dfa0777405852568e80065f3c4/$FILE/wps2352.pdf؛ و J. Watal (2000) "براءات الاختراع لالادوية، الأسعار وخسائر الانعاش: دراسة محاكاة لخيارات السياسة في الهند بموجب اتفاقية تريبس لمنظمة التجارة العالمية"، الاقتصاد العالمي، المجلد، 23:5، الصفحات 733-752.

(52) "القارة في أزمة"، تقرير لشركة ماكينزي وشركاؤه حول زيادة حرية الحصول على مضادات استرجاع الفيروس في اوغندا، 2000. المصدر: http://www.mckinsey.com/firm/people/feature/uganda/main/index.asp

(53) اوكسفام، اكسفورد، المصدر: http://www.oxfam.org.uk/policy/papers/26generic/26generic.html

(54) J-R. Borrell و J. Watal (2002) "تأثير براءات الاختراع على الحصول على عقاقير ضد فيروس نقص المناعة البشرية/الأيدز في الدول النامية"، ورقة عمل صادرة عن مركز التنمية الدولية الرقم 92، مركز التنمية الدولية، جامعة هارفارد، كيمبريدج، ماساتشوسيتس، الصفحة 5. المصدر: http:www2.cid.Harvard.edu/cidwp/092.pdf

(55) راجع F.M. Scherer (2001)، الصفحات 116-118 للحصول على نظرة الى خبرة كندا وايطاليا.

(56) في كندا تم توجيه 1ر16% من مجموع الأبحاث والتطوير في عام 2001 نحو الأبحاث الأساسية و1ر44% للتجارب السريرية و 9ر7% لتحسين العمليات الصناعية و 9ر7% للدراسات السابقة للتجارب السريرية و 24% للتقديمات الخاصة بالأنظمة المترتبة على العقاقير وعلى دراسات الجهوزية الحيوية وعلى المرحلة الرابعة من التجارب السريرية. مجلس مراجعة أسعار الأدوية المسجلة ببراءة (2002) "التقرير السنوي 2001"، PMPRB ، اوتاوا، الصفحة 28. المصدر: http://www.pmprb-cepmb.gc.ca/english/06 e/06ann01 e.htm

(57) J. Trachtenberg و M. Sande (2002) "نشوء المقاومة لمضادات Nonnucleoside Teverse Transcriptase : تحذير وتحدي"، JAMA 288:2، الصفحات 239-241. المصدر: http://jama.ama-assn.org/issues/v288n2/ffull/jed20035.html

(58) راجع مثلا، "بلاء الهند": قد تساعد العقاقير الرخيصة الثمن الملايين من المصابين بمرض الأيدز – ما هو العدد الذين ستضرهم؟" مجلة ذي نيويوركر، 17 ديسمبر/كانون الأول 2001. المصدر: http://www.newyorker.com/

(59) الأبحاث في الادوية والشركات المنتجة في أمريكا (2002).

(60) راجع مثلا، تقرير مؤتمر حرية حصول دول شرق أفريقيا على الأدوية اللازمة "تحسين حرية الحصول على الأدوية اللازمة في دول شرق أفريقيا: براءات الاختراع والأسعار في الاقتصاد العالمي"، قام بتنظيمه أطباء بلا حدود والمنظمة الدولية للعمل بخصوص الصحة، نايروبي، 15-16 يونيو/حزيران 2000. المصدر: http:www.haiweb.org/mtgs/nairobi200006.html

(61) راجع البيان الصحفي الصادر عن منظمة الصحة العالمية الرقم 19، 20 مارس/آذار 2002 والرقم 28 الصادر في 22 أبريل/نيسان 2002. المصدر: http@//www.who.int/inf/en/index-pr-20002.html

(62) عرض قدمه Sisule Musungu في الدورة الخاصة بالأدوية، مؤتمر اللجنة، لندن، 21-22 فبراير/شباط عام 2002. المصدر: http://www.iprcommission.org

(63) راجع شرح الكلمات للاطلاع على تعريف العبارات في هذه الجملة.

(64) راجع البحث في حماية معلومات التجارب أدناه للحصول على تفسير لذلك.

(65) الناحية النظرية من ذلك هي أكثر تعقيدا مما أشرنا اليه لأنها تعتمد على مرونة الطلب النسبي. هناك بحث جيد في Scherer و Watal (2001)، الصفحات 45-49.

(66) تم توثيقها بعناية للعقاقير الخاصة بفيروس نقص المناعة البشرية/الأيدز لدى أطباء بلا حدود (2002)، الصفحات 11-15.

(67) K. Maskus (2002) "حقوق الملكية الفكرية في الاقتصاد العالمي"، معهد الاقتصادات الدولية، واشنطن دي سي، الصفحة 210.

(68) Scherer و Watal (2001)، الصفحة 28.

(69) أبلغتنا HHS: "يمكن للولايات المتحدة ان تحصل على مواد من دون الحصول اولا على ترخيص، طالما هي تدفع "تعويض معقول وكامل". لم تكن هناك حاجة تدعو الوزير لممارسة هذه الصلاحية. تمكن الأمين العام من التفاوض على اتفاقية تاريخية مع شركة باير ضمنت انتاجا غير مسبوق للعقار "سيبرو". وأثناء المفاوضات مع شركة باير قال الوزير بوضوح انه اذا كان بحاجة الى تصريح للحصول على عقاقير مماثلة غير محمية ببراءة فهو سيطلبه من الكونغرس. والاستعداد للعمل مع الكونغرس على مسألة بتلك الأهمية ليس هو ذاته "تهديد الشركة". تصرّف الوزير تصرفا حسنا وبتأني في موضوع براءة الاختراع للعقار "سيبرو" التي تحمله شركة باير.." افادة شخصية من الدكتور ستيوارت نايتنجيل من HHS ، 10 فبراير/شباط 2002.

(70) الأمم المتحة والأيدز (2002)، الصفحة 145.

(71) عرض تقدم به كريستوفر غاريسون، المستشار القانون لأطباء بلا حدود، مؤتمر سي بي تك و اكسفام و اتش ، "تنفيذ اعلان الدوحة على اتفاقية تريبس والصحة العامة: المساعدات الفنية – كيفية تقديمها صحيحا"، جنيف، 28 مارس/آذار 2002.

(72) القسم 55(1) من القانون المترتب على براءات الاختراع. المصدر: http://www.piperpat.co.nz/patlaw/crown.html#s55

(73) يعتمد ذلك بقوة على A. Engelberg  (2002) "تنفيذ اعلان الدوحة – استراتيجية محتملة للتعامل مع الحواجز القانونية والاقتصادية امام الأدوية التي يمكن تحمّل كلفتها". المصدر: http://www.cptech.org/ip/health/pc/engelberg.html

(74) يشتمل ذلك على الاستعمال الحكومي غير التجاري المنصوص عليه في المادة 31 من اتفاقية تريبس مع الترخيصات الاجبارية الأخرى.

(75) وجهات نظر الدول/المجموعات الواردة هنا في باقي القسم هذا هي مستمدة من ملاحظة الأمانة العامة لمنظمة التجارة العالمية، 11 يوليو/تموز 2002، تلخص البيانات والأوراق التي تقدم بها الأعضاء (وثيقة منظمة التجارة العالمية رقم IP/C/W/363 ). المصدر:

http://docsonline.wto.org/DDFDocuments/t/IP/C/W363.doc

(76) "كندا – حماية براءات اختراع الادوية"، وثيقة منظمة التجارة العالمية الرقم WT/DS114/R  . المصدر:

http://docsonline.wto.org/DDFDocuments/t/WT/DS/114R.DOC

(77) بالنسبة للموراتوريوم، لا يمكن لعضو آخر ان يرفع قضية ضد العضو الذي يستفيد منها، ولكن يمكن لصاحب براءة الاختراع ان يطلب من محكمة وطنية ان تطبق الالتزام المنصوص عنه في الاتفاقية والذي يترتب على العضو ان يلتزم به (بعكس الوضع بالنسبة للتنازل حيث يجري تعليق الالتزام نفسه).

(78) "الملحمة مستمرة: رسم مسار نحو فارما 2010"، عرض قدمه سايمون هيوز، شركة بي دبليو سي للاستشارات، في اجتماع اليورو DIA، برشلونة، مارس/آذار 2001. المصدر: http://www.pwcconsulting.com/us/pwccons.nsf/viewwebpages/PharmalandTIndustry#Odyssey

(79) موقع الانترنت الخاص ب USPTO. المصدر: www.uspto.gov

(80) NIHCM (2002) "تغيير أنماط الابتداع في الادوية"، NIHCM ، واشنطن دي سي. المصدر:

http://www.nihcm.org/innovations.pdf

(81) مقالة تريبس 273 (أ). المصدر: http://www.wto.org/english/tratop e/trips e/t agm0 e.htm

(82) مثل هذه المطالبات للنوع الأول او الاضافي مقبولة في الاتحاد الاوروبي وفي عدد من الدول النامية بما فيها منظمة الملكية الصناعية الأفريقية الاقليمية والمنظمة الافريقية للملكية الفكرية. راجع مثلا براءة الاختراع لمنظمة الملكية الصناعية الافريقية الاقليمية رقم AP868  وبراءة الاختراع للمنظمة الافريقية للملكية الفكرية رقم OA09495 .

(83) "كندا – حماية براءات اختراع الادوية"، وثيقة منظمة التجارة العالمية الرقم WT/DS114/R  . المصدر:

http://docsonline.wto.org/DDFDocuments/t/WT/DS/114R.DOC

(84) P. Thorpe (2002) "تنفيذ اتفاقية تريبس من قبل الدول النامية"، وثيقة بمعلومات خلفية صادرة عن اللجنة 7، لندن، الصفحة 20. المصدر:

http://www.iprcommission.org

(85) P. Thorpe (2002) الصفحة 8.


 

الفصل الثالث

 

الزراعة والموارد الجينية

 

المقدمة

 

الخلفية

 

لا يمكن المبالغة او المغالاة بأهمية القطاع الزراعي في الدول النامية كمصدر للطعام وللدخل وللعمل وايضا كمصدر للعملة الأجنبية. ومثله مثل الصحة العامة فان القطاع الزراعي المنتج والقابل للدوام والاستمرار هو قطاع هام وحرج لتحقيق النمو الاقتصادي وتخفيض الفقر. حوالي ثلاثة أرباع الفقراء في العالم يعيشون في المناطق الريفية ويعملون فيها.(1) وعدا دوره المباشر في تأمين الدخل والعمل فان دور الزراعة، ولا سيما التغيير التكنولوجي في الزراعة، في حث النمو الاقتصادي العام قد تمت مناقشته والبحث فيه من قبل علماء الاقتصاد وصانعي السياسة. وهكذا فان زيادة الانتاجية في قطاع الزراعة من شأنه ان يزيد مباشرة الدخل ومستويات العمل لغالبية الفقراء الذين يعتمدون لمعيشتهم على الزراعة. كما يمكن لهذا القطاع ان يخفف أسعار الطعام (نسبيا او بصورة تامة) للفقراء في كل من القطاع الريفي والمديني على حد سواء.

 

وتاريخيا، كانت الزراعة تبدو، احيانا بشكل يثير الجدل، على أنها مصدر للطعام واليد العاملة والتمويل لقطاع مديني وصناعي متنامي يعتمد عليه هذا القطاع لنمو الدخل القابل للديمومة. وتحقيق تلك النقلة يعتمد عادة على تحقيق زيادات في الانتاجية ان كان لنا ان نتجنّب الزيادة في الأسعار ونتفادى خنق كل من النمو الصناعي وتخفيض الفقر. وفي الدول المتقدمة تعتبر التغييرات في التكنولوجيا والمؤسسات في القطاع الزراعي على انها كانت ذات أثر مفيد في الثورة الصناعية.

 

وفي الدول النامية حدث التقدم الفني عبر عملية من الاختبارات على أرض الواقع في المزارع وعن طريق اختيار وتكييف السلالات الأرضية (2) التقليدية من المحاصيل. وفيما بعد تمت الاضافة الى تلك المحاصيل تربية مقصودة لأنواع جديدة من المحاصيل، بصورة رئيسية عن طريق تهجين أنواع ذات خصائص مرغوب فيها. جرت عملية الأبحاث هذه الى حد بعيد في القطاع العام من قبل معاهد الأبحاث الوطنية تدعمها شبكة من معاهد الأبحاث الدولية، في الثلاثين سنة الماضية وذلك تحت مظلة المجموعة الاستشارية للأبحاث الزراعية الدولية (CGIAR) . يعود الفضل الى تلك الشبكة في قيادة "الثورة الخضراء" في الستينات من القرن الماضي، بناء مبدئيا على أنواع شبه قزمية عالية الانتاج من الأرز والقمح. وعلى الرغم من الانتقادات لتأثيرها البيئي والتوزيعي، هناك الكثير ممن ينسبون الفضل الى هذه التكنولوجيا لتأثيرها الحسن على التغذية والعمل والدخل، على الرغم من ان ذلك يحدث بصورة رئيسية في مناطق من الدول النامية لديها مياه كافية للري او مياه مضمونة نوعا ما للري. وهكذا جرى فيما بعد بذل جهود اضافية في مجال تربية محاصيل جديدة، ولكن بنجاح أقل، لتمديد تلك التكنولوجيا الى محاصيل جديدة والى مناطق ممطرة وجافة.

 

ومؤخرا، حدثت تغييرات هامة في كل من التكنولوجيا وفي بنية الأبحاث الزراعية. أولا، ان قدوم التكنولوجيا الاحيائية، ولا سيما الهندسة الجينية، في السنوات العشرين الماضية قد وسّع امكانية ما يمكن تحقيقه في الأبحاث الزراعية (مثلا، استحداث خصائص جينية جديدة للنباتات). ثانيا، مع ان الاستثمار العام في الأبحاث، عن طريق المجموعة الاستشارية للأبحاث الزراعية الدولية (CGIAR)، قد نزع الى الركود في السنوات الأخيرة، فقد ارتفع الاستثمار من قبل القطاع الخاص باطراد.(3) قوى السوق هي التي توجّه على نحو متزايد اتجاه وغرض الانفاق الاضافي على الأبحاث.

 

حقوق الملكية الفكرية في الزراعة 

 

تاريخيا، كان يجري تطبيق أنظمة الملكية الفكرية بصورة رئيسية على الاختراعات الميكانيكية من نوع او من آخر او على الابتكارات الفنية. اعطاء حقوق الملكية الفكرية لأشياء حية هو أمر حديث العهد نسبيا في الدول المتقدمة. أصبحت النباتات المتوالدة بمساعدات على النموّ قابلة للتسجيل ببراءة في الولايات المتحدة في الثلاثينات من القرن الماضي فقط. وحماية أنواع النباتات (او حقوق مربيّ النباتات) وهو شكل جديد من أشكال الملكية الفكرية أصبحت فقط واسعة الانتشار في النصف الثاني من القرن العشرين. وهكذا فان أنظمة حماية النباتات مستمدة من البنية الاقتصادية والظروف الزراعية التي كانت سائدة في الدول المتقدمة في ذلك الزمن.  ونشوء مثل تلك الأنظمة عكس الاهتمام المتنامي للمربين الخصوصيين في حماية الملكية الفكرية. وتقليديا قام المزارعون باعادة زراعة البذور من محصول العام السابق او تبادلوه مع الآخرين او باعوه مما يعني انه يصعب على المربين التعويض عن الاستثمارات التي يضعوها في أنواع محسّنة من البذور عن طريق مبيعات متكررة. وبراءات الاختراع او حقوق مربّي النباتات تفرض عادة قيودا على قدرة المزارعين على بيع البذور (وفي بعض الأحيان على اعادة استعمالها) وبذلك تعزيز السوق لبذور المربين. وحتى في الدول المتقدمة تبقى اعادة استعمال البذور أمرا شائعا مع انه بالنسبة للعديد من المحاصيل أصبح ذلك الآن هو القاعدة. وفي معظم الدول النامية تستعمل غالبية المزارعين البذور من جديد او يتبادلوها او يبيعوها بشكل غير رسمي الى جيرانهم وشراء البذور الجديدة سنويا هو أمر نادر نسبيا في معظم البلدان.

 

وبتبني اتفاقية "تريبس" اضطرت الدول النامية الى تبني الحماية لأنواع النباتات وذلك عن طريق براءات الاختراع او بأساليب أخرى من دون أخذ أي اعتبار جدّي عما اذا كانت مثل تلك الحماية مفيدة لكل من المنتجين والمستهلكين او الالتفات الى أثرها المحتمل على سلامة الطعام. وكما هو الحال بالنسبة للأدوية، تنطوي المسألة الحرجة على ما اذا وكيف يمكن لحماية الملكية الفكرية ان تشجّع الأبحاث والابتداع ذات الصلة بحاجات الدول النامية والفقراء. وعلينا ان نسأل أيضا كيف تؤثر حماية الملكية الفكرية على كلفة البذور وحرية حصول المزارعين عليها وعلى أشياء أخرى هم بحاجة اليها.

 

واذا كان الهدف من حماية انواع النباتات هو توفير الحوافز للمربين فمن الأسئلة التي تخطر على البال هو كيف يمكن الاعتراف بمساهمة المزارعين في صون وتطوير المصادر الجينية للنباتات والمحافظة عليها. والى حين ادخال برامج تربية النباتات رسميا، كانت التحسينات النوعية والثقافية تعتمد على عملية اختيار وتجربة من قبل المزارعين. استخدمت برامج التربية الرسمية تلك المنوعات وتلك المعرفة لتطوير منوعات محسّنة من النباتات التي تتميّز بانتاج عالي او بميزات مستحبة أخرى. والسؤال الذي يطرح علينا هو كيف يمكن اما حماية او مكافأة مساهمة المزارعين هذه في الصون والابتداع. وفي البناء على مبادىء ميثاق التنوّع الاحيائي (CBD) التي نبحث فيها في الفصل التالي، تسعى المعاهدة الدولية الجديدة حول المصادر الجينية للنباتات للطعام والزراعة (ITPGRFA) الى تأسيس مبادىء لتسهيل الحصول على المصادر الجينية للنباتات وتأسيس آليات عادلة ومنصفة لتقاسم الفوائد.

 

وفي هذا الفصل نعالج الأسئلة التالية:

 

·                   هل يمكن لحماية الملكية الفكرية بشأن النباتات والموارد الجينية ان تساعد في توليد التكنولوجيات التي يحتاج اليها المزارعون في الدول النامية؟

·                   وهل يمكن لحماية الملكية الفكرية ان تؤثر على حصول المزارعين على التكنولوجيات التي هم بحاجة اليها؟

·                   كيف يمكن لنظام الملكية الفكرية ان يساهم في مبادىء الحصول على الموارد وفوائد التقاسم الواردة في ميثاق التنوّع الاحيائي والمعاهدة الدولية حول المصادر الجينية للنباتات للطعام والزراعة؟

 

النباتات وحماية الملكية الفكرية

المقدمة

بموجب اتفاقية "تريبس"، يمكن للدول ان تستثني من التسجيل ببراءة النباتات والحيوانات وفي الواقع العمليات البيولوجية لانتاجها، ما عدا الصغيرة جداً. ويتعيّن عليهم ان يطبقوا نوعا من الحماية اما عن طريق التسجيل ببراءة او نظام ضريبي sui generis لأنواع النباتات.

هناك صعوبات قانونية عديدة حول التعريفات الناجمة عن تعابير اتفاقية "تريبس"، مثل المعنى الدقيق لنوع من أنواع النباتات، أي ان كان "كائنا صغيراً جداً" او في الواقع عملية بيولوجية. ولكن من المهم الاشارة هنا الى ان اتفاقية "تريبس" لا تذكر هل يجب تسجيل الجينات ببراءة ام لا، ان كانت مستمدة من النباتات او البشر او الحيوانات. والمسألة التي تطرحها اتفاقية "تريبس" هي ما هو الذي يشكّل اختراعا بالنسبة للمادة الجينية. مثلا، هل يمكن التسجيل ببراءة مادة جينية موجودة في الطبيعة على أساس ان عزلها وتطهيرها يميّزها عن اكتشاف غير قابل للتسجيل ببراءة؟ هذا أمر يعود الى التشريعات الوطنية. المتطلّب المحدد الوحيد، ما عدا الكائنات الصغيراً جداً ، هو حماية منوّعات النباتات.

 

بعض الناس يعترضون تماما على التسجيل ببراءة الأشكال الحية على أسس أخلاقية، اذ هم يعتبرون الملكية الخاصة لمواد موجودة في الطبيعة هو أمر خاطىء وضار بالقيم الثقافية في أماكن مختلفة من العالم. وتسلسل الجينوم البشري يبعث أيضا اهتمامات محددة. نحن نعترف بتلك الاهتمامات التي نناقشها في الفصل السادس في سياق تصميم أنظمة براءات الاختراع. ويجري البحث في المسائل الأخلاقية والقانونية في ما يتعلق بتسجيل براءة الـ "د ن أ" في التقرير الأخير الصادر عن مجلس نافيلد للأخلاقيات الاحيائية.(4) مهمتنا هنا هي دراسة النتائج العملية والاقتصادية للتسجيل ببراءة في قطاع الزراعة وكيف يؤثر ذلك على سبل معيشة الفقراء وتأثيراته على السياسة.

 

يمكن منح الحماية للملكية الفكرية فيما يتعلق بمواد النباتات بطرق عديدة:

 

·                   النموذج الأمريكي لبراءات النباتات والمتميّزة عن براءات الاختراع العادية (المنفعية)

·                   عن طريق السماح ببراءات اختراع للنباتات او لأجزاء منها، مثل الخلايا

·                   عن طريق التسجيل ببراءة انواع النباتات مثلما هي الممارسة في الولايات المتحدة وفي عدد قليل من البلدان الأخرى (مثلا، في غير الاتحاد الاوروبي)

·                   عن طريق تطبيق شكل ضريبي sui generis من حماية أنواع النباتات، مثل حقوق مربّي النباتات (مثل ما هو الحال في الاتحاد الاوروبي او الولايات المتحدة) او شكليات أخرى

·                   عن طريق السماح ببراءات اختراع على تسلسلات الـ "د ن أ" وبنيات الجينات بما في ذلك الجينة والنباتات المتحوّلة بتلك البنيات وبذور ونتاج تلك النباتات.

وبالاضافة الى ذلك تستعمل براءات الاختراع بشكل واسع لحماية التكنولوجيات المستخدمة في الأبحاث على جينومات النباتات.(5)

 

وما عدا استخدام براءات الاختراع وحماية تنوّع النباتات يمكن حيازة الملكية الفكرية في النباتات بأساليب تكنولوجية. مثلا، المحاصيل مثل الشعير الهجيني (6) التجاري لا يمكن اعادة استعمالها حتى نحتفظ بالنتاج الهجيني وبقوته. ان تلك الميزة في بعض الهجينيات تمنح شكلا طبيعيا من الحماية عن طريق تكرار بيع البذور, ومقابل ذلك، يمكن اعادة زراعة أنواع أخرى من منوّعات البذور كل سنة من دون انهيار في النتاج، ليتمكن المزارعون من اعادة زراعة بذورهم من دون الحاجة الى اعادة شراء البذور. منوّعات "الثورة الخضراء" كانت من تلك الطبيعة ولهذا السبب حققت ذلك القدر من النجاح. مؤخرا فقط جرى تطوير منوعات هجينية من الأرز ومن ثم القمح. "تكنولوجيات تقييد الاستعمال الجيني" هي عبارة تستعمل لوصف أشكال مختلفة من التحكم بعمل الجينات في النباتات. وما يسمى بتكنولوجيا "الانتهاء" التي تجعل البذور عقيمة بحيث لا يمكن في الواقع زراعة محصول ثان (7)، هي تكنولوجيا معروفة جيدا ولكن هناك ميزات أخرى يمكن التحكم فيها اما لأساب الهندسة الزراعية او لأسباب تجارية. وتأثير الحماية التكنولوجية شبيه بحماية الملكية الفكرية ولكنه ربما أرخص ثمنا وبكل تأكيد أكثر فعالية من حيث أنه ذاتي التطبيق.

 

الأبحاث والتطوير

 

وعند مقارنتها بالأبحاث الطبيه هناك قدر أكبر من الأبحاث والتطوير في القطاع الزراعي تقوم به الدول النامية وله صلة مباشرة بها. مثلا، يقدّر بأنه في عام 1995 بلغ الانفاق الاجمالي من قبل القطاع العام على الأبحاث الزراعية في الدول النامية، مع انه غير متساوي التوزيع، مبلغا قدره 5ر11 مليار دولار أمريكي (بأسعار الدولار الدولية التي كانت سائدة في عام 1993) بالمقارنة بمبلغ قيمته 2ر10 مليار دولار أمريكي تم انفاقه في الدول المتقدمة. (8) جرت غالبية الأبحاث في الدول النامية الأكثر تقدما تكنولوجيا في آسيا وأمريكا اللاتينية. وعلاوة على ذلك، ارتفع الانفاق على الأبحاث من قبل تلك الدول بمعدل 5-7% في العام بين عامي 1976 و 1996، بينما شاهد ركودا في أفريقيا.(9) وبالمقارنة مع الانفاق على الأبحاث الخاصة في كافة أنحاء العالم بلغت قيمته 5ر11 مليار دولار أمريكي، فقط 7ر0 مليار دولار أمريكي يعود الى الدول النامية.

 

وهذا يعني انه على الصعيد العالمي حوالي ثلث الأبحاث والتطوير الزراعية تنفق في الدول النامية على النقيض الصارخ للنسبة القصوى البالغة 5% التي تنفق على الأبحاث الصحية في الدول النامية. والجدير هنا ملاحظة ثلاث نقاط وهي: أولا، الأبحاث والتطوير العالمية على الزراعة هي مجرد نصف او اكثر بقليل من تلك التي تقدر ان تصرف على الأبحاث والتطوير الصحية.(10) ثانيا، يقوم تقريبا القطاع العام بضعف الأبحاث والتطوير الزراعية التي يقوم بها القطاع الخاص. اما في المجال الطبي، فان انفاق القطاع الخاص عليه هو نسبيا أكبر من انفاق القطاع العام، مثلما رأينا. ثالثا، ونتيجة لذلك، فان الدول النامية تستفيد أكثر نسبيا من الأبحاث التي تجري في القطاع الزراعي.

 

ومع ذلك فان الاتجاهات الراهنة تثير بعض القلق. على الرغم من ان المجموعة الاستشارية للأبحاث الزراعية الدولية تنفق فقط حوالي 340 مليون دولار أمريكي في السنة، دورها مهم استراتيجيا. مثلا، لعبت مراكز المجموعة الاستشارية للأبحاث الزراعية الدولية دورا حاسما في "الثورة الخضراء" وتعمل الآن بمثابة الوصيّ على أكبر مجموعة في العالم من الموارد الجينية ذات الصلة بالدول النامية وهي تعتبر مصدرا هاما لتحسين المحاصيل في المستقبل. ولكن تمويل المجموعة الاستشارية للأبحاث الزراعية الدولية، الذي تقدمه مجموعة من المانحين، قد هبط بتقدير حقيقي منذ عام 1990.(11) وهذا يهدد كل من الأبحاث والقدرة على الحفاظ ببنوك الجينات او مساعدة الدول النامية في المحافظة على مجموعتها الخاصة من الجينات. وفي الواقع شنت منظمة الأغذية والزراعة والمنظمة الاستشارية للأبحاث الزراعية الدولية حملة لجمع المنح خصيصا لضمان الاحتفاظ كما يجب بتلك المواد الجينية في كافة أنحاء العالم.(12) هذا، وبينما التمويل من جماعة المانحين هو في ركود فان القطاع الخاص هو العنصر الديناميكي في الأبحاث والتطوير الزراعي ولكن القدر القليل من جهودها ينصب في مصلحة المزارعين الفقراء في الدول النامية.

 

تأثير حماية تنوّع النباتات 

 

نفحص في هذا القسم الأدلة التي تشير الى تأثير حماية تنوّع النباتات في الدول المتقدمة والدول النامية وما يمكن لحماية تنوّع النباتات ان تقدمه الى الدول النامية.

 

معظم الأدلة المتعلقة بتأثير براءات الاختراع او حماية تنوّع النباتات على الأبحاث يأتي من الدول المتقدمة، وحتى تلك الأدلة هي ضئيلة. قبل استحداث حماية الملكية الفكرية، كانت مبادرات القطاع الخاص في مجال تربية النباتات مركّزة على المنوّعات الهجينية، ولا سيما الذرة في الولايات المتحدة لأنه يوجد في صلب تلك المنوّعات عنصر "الحماية التكنولوجية". وأوحت دراسة جرت في الثمانينات من القرن الماضي في الولايات المتحدة بأنه لا توجد أية أدلة تشير الى أن النشاط التام في الأبحاث والتطوير قد ارتفع نتيجة لاستحداث حماية تنوّع النباتات، مع انه بدا انه كان له بعض التأثير على فول الصويا، وربما على القمح.(13) وقد نسب الى المحاصيل الأخيرة الذكر غالبية شهادات حماية تنوّع النباتات التي جرى اصدارها. وهناك أيضا أدلة تشير الى استعمال حماية تنوّع النباتات بمثابة استراتيجية لتسويق المفاضلة بين المنتجات وبأنها ساهمت في العدد الكبير من الاندماجات التي حصلت في صناعة بذور النباتات. ولكن الأدلة ليست حاسمة ولا سيما بالنظر الى الصعوبة في عزل تأثير الحماية عن التغييرات الجارية الأخرى. وحتى الآن فان الانفاق على الأبحاث في المحاصيل الهجينية كحصة من المبيعات يستمر في تجاوز الانفاق على المحاصيل غير الهجينية التي تعتبر الهدف الرئيسي لحماية تنوّع النباتات.(14) وجدت دراسة جرت مؤخرا بأن حماية تنوّع النباتات في الولايات المتحدة لم تساهم في زيادة الاستثمار في تربية القمح من قبل القطاع الخاص ولكن يمكنها ان تكون قد فعلت بالنسبة للقطاع العام. ولم تساهم أيضا في زيادة المحصول. ولكن مساحة الأرض المزروعة بالقمح من المنوّعات الخاصة ازداد ازديادا ملحوظا مما يقوي الرأي بأن تأثير حماية تنوّع النباتات هو كأداة تسويقية.(15)

 

وثمة دراسة كبيرة جرت في الدول النامية ذات الدخل المتوسط (16) وجدت القليل من الأدلة التي تشير بأن زيادة مدى المواد النباتية المتوفرة للمزارعين او زيادة الابتداع هو نتيجة لحماية تنوّع النباتات. لقد تحسّنت القدرة على الحصول على المواد الجينية الأجنبية ولكن كان استعمالها أحيانا مقيّدا، مثلا على الصادرات. وعموما كانوا يرون المزارعين التجاريين وصناعة بذور النباتات المستفيدين الرئيسيين. لم يستفد المزارعون الفقراء مباشرة من الحماية ولكن يمكن ان يتضرروا من القيود المفروضة على ادخار البذور وتبادلها في المستقبل.

 

وبموجب اتفاقية "تريبس" يمكن للدول النامية ان تختار نظاما "فعالا ضريبياً فريدا" sui generis من حماية تنوّع النباتات. والقرار الهام الذي عليها ان تتخذه هو التعرف على نظام مناسب لظروفها الزراعية والاجتماعية-الاقتصادية الخاصة بها. ميثاق الاتحاد الدولي لحماية الأنواع الجديدة من النباتات (UPOV) (راجع المربّع 1:3) هو نظام يمكن تبنيه اعتمادا على التشريعات التي تم سنها في اوروبا والولايات المتحدة. من فوائده انه يوفر انها توفر اطارا تشريعيا جاهزا ولكن من سيئاته انه جرى تصميمه على أساس أنظمة الزراعة التجارية في الدول المتقدمة. لذلك هناك قلق جرى التعبير عنه من تطبيق نموذج الاتحاد الدولي لحماية الأنواع الجديدة من النباتات في الدول النامية، البعض منها يطبق أي شكل من أشكال حماية تنوّع النباتات.

 

وتشمل المعايير المترتبة على منح شهادة حماية تنوّع النباتات على عتبات أوطى من المقاييس التي تتطلبها براءات الاختراع. هناك متطلبات من حيث البدعة والتميّزية، ولكن لا يوجد معيار يتساوى مع عدم البديهية (خطوة ابتداعية) او المنفعة (القابلية للتطبيق الصناعي). وهكذا فان قانون حماية تنوّع النباتات يسمح للمربين بحماية منوّعات النباتات ذات الخصائص الشبيهة، مما يعني ان النظام تدفعه الاعتبارات التجارية لمفاضلة المنتجات والآلية المخططة للزوال، بدلا من التحسينات الحقيقية في الخصائص الأغرونوميكية.(16) قد تفكّر الدول النامية برفع العتبة ولا سيما من حيث منح الحماية فقط للابتداعات الهامة او ذات الشأن التي تتميّز بخصائص معيّنة تعتبر مفيدة اجتماعيا (مثلا، من حيث زيادة المحصول او خصائص ذات قيمة غذائية). وهكذا يمكن تقوية معايير التميّزية وكذلك المعايير المصاغة لتحديد المنفعة من حيث أهداف السياسة الزراعية. وبدلا من ذلك، يمكن للدول ان تقرر الاحتفاظ بالمستويات المنخفضة لبعض الفئات من النباتات لتسهيل حصول الصناعات المحلية الناشئة لتربية النباتات على حماية تنوّع النباتات التي يمكن ان تنتج عنها فوائد تجارية وتصديرية.

 

وعلى نحو مماثل فان متطلب الاتّساق (والاستقرار) في أنظمة الاتحاد الدولي لحماية الأنواع الجديدة من النباتات تستثني المنوّعات المحلية التي قام بتطويرها المزارعون المتغايرة الخواص جينيا والأقل استقرارا. ولكن تلك الخصائص هي التي تجعلها أكثر تكيّفا ومناسبة للبيئات الزراعية الايكولوجية والتي يعيش فيها معظم المزارعين الفقراء. والأمر متروك للدول النامية لاستنباط أنظمة توفر الحماية لمنوّعات النباتات التي تفي بمعايير مناسبة للظروف والمحاصيل التي يعتمد عليها المزارعون الفقراء. ولكن قد يصعب استنباط مثل تلك المعايير وقد يكون تشغيل النظام غالي الثمن. وقد ترى الحكومات بأن تمديد مثل ذلك النظام لن يؤدي دورا ايجابيا في تطوير أنظمتها الزراعية.

 

والقلق الآخر يتعلق بمعيار الاتساق. اذ بينما يجادل المحبذون بأن حماية تنوّع النباتات، بحثّها على انتاج منوّعات جديدة، تزيد في الواقع التنوّع الاحيائي، يدعي الآخرون بأن متطلب الاتساق وتوثيق منوّعات شبيهة في الواقع من المحاصيل ستزيد من اتساق المحاصيل وفقدان التنوّع الاحيائي. طبعا، ان القلق يتجاوز حماية تنوّع النباتات الى حد بعيد. فالتشريعات المترتبة على بذور النباتات في عدد كبير من الدول تفرض متطلبات اتساق صارمة، وبعضها أكثر صرامة من التشريعات المترتبة على حماية التنوّع الاحيائي. وعلاوة على ذلك برز قلق مشابه بالنسبة للاتساق الأكبر الناجم عن نجاح منوّعات "الثورة الخضراء"، الأمر الذي أدى الى تعرّض أكبر للمرض والى فقدان التنوّع الاحيائي في الحقل. ولكن كلما أصبحت تربية النباتات نشاطا يمارسه على نحو متزايد القطاع الخاص وكلما بدأت المنوّعات الجديدة بالحل محل المنوّعات التقليدية على نطاق واسع، كلما برزت مسألة حرجة وهي كيف يمكن صون الموارد الجينية والمحافظة عليها للاستعمال المحتمل في المستقبل، ان كان في الحقول او في "بنوك الجينات".(18)

 

وقد تدعو الحاجة الى تمييز مقاييس الحماية بين مختلف أنواع المحاصيل. مثلا، يمكن للدول التي لديها قطاعات تجارية وتصديرية ذات شأن ان تتبنى مقاييس من نوع مقاييس الاتحاد الدولي لحماية الأنواع الجديدة من النباتات للمحاصيل المعنية في تلك القطاعات بغية تشجيع الابتداع والتجارة. ولكن يمكنها ان تتبنى مقاييس أخرى لمحاصيل الطعام التي يزرعها المزارعون لحماية ممارساتهم في ادخار البذور والاتجار بها وتبادلها وحماية أنظمتهم غير الرسمية في الابتداع. مثلا، في كينيا يبدو ان حقوق حماية تنوّع النباتات قد طلبتها بصورة غالبة الشركات الأجنبية التجارية المصدرة للأزهار والخضراوات لتعضيد تسويقها تجاريا وتصديرها. قد يكون ذلك مفيدا بالنسبة لصناعات التصدير والزراعة التجارية في كينيا وبصورة غير مباشرة للفقراء. حماية تنوّع النباتات قد تسهّل توفر منوّعات جديدة في كينيا (يمكن ان تحتفظ بها الشركات لأنفسها في غياب الحماية) ولكنها تبدو بأنها تلعب دورا بسيطا في الحث على الأبحاث المحلية. لا يبدو النظام بأنه ذو صلة بالقلق المباشر للمزارعين الفقراء في كينيا والمحاصيل التي يزرعونها. 

 

المربّع 1:3 الاتحاد الدولي لحماية الأنواع الجديدة من النباتات (UPOV)

 

الاتفاقية المعترف بها دوليا بخصوص حماية تنوّع النباتات هي الاتحاد الدولي لحماية الأنواع الجديدة من النباتات. يعود ميثاق الاتحاد الى عام 1961 وقد جرت مراجعته ثلاث مرات منذ ذلك الحين. وما عدا جنوب أفريقيا كانت الدول النامية الاولى التي تنضم الى الاتحاد هي اليوروغواي والأرجنتين في عام 1994عندما بلغ عدد الأعضاء 26 عضوا. منذ عام 1994 انضمت الى الاتحاد 24 دولة نامية أخرى. مع ان اتفاقية "تريبس" تحدد فقط بأنه يتوجب ان يتوفر نظام ضريبي فريد sui generis ، كان الاتحاد اختيارا بديهيا اذ يوفر حلا جاهزا لتطوير مثل تلك التشريعات. وبالاضافة الى ذلك وضعوا ضغوطا على شتى الدول للانضمام الى الاتحاد بشكل اتفاقيات تجارية ثنائية (مثلا الاتفاقية التي انعقدت مؤخرا بين فييتنام والولايات المتحدة تجبر الطرفين ان يكونوا أعضاء في الاتحاد، المنتسبة اليه حاليا الولايات المتحدة).

 

الغرض من ميثاق الاتحاد الدولي لحماية الأنواع الجديدة من النباتات هو ضمان اعتراف الدول الأعضاء بالاتحاد بانجازات مربي المنوّعات الجديدة من النباتات وذلك بمنحهم حقوق ملكية مقتصرة، على أساس مجموعة من المبادىء المتّسقة والمحددة بوضوح.

 

وبما انه قد جرت مراجعة الاتحاد بشكل متعاقب (1978 و 1991)، فقد جرى أيضا تمديد نظاق وطول الحماية. ازدادت مدة الحماية الدنيا الى 20 عاما (25 عاما للكروم والأشجار) في نسخة عام 1991 (من 15 عاما و 20 عاما في السابق). وبعكس براءات الاختراع فان معيار الحماية لا يشمل خطوة اختراعية بكل ما في الكلمة من معنى. اذ، لتستحق الحماية يجب فقط ان تكون المنوّعات مميزة ومتّسقة ومستقرة وبدعة (من حيث الاتجار بها سابقا).

 

يسمح قانون عام 1978 للمربين باستعمال المنوّعات المحمية كمصدر للمنوّعات الجديدة، التي يمكنها فيما بعد حماية وتسويق أنفسها. قانون عام 1991 حافظ على استثناء المربين، ولكن حق المربي يمتد الى منوّعات "مستمدة أساسا" من النوع المحمي، الذي لا يمكن تسويقه من دون اذن صاحب النوع الأصلي.

 

قانون عام 1978 منح المربي صاحب الحماية فيما يتعلق بانتاج البذور للبيع، وعرضها للبيع والمتاجرة بها (المادة 5(1)) وبالتالي سمح ضمنيا  للمزارعين باعادة زرع وتبادل البذور (مع انهم لم يوضحوا هذا الحق بصريح العبارة). قانون عام 1991 يقيّد حقوق المزارعين أكثر. يمتد حق المربي الآن الى الانتاج او اعادة الانتاج بالاضافة الى تسويق المواد المتكاثرة بالتناسل او المحصودة (المادة 14 (1)). يلطّف ذلك باستثناء اختياري للمزارعين يسمح "للمزارعين  لأغراض التكاثر التناسلي، وفي أراضيهم المستأجرة، باستخدام نتاج الحصاد الذي حصلوا عليه بزراعة على أرضهم المستأجرة  النوع المحمي او (نوع مستمدّ أساسا)." (المادة 15 (2). (19)

 

 

وهكذا يجب على الدول النامية ان تفكّر في بناء تشريعاتها المترتبة على حماية تنوّع النباتات على التقدير واقعيا كيف يمكنها ان تفيد تطوّرها الزراعي وسلامة طعامها، مع الأخذ بعين الاعتبار أيضا دور الزراعة في توليد الصادرات وادخال العملة الأجنبية والعمل. وبوجه خاص عليها ان تفكّر في اجراء تعديلات محتملة لنموذج الاتحاد الدولي لحماية الأنواع الجديدة من النباتات لكي تكيّفها لظروفها.(20) وقد سن عدد من الدول او يفكّر في سن تشريعات تشمل العناصر التي تم شرحها اعلاه. (21)

 

وثمة ناحية مهمة من أنظمة sui generis وهو نطاق الاستثناء الذي توفره للمزارعين. اذ بعكس براءة الاختراع، فان التشريعات المترتبة على حماية تنوّع النباتات تسمح عموما باستثناء، مثل ما هو الحال بالنسبة للاتحاد الدولي لحماية الأنواع الجديدة من النباتات لعام 1978، التي تسمح للمزارعين باعادة استعمال البذور التي حصدوها من أراضيهم المستأجرة بدون اذن صاحب الحق في الأرض. وفي الولايات المتحدة مددوا هذا الاستثناء للسماح ببيع محدود للمحاصيل المحصودة من أجل بذورها الى المزارعين الآخرين. وفي العالم النامي وبغياب القواعد القانونية يقوم المزارعون بتبادل وبيع بذورهم بشكل غير رسمي. ومثلما سبق وقلنا هذه ممارسة لا تزال واسعة الانتشار بين المزارعين الفقراء في الدول النامية ولا تزال شائعة حتى في الدول المتقدمة. تعتبر أنظمة التبادل والبيع هذه آلية هامة يقوم بموجبها المزارعون تقليديا باختيار وتحسين منوعاتهم الخاصة من البذور وتقييد هذا الحق من شأنه ان يعيق عملية التحسين هذه. ومع ان الاتحاد الدولي لحماية الأنواع الجديدة من النباتات (1991) يجيز للدول السماح لمزارعيها باعادة استعمال محصولهم من أجل بذوره على أراضيهم المستأجرة، فهو لا يسمح ببيع البذور او تبادلها بشكل غير رسمي. وعلى العكس من ذلك، تسمح اتفاقية "تريبس" فقط بأن يكون هناك شكل من أشكال حماية الملكية الفكرية لمنوّعات النباتات، ولا تعرّف بأية طريقة الاستثناءات التي يمكن توفيرها لحقوق أصحاب المنوّعات المحمية.

 

وهكذا قامت الدول والمنظمات بتجربة عدد من البدائل في هذا المجال. مثلا، أنتجت منظمة الوحدة الأفريقية (الاتحاد الأفريقي الآن) تشريعات نموذجية توصي الدول الأفريقية بتبنيها في تشريعاتها. تنص تلك التشريعات على الحق في ادخار واستعمال ومضاعفة ومعالجة البذور المدخرة من المزارع ولكن عدم بيعها على نطاق تجاري.(22) قامت الحكومة الهندية، التي قررت مؤخرا السعي الى الانتساب الى الاتحاد الدولي لحماية الأنواع الجديدة من النباتات، بدمج في تشريعاتها الخاصة حماية تنوّع النباتات (2002) المادة 39(1)(iv) التي تفيد ما يلي:

 

"يعتبر المزارع بأن من حقه ادخار واستعمال وزراعة واعادة زراعة وتبادل وتقاسم او بيع محصول مزرعته بما فيه بذور نوع محمي بموجب هذا القانون وذلك بالطريقة ذاتها التي كان يحق له فيها قبل ان يصبح هذا القانون نافذ المفعول.

 

شرط ان لا يحق للمزارع ان يبيع بذور مسجلة بماركة تجارية من نوع محمي بموجب هذا القانون."(23)

 

واستثناء المربّين بموجب حماية تنوّع النباتات يختلف أيضا عن قانون براءات الاختراع من حيث انه يمكن للمربين من دون تصريح، استخدام نوع محمي من النباتات كأساس لتربية نوع آخر (الذي هو بنفسه يمكن ان يكسب الحماية). وهكذا توفر حماية تنوّع النباتات حماية أقل من براءات الاختراع، ومثلما جادلنا بأنها لا توفر الا القليل من الحفز للأبحاث، ولكنها بالمقابل هي أقل تقييدا من حيث الابتداع اللاحق التدرجي مما هو الحال بالنسبة لبراءات الاختراع. وكذلك فان الدول النامية حرة في اختيار ما هي الاستثناءات التي تريد ان توفرها. فمن ناحية يمكن منح حماية تنوّع النباتات بمثابة شهادة عالية او ختم على البذور تعطي صاحبها الحقوق المقتصرة لبيع البذور بواسطة هذا الختم. ولكن لن تتوفر الحقوق لحماية الاستعمال او البيع اللاحق للبذور طالما انه لا يجري بيعه بموجب الشهادة. هذا الحق يكون أعلى من العلامة التجارية او شهادة البذور ولكنه لن يقيّد اعادة الاستعمال اللاحق للمواد المحصودة بأية طريقة من الطرق. يمكن لمثل هذا النظام ان يكون طريقة لتفصيل نظام حماية تنوّع النباتات على قياس حاجات المزارعين الفقراء ولكنه لا يوفر حافزا كبيرا لمربي النباتات.(24)

 

تأثير براءات الاختراع

 

براءات الاختراع على منوّعات النباتات مسموحة فقط في الولايات المتحدة واليابان واستراليا، وأكثرها في الولايات المتحدة. القانون الأمريكي الصادر عام 1930 أدخل نوعا خاصا من براءات الاختراع على النباتات وذلك للمواد المتكاثرة بمساعدات على نموّ النبات، ولكن يمكن في الولايات المتحدة أيضا منح براءات منفعية قياسية لمنوّعات النباتات. تعتبر براءة الاختراع أقوى شكل من أشكال الحماية للملكية الفكرية أي انها تسمح عادة لصاحب الحق بفرض أقوى تحكم على استعمال المادة المسجّلة ببراءة، عن طريق الحد من حقوق المزارعين في بيع او اعادة استعمال البذور التي زرعوها او الحد من حقوق المربين الآخرين للنباتات في استعمال البذور (او التكنولوجيات المتوسطة المسجلة ببراءة) للمزيد من الأبحاث وأغراض التربية. ومع ذلك، يمكن لحق براءات الاختراع ان ينص على استثناءات شبيهة بتلك الموجودة في أنظمة حماية تنوّع النباتات. مثلا، ينص التوجيه الخاص بالتكنولوجيا الاحيائية على استثناء المزارع حيث يمكن لبراءة الاختراع المسجلة على مادة جينية ان تمنع اعادة استعمالها في المزرعة، مع انه لا يسمح بالتسجيل ببراءة منوّعات النباتات. كما يحتوي على تدبير للترخيص الاجباري، شرط ان تتوفر ظروف معيّنة، حيث يمكن لاستعمال مادة من قبل المربي ان تنتهك حق البراءة.(25)

 

وفي الولايات المتحدة، فان تسجيل منوّعات النباتات ببراءة هو أمر هام لأنه، بمطالبات مناسبة في البراءة، يمكن لصاحب المنوّع النباتي المحمي ببراءة ان يمنع الآخرين من استعماله لأغراض التربية. هذا اختلاف مهم يميّز البراءة عن حماية تنوّع النباتات. والاثبات بأن منوّع جديد من النباتات يلبي المعايير المترتبة على التسجيل ببراءة هو أصعب وأغلى من الحصول على حماية لتنوّع النباتات حيث معايير الحماية منخفضة. وكثيرا ما يجري الحصول على حماية براءة الاختراع عن طريق براءة واسعة تدعي بأن الجينة او الناقلة هي وراء تحويل النبتة الخ، مما قد يغطي عدد من منوّعات المحاصيل المحتملة التي تحتوي على تلك الجينة. ولأغراض عملية يمكن ان يكون لذلك الأثر ذاته كالتسجيل ببراءة النبتة بكاملها لأن البراءة تمتد عادة الى "جميع المواد....المشمول فيها المنتج".(26)

 

هذا، ومهما كانت الحوافز التي يوفرها التسجيل ببراءة، تنـزع قوى السوق الى قيام القطاع الخاص بتوجيه أبحاثه حيث يكون هناك احتمال من مردود عالي. ولكن، بعكس الأدوية، هناك احتمال اجتذاب الشركات الى المحاصيل التي تزرع على نطاق واسع في الدول النامية. تكاليف الاستثمار هي أقل من تكاليف الأبحاث على الأدوية والأسواق المحتملة هي أكبر بالمقابل أيضا. مثلا، انتاج الأرز، حيث قيمة انتاجه في الهند وحدها تتجاوز سوق الذرة في الولايات المتحدة، كان حتى الآن محصولا بقيت تربيته حكرا على القطاع الوطني او الدولي (بصورة رئيسية المجموعة الاستشارية للأبحاث الزراعية الدولية). اما الآن فقد أصبح القطاع الخاص يهتم على نحو متزايد بالأبحاث في الأرز. فقد عملت شركة مونسانتو وشركة سينجنتا على تسلسل جينوم الأرز في نوعين رئيسيين من الأرز. وعدد براءات الاختراع المتعلقة بالأرز والصادرة سنويا في الولايات المتحدة قد ارتفعت من أقل 100 براءة في عام 1995 الى أكثر من 600 في عام 2000.(27)

 

وحتى الآن حوالي 80% من التجارب على المحاصيل العابرة الجينات قد حدثت في الدول المتقدمة حيث تجري زراعة ثلاثة أرباع المحاصيل المعدّلة جينيا. بالطبع جرى توجيه استراتيجيات تربية النباتات التي تقوم بها الشركات المتعددة الجنسيات لتلبية حاجات أسواق العالم المتقدم والقطاعات التجارية للدول النامية ذات الدخل المتوسط (مثلا، البرازيل والأرجنتين و الصين). وتطوير الخصائص الجينية مثل القدرة على احتمال مبيدات الأعشاب قد جرى تقريره بصورة رئيسية بالبحث عن فوائد تجارية بدلا من البحث عن خصائص مفيدة للمزارعين الفقراء في الدول النامية. تقوم الشركات بتقديم منوّعات من المحاصيل المعدّلة جينيا، التي على الرغم من كونها موضع جدل في الدول المتقدمة والنامية على حد سواء، الا انها تعتبر ذات فائدة محتملة من قبل الدول النامية (مثلا، الجينة Bt التي تعطي مقاومة للحشرات).(28) تجري الآن زراعة القطن Bt او الذرة Bt في خمس دول نامية على الأقل ويمكن ان تهتم بذلك غيرها من الدول، اذا توصلوا الى حل الاهتمامات البيئية. مثلا، وافقت الهند مؤخرا على زراعة القطن Bt. وقد تبرعت بعض الشركات بتكنولوجيات تعني الدول النامية (مثلا، عن طريق رخص خالصة من "الجعالة" royalties)، بما فيها تلك المتعلقة بالأرز (الأرز الذهبي) والكازافا المخصبة بفبتامين أ. نشرت بعض الشركات مقالات علمية مبنية على أبحاثها الجينومية ولكنها أثارت الجدل بعدم ايداعها المعطيات الخام في بنوك المعلومات. وقد تعقّدت المفاوضات بخصوص ايداع المعطيات في بنوك المعلومات العامة من جراء رغبة الشركات في الحد من الوصول الى مكوّنات المعطيات ذات القيمة التجارية المحتملة الكبيرة.(29)

 

وهكذا هناك احتمال من ان تؤدي التكنولوجيات الزراعية التي يقوم بتطويرها القطاع الخاص الى افادة القطاعات التجارية في الدول النامية. ولكن اذا فشلت "الثورة الخضراء"، التي جرى تطويرها وتطبيقها بأموال عامة، في الوصول الى المزارعين الفقراء المقيمين في بيئات زراعية اكولوجية متغايرة تغذيها مياه المطر، يبدو انه من غير المحتمل ان تصلهم الأبحاث التكنولوجية الاحيائية. ولهذا السبب هناك حاجة الى أبحاث من قبل القطاع العام موجهة بصورة خاصة الى هؤلاء المزارعين. في عام 1998 أنفق نظام المجموعة الاستشارية للأبحاث الزراعية الدولية 25 مليون دولار أمريكي على الأبحاث بالمقارنة مع مبلغ 1.26 مليار دولار أمريكي أنفقته شركة مونسانتو.(30)

 

وعدا مشكلة الحوافز للأبحاث ذات الصلة بالمزارعين الفقراء هناك أدلة تشير الى ان براءات الاختراع، والى حد ما حماية تنوّع النباتات، قد لعبت دورا في اندماج صناعات الادخال الزراعي والبذور العالمية. يبدو بأن هذا الاندماج مدفوع بالتغيير التكنولوجي بهدف الاندماج الرأسي والأفقي بحيث يجري رفع الاستثمار المناسب في الأبحاث الى الحد الأقصى عن طريق التحكم الأفضل بقنوات التوزيع، بما في ذلك الخاصة بالادخالات الزراعية المكملة (مثل مبيدات الأعشاب).

 

تحصل الشركات على حقوق براءات الاختراع لحماية استثمارها في الأبحاث ولمنع تعدي الآخرين عليها. ولكن للسبب نفسه، يمكن لحقوق براءات الشركات الأخرى ان تعيق أبحاث الشخص نفسه. مثلا، هناك مئات عديدة من حقوق البراءات المتداخلة لتكنولوجيا Bt وقد حصلت أربع شركات على الأقل على براءات اختراع تغطي الذرة المحوّلة بالجينة Bt.(31) ومؤخرا، رفعت شركة سينجنتا قضيتين في المحاكم الأمريكية ضد عدد من الشركات المنافسة لها تدعي انتهاك تلك الشركات لبراءات الاختراع التي تحملها لتلك التكنولوجيا، مع ان الشركات المعنية تستعمل تلك التكنولوجيات وتبيع البذور التي تحتوي على تلك التكنولوجيات منذ سنوات عديدة.(32) يمكن أيضا استعمال الترخيص المتعارض (33) او التحالفات الاستراتيجية كآليات للتغلب على مشاكل براءات الاختراع المتضاربة،(34) ولكن يمكن ان يكون الاندماج او الحيازة الاسلوب الأكثر فعالية للحصول على حرية استعمال التكنولوجيات في مجال معيّن من الأبحاث. كل تلك الطرق، وليس الأخيرة الذكر منها، من شأنها ان تخفّض المنافسة. وكذلك تشكّل الشركات الزراعية الكيماوية المتعددة الجنسيات الكبرى حائلا عملاقا امام دخول الشركات المبتدئة المبتدعة.(35) في الثمانينات من القرن الماضي عاد الى الجامعات والقطاع العام 50% من مجموع براءات الاختراع ذات العلاقة بجينة Bt الممنوحة في الولايات المتحدة. مع حلول عام 1994 كانت شركات التكنولوجيا الاحيائية المستقلة تحمل 77% من البراءات، ولكن مع حلول عام 1999 كانت الشركات الستة الكبرى (التي أصبحت خمسة باندماج الفرع الزراعي من أسترا زينيكا مع نوفارتيس ليشكلا شركة سينجنتا) تحمل 67% من تلك البراءات. وعلاوة على ذلك، يبرهن التحكم المتنامي لتلك الشركات في ان 75% من براءاتها للاختراع للجينة Bt في عام 1999 حصلت عليها بحيازتها على شركات التكنولوجيا الاحيائية وشركات البذور الصغيرة.(36)

 

وفي الدول النامية هناك اتجاهات مشابهة تتبدى في عملية سريعة للغاية من الاندماج والحيازة من قبل الشركات المتعددة الجنسيات. مثلا، في البرازيل، وفي أعقاب استحداث حماية تنوّع النباتات في عام 1997(ولكن بسبب الاذن المتوقع لزراعة المحاصيل المعدّلة جينيا)، رفعت شركة مونسانتو حصتها في سوق بذور الذرة من صفر بالمائة الى 60% بين عامي 1997 و 1999. فهي اكتسبت ثلاث شركات محلية (بما فيها شركة كارغيل نتيجة لصفقة دولية)، بينما زادت شركتي داو وأغريفو (الآن شركة أفنتيس) أيضا حصتهما في السوق بالاكتساب. لم تبق الا شركة واحدة برازيلية الملكية لها حصة في السوق تبلغ نسبتها 5%.(37) يبدو ان هذا الاتجاه واسع الانتشار في الدول النامية.(38)

 

وهكذا، فان سرعة تركيز الشركات في القطاع تبعث أسئلة جدية تتعلق بالمنافسة. هناك مخاطر جمة على أمن الطعام اذا كانت أسعار التكنولوجيات أعلى مما يجب بحيث يتعذر الوصول اليها من قبل المزارعين الصغار او اذا لم يكن هناك مورد بديل من التكنولوجيات الجديدة، ولا سيما من القطاع العام. وأيضا، فان الزيادة في تركيز الشركات في هذا الحقل والمطالبات المتضاربة على براءات الاختراع قد تعيق الأبحاث، عندما تكون القطاعات العامة والخاصة قد سجّلت ببراءة تكنولوجيات النباتات. في القطاع الخاص، كانت ردة الفعل عبارة عن تحالفات او اكتسابات، ولكن المشكلة بالنسبة للقطاع العام هي كيف يمكنها الحصول على التكنولوجيات التي هي بحاجة اليها للقيام بالأبحاث من دون انتهاك حقوق الملكية الفكرية، واذا قامت بتطوير تكنولوجيات جديدة ما هي الشروط التي يمكن بموجبها ان تجعلها متوفرة. استنتجت مراجعة أخيرة نشرتها وزارة الزراعة الأمريكية بقولها انه "من غير الواضح ان كان النظام الحالي للملكية الفكرية يحث على الأبحاث او يعيقها."(39) نعود الى هذا الموضوع في الفصل السادس.

 

 

الخلاصة

 

وهكذا لدى الدول النامية ثلاثة خيارات محتملة للايفاء بواجبها في حماية منوّعات النباتات بموجب اتفاقية "تريبس". ويمكنها تبني خيار او مجموعة مما يلي:

 

·                   تشريعات على نمط الاتحاد الدولي لحماية الأنواع الجديدة من النباتات على أساس ميثاق 1978 او 1991 (مع انه يمكنهم الآن الانضمام فقط الى ميثاق 1991)

·                   شكل آخر من نظام sui generis ، بما في ذلك السلالات الأرضية (landraces) او بدونها

·                   براءات الاختراع او حماية تنوّع النباتات

 

تحفظاتنا بخصوص التأثير المحتمل لبراءات الاختراع تنطبق ليس فقط على براءات الاختراع لمنوّعات النباتات بل أيضا على النباتات والحيوانات عموما. لا تبدو في الوقت الحاضر أدلة تشير الى ان توفير الحماية لبراءات الاختراعات ذات العلاقة بالتكنولوجيا الاحيائية هي في الواقع لمصلحة غالبية الدول النامية التي ليس لديها الا القليل او عدمه من القدرة في تلك التكنولوجيا. وهكذا فنحن نوصي باستغلال الى الحد الأقصى الامكانيات التي توفرها اتفاقية "تريبس" واستثناء مثل تلك الاختراعات من حماية براءات الاختراع. وحتى عندما تقضي اتفاقية "تريبس" بحماية براءات الاختراع، مثلا فيما يتعلق بالكائنات الصغيرة جداً، هناك مجال للدول النامية للحد من الحماية. وفي غياب أي تعريف معترف به عالميا لما يشكّل "الكائن الصغير جداً "، تبقى الدول النامية حرة في تبني تعريف مصداقي يحد من نطاق المادة المشمولة.(40)

 

وعموما يجب ان لا توفر الدول النامية حماية براءات الاختراع للنباتات والحيوانات، مثلما هو مسموح به في المادة 27-3(ب) من اتفاقية "تريبس" بسبب القيود التي قد تضعها براءات الاختراع على استعمال البذور من قبل المزارعين والباحثين. بدلا من ذلك يتعيّن عليها النظر في أشكال مختلفة من أنظمة sui generis لمنوّعات النباتات.

 

ويتعيّن على الدول النامية ذات القدرة التكنولوجية المحدودة ان تحد من تطبيق تسجيل البراءات في التكنولوجيا الاحيائية الزراعية تمشيا مع اتفاقية "تريبس" ويجب ان تتبنى تعريفا محددا لعبارة "الكائن الصغير جداً".

 

وقد ترغب الدول، التي لديها او ترغب في تطوير صناعات ذات علاقة بالتكنولوجيا الاحيائية، في توفير أنواع معيّنة من الحماية لبراءات الاختراع في هذا المجال. واذا قامت بذلك يجب توطيد استثناءات محددة للحقوق المقتصرة بالنسبة لتربية النباتات والأبحاث. ويجب أيضا دراسة المدى الذي تمتد اليه حقوق براءات الاختراع الى نتاج الاختراع او تعدد منتجه ووضع استثناء واضح ليتمكن المزارعون من اعادة استعمال البذور.

 

ويجب للمراجعة المستمرة للمادة 27-3(ب) من اتفاقية "تريبس" ان تحافظ أيضا على حق الدول في عدم منح براءات الاختراع حول النباتات والحيوانات، بما في ذلك الجينات والنباتات والحيوانات المعدّلة جينيا، بالاضافة الى تطوير أنظمة sui generis لحماية منوّعات النباتات التي تناسب أنظمتها الزراعية. يجب لتلك الأنظمة ان تسمح بالحصول على المنوّعات المحمية للمزيد من الأبحاث والتربية وان توفر على الأقل الحق للمزارعين للادخار واعادة زراعة البذور، بما في ذلك امكانية بيعها وتبادلها بشكل غير رسمي.

 

وبالنظر الى التركيز المتنامي للشركات في صناعة البذور يجب تقوية الأبحاث في الزراعة التي يقوم بها القطاع العام وعنصره الدولي وتمويل تلك الأبحاث تمويلا أفضل مما هو عليه الآن. يجب ان يكون الغرض من ذلك ضمان توجيه الأبحاث لتلبية حاجات المزارعين الفقراء؛ وتوفر منوّعات القطاع العام لتوفير المنافسة لمنوعات القطاع الخاص؛ والمحافظة على التراث العالمي لموارد جينات النباتات. وبالاضافة الى ذلك هذا مجال يجب فيه للدول ان تفكّر في استخدام قانون المنافسة للرد على المستوى العالي من تركيز الشركات في القطاع الخاص.

 

القدرة على الحصول على المصادر الجينية للنباتات وحقوق المزارعين     

 

المقدمة

 

مثلما جرى التنويه اليه أعلاه، هناك مسألة على جانب كبير من الأهمية لمستقبل الأبحاث الزراعية، الا وهي صون الموارد الجينية المحتفظ بها في الحقول وفي المقتنيات الوطنية والدولية، بالاضافة الى ضمان قدرة وصول الباحثين اليها بموجب شروط تعترف بمساهمة المزارعين في العالم النامي في صون وتحسين وتوفير تلك الموارد.

 

المؤسسة التي أخذت على عاتقها العمل الدولي لتأمين صون واستعمال وتوفير المصادر الجينية للنباتات كانت هي "تعهّد منظمة الأغذية والزراعة حول المصادر الجينية للنباتات" (FAO Undertaking on Plant Genetic Resources) الذي جرى الاتفاق عليها في عام 1983. وفيما بعد برز مفهوم "حقوق المزارعين"(41) في المناقشات في أروقة منظمة الأغذية والزراعة حيث اعترفوا بأن هناك عدم توازن بين حقوق الملكية الفكرية المعطاة لمربي منوّعات النباتات الحديثة وحقوق المزارعين الذين كانوا مسؤولين عن امداد المصادر الجينية للنباتات التي تم استمداد تلك المنوّعات منها. والقلق الثاني كان ثبات الموقف بين جعل المصادر الجينية للنباتات متوفرة على انها تراث مشترك للانسانية وأخذ حقوق ملكية فكرية خاصة على منوّعات مستمدة منها.

 

وفي عام 1989 وافقت منظمة الأغذية والزراعة على الاعتراف بتلك الاهتمامات بشمل "حقوق المزارعين الناجمة عن مساهماتهم الماضية والحاضرة والعتيدة في صون وتحسين وتوفير المصادر الجينية للنباتات، ولا سيما تلك التي هي في صميم الأصل/التنوّع" في التعهد. (42) وقرروا تحقيق حقوق المزارعين عن طريق "صندوق دولي للمصادر الجينية للنباتات"، الذي سيقوم بتمويل النشاطات المعنية، ولا سيما في الدول النامية. وفيما بعد وافقت منظمة الأغذية والزراعة بأن "حقوق مربي النباتات، كما ينص عليها الاتحاد الدولي لحماية الأنواع الجديدة من النباتات...لا تتعارض مع التعهد الدولي" وهو اختيار للكلمات عكس التناقض المستمر الذي تشعر به بعض الدول النامية حول الاتساق الضمني بين "التعهد" و "الاتحاد الدولي لحماية الأنواع الجديدة من النباتات".(43)

 

وفي أعقاب اتفاقية ميثاق التنوّع الاحيائي في عام 1992 تمت على أساسه عملية تحوّل "التعهد" الى "الاتفاقية" (المعاهدة الدولية حول المصادر الجينية للنباتات)، والاتفاق عليه أخيرا في عام 2001.(44) الهدف المحدد من المعاهدة الدولية حول المصادر الجينية للنباتات هو تسهيل الحصول على المصادر الجينية للنباتات التي تحتفظ بها الأطراف المتعاقدة وتلك الموجودة في المقتنيات الدولية للصالح العام، معترفة بذلك بأن تلك الموارد هي مادة خام لا يستغنى عنها لتحسين النباتات جينيا وبأن العديد من الدول تعتمد على الموارد الجينية القادمة من أماكن أخرى. يشكّل ذلك تنفيذا لمبادىء ميثاق التنوّع الاحيائي ويأخذ بالاعتبار الخصائص المحددة للمصادر الجينية للنباتات. معظم المنوّعات الموجودة حاليا، ولا سيما تلك المستمدة من البرامج العامة لتربية النباتات تحتوي على مواد جينية من مصادر عديدة، كثيرا ما تكون مستمدة من مواد جينية موجودة في بنوك الجينات، وهذه نفسها قد تكون قد أتت من اصول متغايرة.

 

وتعترف المعاهدة الدولية حول المصادر الجينية للنباتات بمساهمة المزارعين في صون وتحسين وتوفير تلك الموارد وبأن تلك المساهمة تشكل الأساس لحقوق المزارعين. فهي لا تحد بأي شكل من الأشكال الحقوق التي قد يتمتع بها المزارعون بموجب القوانين الوطنية لادخار واستعمال وتبادل وبيع البذور التي أدخروها من مزارعهم. وهي تنص على الحق في المشاركة في اتخاذ القرارات وفي استمداد فوائد عادلة ومنصفة من استعمال تلك الموارد. (راجع المربّع 2:3).

 

حقوق المزارعين

 

المعاهدة الدولية حول المصادر الجينية للنباتات تترك أمر تنفيذ "حقوق المزارعين" تماما للحكومات الوطنية. وهكذا فان تنفيذ "حقوق المزارعين" ليس واجبا دوليا مثل ذلك الذي تفرضه نصوص اتفاقية "تريبس".

 

والأساس المنطقي لحقوق المزارعين يجمع التوافق بين الانصاف والاقتصاد. يستفيد مربّو النباتات والعالم عموما من صون وتطوير المصادر الجينية للنباتات التي يقوم بها المزارعون ولكن لا يكافأ المزارعون لقاء القيمة الاقتصادية التي يساهمون بها. يمكن لحقوق المزارعين ان تشكّل وسيلة لتقديم الحوافز للمزارعين حتى يستمروا في تقديم خدمات صون التنوّع الاحيائي والمحافظة عليه. ومثلما جئنا على ذكره، تحتوي حماية منوّعات النباتات على نزعة ضمنية لتشجيع الاتساق وتخفيض التنوّع الاحيائي التي تشكّل فيهما ممارسات المزارعين التقليدية ثقلا موازنا أساسيا. يجب تأييد المزارعين اعترافا بالقيمة الاقتصادية التي يحافظون عليها، والتي لا يعترف بها في نظام السوق، والتي تتعرض للتهديد نوعا ما من جراء التغيير الفني وتمديد الحماية لمربي النباتات. وعلاوة على ذلك، ان تمديد حماية الملكية الفكرية لا يحمل في طياته خطر تقييد حقوق المزارعين في اعادة استعمال وتبادل وبيع البذور، أي الحد من الممارسات نفسها التي تشكّل الأساس لدورهم التقليدي في صون النباتات وتطويرها.

 

المربّع 2:3 حقوق المزارعين في المعاهدة الدولية المترتبّة على المصادر الجينية للنباتات (المادة 9)

 

9-1       تعترف الأطراف المتعاقدة  بالمساهمة الهائلة التي تقوم بها المجتمعات المحلية والأهلية والمزارعون في كافة مناطق العالم، ولا سيما اولئك الذين هم في مراكز مصدر النباتات وتنوّع النباتات، والتي ستستمر في القيام بها لصون وتطوير المصادر الجينية للنباتات التي تشكّل الأساس للطعام والانتاج الزراعي في كافة أنحاء العالم.

 

9-2       وتعترف الأطراف المتعاقدة بأن مسؤولية تحقيق حقوق المزارعين، من حيث علاقتها بالمصادر الجينية للنباتات للطعام والزراعة، تقع على عاتق الحكومات الوطنية، وفقا لحاجاتها وأولوياتها، وأن على كل طرف متعاقد ان يتخذ التدابير، حسبما يكون مناسبا، ووفقا لتشريعاته الوطنية، لحماية وتشجيع حقوق المزارعين، بما في ذلك:

 

(أ) حماية المعرفة التقليدية ذات الصلة بالمصادر الجينية للنباتات للطعام والزراعة؛

 

(ب)  الحق في المشاركة بانصاف في اقتسام الفوائد الناجمة عن استخدام المصادر الجينية للنباتات للطعام والزراعة؛

 

(ج) والحق في المشاركة باتخاذ القرارات، على المستوى الوطني، في أمور تتعلق بصون والاستخدام القابل للاستمرار للمصادر الجينية للنباتات للطعام والزراعة.

 

9-3       يجب ان لا يفسّر أي شيء في هذه المادة على انه يحد من أي حق من حقوق المزارعين في ادخار واستعمال وتبادل وبيع البذور المدخرة من مزارعهم/مواد التكاثر التناسلي، رهن بالقانون الوطني وحسبما يكون مناسبا.

 

 

هذا وحقوق المزارعين ليست حق ملكية فكرية ولكن يجب النظر اليها على انها ثقل متوازن هام للحقوق الممنوحة الى المربين في القطاع الرسمي بموجب حماية تنوّع النباتات او براءات الاختراع. ولكن تعريف كيفية تطبيق تلك الحقوق على المستوى الوطني هي مسألة معقدة، مثل ما سنبحث فيها في الفصل التالي في سياق ميثاق التنوّع الاحيائي. تنص المعاهدة على تأسيس آلية للتمويل تموّل من تبرعات ومن حصة عائدات البيع، مما يساعد في تنفيذ المخططات والبرامج المتفق عليها لصالح المزارعين "الذين يقومون بصون واستخدام بشكل قابل للدوام المصادر الجينية للنباتات للطعام والزراعة." (45)

 

النظام المتعدد الأطراف

 

بموجب المعاهدة اتفقت الدول على تسهيل الحصول على المصادر الجينية للنباتات من قائمة متفق عليها من المحاصيل تم ادراجها في الملحق، التي تعتبر مهمة لأمن الطعام. وبتوقيعها على المعاهدة، وافقت الحكومات على وضع تلك الموارد تحت مراقبتها المباشرة في "نظام متعدد الأطراف". وهي ستشجّع المؤسسات التي ليست تحت نفوذها للقيام بالمثل. ومن الأهمية بصورة خاصة ذلك المقتنى من المواد الجينية التي تهم الدول النامية الواقعة تحت رعاية المجموعة الاستشارية للأبحاث الزراعية الدولية. ولكن هناك طبعا العديد من المقتنيات الوطنية ذات أهمية عالمية في كل من الدول المتقدمة والنامية، بالاضافة الى مخزون التنوّع الاحيائي في حقول المزارعين.

 

وبالنسبة لحقوق الملكية الفكرية فان الجزء المحتمل ان يثير الجدل في المعاهدة هو ذلك الذي يشير الى حماية الموارد التي يتم الحصول عليها من "النظام المتعدد الأطراف". وتفيد المعاهدة التي تم الاتفاق عليها نهائيا ما يلي:

 

يجب ان لا يطالب المتلقون بالحصول على أية ملكية فكرية او أية حقوق تحد من سهولة الحصول على المصادر الجينية للنباتات للطعام والزراعة، او أجزائها او مكوناتها الجينية، وذلك بالشكل الذي يتلقونه من "النظام المتعدد الأطراف."(46)

 

من دون شك ان تشكيل الكلمات هو حل وسط ديبلوماسي يعكس الرغبة من جانب العديد من الدول النامية في تجنّب الحد من القدرة على الحصول على تلك الموارد التي تفرضها حقوق الملكية الفكرية، ورغبة بعض الدول المتقدمة في السماح بتسجيل ببراءة مواد جينية بموجب المعايير القائمة حاليا والمطبقة قوميا. والكلمات الهامة "بالشكل الذي يتلقونه" تعني انه لا يمكن التسجيل ببراءة المواد المتلقاة في حد ذاتها، ولكنها تسمح بالتسجيل ببراءة التعديلات (كيفما يجري تعريفها) لتلك المواد.

 

وكلمات الحل الوسط تستبعد بوضوح التسجيل ببراءة البذور التي يتم الحصول عليها من بنك البذور. ولكن المدى الذي يمكن فيه التسجيل ببراءة الجينة المعزولة عن تلك المادة هي موضع جدل. وخلال المفاوضات على المعاهدة رأت بعض الدول بأنه يجب قراءة هذه المادة على انها تمنع مثل ذلك التسجيل ببراءة. ورأى الآخرون بأن الشكل المعزول من الجينة (الذي يكون قد تقررت مهمته) يختلف عن "الشكل الذي يتلقونه فيه"، وبالتالي يجب ان يكون قابلا للتسجيل ببراءة. وهكذا فان الكلمات تبرز مسألة عامة هامة حول ما هي القواعد المناسبة للتسجيل ببراءة المواد الجينية بالنسبة لكل من الدول المتقدمة والدول النامية. هذا الأمر يدور حول طبيعة الخطوة الاختراعية اللازمة للتسجيل ببراءة وطبيعة الطلبات للاستعمال الاختراعي لتلك المادة والمدى الذي يمكن فيه لتلك الطلبات ان تحد من استعمال المادة الجينية الأساس. نبحث في ذلك بالتفصيل في الفصل السادس.

 

وقد ثبّتت المعاهدة مبدأ هاما من حيث انه يجب على أي مستعمل للمادة ان يوقع اتفاقية عادية لتحويل المادة، (47) تصوغها هيئة حاكمة للمعاهدة، تشمل ظروف الحصول عليها المتفق عليها في المعاهدة (الفقرة 12-3) وتنص على تقاسم الفوائد عن طريق صندوق يؤسس بموجب المعاهدة. تلك النصوص تتجاوز الى حد بعيد نصوص ميثاق التنوّع الاحيائي اذ تقترح آلية راسخة لتقاسم الفوائد مبنية على ترتيبات متعددة بدلا من ثنائية الأطراف.

 

يتعيّن على الدول المتقدمة والدول النامية ان تسرع في عملية التصديق على المعاهدة الدولية للمصادر الجينية للنباتات للطعام والزراعة الخاصة بمنظمة الأغذية والزراعة ويترتب عليها ان تنفّذ بصورة خاصة نصوص المعاهدة المتعلقة بما يلي:

 

·                   عدم منح حماية حقوق الملكية الفكرية لأية مادة يجري تحويلها في اطار النظام المتعدد الأطراف، من الشكل الذي قد جرى تلقيه فيه.

 

·                   تطبيق حقوق المزارعين على المستوى الوطني بما في ذلك (أ) حماية المعرفة التقليدية ذات الصلة بموارد النباتات التقليدية للطعام والزراعة؛ (ب) الحق في المشاركة بانصاف في تقاسم الفوائد الناجمة عن استخدام المصادر الجينية للنباتات للطعام والزراعة؛ (ج) الحق في المشاركة في اتخاذ القرارات، على المستوى الوطني، في امور تتعلق بصون والاستعمال القابل للدوام للمصادر الجينية للنباتات للطعام والزراعة.

 

________________________________________________________

(1)  الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (2001) "تقرير عن الفقر في الريف 0012 - التحدي لوضع حد للفقر في الريف"، الصندوق الدولي للتنمية الزراعية، الصفحات 14-15. المصدر: http://www.ifad.org/poverty

(2)  راجع شرح الكلمات للحصول على التعريف.

(3)  راجع القسم التالي.

(4)  راجع مجلس نافيلد للأخلاقيات الاحيائية (2002) "أخلاقيات التسجيل ببراءة د ن أ: ورقة للمناقشة"، مجلس نافيلد للأخلاقيات الاحيائية، لندن، الصفحات 21-23، المصدر: http://www.nuffieldbioethics.or/filelibrary/pdf/theethicsofpatentingdna.pdf

(5)  راجع شرح الكلمات للحصول على التعريف.

(6)  راجع شرح الكلمات للحصول على التعريف.

(7)  لم يجر تنفيذ تلك التكنولوجيا تجاريا حتى الآن.

(8)  P. Pardey و M. Beintema (2001) "سحر بطيء : الأبحاث والتطوير الزراعية بعد قرن من منديل"، المعهد الدولي للأبحاث في سياسة الطعام، واشنطن دي سي، الصفحة 10. المصدر: http://www.ifpri.cgiar.org/pubs/fps/fps36.pdf . الجدير بالملاحظة بأن هذه الأرقام مبنية على أساس التعادل في القوة الشرائية بين عملات البلدان الأخرى الذي اعتبره المؤلفان على انه انعكاس دقيق للكميات النسبية. وبالنسبة للدولار فان حصة الدولة المتقدمة هي أكبر بكثير (69% بدلا من 44%)، راجع الصفحة 5)

(9)  P. Pardey و M. Beintema (2001)، الصفحة 4.

(10)  للحصول على معطيات ذات علاقة بالأبحاث والتطويرات الصحية ، المرجو مراجعة "لجنة الاقتصادات الكبرى والصحة (2001)، "الاقتصادات الكبرى والصحة: الاستثمار في الصحة من أجل التطوّر الاقتصادي"، منظمة الصحة العالمية، جنيف، الهامش 103، الصفحة 124. المصدر:

 report/e/report.cfm?path=cmh.cmh report&language=englishhttp://www3.who.int/whosis/cmh/cmh

(11)  P. Pardey و M. Beintema (2001)، الصفحة 8.

(12)  خطاب ألقاه جيفري هوتين في القمة العالمية للطعام، 13 يونيو/حزيران 2002. المصدر:

id=12899 http://www.fao.org/worldfoodsummit/top/detail.asp?event

(13)L. Butler  و B. Marion (1985) تأثير حماية براءات الاختراع على صناعة البذور وتربية النباتات العامة في الولايات المتحدة"، مونوغراف مجموعة الأبحاث في أنظمة الطعام 16، جامعة وسكونسين، ماديسون.

(14)  R. Shoemaker وغيره (2001) "القضايا الاقتصادية في التكنولوجيا الاحيائية"، نشرة المعلومات الزراعية ERS الرقم 762، وزارة الزراعة الأمريكية، واشنطن دي سي، الصفحة 36

(15)  J. Alston و R. Venner (2002) "تأثير القانون الأمريكي لحماية منوّعات النباتات على تحسين جينية القمح"، ورقة للمناقشة EPTD الرقم 62، المعهد الدولي للأبحاث في سياسة الطعام. واشنطن دي سي. المصدر: http:www.grain.org/docs/eptdp62.pdf

(16)  J. Van Wijk و W. Jaffe (1995) "تأثير حقوق مربي النباتات في الدول النامية"، المعهد الأمريكي للتعاون بشؤون الزراعة، سان هوزي، وجامعة أمستردام.

(17)  D. Rangnekar (2002) "الحصول على الموارد الجينية، الاختراعات الجينية الأساس والزراعة"، وثيقة بالمعلومات الخلفية للجنة، 3أ، لندن، الصفحة 39. المصدر: http://www.iprcommission.org

(18)  N. Louwaars و G. Marrewijk (1996) "أنظمة تزويد البذور في الدول النامية"، المجلس الفني للتعاون الزراعي والريفي، جامعة واغاننغن الزراعية، واغاننغن، الصفحة 99.

(19)  الاتحاد الدولي لحماية الأنواع الجديدة من النباتات 1978. المصدر: http://www.upov.int/eng/convtns/1978/pdf/act1978.pdf الاتحاد الدولي لحماية الأنواع الجديدة من النباتات 1991. المصدر: http://www.upov.int/eng/convtns/1991/pdf/act1991.PDF

(20)  أصدر المعهد الدولي لموارد جينات النباتات وثيقة مفيدة تبحث في المسائل التي يجب ان تفكّر فيها الدول النامية عند تبني أنظمة sui generis . المعهد الدولي لموارد جينات النباتات (1999) "أسئلة رئيسية لمتخذي القرارات: حماية منوّعات النباتات بموجب اتفاقية "تريبس" لمنظمة التجارة العالمية"،

المعهد الدولي لموارد جينات النباتات، روما. المصدر: publication =41 http://www.ipgri.cgiar.org/publications/pubfile.asp?id

وهناك مقال مفصّل استمدينا معلومات منه من تأليف D. Leskien و M. Flitner (1997) وعنوانه "حقوق الملكية الفكرية والمصادر الجينية للنباتات: الخيارات لنظام sui generis "، قضايا في الموارد الجينية الرقم 6، المعهد الدولي لموارد جينات النباتات، روما.

PUB =497 http://www.ipgr.cgiar.org/publications/pubsurvey.asp?ID

(21)  راجع مثلا، موقع الانترنت لـ GRAIN . المصدر: http://www.grain.org/publications/nonupov-en.cfm

(22)  تشريعات نموذجية أفريقية بخصوص حماية حقوق المجتمعات المحلية والمزارعين ومربي النباتات والأنظمة المترتبة على الحصول على الموارد البيولوجية". منظمة الوحدة الأفريقية، 2000، المادة 26. المصدر: http://www.grain.org/publications/oau-model-law-en.cfm

(23)  "حماية منوّعات النباتات وقانون حقوق المزارعين"، حكومة الهند، 2000. المصدر: http://www.grain.org/brl/pvp-brl-en.cfm

(24)  تأتي هذه الفكرة  من Leskien و Flitner (1997).

(25) التوجيه 98/44/ئي سي للبرلمان الاوروبي وللمجلس صادر في 6 يوليو/تموز عام 1988 حول الحماية القانونية للاختراعات التكنولوجية الاحيائية، المجلة الرسمية ل 213، 30 يوليو/تموز 1998، الصفحات 13-21، (المقالات 11 و 12)، المصدر:

http://europa.eu.int/smartapi/cgi/sga doc?smartapi!celexapi!prod!CELEXnumdoc&lg=EN&numdoc=31998L0044&model=guichett

جرى تنفيذ تلك التدابير في المملكة المتحدة في عام 2002. راجع: http://www.patent.gov.uk/about/ippd/notices/buitech.htm

(26)  راجع التوجيه 98/44/ئي سي، المادة 9 (والمادة 8 أيضا).

(27)  J. Barton و P. Berger (2001) ّتسجيل الزراعة ببراءةّ، قضايا في العلوم والتكنولوجيا، صيف عام 2001، الصفحة 4. المصدر:

www.nap.edu/issues/17.4/p barton.htm

(28)  حرى البحث في الفوائد والأخطار المحتملة من المحاصيل المعدّلة جينيا للدول النامية في مجلس نافيلد للأخلاقيات الاحيائية (1999) "المحاصيل المعدّلة جينيا: القضايا الأخلاقية والاجتماعية"، مجلس نافيلد للأخلاقيات الاحيائية، لندن، الفصل 4. المصدر: http://www.nuffieldbioethics.org/filelibrary/pdf/gmcrop.pdf

(29)  راجع مثلا D. Normile (2002) "توافق سنحنتا على التخلي الأوسع"، مجلة العلوم، المجلد 296، الصفحات 1785-1787. المصدر:

http://www.sciencemag.org/cgi/content/full/296/5574/1785b?ijkey=pUrgaGgEb0z7.&keytype=ref&siteid=sci

(30)  P. Pardey و M. Beintema (2001)، الصفحة 19.

(31)  J. Barton و P. Berger (2001) الصفحة 4

(32)  المصدر: id=234  http://www.syngenta.com/en/media/printer.asp?article

(33)  راجع شرح الكلمات للتعريف.

(34)  راجع مثلا اتفاقيتين تم الاعلان عنهما مؤخرا في 2/3 أبريل/نيسان عام 2002 بين مونسانتو و دو بون، وبين مونسانتو وسيريس. المصدر:

http://www.monsanto.com/monsanto/media/02/default.htm

(35)  كانت الشركات الستة الكبرى ما يلي؛ أسترازينيكا، أفينتيس، داو، دو بون، مونسانتو ونوفارتيس التي أصبحت في عام 2000 خمسة عند اندماج الفروع الزراعية لشركة نوفارتيس و أسترا زينيكا.

(36)  De Janvry, G. Graff, E. Sadoulet, D. Zilberman (2000) "التغيير التكنولوجي في الزراعة وفي تخفيض الفقر"، جامعة كاليفورنيا، باركلي، ورقة مفاهيم لـ WDR بخصوص الفقر والتنمية 2000/20001. الصفحات 6-7. المصدر:

http://www.worldbank.org/poverty/wdrpoverty/background/dejanvry.pdf

(37)  J. Wilkinson و P. Castelli (2000) "تدويل صناعة البذور البرازيلية: التكنولوجيا الاحيائية وبراءات الاختراع والتنوّع الاحيائي"، أكشون ايد البرازيل، ريو دي جانيرو، الصفحة 49. المصدر: http://www.actionaid.org.br/e/pdf/seed.pdf

(38)  D. Byerlee و K. Fischer (2001) "الحصول على العلوم الحديثة: السياسات والخيارات للتكنولوجيا الاحيائية الزراعية في الدول النامية"، استراتيجية الملكية الفكرية في هذه الأيام، الرقم 1، الصفحة 2. المصدر: http://www.biodevelopments.org/ip/ipst1hr.pdf

(39)  R. Shoemaker وغيره (2001)، الصفحة 37.

(40)  الجينات ليست كائنات صغيرة جداً ، وفي تعريقها الضيّق، ليست أيضا خطوط الخلايا، مع انه، مثلا، القانون البريطاني المترتب على براءات الاختراع يعتبر خطوط الخلايا كائنات صغيرة جداً. راجع كتيّب مكتب براءات الاختراع البريطانية بخصوص الممارسات المترتبة على براءات الاختراع القسم 1-40. راجع أيضا M. Adcock و M. Llewelyn (2000) "الكائنات صغيرة جداً : تعريفها والخيارات المتوفرة في اتفاقية "تريبس"، ورقة تصدر بين الحين والآخر 2، QUNO، جنيف.

(41)  راجع شرح الكلمات للتعريف.

(42)  قرار "التعهّد الدولي حول موارد جينات النباتات" 5/89. المصدر: http://www.mtnforum.org/resources/library/iupgr91a.htm

(43)  قرار "التعهّد الدولي حول موارد جينات النباتات" 4/89.

(44)  نص المعاهدة الدولية حول المصادر الجينية للنباتات. المصدر: http://www.fao.org/ag/cgrfa/IU.htm

(45)  نص المعاهدة الدولية حول المصادر الجينية للنباتات للطعام والزراعة المادة 18-5

(46)  نص المعاهدة الدولية حول المصادر الجينية للنباتات للطعام والزراعة المادة 12-3د)

(47)  اتفاقية تعاقدية بين المورد والمتلقي للمادة تضع الشروط المترتبة على التحويل.

 

 

 

 

 

 

 

 


الفصل الرابع

 

المعرفة التقليدية والمؤشرات الجغرافية

 

المقدمة

 

الجماعات البشرية كانت ولا تزال منذ قديم الزمان تولد وتنقّح وتنقل المعرفة من جيل الى جيل. كثيرا ما تعتبر تلك "المعرفة التقليدية"(1) جزءا هاما من هويتها الثقافية. لعبت المعرفة التقليدية ولا تزال تلعب دورا حيويا في الحياة اليومية للغالبية العظمى من الناس. المعرفة التقليدية هي لازمة لأمن توفر الطعام ولصحة الملايين من الناس في العالم النامي. وفي عدد كبير من الدول توفر الأدوية التقليدية، العلاج الوحيد المتوفر للفقراء التي يمكنهم ان يتحمّلوا كلفتها. وفي الدول النامية، تعتمد حتى 80% من شعوبها على الأدوية التقليدية لمساعدتها على تلبية حاجاتها الصحية. (2)

وبالاضافة الى ذلك كانت المعرفة بالخصائص العلاجية للنباتات مصدرا للعديد من الأدوية الحديثة. ومثل ما نوّهنا اليه في الفصل الثالث، فان استعمال منوّعات النباتات من قبل المزارعين المحليين وتطويرها المتواصل وأيضا تقاسم ونشر تلك المنوّعات والمعرفة المرافقة لها كلها تلعب دورا أساسيا في الأنظمة الزراعية في الدول النامية.

 

ولكن، فقط مؤخرا، سعى المجتمع الدولي الى الاعتراف بالمعرفة التقليدية وحمايتها. في عام 1981 تبنت المنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO) ومنظمة الاونسكو قانونا نموذجيا حول الفولكلور. وفي عام 1989 أدخلت منظمة الأغذية والزراعة مفهوم "حقوق المزارعين" في تعهدها الدولي حول المصادر الجينية للنباتات وفي عام 1992 ركّز ميثاق التنوّع الاحيائي (CBD) الأضواء على الحاجة الى تشجيع المعرفة التقليدية والمحافظة عليها.(3) وبالرغم من تلك الجهود التي امتدت على مدى عقدين من الزمن لم تبرز حتى الآن حلول نهائية ومقبولة عموما لحماية المعرفة التقليدية وتشجيعها.

 

وضع ميثاق التنوّع الاحيائي مبادىء تترتب على حرية الحصول على الموارد الجينية وعلى المعرفة المرافقة لها، وعلى تقاسم الفوائد الناجمة عن تلك الحرية. لذلك نحن ندرس العلاقة بين نظام الملكية الفكرية ومبادىء الحصول على الموارد الجينية وتقاسم الفوائد الواردة في ميثاق التنوّع الاحيائي في سياق كل من المعرفة، التقليدية وغيرها، والموارد الجينية.

 

وندرس أيضا هنا ما اذا كانت المؤشرات الجغرافية، مع انها مسألة مستقلة، لها دور تلعبه في تشجيع التنمية، والقضايا ذات الصلة بالدول النامية وذلك في المباحثات الجارية حاليا في هذا الموضوع في مجلس "تريبس".

 

وهكذا نبحث في هذا الفصل الأسئلة التالية:

 

·                   ما هي طبيعة المعرفة التقليدية والفولكلور وماذا نعني بكلمة الحماية؟

·                   كيف يمكن استخدام نظام الملكية الفكرية الحالي لحماية وتشجيع المعرفة التقليدية؟

·                   ما هي التنقيحات اللازمة لنظام الملكية الفكرية لتحسين الحماية التي يوفرها؟

·                   كيف يمكن لنظام الملكية الفكرية ان يدعم مبادىء الحصول على الموارد الجينية وتقاسم الفوائد المجسّدة في ميثاق التنوّع الاحيائي؟

·                   وهل حماية المؤشرات الجغرافية مهمة للدول النامية؟

 

المعرفة التقليدية

 

الخلفية

 

هناك عدد من القضايا ذات العلاقة بالمعرفة التقليدية حازت على الاهتمام الدولي. ونتيجة لذلك، انتقلت قضية المعرفة التقليدية الى مقدمة النقاش العام المحيط بالملكية الفكرية. وتنطوي تلك القضايا على ما يشار اليه بـ "القرصنة الاحيائية" (راجع المربّعين 1:4 و 2:4). أمثلة "الكركم" و "الأزادرخت الهندي (النيم)" و "شراب الأياهواسكا" تعطي فكرة عن القضايا التي يمكنها ان تنشأ عندما تمنح الحماية لبراءات الاختراع وذلك لاختراعات ذات علاقة بالمعرفة التقليدية الموجودة في السوق العامة. ففي تلك الحالات، أصدورا براءات اختراع غير صالحة للتطبيق لأن فاحصي البراءات لم يكونوا على علم بالمعرفة التقليدية ذات الصلة. وفي مثال آخر، منحوا براءة اختراع لنوع من النبات يدعى "هوديا". المسألة هنا لم تكن ما اذا كانوا على حق في منح البراءة او لا، بل ما اذا كان المجتمع المحلي المعروف باسم "سان"، الذي ربّى تلك المعرفة التقليدية واعتنى بها، يستحق تلقي حصته العادلة من أية فوائد تسفر عن تسويقها تجاريا.

 

المربّع 1:4 القرصنة الاحيائية

 

لا يوجد تعريف مقبول لعبارة "القرصنة الاحيائية". تعرّفها "مجموعة العمل حول تعرية التربة والتكنولوجيا والتركيز" على انها "الاستيلاء على معرفة المزارعين والمجتمعات الأصلية وعلى مواردها الجينية من قبل أفراد او مؤسسات تسعى الى التحكم الاحتكاري المقتصر على تلك الموارد والمعرفة  (عادة بشكل براءات اختراع او حماية مربّي النباتات)."

 

تم وصف ما يلي بـ "القرصنة الاحيائية":

(أ)         منح براءات الاختراع "الخاطئة".  تكون هذه براءات تمنح لاختراعات اما بدعة او غير مبدعة اذ تعتمد على المعرفة التقليدية المتواجدة في الميدان العام. قد تمنح تلك البراءات بسبب خطأ غير مقصود اثناء فحص البراءة او ببساطة لأنه لم تتوفر لفاحص البراءة القدرة على الحصول على المعرفة. قد يعود السبب الى ان تلك المعرفة مكتوبة ولكن يصعب الحصول عليها بالأدوات المتوفرة لفاحص البراءة، او لأنها معرفة غير مكتوبة. ثمة مبادرة تقدمت بها المنظمة العالمية للملكية الفكرية تسعى الى توثيق وتصنيف المعرفة التقليدية من أجل مواجهة بعض تلك المشاكل.

 

 (ب)      منح براءات الاختراع "الصحيحة". يمكن ان تمنح براءات الاختراع الصحيحة وفقا للقانون الوطني على اختراعات مستمدة من معرفة المجتمع التقليدية او من موارده الجينية. يمكن القول بأن ذلك يشكّل "قرصنة احيائية" للأسباب التالية:

*          مقاييس البراءات متدنية جدا. تقبل البراءات، مثلا، لاختراعات لا تتجاوز كونها اكتشافات. ومن ناحية أخرى، قد لا يدرك نظام البراءات الوطني (مثلا، كما هو الحال في الولايات المتحدة) بعض أشكال الافصاح العام للمعرفة التقليدية على انها فن قديم.(4)

*          حتى وان مثّلت البراءة اختراعا حقيقيا، قد لا تكون قد جرت ترتيبات للحصول على الموافقة المدروسة السابقة (5) للمجتمعات التي توفر المعرفة او المورد، ولتقاسم فوائد تسويقها تجاريا من أجل مكافأة المجتمعات مكافأة مناسبة وفقا لمبادىء ميثاق التنوّع الاحيائي.

 

 المربّع 2:4 قضايا مثيرة للجدل تتعلق ببراءات الاختراع وتشمل المعرفة التقليدية والموارد الجينية

 

الكركم

 

الكركم هو نبتة من فصيلة الزنجبيل ينتج مواد زعفرانية اللون تستعمل بمثابة بهار لتزكية الطعام الهندي. ويتميّز أيضا بخصائص تجعله مقوما فعالا في الأدوية ومستحضرات التجميل ولتلوين الصباغ وهو يستعمل تقليديا لمداواة الجروح والطفحات الجلدية.

 

*  في عام 1995 تم منح مواطنين هنديين في مركز ميسيسيبي الطبي براءة الاختراع ذات الرقم 5401504 لـ "استعمال الكركم في مداواة الجروح".

*  طلب المجلس الهندي للعلوم والأبحاث الصناعية من المكتب الأمريكي لبراءات الاختراع والعلامات التجارية بأن يعيد النظر في براءة الاختراع.

*  جادل المجلس الهندي للعلوم والأبحاث الصناعية بأن الكركم يستعمل منذ آلاف السنين في مداواة الجروح والطفحات الجلدية وهكذا فان استخدامه   الطبي ليس شيئا جديدا.

*  دعم المجلس مطالبته بأدلة موثقة للمعرفة التقليدية بما في ذلك نص بالسنسكرينية (وهي لغة الهند الأدبية القديمة) وكذلك مقال منشور في عام 1953 في مجلة جمعية الرابطة الطبية الهندية.

*  وعلى الرغم من اعتراضات صاحبي براءاة الاختراع ، أيّد المكتب الأمريكي لبراءات الاختراع والعلامات التجارية اعتراضات المجلس الهندي للعلوم والأبحاث الصناعية وألغى براءة الاختراع.

 

ملاحظات: اعتبرت قضية الكركم نقطة تحوّل اذ كانت المرة الاولى التي يجري فيها الطعن ببراءة اختراع مبنية على أساس المعرفة التقليدية في دولة نامية. بلغت قيمة الأتعاب القانونية التي تكبدتها الهند وفقا لحسابات الحكومة الهندية عشرة آلاف دولار أمريكي.

 

النيم  (الأزادرخت الهندي)

 

النيم (الأزادرخت الهندي) هي شجرة من الهند ومن أجزاء أخرى في جنوب وجنوب شرقي آسيا. تزرع حاليا في المناطق الاستوائية بالنظر الى خصائصها كدواء طبيعي وكمبيد للحشرات وكسماد. تستعمل مستخرجات شجرة النيم ضد بعض المئات من الحشرات والأمراض الفطرية التي تصيب محاصيل الطعام؛ ويستخدم الزيت المستخرج من بذورها لعلاج الرشوحات والانفلونزا؛ وعند مزجه في الصابون يقال انه يخفف بكلفة زهيدة ألم الملاريا وأمراض الجلد وحتى التهاب السحايا.

 

*  في عام 1994 منح المكتب الاوروبي لتسجيل براءات الاختراع براءة الاختراع الاوروبية ذات الرقم 0436257 للشركة الأمريكية دبليو. آر. غريس ولوزارة الزراعة الأمريكية من أجل "اسلوب للتحكم بالفطر في النباتات عن طريق مستحضر مائي مستخرج من زيت شجرة النيم".

*  في عام 1995 رفعت مجموعة من المنظمات الأهملية أي غير الحكومية الدولية وممثلين عن المزارعين الهنود قضية ضد براءة الاختراع.

*  قدّموا أدلة تفيد بأن تأثير ابادة الفطر من مستخرجات بذور شجرة النيم كانت معروفة وتستعمل منذ مئات السنين في الزراعة الهندية لحماية المحاصيل وهكذا فان الاختراع الذي تدعيه البراءة ئي بي257 ليس جديدا.

*  وفي عام 1999 قرر المكتب الاوروبي لتسجيل براءات الاختراع بأنه بموجب الأدلة "جميع الميزات في المطالبة الحالية قد تم الافصاح بها الى العامة قبل تقديم طلب التسجيل ببراءة...واعتبروا بأن البراءة لا تنطوي على خطوة اختراعية."

*  ألغى المكتب الاوروبي لتسجيل براءات الاختراع البراءة في عام 2000.

 

نبتة أياهواسكا

 

منذ أجيال والشمّان (الكهنة الذين يستخدمون السحر لعلاج المرضى) في القبائل الأهلية في كافة أنحاء حوض الأمازون يستخدمون لحاء نبتة Banisteriopsis caapi لانتاج شراب احتفالي يعرف باسم "أياهواسكا". يستعمل الشّمان شراب الأياهواسكا (الذي يعني "كرمة الروح") في الاحتفالات الدينية والعلاجية لتشخيض وعلاج الأمراض وللاجتماع بالأرواح وللتنبؤ بالمستقبل.

 

في شهر يونيو/حزيران عام 1986 حصل أمريكي اسمه لورين ميللر براءة اختراع نبتة في أمريكا تمنحه الحقوق على منوّع مزعوم من B. caapi  سمّاه "دا فاين" (Da Vine). أفاد وصف البراءة "بأنه قد جرى اكتشاف النبتة نامية في حديقة منـزل في غابات المطر الأمازونية في أمريكا الجنوبية." ادعى صاحب براءة "دا فاين" بانها تمثّل منوّعا جديدا ومميّزا من B. caapi ، بصورة رئيسية بسبب لون الزهرة.

 

علمت "الهيئة المنسّقة للمنظمات الأهلية في حوض نهر الأمازون" – وهي منظمة تقع تحت مظلتها أكثر من 400 جماعة أهلية – بالبراءة في عام 1994. قدّم مركز قانون البيئة الدولي بالنيابة عنها طلبا لاعادة النظر في البراءة. ادّعى مركز قانون البيئة الدولي بأن مراجعة للفن القديم كشفت بأن "دا فاين" ليس جديدا ولا مميّزا. وحاجج بالقول ان منح البراءة يتناقض مع النواحي العامة والأخلاقية لقانون براءات الاختراع بالنظر الى الطبيعة المقدّسة للنبتة Banisteriopsis caapi في كافة أرجاء الأمازون. قدّم مركز قانون البيئة الدولي أدلة واسعة جديدة عن كون النبتة فن قديم، وفي شهر نوفمبر/تشرين الثاني عام 1999 رفض المكتب الأمريكي لبراءات الاختراع والعلامات التجارية المطالبة ببراءة اختراع، موافقا بأن  "دا فاين" ليست مميّزة عن الفن القديم المقدّم من قبل مركز قانون البيئة الدولي وبالتالي كان يترتب عدم اصدار البراءة. ولكن، الحجج الاضافية التي قدمها صاحب البراءة أقنعت المكتب الأمريكي لبراءات الاختراع والعلامات التجارية وقام الأخير بعكس قراره وأعلن في مطلع عام 2001 بأن براءة الاختراع تبقى قائمة.

 

ملاحظة: بسبب تاريخ تقديم طلب البراءة فهي لم تشمل في القواعد الجديدة المعمول بها في الولايات المتحدة حول اعادة النظر بين الأطراف (inter partes). وهكذا لم يتمكن مركز قانون البيئة الدولي من التعليق على الحجج التي تقدم بها صاحب البراءة والتي أدت الى تأييد براءة الاختراع.

 

صبّير هوديا

 

يأكل شعب السان الذي يعيش من قديم الزمان حول صحراء كالاهاري في أفريقيا الجنوبية صبّير الهوديا لدرء الجوع والعطش خلال رحلات الصيد الطويلة. في عام 1937، لاحظ عالم هولندي بالأنثروبولوجيا يدرس شعب السان استخدامه هذا للهوديا. وجد العلماء في مجلس أفريقيا الجنوبية للعلوم والأبحاث الصناعية هذا التقرير مؤخرا وبدأوا في دراسة هذه النبتة.

 

في عام 1995 قام المجلس الأفريقي للعلوم والأبحاث الصناعية بتسجيل ببراءة العنصر في نبتة الهوديا المخمد للقابلية على الطعام (P 57). وفي عام 1997 منح ترخيص استعمال P 57 الى الشركة البريطانية للتكنولوجيا الاحيائية "فايتو فارم". وفي عام 1998، حصلت شركة الادوية "فايزر" على حقوق تطوير وتسويق P 57 كعقار محتمل لتخفيف الوزن وعلاج السمنة (وهي سوق تقدّر قيمتها بستة مليارات دولار أمريكي)، من شركة "فايتو فارم" بمبلغ قدره 32 مليون دولار أمريكي بشكل جعالة ودفعات معلمية.

 

ولدى سماعه بالاستغلال المحتمل لمعرفته التقلدية، هدّد شعب السان برفع قضية ضد مجلس أفريقيا الجنوبية للعلوم والأبحاث الصناعية متهما اياه "بالقرصنة الاحيائية". ادّعى السان بأنه جرت سرقة معرفته التقليدية وبأن مجلس أفريقيا الجنوبية للعلوم والأبحاث الصناعية لم يمتثل بقواعد ميثاق التنوّع الاحيائي، والذي ينص على الحصول على الموافقة المدروسة المسبقة لجميع المعنيين بالأمر بمن فيهم المكتشفين الأصليين والمستعملين.

 

أجرت شركة "فايتو فارم" استعلامات واسعة ولكنها لم تتمكن من ايجاد أي من "أصحاب المعرفة". يبدو ان ما بقي من شعب السان  كان يعيش في ذلك الوقت في مخيّم يبعد نحو 1500 ميل من أراضيه القبلية. ادّعى مجلس أفريقيا الجنوبية للعلوم والأبحاث بأنه كان يعتزم ابلاغ شعب السان بالأبحاث وأن يتقاسم الفوائد معه، ولكنه كان يريد أولا ان يتأكد من نجاح العقار.

 

وفي شهر مارس/آذار عام 2002 توصّل مجلس أفريقيا الجنوبية للعلوم والأبحاث الصناعية الى تفاهم مع شعب السان يعترف بأن شعب السان هو الوصي على المعرفة التقليدية الملازمة لنبتة الهوديا وأنه سيتلقى حصة في أية جعالات (royalties) في المستقبل. على الرغم من ان شعب السان سيتلقى فقط نسبة صغيرة جدا من المبيعات في آخر الأمر، الا ان الحجم المحتمل للسوق يعني بأن المبالغ ستكون كبيرة. من غير المحتمل ان ينـزل العقار الى السوق قبل عام 2006 وقد يفشل في التجارب الميدانية.

 

ملاحظة:  تبيّن القضية بأنه عند ابداء حسن النية من جميع الأطراف يمكن الاتفاق على ترتيبات مقبولة من الكل للحصول على المادة وتقاسم فوائدها. يبدو ان جميع الأطراف اعترفت بأهمية الملكية الفكرية في تأمين الفوائد في المستقبل، بما فيها شعب السان.

 

 

ونتيجة جزئيا لتلك القضايا المشهورة، يضغط عدد كبير من الدول النامية وأصحاب المعرفة التقليدية والمنظمات المشاركة في الحملة في عدد كبير من المحافل لتوفير حماية أفضل للمعرفة التقليدية. وقد أدّى هذا الضغط، مثلا، الى تشكيل لجنة من عدد من الحكومات حول الملكية الفكرية والموارد الجينية، والمعرفة التقليدية والفولكلور في المنظمة العالمية للملكية الفكرية. ويجري ايضا البحث في حماية المعرفة التقليدية والفولكلور ضمن اطار ميثاق التنوّع الاحيائي وفي أروقة منظمات دولية أخرى مثل مؤتمر الأمم المتحدة حول التجارة والتنمية ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة الأغذية والزراعة ومنظمة الاونيسكو.(6) وقد ركّز الاعلان الوزاري الصادر عن مؤتمر منظمة التجارة العالمية المنعقد في الدوحة الأضواء على الحاجة الى المزيد من العمل في مجلس "تريبس" حول حماية المعرفة التقليدية.(7)

 

طبيعة المعرفة التقليدية والغرض من حمايتها

 

كيف يمكن تعريف المعرفة التقليدية؟ بينما السواد الأعظم من المعرفة هو قديم من حيث ان تلك المعرفة تنتقل من جيل الى آخر، الا انها تنقّح باستمرار وتتطوّر معرفة جديدة مثلما تتواصل العمليات العلمية الحديثة بالتحسين التدرّجي المتواصل وليس بقفزات كبيرة الى الأمام. اقترح أحد المتكلمين في مؤتمرنا استبدال كلمة "فولكلور" بعبارة "تعابير ثقافية" الأكثر مناسبة اذ هي تمثّل التقاليد الحيّة العملية وليس تذكارات الماضي. وبينما يجري انتقال معظم المعرفة التقليدية والفولكلور شفهيا من جيل الى آخر، الا ان البعض منه، مثل تصاميم الأنسجة ومعرفة أيورفيدا الطبية، يجري تصنيفه وتنظيمه. والجماعات التي تحتفظ بالمعرفة التقليدية هي جماعات متغايرة جدا: فقد يكون كلهم أوصياء عليها أفرادا او مجموعات او مجموعات من المجتمعات. يمكن لتلك الجماعات ان تكون من سكان البلاد الأصليين او متحدّرة من المستوطنين الذين استقروا في البلاد. وطبيعة المعرفة هي متغايرة أيضا: فهي تغطي، مثلا، الأعمال الأدبية او الفنية او العلمية، والأغاني، والعلاجات والممارسات الطبية والتكنولوجيات والأساليب الفنية الزراعية.

 

ومع انهم قد تقدموا بعدد من التعريفات للمعرفة التقليدية والفولكلور لا يوجد أي تعريف مقبول من شريحة واسعة من الناس لأي منهما. النطاق الواسع للمعرفة التقليدية ليس الشيء الوحيد الذي أربك الحوار حتى الآن بهذا الخصوص. وهناك أيضا بعض الارتباك حول ما تعني كلمة "حماية" والغرض منها. بالطبع يجب ان لا تتساوى مباشرة مع استعمال كلمة "الحماية" في معنى الملكية الفكرية. سعت المنظمة العالمية للملكية الفكرية(8)، في تقريرها عن سلسلة من البعثات لتقصي الحقائق الى تلخيص اهتمامات أصحاب المعرفة التقليدية كما يلي:

 

·                   قلق من فقدان أنماط الحياة التقليدية وفقدان المعرفة التقليدية ونفور الشبيبة في المجتمعات من مواصلة الممارسات التقليدية.

 

·                   قلق من عدم احترام المعرفة التقليدية وعدم احترام أصحاب المعرفة التقليدية.

 

·                   قلق من استعمال المعرفة التقليدية في غير حقها بما في ذلك استعمال المعرفة التقليدية بدون تقاسم الفوائد او استعمالها بشكل ينتقص من قدرها.

 

·                   عدم الاعتراف بالحاجة الى المحافظة على وتشجيع الاستعمال الأكثر للمعرفة التقليدية.

 

وثمة مصدر آخر صنّف ذلك القلق تصنيفا بليغا وأعطى أسبابا محتملة أخرى لحماية المعرفة التقليدية وهي:

 

·                   اعتبارات العدالة والانصاف – يجب ان يتلقى أولياء المعرفة التقليدية مكافأة عادلة اذا أدت معرفتهم التقليدية الى مكاسب تجارية

 

·                   اهتمامات الصيانة – تساهم حماية المعرفة التقليدية في الهدف الأوسع وهو صيانة البيئة والتنوّع الاحيائي والممارسات الزراعية القابلة للاستمرار والديمومة.

 

·                   المحافظة على الممارسات والثقافة التقليدية – يمكن استخدام حماية المعرفة التقليدية لرفع صورة المعرفة وصورة المؤتمنين عليها داخل المجتمعات وخارجها.

·                   منع استعمال المعرفة التقليدية في غير حقها من قبل أطراف غير مصرّح لها او تجنب "القرصنة الاحيائية"

·                   تشجيع استعمال المعرفة التقليدية وأهميتها في التنمية.(9)

 

لا يمكننا ان نتوقع حلا واحدا لتلك المجموعة الواسعة من الاهتمامات والأهداف. ونوع التدابير اللازمة لمنع استعمال المعرفة في غير حقها قد لا يتساوى، وفي الواقع قد لا ينسجم، مع تلك التدابير اللازمة لتشجيع الاستعمال الواسع للمعرفة التقليدية. ومن المؤكد ان تكون هناك حاجة الى عدد وافر من التدابير المكملة لبعضها البعض، الكثير منها يكون خارج نطاق الملكية الفكرية. وفي الواقع، قد يكون الأساس للنقاش موضوعا أكبر بكثير من ذلك مثل وضع المجتمعات الأصلية ضمن اقتصاد ومجتمع البلاد التي يقيمون فيها، وحرية وصولهم الى الأرض التي سكنوها تقليديا او الى ملكيتهم لتلك الأرض. وهكذا، فان القلق المحيط بالمحافظة على المعرفة التقليدية واستمرار اسلوب الحياة لأصحاب مثل تلك المعرفة قد يدلّ على مشاكل أساسية تواجه تلك المجتمعات في وجه الضغوط الخارجية.

 

ولكننا نعتزم تقييد دراستنا بكيف يمكن لنظام الملكية الفكرية ان يساعد في التغلب على ذلك القلق. وقد كتبوا الكثير عن هذا الموضوع وقد بدأ العديد من المنظمات الدولية، ولا سيما المنظمة العالمية للملكية الفكرية، بالتفكير في ما اذا كان لدى النظام الحالي للملكية الفكرية دورا يمكنه ان يلعبه او ما اذا كانت هناك حاجة تدعو الى أشكال جديدة من الحماية.

 

ادارة الحوار حول المعرفة التقليدية   

 

مثل ما ذكرنا أعلاه، يبحث عدد كبير من الهيئات، بما فيها المنظمة العالمية للملكية الفكرية وميثاق التنوّع الاحيائي ومؤتمر الأمم المتحدة حول التجارة والتنمية ومنظمة التجارة العالمية، في مسألة حماية المعرفة التقليدية. تركّزت المناقشات فعلا على تفهّم القضية بدلا من تطوير قواعد سلوك دولية. اذ فقط بالحصول على تفهّم أعمق وخبرة عملية أطول، على المستوى الوطني او الاقليمي، سيكون من المعقول تطوير نظام دولي لحماية المعرفة التقليدية. من الأهمية بمكان ان تعمل معا جميع الوكالات التي تدرس الأمر لتجنّب الازدواجية غير الضرورية ولتأمين اشتمال المناقشة على أكبر عدد من وجهات النظر المختلفة. وفي هذا الصدد، قيل لنا بأن منظمة مثل المنظمة العالمية للملكية الفكرية، التي تتعاطى بصورة مقتصرة بأمور الملكية الفكرية، قد لا تكون المنتدى المناسب للنظر في المعرفة التقليدية من جميع نواحيها.(10) ومع ذلك، نحن نعتقد بأنه من غير المحتمل ان تتوفر لهيئة واحدة القدرات او الخبرات او الموارد للتعاطي بكافة نواحي المعرفة التقليدية. وفي الواقع اننا نرى بأن هناك ضرورة الى عدد وافر من التدابير، البعض منها فقط ذو علاقة بالملكية الفكرية، لحماية والمحافظة على وتشجيع المعرفة التقليدية.

 

هناك الشيء الكثير الذي يمكن كسبه في تلك المرحلة المبكرة من التفكير في الموضوع في عدد من المنتديات، وبنفس الوقت تطوير أساليب منطقية لدراسة الموضوع وتجنّب الازدواجية في الجهود.

 

استغلال نظام الملكية الفكرية الحالي لحماية وتشجيع المعرفة التقليدية

 

نشأت بعض الأمثلة التي تبيّن كيف يمكن استعمال نظام الملكية الفكرية الحالي في تسويق تجاريا المعرفة التقليدية او منع اساءة استعمالها. مثلا، حصل الفنانون من أهل البلاد الأصليين وفي جزيرة مضيق توريس في استراليا على علامة تجارية بشكل شهادة قومية.(11) مثلها مثل أية علامة تجارية أخرى، ان الغرض من تلك الشهادة او من "ملصق الموثوقية" هو تشجيع تسويق فنهم ومنتجاتهم الثقافية ومنع بيع منتجاتهم كذبا بزعم انها تعود الى فن أهل البلاد الأصليين.

 

وفي دراسات أخيرة للحماية الحالية المتوفرة للمعرفة التقليدية وللفولكلور، قدّم عدد من البلدان أمثلة اضافية عن كيف جرى استخدام آليات الملكية الفكرية لتشجيع وحماية المعرفة التقليدية والفولكلور.(12) تشمل تلك الأمثلة استعمال حماية حقوق النشر والتأليف في كندا لحماية المبتكرات التقليدية مثل الأقنعة والرموز المقدّسة والتسجيلات الصوتية التي تعود الى فناني البلاد الأصليين؛ واستخدام التصاميم الصناعية لحماية المظهر الخارجي لبعض المواد مثل رداءات الرأس والسجاد في خزكستان واستخدام المؤشرات الجغرافية لحماية المنتجات التقليدية مثل المشروبات الروحية والصلصات وأنواع الشاي في فنـزويلا وفيتنام.

 

وتوحي القدرة على تمديد عمر العلامات التجارية الى أجل غير محدد وامكانية الملكية الجماعية لمثل تلك الحقوق بأنه يمكنها ان تكون مناسبة لحماية المعرفة التقليدية. وهذا هو الحال أيضا بالنسبة للمؤشرات الجغرافية، التي يمكن استخدامها لحماية المنتجات او الحرفيات التقليدية اذا كان بالامكان عزو الخصائص المعيّنة لمثل تلك المنتجات الى أصل جغرافي معيّن. ولكن يمكن للعلامات التجارية وللمؤشرات الجغرافية ان تمنع فقط العلامات او المؤشرات المحمية؛ الا انها لا تحمي المعرفة او التكنولوجيات التي تحتضن تلك المعرفة بحد ذاتها.

 

يبدو ان حقوق الملكية الفكرية الأخرى، ولا سيما تلك التي تحتاج الى شكل من أشكال الابتداع او تلك المحمية لفترات محددة، هي أقل مناسبة لحماية المعرفة التقليدية. ومع ذلك فقد تبيّن بوضوح من تلك الدراسات، وفي الواقع من أبحاث أخرى، بأن لدى حقوق الملكية الفكرية الحالية دور يمكنها ان تلعبه في حماية المعرفة التقليدية. يبقى لنا ان نعلم ما اذا كان هذا الدور هو دور هام. لقد أظهرت الخبرة في أماكن أخرى بأن تأثيره لن يكون كبيرا، على الأقل بسبب الكلفة العالية المترتبة على الحصول على الحقوق وعلى تطبيقها. وبما ان غالبية الشركات الصغيرة في العالم المتقدم قد وجدت نظام الملكية الفكرية، ولا سيما نظام براءات الاختراع، غير جذّاب،(13) فمن غير المحتمل اذا ان تستمد المجتمعات المحلية في الدول النامية، او الأفراد في تلك المجتمعات، القدر الكبير من الفائدة منها.

 

الحماية الضريبية (sui generis) للمعرفة التقليدية

 

لقد قرّرت بعض الدول بأن نظام الملكية الفكرية الحالي ليس كافيا وحده لحماية المعرفة التقليدية. وهكذا قام البعض من تلك الدول باحداث، او في طور احداث، أنظمة ضريبية للحماية sui generis .(14)

 

سنّت الفيليبين تشريعات، وهي تفكّر في احداث المزيد من التدابير،(15) تعطي بموجبها أهل البلاد الأصليين حقوقا على معرفتهم التقليدية. تمتد تلك الحقوق الى التحكم على القدرة على الوصول الى أراضي أجدادهم والوصول الى الموارد البيولوجية والجينية والى المعرفة الأصلية المتعلقة بتلك الموارد. وستعتمد قدرة وصول الآخرين اليها على موافقة المجتمع المدروسة المسبقة والتي يتم الحصول عليها بموجب القوانين العرفية. ويتم تقاسم بانصاف أية فوائد ناجمة من الموارد الجينية او من المعرفة المرافقة لها. ولكن تسعى التشريعات الى الحفاظ على التبادل الحر للتنوّع الاحيائي بين المجتمعات المحلية. ويسعى القانون أيضا لضمان اشتراك أهالي البلاد الأصليين على كافة مستويات إتخاذ القرار.

 

هذا، وبينما الأهداف الأولية لتلك التشريعات هي الاعتراف بحقوق المجتمعات وشعوب البلاد الأصليين وحماية تلك الحقوق وتشجيعها، بما فيها الحقوق المتعلقة بالموارد البيولوجية والمعرفة التقليدية المرافقة لذلك، تعترف تلك التشريعات بامكانية استغلال تلك الموارد. يسعى القانون الغواتمالي الى المحافظة على وتشجيع استخدام معرفة البلاد التقليدية وذلك بوضع تعابير الثقافة الوطنية، بما فيها مثلا المعرفة الطبية والموسيقى، تحت حماية الدولة.(16) لا يمكن بموجب هذا القانون بيع تلك التعابير او المتاجرة بها سعيا لجني الكسب. وهكذا، نجد بأنه يجري تطوير أنواع مختلفة من النماذج على المستوى الوطني والسعي الى تكييف التشريعات والممارسة بحيث تلبي الحاجات المحلية.

 

وهناك سؤال مهم بصورة خاصة يطرح نفسه وهو المدى الذي يعترف فيه أي شكل من الحماية بالقوانين الشعبية التي تطوّرت المعرفة بموجبها. تفكّر بعض الدول مثل بنغلاديش، وبعض المنظمات مثل الاتحاد الأفريقي (17) بسن تشريعات ضريبية sui generis تنص على حقوق خاصة على الموارد الاحيائية وعلى المعرفة التقليدية المرافقة لها وهي تسعى الى اعتراف أكبر بالممارسات الثقافية والشعبية للمجتمعات. والنظام الضريبي sui generis في الفيليبين يأخذ أيضا القوانين الشعبية بعين الاعتبار.

 

نظرت المحكمة الفدرالية الاسترالية في صلة القوانين والممارسات الشعبية لأهل البلاد الأصليين وذلك في قضية انتهاك لحقوق النشر والتأليف. مع ان المحكمة وجدت بأنه لا يمكنها "الاعتراف بانتهاك حقوق الملكية المقلّدة بموجب قانون أهل البلاد الأصليين بالأصحاب التقليديين للقصص الخيالية والصور الخيالية كتلك المستعملة في الأشغال الفنية للمطالبين الحاليين بالحقوق"، الا أنها أخذت بعين الاعتبار الضرر الذي عانى منه الفنانون من أهل البلاد الأصليين في بيئتهم الثقافية عند نظرها بقيمة الأضرار.(18) مع ان مثل تلك القرارات تعطي درجة من الاعتراف بالقوانين الشعبية، فهي طبعا لا تذهب بعيدا مثل ما يريد البعض. وفي مباحثاتنا الاستشارية في هذا الموضوع دعا عدد كبير من الناس الى اعتراف أكبر بالقوانين الشعبية.(19)

 

ويطرح الاعتراف بالقوانين الشعبية، ان كانت تتعلق بصورة خاصة بالمعرفة التقليدية ام لا، قضايا تتجاوز نطاق هذا التقرير. ومع ذلك فنحن نعتقد بأنه يجب احترام القوانين الشعبية المترتبة على المعرفة التقليدية وان أمكن الاعتراف بها على نطاق واسع. ويجب تأييد المزيد من العمل لتحقيق تلك الأهداف كما فوّض مؤخرا المؤتمر السادس للأطراف المشتركة في ميثاق التنوّع الاحيائي.(20)

 

ويبقى لنا ان نرى هل ستكون لتلك الأنظمة لدى تطوّرها الخصائص المشتركة الكافية للسماح بتطوير نظام ضريبي دولي sui generis . ونحن نعترف بأن هناك ضغط متواصل لاستحداث نظام ضريبي دولي sui generis ، كما عبّرت عنه مؤخرا مجموعة الدول النامية الخمس عشرة.

 

هذا، وبوجود تلك المجموعة الواسعة من المواد للحماية ووجود تلك الأسباب المتفاوتة "لحمايتها"، يمكن ان  تشكّل معا نظاما ضريبياً sui generis شموليا كاملا من الحماية للمعرفة التقليدية، محددا أكثر مما ينبغي ولا يتمتع بالمرونة الكافية لتلبية الحاجات المحلية.

 

ومثلما بحثنا سابقا، فان القدرة على حماية المعرفة التقليدية وعلى تشجيعها واستغلالها لا تعتمد بالضرورة على وجود حقوق الملكية الفكرية. مثلا، يمكن ان يكون جمع المبتدعين المحليين مع المقاولين أكثر صلة. ومهما كانت التدابير التي ستتخذ او مهما كانت الأدوات التي ستستخدم، فان الاستغلال من شأنه ان يعرّف الناس بالمعرفة التقليدية وبالابتداع المحلي داخل المجتمعات ويشجّع اشتراكا أكبر فيها من قبل أفراد المجتمع الشباب. وهذا لا شك قد يحصل اذا جرى توليد عوائد اقتصادية ملموسة نتيجة لذلك. ولكن من الأهمية ان نتذكر بأن ليس كل أصحاب المعرفة التقليدية يرغبون في استغلال معرفتهم بهذه الطريقة. أبدى ذلك الرأى أمام اللجنة أحد المشاركين في ورشات العمل للخبراء وهو هندي كاشواني من البيرو. قال ان مفهوم الثراء، بالنسبة للعديد من المجتمعات المحلية، يختلف اختلافا تاما عن مفهوم الثراء في العالم الغربي. بالنسبة لتلك المجتمعات ان واجبها هو تأمين المحافظة على واحترام معرفتها التقليدية وعلى القوانين الشعبية المترتبة عليها وليس الحصول على المكافأة المالية. وأشار الى ان هناك توقعات غير واقعية بين أصحاب المعرفة التقليدية حول القيمة المحتملة لمعرفتهم. طبعا ترتفع تلك التوقعات نتيجة للقضايا المشهورة مثل قضية "هوديا" (المربّع 2:4).

 

استعمال المعرفة التقليدية في غير حقها   

 

بالنظر الى طبيعة المعرفة التقليدية ينتقل قدر أكبر منها شفهيا وليس خطيا. هذا الأمر يطرح مشاكل خاصة عندما تسعى الأطراف غير المصرّحة من قبل صاحب المعرفة الى الحصول على حقوق الملكية الفكرية لها. وفي غياب أية سجلات خطية يمكن الاطلاع عليها، يتعذّر على فاحص براءة الاختراع في بلد آخر ان يحصل على الوثائق التي قد تطعن ببدعة او ابتكارية طلب مبني على المعرفة التقليدية. والخيار الوحيد المتوفر للطرف المتضرر، ان كان صاحب المعرفة او يمثّل صاحب المعرفة، هو الطعن ببراءة الاختراع أثناء عملية منحها او بعد ذلك، عندما تسمح القوانين الوطنية بذلك. هذا ما فعلته الحكومة الهندية عندما تمكنت من اسقاط براءات الاختراع على الأرز البسماتي (راجع المربّع 5:4 أدناه) والكركم في الولايات المتحدة.

 

وقد ساعد وجود المعارضة الادارية او شبه القانونية او اجراءات اعادة فحص البراءة على اسقاط تلك البراءات. في غياب مثل تلك الاجراءات لا بد انهم كانوا سيضطرون الى رفع قضايا امام المحاكم المعنية مع ما يرافق ذلك من تكاليف وتضييع للوقت. وحتى بوجود تلك الاجراءات من الصعب للغاية للدول النامية، وقد يكلفها الكثير، مراقبة وتحدي حقوق الملكية الفكرية التي تصدر في كافة أنحاء العالم. ونحن نقترح في ما بعد في هذا الفصل طريقة محتملة لمساعدة الدول على مراقبة براءات الاختراع الممنوحة على اختراعات مؤلفة من مواد احيائية مكتسبة ومعلومات ملازمة لها او جرى تطويرها منها.

 

يجب عدم منح براءات اختراع تدعي معرفة تقليدية موجودة الآن وشائعة. المشكلة ان تلك المعرفة لا تكون موثقة عادة او ان كانت موثقة فمن غير المحتمل ان تكون متوفرة بسهولة للنظر فيها من قبل فاحص براءة الاختراع. ومن غير المحتمل، بصورة خاصة، ايجاد معلومات عن المعرفة التقليدية في المعلومات المتعلقة ببراءات الاختراع التي تعتمد عليها مكاتب تسجيل البراءات عند تقييمها بدعة (novelty) وابتكارية المادة. ومن أجل التغلّب على تلك المشكلة، تسعى المنظمة العالمية للملكية الفكرية مع عدد من الدول النامية بقيادة الهند والصين الى تطوير مكتبات رقمية للمعرفة التقليدية (راجع المربّع 3:4). تدوّن تلك المكتبات الرقمية بالتفصيل خطيا ليس فقط المقدار الكبير من المعرفة التقليدية الموجود حاليا في الميدان العام بل ستأخذ بعين الاعتبار مقاييس التصنيف الدولية (نظام التصنيف الدولي لبراءات الاختراع للمنظمة العالمية للملكية الفكرية) لكي تصبح المعلومات في متناول يد فاحصي البراءات.

 

المربّع 3:4 المكتبة الرقمية للمعرفة التقليدية – وجهة نظر هندية

 

في عام 1999 وبعد الطعن الهندي الناجح ولكن الباهظ الثمن في براءات الاختراع الممنوحة للكركم والأرز البسماتي من قبل المكتب الأمريكي لبراءات الاختراع والعلامات التجارية، اتفقوا على ان يتعاون المعهد الوطني الهندي للاتصالات العلمية ووزارة الأنظمة الهندية للطب والمعالجة المثلية في تأسيس المكتبة الرقمية للمعرفة التقليدية.

تستهدف المكتبة الرقمية للمعرفة التقليدية "أيورفيدا" (وهي نظام هندي تقليدي في الطب) وتقترح توثيق المعرفة المتوفرة والشائعة (النشرات المتوفرة حاليا عن "أيورفيدا") في شكل رقمي. سيجري ادخال في قاعدة للمعطيات حوالي 35 ألف سلوكاس (أبيات من الشعر  والنثر) ومن المتوقع ان يحتوي موقع الانترنت على حوالي 140 ألف ورقة عن  "أيورفيدا". تتتوفر المعطيات في عدد كبير من اللغات الدولية (الانجليزية والاسبانية والألمانية والفرنسية واليابانية والهندية).

 

وتصنيف موارد المعرفة التقليدية هو نظام تصنيف مبتكر ومنظّم جرى تصميمه لتسهيل الترتيب النظامي وتوزيع واستعادة المعلومات في المكتبة الرقمية للمعرفة التقليدية. المكتبة الرقمية للمعرفة التقليدية مبنية على أساس نظام التصنيف الدولي لبراءات الاختراع وترد المعلومات مصنّفة تحت أقسام وفئات وشبه فئات ومجموعات وشبه مجموعات لتسهيل استخدامها من قبل فاحصي براءات الاختراع الدوليين. ولكنها توفر تعريفا أكبر للمعرفة التقليدية بتوسيع التصنيف الدولي لبراءات الاختراع (أي التصنيف AK61K35/78 المتعلق بالنباتات المستمدة منها المواد الطبية) الى حوالي 5 آلاف مجموعة فرعية.

 

ستعطي المكتبة الرقمية للمعرفة التقليدية شرعية الى المعرفة التقليدية الموجودة حاليا وستمنع، عن طريق تأمين سهولة استعادة المعلومات المتعلقة بالمعرفة التقليدية من قبل فاحصي البراءات، منح براءات الاختراع مثل تلك المتعلقة بالكركم والنيم المذكورين اعلاه واللذين يدعيان مواد موجودة في الميدان العام.

 

وتتابع المنظمة العالمية لبراءات الاختراع العمل على مثل تلك المكتبات حيث تقوم فرق عمل متخصصة بمن فيها ممثلين من الصين والهند والمكتب الأمريكي لبراءات الاختراع والعلامات التجارية بفحص كيف يمكن دمج تلك المكتبات في أدوات البحث الموجودة والتي تستخدمها مكاتب براءات الاختراع.  

 

وتقوم أيضا المنظمة العالمية لبراءات الاختراع بفحص مدى توفر المعرفة التقليدية حاليا على الانترنت. وتشير النتائج المبدئية التي توصلت اليها المنظمة الدولية لبراءات الاختراع بأن مقدار المعلومات المتعلقة بالمعرفة التقليدية الموجود على الانترنت هو مقدار كبير ومتزايد. ولكن القدر الكبير منه ليس بشكل يجعله سهلا للبحث او الاستعمال من قبل فاحصي براءات الاختراع.(22)

 

والتوثيق الكبير للمعرفة التقليدية قد لا يكون قيّما فحسب في منع منح براءات الاختراع غير المبرّرة بل أهم من ذلك قد يساهم في المحافظة على المعرفة التقليدية وعلى تشجيعها وعلى احتمال استغلالها. وفي هذا الاطار من الأهمية ان لا تضر عملية التوثيق بحقوق الملكية الفكرية في المواد الجاري توثيقها. توفر الأمانة الهندية الوطنية للابتداع مثالا على المحاولة لمواجهة تلك الأمور.(23) ومن الأمور التي أثارت قلق المنظمة العالمية لبراءات الاختراع وعدد من الدول النامية بخصوص عدد كبير من قواعد المعطيات التي كشفت النقاب عنها المنظمة العالمية لبراءات الاختراع، هو ما اذا جرى تسجيل المعلومات بالموافقة المدروسة المسبقة لأصحاب المعرفة. وخلال المحادثات في أروقة المنظمة العالمية لبراءات الاختراع حول توثيق المعرفة التقليدية (24)، برزت أيضا اختلافات في الرأي بين الدول النامية حول نوع المعطيات التي يمكن او يجب ان تكون مشمولة في أية قواعد للمعطيات. جادلت بعض الدول، مثلا، بأن قواعد معطيات كهذه هي مناسبة فقط للمعلومات المتوفرة للعامة حاليا بشكل مصنّف. وأشار الآخرون أنه يمكن شمل المعرفة التقليدية غير المصنّفة فيها.

 

 

يجب شمل، حالما يصبح عمليا، المكتبات الرقمية للمعرفة التقليدية في قوائم توثيق الأبحاث الدنيا المتوفرة لمكاتب براءات الاختراع، لضمان بأن المعلومات المتوفرة فيها سيجري أخذها بعين الاعتبار عند البت في طلبات براءات الاختراع. ويجب أن يلعب أصحاب المعرفة التقليدية دورا هاما في القرار حول ما اذا يجب شمل تلك المعلومات في قواعد المعطيات وكذلك يجب ان يستفيدوا من أي استثمار تجاري للمعلومات.

 

ويتمتع الطب التقليدي بالامكانية للتوثيق الجيد. مثلا، في جمهورية لاو الديموقراطية الشعبية، قامت الحكومة بتأسيس مركز الموارد الطبية التقليدية الذي يعمل مع المداوين المحليين في توثيق تفاصيل جميع الأدوية التقليدية بغرض تشجيع تقاسم ممارساتها داخل لاوس. ويتعاون مركز الموارد الطبية التقليدية مع المجموعة الدولية التعاونية للتنوّع الاحيائي في جهودها لاكتشاف منتجات طبية جديدة. وسيجري تقاسم أية فوائد او أرباح او جعالات ناجمة عن النباتات والمعرفة المستمدة من التعاون مع جميع المجتمعات المعنية.(25)

 

قد يكون لحقوق الملكية الفكرية دورا تؤديه في استغلال المنتجات المبنية على أساس الطب التقليدي. ولكن يجب ان يكون الهدف الأولي هو تشجيع تطبيق تلك المعرفة لتحسين صحة البشر وليس لتوليد الدخل. وفي الواقع سيكون من المؤسف لو أدى هدف تقاسم الفوائد من تسويق الأدوية الى ثراء عدد قليل من الناس على حساب تقييد الحصول على الأدوية ولا سيما من قبل الفقراء. تبرز استراتيجية الطب التقليدي التي ترعاها منظمة الصحة العالمية 2000-2005 هدف الصحة العامة بوضوح.(26) يجب تقاسم بحرية الدروس التي نتعلمها من هذا التمرين ومن غيره من المبادرات ويجب توفير المساعدة الفنية لمساعدة الدول الأخرى التي تدير مبادرات تتعلق بتوثيق المعرفة التقليدية.

 

ولكن يجب الاعتراف بأن الشيء الكبير من المعرفة التقليدية سيبقى غير موثّق. يبقى مفهوم البدعة الصحيحة حيث يكون أي افصاح بما فيه عن طريق الاستعمال، في أي مكان في العالم، كافيا لتدمير بدعة أي اختراع، اجراءاً وقائيا ضروريا. اذ بدون هذا الاجراء الوقائي، سيستمروا في منح براءات للمعرفة التقليدية الموجودة في الميدان العام، وان لم تكن مكتوبة. بعض الدول لا تشمل الاستعمال خارج بلادها على انه "فن سابق".

 

ويتعيّن على تلك الدول التي تشمل فقط الاستعمال المحلي في تعريفها للفن السابق ان تقدم المعاملة المتساوية لمستعملي المعرفة في الدول الأخرى. وبالاضافة الى ذلك، يجب الأخذ بعين الاعتبار الطبيعة غير المكتوبة للمعرفة التقليدية هذه في أية محاولات لتطوير نظام براءات الاختراع دوليا.

 

وبالنسبة لبعض المجتمعات يمكن ان يسبّب منح حقوق الملكية الفكرية مثل براءات الاختراع اهانة كبيرة لها. ومع انه توجد تدابير في معظم البلدان تمنع منح حقوق الملكية الفكرية على أسس أخلاقية، من المشكوك فيه ان تتمكن مكاتب الملكية الفكرية من تطبيقها في مجتمعات سكان البلاد الأصليين الصغيرة. مثلا تقوم الأسس الأخلاقية لرفض طلبات العلامات التجارية منذ بعض الوقت في نيوزيلندا ولكن أصبح الآن من الضروري التعريف بوضوح أكبر مدى هذا التدبير. وهناك تعديل يفكّرون فيه يمنع تسجيل علامة تجارية عندما يكون من المحتمل ان يهين استعمالها او تسجيلها، بناء على أسس معقولة، قسما كبيرا من المجتمع، بمن فيه الماوري.(27) ان مثل تلك الاجراءات، بالاضافة الى استعمال قواعد المعطيات الخاصة بالمعرفة التقليدية الموجودة في الميدان العام والتي يمكن التفتيش فيها، من شأنه ان يحول دون منح حقوق الملكية الفكرية على مواد ليست بدعة او بديهية او من المحتمل ان تهين او تسيء الى أصحابها.

 

ولكن مثلما قلنا سابقا، هناك مجموعة ثانية من براءات الاختراع وفي الواقع حقوق ملكية فكرية أخرى تثير القلق. هذه حقوق تفي أساسا بالمعايير العادية للتسجيل ببراءة او للحماية ولكنها:

 

·                   مبنية على، او مؤلفة من، مواد تم الحصول عليها بطرق غير مشروعة او بدون موافقة صاحب المادة

 

·                   لا تعترف بالمساهمة التي يقوم بها الآخرون في الاختراع اما من حيث ملكية الحقوق او في تقاسم أية فوائد ناجمة عن تسويق الاختراع المسجّل ببراءة تسويقا تجاريا.

 

لا ينطبق هذا القلق على براءات الاختراع التي تتعلق بالمعرفة التقليدية فحسب، مع انه في ضوء ميثاق التنوّع الاحيائي، من المحتمل ان تكون براءات الاختراع الأكثر اثارة للنـزاع هي تلك المتعلقة بالموارد الاحيائية و/او المعرفة التقليدية المرافقة لمثل تلك الموارد. وفي قضية "هوديا" لم يكن القلق أساسا بخصوص هل يجب منح براءات الاختراع بل هل يجب ان يتلقى شعب السان نصيبه العادل من فوائد بيع تلك النبتة. نعرض أدناه الطرق المحتملة لتوفير توازن أكثر انصافا في مثل تلك الحالات.

 

القدرة على الحصول على المعرفة التقليدية وتقاسم فوائدها

 

الخلفية

 

مثلما رأينا، من الأمور الرئيسية التي نجدها موضع نقاش حول المعرفة التقليدية هي العلاقة بين حماية الملكية الفكرية والملكية والحقوق ذات العلاقة بالمعرفة المبني على أساسها حق الملكية الفكرية. وعلينا في سياق مناقشتنا لهذا الموضوع ان نفكّر أيضا في تشجيع الأهداف المتعلقة بتقاسم الفوائد والموافقة المدروسة المسبقة في ميثاق التنوّع الاحيائي. وبما ان المجتمع الدولي قد صدّق على اتفاقية "تريبس" و "ميثاق التنوّع الاحيائي"، مع بعض الاستثناءات  الهامة، هناك واجب على افراد هذا المجتمع يقضي بتقوية بعضهم البعض بدلا من مناقضة بعضهم البعض.

ميثاق التنوّع الاحيائي (CBD)

 

يسعى الميثاق، الذي تم الاتفاق عليه في عام 1992، الى تشجيع صون التنوّع الاحيائي والتقاسم العادل للفوائد الناجمة عن استخدام الموارد الجينية.(28) وهو يؤكد حقوق سيادة الأمم على مواردها الطبيعية وعلى حقها في تقرير القدرة على الوصول الى تلك الموارد وفقا لتشريعاتها الوطنية وغايتها هي تسهيل الاستعمال القابل للاستمرار لتلك الموارد وتشجيع التوصل اليها وعلى استعمالها المشترك. وهو ينوّه الى ان التوصل اليها الموارد الجينية يجب ان يكون على أساس الموافقة المدروسة المسبّقة وبناء على شروط متبادلة متّفق عليها، توفر تقاسما عادلا ومنصفا لنتائج الأبحاث والتطوير وفوائد التسويق التجاري لها واستعمالها.(29) كما يدعو أيضا الى التقاسم العادل والمنصف للفوائد المستمدة من استعمال المعرفة التقليدية.(30)

 

وينصّ ميثاق التنوّع الاحيائي، فيما يتعلق بالملكية الفكرية، بأن الحصول على الموارد الجينية وعلى تحويلها، يجب ان ينسجم مع "الحماية الكافية والفعالة لحقوق الملكية الفكرية". يجب ان تضع الحكومات سياسات تؤمن، بصورة خاصة بالنسبة للدول النامية، بأن القدرة على التوصل الى الموارد الجينية تتم بموجب شروط متبادلة متفق عليها. وهو يشير الى انه يمكن ان يكون لبراءات الاختراع ولحقوق الملكية الفكرية الأخرى تأثيرا على تنفيذ الميثاق، وأنه يتعيّن على الحكومات ان تتعاون (رهن بالقانون الوطني والدولي) من أجل تأمين بأن تلك الحقوق تؤيد أهداف ميثاق التنوّع الاحيائي ولا تتناقض معه.(31)

 

اتفقت الهيئة الحاكمة لميثاق التنوّع الاحيائي الآن على ارشادات بخصوص القدرة على الوصول الى الموارد الجينية وتقاسم الفوائد لتكون دليلا للدول عند وضع مسودّة تشريعاتها الوطنية.(32) ولكن تواجه الدول قرارات صعبة، عملية ونظرية على حد سواء، في وضع تقاسم الفوائد موضع التنفيذ العملي. أولا، كثيرا ما تكون الموارد غير "مملوكة" من أي شخص معيّن، ولكنها تراث لمجتمع او أكثر من المجتمعات غير متماسكة بالضرورة او تعيش جميعها في بلد واحد. وثانيا، بينما يمكن اقتفاء أثر بعض الموارد الجينية الى أماكن ومواطن طبيعية محددة، ففي حالات أخرى تكون تلك الموارد مؤلفة من مكونات من بلدان عديدة، وبالتالي تصبح ترتيبات تقاسم الفوائد غير عملية البتة. وثالثا، بالنظر الى تنوّع الظروف الوطنية او في الواقع تلك داخل الأمم فيما يتعلق بأحوالها الثقافية والاقتصادية او المؤسسية، فمن الصعوبة للغاية استنباط تشريعات وممارسات تغطي هذا التنوّع بطرق تسهّل تنفيذ مثل تلك التدابير. وفي الواقع، ينبغي اتخاذ الحذر بأن التشريعات والممارسات التي تسعى الى تطبيق ميثاق التنوّع الاحيائي لا تقيّد من غير لزوم او تحبط الاستعمال المشروع للموارد الجينية، ان كان من أجل تسويقها تجاريا او للأبحاث العلمية. هناك بعض الأدلة تشير الى ان تشديد التقييدات في بعض الدول قد أعاق حرية علماء البيولوجيا الذين يدرسون الموارد الجينية من التوصل اليها.(33)

 

ومع الاعتراف بتلك الصعوبات، نحن نركّز على كيف يجب تعديل قواعد الملكية الفكرية، في الدول المتقدمة والنامية على حد سواء، لتوفير الدعم للقدرة على الوصول الى الموارد الجينية وتقاسم الفوائد. يجادل الكثيرون بالقول انه بما ان اتفاقية "تريبس" لا تأتي على ذكر ميثاق التنوّع الاحيائي، وميثاق التنوّع الاحيائي لا يأتي على ذكر اتفاقية "تريبس"، لا يوجد أي تعارض بين الاتفاقيتين. وعلاوة على ذلك فهم يجالون بالقول ان اتفاقية "تريبس" تؤيد ميثاق التنوّع الاحيائي من حيث ان التسجيل ببراءة كثيرا ما يولّد التسويق التجاري الذي بدوره يولّد الفوائد التي هي متطلّب أساسي لأي ترتيب لتقاسم الفوائد. وقد واجه الآخرون هذه الحجة بالاشارة الى بما انه من المسموح به في اتفاقية "تريبس" التسجيل ببراءة المبني على استعمال الموارد الجينية، (رهن بتلبية معايير التسجيل ببراءة)، هذا لا يدعم أهداف ميثاق التنوّع الاحيائي لأن معايير التسجيل ببراءة لا تشمل الموافقة المدروسة المسبقة او الشروط المتبادلة المتفق عليها بشأن تقاسم الفوائد. اذا بينما يؤكد ميثاق التنوّع الاحيائي السيادة الوطنية على الموارد الجينية، لا يوجد أي شيء في اتفاقية "تريبس" يؤيد أهداف ميثاق التنوّع الاحيائي. يمكن للشركات الأجنبية ان تحصل على حقوق خاصة مستمدة من الموارد الوطنية، ولكن اتفاقية "تريبس" صامتة بخصوص الواجبات الواردة في ميثاق التنوّع الأحيائي. ومع ذلك، حتى الذين، بصورة رئيسية من الحقل الصناعي، يدعون بأنه لا يوجد أي تعارض بين ميثاق التنوّع الاحيائي واتفاقية "تريبس"، يؤيدون عموما المبادىء الأساسية لميثاق التنوّع الأحيائي. بما ان ميثاق التنوّع الأحيائي يؤيد المبدأ القائل بأن للدول السيادة على مواردها الطبيعية، يترتب على تلك الصناعات المهتمة في استغلال الموارد الجينية ان تتأكد من أن النشاطات الاستكشافية تجري على أساس الموافقة المدروسة المسبقة ووجود اتفاق على تقاسم الفوائد. فاذا تجاهلوا تلك المبادىء عندئذ أي حصول على تلك الموارد قد يكون غير شرعي.

 

هذا وبالنظر الى الصعوبات المفهومة التي تواجهها الدول النامية في صياغة وتطبيق القوانين المتعلقة بالحصول على الموارد وتقاسم الفوائد، نرى انه ينبغي على الدول المتقدمة والدول النامية أن تعمل أكثر للتأكد من ان أنظمتها للملكية الفكرية تساعد على تشجيع أهداف ميثاق التنوّع الاحيائي، وتشجيع تبادلية المصالح التي يمكن ان توجد بين مزودي الموارد الجينية، بصورة رئيسية في الدول النامية، ومستعمليها الذين يقعون بصورة رئيسية في الدول المتقدمة.

 

الافصاح بالمنشأ الجغرافي للموارد الجينية في طلبات تسجيل براءات الاختراع    

 

هناك اقتراح يقول بأنه يتوجب على المتقدمين للحصول على حقوق الملكية الفكرية المؤلفة او المتقدمة من المواد الجينية ان يحددوا منشأ تلك الموارد وان يقدموا برهانا بأنهم حصلوا على تلك الموارد بالموافقة المدروسة المسبقة للبلد الذي أخذوها منه. نقدّم في المربّع 4:4 أمثلة على الدول التي أدخلت تلك المتطلبات في قوانينها.

 

ان الطبيعة الاقليمية لبراءات الاختراع تعني بأن المتطلبات المشار اليها أعلاه تنطبق فقط على براءات الاختراع الصادرة في تلك الدول او المناطق. مثلا لا علاقة لها ببراءات الاختراع الصادرة في الولايات المتحدة او اليابان. يقولون بأن ذلك يبرّر الوصول الى حل دولي لهذا الموضوع.

 

ويقال بأن المتطلّب في جميع القوانين المترتبة على براءات الاختراع والذي يقضي بافصاح مصدر الموارد الجينية وتقديم بيّنات على الحصول على الموافقة المدروسة مقدما، من شأنه ان يزيد الشفافية وبتوفير المعلومات ان يساعد في تطبيق أية ترتيبات للحصول عليها ولتقاسم فوائدها. وقد يظهر قضايا شبيهة بقضية "هوديا".

 

المربّع 4:4 بعض الأمثلة على تشريعات لبراءات الاختراع تشمل الافصاح بمنشأ الموارد

 

الهند: ينص القسم 10 (محتويات المواصفات) من قانون براءات الاختراع 1970 حسب تعديله في قانون التعديل الثاني لبراءات الاختراع (200) بأنه يترتب على طالب البراءة ان يفصح بالمصدر والمنشأ الجغرافي لأية مواد بيولوجية مودعة بدلا من وصفها. ويسمح أيضا القسم 25 (اعتراض لمنح براءة الاختراع) حسب تعديله برفع الاعتراض على أساس ان "المواصفات الكاملة لا تفصح او تذكر خطأ المصدر او المنشأ الجغرافي للمواد البيولوجية المستعملة في الاختراع".

 

المجتمعات الأنديانية: ينص القرار الأندي 486 في المادة 26 بأنه يجب تقديم الطلبات للحصول على براءات الاختراع للمكتب الوطني المختص ويجب ان تحتوي على ما يلي:

 

(ك)  نسخة من العقد الذي يتيح الحق في الحصول على الموارد، اذا كان قد جرى الحصول على المنتجات او العمليات الصناعية التي يطلبون البراءة لها، او تم تطويرها من موارد جينية او من منتجات يعود منشؤها الى احدى الدول الأعضاء؛

 

(ل)  واذا كان ملائما، نسخة من الوثيقة التي تصدّق على صحة الرخصة او تصريح لاستعمال المعرفة التقليدية لأهل البلاد القدامى الأصليين، أمريكان أفريقيين او مجتمعات محلية في الدول الأعضاء التي جرى فيها الحصول على او تطوير المنتجات او العمليات الصناعية التي يطلبون حمايتها والمبنية على أساس المعرفة المتأصلة في أي من الدول الأعضاء، وذلك بموجب الشروط الواردة في القرار 391 وتعديلاته وأنظمته الفعالة؛

 

كوستا ريكا: التنوع الاحيائي تنص المادة 80 من القانون 7788 (الاستشارة السابقة الواجبة) بأن "يترتب على مكتب البذور الوطني وسجلات الملكية الفكرية والصناعية ان يتشاورا مع المكتب الفني للجنة ادارة التنوّع الاحيائي قبل منح الحماية للملكية الفكرية او الصناعية وذلك لابتداعات تشمل مكوّنات من التنوّع الاحيائي. ويجب ان يقدما دائما شهادة المنشأ الصادرة عن المكتب الفني للجنة وأيضا الموافقة المدروسة المسبقة. المعارضة المبررة من المكتب الفني تمنع تسجيل براءة اختراع او حماية للابتداع."

 

الفشل في تزويد المعلومات اللازمة في أي من الحالات المشار اليها أعلاه من شأنه ان يؤدي الى رفض طلب براءة الاختراع او الى الغائها.

 

اوروبا: ينصّ الوصف 27 في التوجيه 98/44 بخصوص الحماية القانونية للاختراعات البيوتكنولوجية بأنه يتوجب ان يشمل طلب البراءة، حيث يكون مناسبا، معلومات عن المنشأ الجغرافي للمادة البيولوجية اذا كانت معروفة. ولكن هذا أمر تطوعي تماما، اذ لا يخلّ بالبت في طلبات البراءات او في صلاحية الحقوق الناجمنة عن البراءات الممنوحة.

 

ويقول المعارضون بأن السعي الى مواجهة الحصول غير المشروع او الاستعمال غير المصرّح به عن طريق قانون لبراءات الاختراع، لا يخاطب حالات لا تكون فيها براءات الاختراع مشمولة. وعلاوة على ذلك، فان ادخال مثل هذا المتطلّب فقط للموارد الجينية والمعرفة الملازمة لها، يميّز ضد الحالات الأخرى التي يكون قد جرى الحصول على براءات فيها نتيجة للنشاطات غير المشروعة او غير المصرّح بها.  ويقال أيضا ان ذلك من شأنه ان يؤدي الى شكوك قانونية ويخلق "صعوبات جدية من الوجهة العملية" حيث "كثيرا ما يكون منشأ العيّنة الاحيائية غير واضح".(34) وحتى عندما يكون مصدر المادة الآني معروفا فقد لا يكون ذلك المصدر الأصلي ولا سيما عندما يجري الحصول على المادة، كما هو معروف، من مقتنيات "خارج الموقع" تم جمعها على مدى سنوات عديدة.

 

من الصعوبة الحكم على تلك الشكوك. عندما تكون شركة ما مهتمة بمورد جيني معيّن فمن المحتمل ان تسعى الى اكتشاف أكبر قدر من المعلومات عن المادة على قدر الامكان بسبب صلتها بمنفعتها المحتملة (مثل كيف تقوم المجتمعات المحلية باستخدام تلك المادة). في مثل تلك الحالات من المحتمل ان يكون المنشأ الجغرافي للمادة معروفا. ولكن في حالات أخرى قد تصعب معرفة المنشأ الجغرافي الدقيق للعينة الفردية. ومع ذلك من غير المحتمل، ولا سيما بالنسبة لعينات تم الحصول عليها بعد عام 1992، بأن لا تكون بعض المعلومات عن المصدر الجغرافي لعيّنة معيّنة غير متوفرة. وبموجب نصوص ميثاق التنوّع الاحيائي يجب تقاسم أية فوائد مع البلد الموفّر للمورد بغض النظر ان كان يعود في الواقع مصدر المورد الى ذلك البلد.(35) مثلما رأينا تنص المعاهدة الدولية المترتبة على المصادر الجينية للنباتات آلية مختلفة للمصادر الجينية للنباتات ذات المنشأ المتغاير.

 

ومن الأهداف المعلومة القاضية بافصاح المنشأ والموافقة المدروسة المسبقة هو تشجيع الامتثال بقدرة التوصل الى الموارد وبمبادىء تقاسم الفوائد الواردة في ميثاق التنوّع الاحيائي. ولكن، هناك آليات وحوافز أخرى يمكنها ان تخاطب هذا الهدف. الفشل في الحصول على تصريح للتوصل الى الموارد او استعمالها قد يؤدي، مثلا، الى رفع قضية ضد الفاعل بموجب مبدأ الاستعمال من غير حقه او الاخلال بشروط العقد. ولكن السعي للحصول على تعويض بهذه الطريقة مضيع للوقت وباهظ الثمن وذو فائدة محدودة لأصحاب المعرفة التقليدية. وبالاضافة الى ذلك فان وصمة العار في تعريف المؤسسة على انها "قرصان احيائي" قد يكون أيضا حافزا يجعل المنظمات تحافظ على استقامة نشاطاتها. وقد يحرم المعروفون بانتهاك شروط ميثاق التنوّع الاحيائي من أي حصول في المستقبل على المادة. وقد جرى التفكير بتلك العقوبة في بنغلاديش.(36) يمكن لمزودي المواد ان يتفقوا جماعيا على تزويد فقط تلك المنظمات المستعدة للافصاح في أي طلب للحصول على براءة الاختراع بأنها ستقدم تفاصيل كاملة عن أية عقود أبرمتها للحصول على المواد. قد لا تكون تلك الحوافز كافية لوحدها. تبنّت الشركات والمؤسسات التي تستعمل او تزوّد المواد الاحيائية او المعرفة التقليدية او عمليات للمارسة تشمل نشاطات ذات علاقة بميثاق التنوّع الاحيائي.(37)

 

ومع ذلك فاننا نعتقد بأنه من الأهمية الاعتراف بقوة ميثاق التنوّع الاحيائي، حتى وان تكن فقط بضعة دول قد سنّت تشريعات خاصة بقدرة التوصل الى الموارد وعلى تقاسم الفوائد. وهكذا نحن نستنتج بالقول انه عندما تكون دولة ما قد أسست اطارا قانونيا واضحا يتحكم بحرية التوصل الى الموارد الاحيائية و/او المعرفة التقليدية عندئذ يمكن لتلك الدولة ان تتخذ الاجراءات القانونية عندما تمنح حقوق الملكية الفكرية لمواد او معرفة تكتسب بطريقة غير مشروعة من تلك الدولة.

 

وفي الواقع يمكننا ان نذهب الى حد أبعد من ذلك في دعم أهداف ميثاق التنوّع الاحيائي بالقول انه يجب ان لا يكون بوسع أي شخص ان يستفيد من أية حقوق للملكية الفكرية مؤلفة من، او مبنية على، موارد جينية او معرفة ملازمة يجري الحصول عليها بطريقة غير مشروعة او تستعمل بطريقة غير مصرّحة بها. وعلى تلك المنظمات التي تفكّر بالموضوع حاليا ان تفحص ما هي التدابير الممكنة ضمن الاطار الدولي القائم لتلبية هذا الهدف. ونحن نقترح بالاضافة الى رفض طلبات تسجيل البراءات او الغاء الحقوق التفكير أيضا باعلان حقوق الملكية الفكرية مثل هذه على انها غير قابلة للتطبيق.(38) مثل تلك العقوبة متوفرة في الولايات المتحدة بموجب مبادىء "الأيدي غير النظيفة" والسلوك غير المنصف، حيث ترفض المحكمة تطبيق براءة الاختراع ما لم ينظّف صاحب البراءة يديه او يصلح أي سلوك غير منصف او احتيالي. وفي تفسيرها لتلك المبادىء أشارت المحاكم الى ان المصلحة العليا تقضي بأن تصدر براءات الاختراع "من خلفيات متحررة من الاحتيال او من أي سلوك آخر غير منصف".(39) وقد أفادت المحكمة العليا الأمريكية بقولها:

 

"محكمة الانصاف تعمل فقط عندما وكيف يملي عليها ضميرها؛ وعندما يكون سلوك المدعي كريها بالنسبة لاملاءات العدالة الطبيعية، فعندئذ مهما تكن الحقوق الحائز عليها، ومهما يكن استخدامه لها في محكمة قانونية، يعتبر بأنه بدون وسيلة شرعية في محكمة الانصاف".(40) 

 

يملي مبدأ الانصاف بأنه يجب ان لا يكون بوسع الشخص ان يستفيد من حق الملكية الفكرية المبني على أساس الموارد الجينية او المعرفة المرافقة لها التي يكون قد اكتسبها بشكل يتنافى مع أية تشريعات تترتب على قدرة الوصول الى تلك المواد. وفي تلك الحالة يقع العبء على كاهل المشتكي ليثبت بأن صاحب الملكية الفكرية قد تصرّف تصرفا خاطئا. ولكن النذير لأي اجراء يجب ان يكون المعرفة بالخطأ. وللمساعدة في هذا المجال نرى انه من الضروري وجود متطلب الافصاح من النوع الذي سبق وتكلمنا عنه.

 

يجب على جميع الدول ان تنص في تشريعاتها مبدأ الافصاح الاجباري، في طلب الحصول على البراءة، للمعلومات المتعلقة بالمصدر الجغرافي للموارد الجينية التي استمد منها الاختراع. يجب ان يخضع هذا المتطلّب الى استثناءات معقولة، مثلا، عندما يتعذر حقا تحديد المصدر الجغرافي للمادة. ويجب فرض العقويات، ربما من النوع الذي ذكرناه أعلاه، فقط عندما يتبيّن بأن صاحب البراءة أخفق في الافصاح عن المصدر المعروف او يكون قد ضلّل عن قصد بشأن المصدر. ينبغي على مجلس "تريبس" ان يدرس الموضوع في سياق الفقرة 19 من اعلان الدوحة الوزاري.

 

ويجب التفكير أيضا في تأسيس نظام بحيث يمكن لمكاتب براءات الاختراع، التي تنظر في طلبات البراءة التي تحدد المصدر الجغرافي للموارد الجينية او المعرفة التقليدية، ان تنقل تلك المعلومات اما الى البلد المعني او الى المنظمة العالمية للملكية الفكرية التي يمكنها ان تعمل بمثابة مستودع للمعلومات المتعلقة ببراءات الاختراع في أمور تتعلق "بالقرصنة الاحيائية". يمكن عبر تلك التدابير مراقبة عن كثب استخدام وسوء استخدام الموارد الجينية.

 

المؤشرات الجغرافية

 

الخلفية

 

في بداية هذا الفصل نبحث في صلة المؤشرات الجغرافية بحماية المعرفة التقليدية. ولكن، للمؤشرات الجغرافية استعمالا واسعا وتشكّل بالنسبة لبعض الدول فئة من أهم فئات الملكية الفكرية. ينعكس ذلك في اتفاقية "تريبس".

 

المؤشرات الجغرافية واتفاقية "تريبس"

 

كانت المفاوضات بخصوص قسم المؤشرات الجغرافية في اتفاقية "تريبس" من أصعب المفاوضات.(41) انبثق ذلك من الانقسامات الواضحة بين المؤيدين الرئيسيين لاتفاقية "تريبس" وهما الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي. وبالاضافة الى ذلك، كما تبيّن في المحادثات اللاحقة في مجلس "تريبس"، هناك انقسامات أيضا بين الدول المتقدمة وبين الدول النامية. يعكس النص النهائي للاتفاقية تلك الانقسامات، وفي الطلب الى المزيد من العمل، يعترف النص بأنهم لم يتوصلوا الى اتفاق حول عدد من المسائل الهامة.

 

النتيجة هي ان النص الحالي لاتفاقية "تريبس" ينص على مقياس أساسي من الحماية وعلى مقياس أعلى للنبيذ والمشروبات الكحولية. ان شمل هذا المقياس العالي لا يشير الى الخصائص الفريدة للنبيذ وللمشروبات الكحولية بل كان حلا وسطا توصلوا اليه في المفاوضات. أدى عدم التوازن هذا الى مطالب بالمزيد من الحماية من عدد من الدول بما فيها الهند وباكستان وكينيا وموريشوس وسري لانكا.(42) تقول دول أخرى مثل الأرجنتين وتشيلي وغواتيمالا بأن تمديد الحماية الاضافية الى منتجات أخرى من شأنه أن يفرض أعباء مالية وادارية اضافية على جميع أعضاء منظمة التجارة العالمية وان تلك الأعباء ستفوق وزنا أية فوائد تجارية. وهي تعتقد بأن تلك الأعباء ستقع بقوة على أكتاف الدول النامية.

وفي غياب وجود تقييم جغرافي موثوق به فانه من الصعوبة تقدير حسنات وجهتي النظر. وهي بالطبع تعكس الفوارق في رؤية المصالح الاقتصادية بين الدول المتقدمة والدول النامية. وقد أشارت بعض الدول، مثل مصر وباراغواي، بأنها ستدخل حماية اضافية للمؤشرات الجغرافية في قوانينها الوطنية بالنسبة للمنتجات الأخرى.(43) وسنرى ما اذا كانت الحماية الاضافية الشاملة ستؤدي الى تكاليف اضافية كبيرة او الى فوائد، في غياب الاعتراف الدولي.

 

سجلّ متعدد الأطراف للمؤشرات الجغرافية  

 

تقضي اتفاقية "تريبس" أيضا، بالاضافة الى توفير حماية متزايدة للمؤشرات الجغرافية على النبيذ والمشروبات الكحولية، بأن تجري مفاوضات في مجلس "تريبس" حول تأسيس سجل متعدد الأطراف للمؤشرات الجغرافية للنبيذ. مدّد مؤتمر الدوحة الوزاري هذا التكليف للتفاوض بشأن تأسيس نظام يشمل المشروبات الكحولية. ومثلما نذكر أدناه، تختلف مجموعات الدول في وجهات نظرها. البعض يريد استخدام السجل بمثابة سجل دولي كامل يجبر جميع الدول الأعضاء على توفير الحماية للمؤشرات الجغرافية التي تلبي متطلبات التسجيل. يريدونه الآخرون بمثابة نظام تطوّعي للتسجيل وكمصدر للمعلومات.

 

وقد جرى حتى الآن تقديم ثلاثة مقترحات مختلفة للسجل المتعدد الأطراف. يتصوّر الاتحاد الاوروبي سجلا يؤثر على جميع الدول الأعضاء في منظمة التجارة الدولية بغض النظر ان كانت لها أية مؤشرات جغرافية ام لا في السجل.(44) يترتب على أية دولة عضو في منظمة التجارة العالمية ترغب في الطعن بمؤشر جغرافي في السجل ان تبلغ الدولة المعنية بالأمر وان تدخل معها في مفاوضات بغرض حل سوء التفاهم بينهما. ويفيد الاقتراح المجري انه اذا قامت دولة عضو في منظمة التجارة العالمية بالطعن بنجاح شمل مؤشراً جغرافيا في السجل، بناء على أسس محددة، عندئذ ليست هناك حاجة الى قيام الدول الأعضاء الآخرين بحماية ذلك المؤشر الجغرافي.(45) وفي المقترحين، ان شمل الدليل الجغرافي في السجل يشكّل افتراضا بالمؤهلية للحماية بموجب أية وسائل قانونية منصوص عنها لحماية المؤشرات الجغرافية في أية دولة عضو في منظمة التجارة العالمية.

 

وبالمقابل يفيد الاقتراح المشترك المقدم من الولايات المتحدة وكندا وتشيلي واليابان تأسيس نظام للتسجيل ملزم فقط على تلك الدول التي تسعى الى المساهمة في النظام.(46) يمكن للدول الأعضاء المساهمة ان تستخدم السجل عندما، مثلا، تريد فحص طلبات تسجيل العلامات التجارية التي تحتوي على مؤشر جغرافي او مؤلفة منه. ويجري تشجيع الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية غير المساهمة في السجل ان تستخدمه بالطريقة ذاتها. ومن المتوقع الانتهاء من المفاوضات على السجل، وفقا للمؤتمر الوزاري الأخير المنعقد في الدوحة، في وقت انعقاد المؤتمر التالي في المكسيك عام 2003.

وقد بدأت الأمانة العامة لمجلس "تريبس" في الكشف عن كيف قامت بعض الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية، بمن فيها الدول النامية، بتلبية واجباتها بموجب اتفاقية "تريبس".(47) هناك لدى الغالبية العظمى من الدول التي حصلت الأمانة منها على معلومات، تشريعات معيّنة تشمل المؤشرات الجغرافية مع انه من غير الواضح ان كانت تلك التشريعات منبثقة مباشرة عن اتفاقية "تريبس" او كانت موجودة لتلبية الالتزامات الثنائية.

 

لا يبدو العبء الاداري في سن تشريعات جديدة في تلك الدول التي ليست لديها حماية حاليا عبئاً كبيرا. والسبب ان اتفاقية "تريبس" لا تتطلب حاليا أي نظام قومي رسمي لتسجيل المؤشرات الجغرافية، وبالتالي فان عبء وتكاليف فرض التطبيق يقع على كاهل أصحاب المؤشرات الجغرافية وليس على الحكومة. وكما سيأتي ذكره أدناه  فان تكاليف تأمين الانصياع لمستويات الجودة وتشجيع وتطبيق المؤشرات الجغرافية في الخارج قد تكون باهظة.

 

التأثير الاقتصادي للمؤشرات الجغرافية

 

من الأهمية عند التفكير بالمواقف التي يجدر اتخاذها في المباحثات الخاصة بالسجل المتعدد الأطراف والتمديد المحتمل لنطاق الحماية، ان تفكّر الدول النامية بحذر في التكاليف المحتملة وفي الفوائد. وفي الواقع مثلما صرحنا في مكان آخر من هذا التقرير، اننا نرى انه يجب القيام بتقييمات شاملة للتأثير الاقتصادي قبل ادخال أية واجبات جديدة ذات علاقة بالملكية الفكرية في الدول النامية.

 

هذا ومن الصعب تقييم النتائج الاقتصادية على الدولة النامية. الفائدة الاقتصادية الرئيسية للمؤشرات الجغرافية هي انها تشكّل علامة للجودة من شأنها ان تلعب دورا في تعزيز أسواق التصدير والايرادات. ولكن الحماية الزائدة، ولا سيما الحماية المطبقة دوليا، قد تؤثر تأثيرا ضارا على المشاريع التجارية المحلية التي تستعمل حاليا المؤشرات الجغرافية التي قد تصبح محمية من قبل طرف آخر. وهكذا يمكن لبعض الدول التي تنتج بدائل للبضائع التي ستصبح محمية بالمؤشرات الجغرافية ان تتكبّد خسائر من جراء ذلك. وانتشار المؤشرات الجغرافية بكثرة من شأنه ان يخفّض قيمتها الفردية.

 

ويقال أيضا ان المؤشرات الجغرافية قد تهم بصورة خاصة عددا من الدول النامية التي يمكن ان تكون لها أفضلية مقارنة، او يمكنها ان تحقق أفضلية مقارنة، في المنتجات الزراعية والأطعمة والمشروبات الخفيفة المعالجة صناعيا.(48) وهكذا قد تجني تلك الدول التي تسعى الى حماية وتطبيق المؤشرات الجغرافية في الخارج مكاسب اقتصادية. ولكن قد تكون التكاليف المنطوية على ذلك تكاليف باهظة، ولا سيما في تطبيقها. وعلاوة على ذلك، وقبل السعي الى الحماية في الخارج، من الضرورة تطوير وحماية المؤشرات الجغرافية في بلد المنشأ. وهناك حاجة الى موارد مالية لتأمين تطوير وصيانة الجودة المطلوبة للمنتج المشمول في المؤشر الجغرافي وسمعته او خصائصه الأخرى. ويجب بذل الجهود أيضا منعا من أن تصبح عبارة الدليل الجغرافي عبارة عادية تستخدم بسهولة من قبل الجميع (راجع المربّع 5:4).

 

من غير الواضح برأينا ان كان يمكن لتلك الدول ان تستفيد استفادة كبيرة من تطبيق المؤشرات الجغرافية. مثلا، في عام 1958 توصلوا الى اتفاقية لشبونة، وهو نظام دولي للحماية تديره منظمة التجارة العالمية لحماية تسميات المنشأ.(49) حتى هذا التاريخ انضمت 20 دولة الى الاتفاق (سبع دول منها دول متقدمة) ومنذ عام 1998 هناك 766 تسمية للمنشأ محمية بموجب الاتفاقية، 95% منها دول اوروبية.

 

 

المربّع 5:4 المؤشرات الجغرافية: قضية باسماتي

 

باسماتي هو نوع من الأرز يزرع في أقاليم البنجاب من الهند وباكستان. حبة الأرز رفيعة وطويلة ذات نكهة خاصة. يعود أصل هذا الأرز الى تلك المنطقة وهو يعتبر محصولا كبيرا للتصدير لكلا البلدين. تبلغ قيمة صادرات أرز باسماتي السنوية حوالي 300 مليون دولار أمريكي وهو يشكّل مصدر معيشة لالآف المزارعين في تلك البلاد.

 

ابتدأت "معركة باسماتي" في عام 1997 عندما منحت شركة تربية الأرز الأمريكية "رايس تك انك" براءة الاختراع (US5663484) المتعلقة بنباتات وبذور، تسعى فيها الى احتكار أنواع مختلفة من الأرز بما فيها بعض الأنواع التي تحتوي على خصائص شبيهة بأنواع باسماتي. قلقت الهند من تأثير ذلك على صادراتها فطلبت في عام 2000 اعادة النظر في تلك البراءة. استجابة لذلك الطلب سحب صاحب البراءة عددا من طلباته بما فيها تلك التي تشمل أنواع باسماتي. وسحب طلبات أخرى أيضا بعدما أبدى المكتب الأمريكي لبراءات الاختراع والعلامات التجارية قلقه من ذلك. ولكن تحوّل النـزاع من مسألة البراءة الى سوء استعمال اسم "باسماتي".  

 

في بعض الدول يمكن استعمال الاسم "باسماتي" للدلالة على الأرز ذي النكهة الخاصة وذي الحبة الطويلة الذي يزرع في الهند وباكستان. طلبت شركة "رايس تك" أيضا تسجيل العلامة التجارية "تكسماتي" في المملكة المتحدة مدعية ان كلمة "باسماتي" هي كلمة عامّة. عارضوا هذا الطلب بنجاح ووضعت المملكة المتحدة مدونة للمارسة في تسويق الأرز. ولدى المملكة العربية السعودية (التي تعتبر أكبر مستورد للأرز باسماتي) أنظمة مماثلة في تعريف الأرز باسماتي.

 

وتنص المدونة بأن "الاعتقاد لدى المستهلك في الدوائر التجارية والعلمية هو ان تميّزية أرز باسماتي الحقيقي لا يمكن الحصول عليها الا من المناطق الشمالية للهند وباكستان بسبب المجموعة المؤتلفة الفريدة والمعقدة الموجودة في بيئة تلك المناطق وفي تربتها  ومناخها والممارسات الزراعية فيها وجينات أنواع الأرز باسماتي."

 

ولكن في عام 1998 تقدم اتحاد الأرز الأمريكي بالقول ان كلمة "باسماتي" هي كلمة عامّة وتشير الى نوع من الأرز الذي يتميّز بنكهة خاصة. استجابة الى ذلك، رفعت جماعة من المنظمات المدنية الأمريكية والهندية عريضة تسعى فيها الى منع تسمية الأرز المزروع في الولايات المتحدة في الاعلانات بكلمة "باسماتي". رفضتها وزارة الزراعة الأمريكية ولجنة التجارة الفدرالية الأمريكية في شهر مايو/أيار عام 2001. لم تعتبر أية منهما بأن تسمية الأرز "باسماتي مزروع في امريكا" هي تسمية مضلّلة واعتبروا كلمة "باسماتي" على انها كلمة عامّة.

 

المشكلة غير محدودة بالولايات المتحدة؛ تزرع استراليا ومصر وتايلاند وفرنسا ايضا أرز من "باسماتي" وقد تحتذي حذو الولايات المتحدة وتعتبر رسميا بأن كلمة "باسماتي" هي كلمة عامّة.

يمكن حماية اسم "باسماتي" (وأسواق التصدير الهندية والباكستانية) بتسجيله بمثابة "مؤشر جغرافي". ولكن يتعيّن على كل من الهند وباكستان ان تفسّرا لماذا لم تتخذا أية اجراءات ضد التبني التدريجي للمنزلة العامّة لباسماتي منذ أكثر من 20 عاما. مثلا، لم ترفع الهند اعتراضا رسميا عندما أعلنت لجنة التجارة الفدرالية الأمريكية رسميا كلمة "باسماتي" على انها كلمة عامّة.

 

وحتى عند الأخذ بعين الاعتبار مواطن الضعف الموثّقة في اتفاقية لشبونة، مثل عدم وجود الاستثناء المناسب للمؤشرات الجغرافية التي أصبحت عامّة والتي تجعلها غير جذابة بالنسبة للدول المتقدمة والنامية على حد سواء، يبدو مستوى الاهتمام فيها محدود للغاية، حتى بين الدول النامية التي تعتبر الانضمام اليها أمرا جديرا بالاهتمام.(50)

 

وقد اقترحوا ضمن اطار المباحثات في منظمة التجارة العالمية على سجل متعدد الأطراف بأنه يجب التفكير مليا بالكلفة المحتملة، من بين أمور أخرى، الناجمة عن احداث نوع السجل الذي يقترحه الاتحاد الاوروبي.(51) وفي المباحثات الأخيرة التي جرت في المنظمة العالمية للملكية الفكرية نادى عدد من الدول النامية بالقيام بهذا النوع من التحليل.(52) ولكن لم يتوفر التأييد اللازم لأخذ ذلك الى الأمام من بعض الدول ذاتها التي تدعو الآن بقوة الى ذلك العمل في منظمة التجارة العالمية. نعتقد نحن مثل الآخرين بأنه فقط بهذا النوع من التحليل يمكن للدول النامية، ولا سيما ذات الدخل المنخفض، ان تتخذ مواقف مدروسة في المناقشات المستمرة حول المؤشرات الجغرافية، خصوصا داخل منظمة التجارة العالمية.(53)

 

ينبغي القيام بالمزيد من الأبحاث، بصورة ملحة، من قبل هيئة مختصة، ربما مؤتمر الأمم المتحدة حول التجارة والتنمية، لتقييم ما يلي بالنسبة للدول النامية:

·                   التكاليف الفعلية او المحتملة المترتبة على تنفيذ شروط المؤشرات الجغرافية الحالية بموجب اتفاقية "تريبس"

·                   ما هو الدور الذي يمكن ان تلعبه المؤشرات الجغرافية في تنمية تلك الدول

·                   التكاليف المحتملة والفوائد من تمديد الحماية الاضافية المتوفرة حاليا للنبيذ والمشروبات الكحولية الى منتجات أخرى

·                   تكاليف وفوائد مختلف المقترحات التي تقدموا بها لتأسيس سجل متعدد الأطراف للمؤشرات الجغرافية.

_________________________________________________________

(1)  في بقية هذا الفصل يجب الافتراض بأن الاشارة الى "المعرفة التقليدية" تعني أيضا الفولكلور، ما لم يشر الى عكس ذلك.

(2)  ورقة حقائق لمنظمة التجارة العالمية رقم 271، يونيو/حزيران 2002.

http://www.who.int/medicines/organization/trm/factsheet271.doc

(3)  تنص المادة 8j من ميثاق التنوّع الاحيائي بأنه يتوجب على "الأعضاء ان يحترموا ويصونوا ويحافظوا على معرفة وابتداعات وممارسات أهل البلاد الأصليين والمجتمعات المحلية التي تجسّد أساليب الحياة التقليدية ذات الصلة بصون وديمومة استخدام التنوّع الاحيائي وان يشجّعوا تطبيقها الأوسع وذلك بموافقة واشتراك أصحاب مثل تلك المعرفة والابتداعات والممارسات وان يشجعوا التقاسم المنصف للفوائد الناجمة عن استغلال مثل تلك المعرفة والابتداعات والممارسات". المصدر: http://www.biodiv.org/convention/articles.asp

(4)  راجع شرح الكلمات للتعريف.

(5)  راجع شرح الكلمات للتعريف.

(6)  للحصول على المزيد من المعلومات بخصوص شتى المناقشات المتواصلة راجع مثلا "وضع المناقشة حول المعرفة التقليدية"، ورقة بمعلومات خلفية أعدتها امانة سر مؤتمر الأمم المتحدة حول التجارة والتنمية للندوة الدولية حول أنظمة حماية المعرفة التقليدية وتسويقها تجاريا، ولا سيما الأدوية التقليدية، 3-5 أبريل/نيسان 2002، نيودلهي. المصدر: env/test1/meetings/delhi/statedebateTK.doc http://www.unctad.org/trade 

(7)  الفقرة 19 من الاعلان الوزاري الصادر عن مؤتمر منظمة التجارة العالمية في الدوحة (وثيقة منظمة التجارة العالمية رقم WT/MIN(01)/DEC/1) التي تم تبنيها في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2001 تدعو مجلس "تريبس" الى دراسة مسألة حماية المعرفة التقليدية والفولكلور. المصدر:

http://www.wto.org/english/thewto e/minist e/min01 e/mindecl e.doc

(8)  المنظمة العالمية للملكية الفكرية (1999) "حاجات وتوقعات الملكية الفكرية من أصحاب المعرفة التقليدية"، تقرير المنظمة العالمية للملكية الفكرية حول بعثات تقصي الحقائق 1998-1999، المنظمة العالمية للملكية الفكرية، جنيف ( النشرة رقم 768E). المصدر:

http://www.wipo.int/globalissues/tk/report/final/index.html

(9)  C. Correa (2001) "المعرفة التقليدية والملكية الفكرية"، QUNO، جنيف. المصدر: http://hostings.diplomacy.edu/quaker/new/doc/tkcol3.pdf

(10)  محضر ورشة عمل نظمتها اللجنة حول المعرفة التقليدية، 24 يناير/كانون الثاني 2002. المصدر: http://www.iprcommission.org

(11)  المصدر: http://www.niaaa.com.au/label.html

(12)  مراجعات المنظمة العالمية للملكية الفكرية لحماية الملكية الفكرية للمعرفة التقليدية (وثيقة المنظمة العالمية للملكية الفكرية رقم WIPO/GRTKF/IC/3/7) 25 مارس/آذار 2002. المصدر: ( 7.doc http://wipo.org/eng/meetings/2002/igc/doc/grtkfic3 والفولكلور (وثيقة المنظمة العالمية للملكية الفكرية الرقم WIPO/GRTKF/IC/3/10)  10.doc http://wipo.org/eng/meetings/2002/igc/doc/grtkfic3 ) .

(13)  S. McDonald (2001) "دراسة تمهيدية للتكاليف المخفية لبراءات الاختراع – ملاحظات خطاب ألقي في بيت الكويكرز في جنيف 16 مايو/أيار 2001"، وثيقة QUNO تصدر بين الحين والآخر 4، QUNO ، جنيف. المصدر: http://hostings.diplomacy.edu/quaker/new/doc/OP4.pdf

(14)  نظام sui generis للحماية هو نظام مميز مكيّف او منقّح لاستيعاب الخصائص الخاصة للمعرفة التقليدية او الفولكلور. تتوفر  أنظمة sui generis للحماية حاليا في مجالات مثل حماية منوّعات النباتات (نظام الاتحاد الدولي لحماية الأنواع الجديدة من النباتات) وحماية قواعد المعطيات (توجيه الجماعة الاوروبية 96/9/EC ، 11 مارس/آذار 1996. المصدر: (http://www.eurogeographics.org/WorkGroups/WG1/eu directive.pdf

(15) قانون حقوق البلاد الأصليين 1997، القانون الجمهوري رقم 8371. المصدر: http://www.grain.org/docs/phillipines-ipra-1999-en.pdf وقانون حماية الحقوق الفكرية للمجتمعات 1994 مشروع قانون يبحث في مجلس الشيوخ رقم  1841 (غير مفصول فيه). المصدر:

http://www.grain.org/docs/phillipines-cipra-1999-en.pdf

(16)  القانون الوطني لحماية التراث الثقافي (رقم 26097، كما هو معدّل في عام 1998) وكما هو مفسّر في وثيقة المنظمة العالمية للملكية الفكرية  الرقم المنظمة العالمية للملكية الفكرية/GR المعرفة التقليدية F/IC/3/7 . المصدر: http://www.wipo.org/eng/meetings/2002/igc/doc/grtkfic3 7.doc

(17)  نموذج أفريقي للتشريعات لحماية حقوق المجتمعات المحلية والمزارعين والمربين للنباتات ولتنظيم حرية التوصل الى الموارد الاحيائية، قانون نموذجي لمنظمة الوحدة الأفريقية، 2000. المصدر: http://www.grain.org/publications/oau-model-law-en.cfm

(18)  Milpurruru وغيره ضد Indofurn Pty Ltd وغيره (1995) 30 حقوق الملكية الفكرية 209

(19)  محضر ورشة عمل نظمتها اللجنة حول المعرفة التقليدية، 24 يناير/كانون الثاني 2002. المصدر: http://www.iprcommission.org

(20)  الاجتماع السادس لمؤتمر الأطراف في ميثاق التنوّع الاحيائي، لاهاي، هولندا، 7-19 أبريل/نيسان 2002. القرار VI/24 C 3(b) يطلب المزيد من التفكير في دور القوانين العرفية والممارسات فيما يتعلق بحماية الموارد الجينية والمعرفة التقليدية والابتداعات والممارسات وعلاقتها بحقوق الملكية الفكرية. المصدر: http://www.biodiv.org/decisions/default.asp?lg=0&m=cop-06&d=24

(21)  اعلان مشترك لاجتماع خبراء الدول الـ 15 حول العلوم والتكنولوجيا، "الاستخدام القابل للدوام للمعرفة التقليدية وأنظمة الحماية"، 3-5 أبريل/نيسان 2002، كاراكاس. المصدر: http://www.mct.gov.ve/g15/declaracionbioingles.htm

(22)  قائمة جرد بقواعد المعطيات الحالية على الانترنت التي تحتوي على معطيات توثيق المعرفة التقليدية (المنظمة العالمية للملكية الفكرية/GR المعرفة التقليدية F/IC/3/6  - 10 مايو/أيار 2002). المصدر: http://www.wipo.org/eng/meetings/2002/igc/doc/grtkfic3 6.doc

(23)  مثلا، تسعى الأمانة الوطنية للابتداع في الهند للحصول على الموافقة المدروسة المسبقة للمبتدعين المحليين ولأصحاب المعرفة قبل نشر ابتداعاتهم او معرفتهم لأطراف ثالثة. اتفقوا أيضا على شكليات تقاسم الفوائد. المصدر: http://www.nifindia.org/benefit.htm

(24)  اللجنة المشكلة من الحكومات التابعة للمنظمة العالمية للملكية الفكرية حول الملكية الفكرية والموارد الجينية، المعرفة التقليدية والفولكلور. الدورة الثالثة، يونيو/حزيران 2002، جنيف. المصدر: http://www.wipo.int/eng/meetings/2002/igc/index 3.htm

(25)  M. Riley (2000) "مركز الأبحاث في الطب التقليدي – أداة محتملة لحماية المعرفة الطبية التقليدية والقبلية في لاوس"، فصلية البقاء الثقافي، المجلد 4:24. المصدر: http://www.cs.org/publications/CSQ/244/riley.htm

(26)  استراتيجية الطب التقليدي لمنظمة الصحة العالمية للأعوام 2002-2005 (وثيقة منظمة الصحة العالمية الرقم WHO/EDM/TRM/20002.1). المصدر: http://www.who.int/medicines/library/trm/trm strat eng.pdf

(27)  للحصول على بحث حول مشروع قانون العلامات التجارية راجع: http://www.ruddwatts.com/newsroom/publications/ip/newtrademarksbill.asp

(28)  المادة 1 من ميثاق التنوّع الاحيائي.

(29)  المادة 15 من ميثاق التنوّع الاحيائي.

(30)  راجع الملاحظة 3 أعلاه.

(31)  المادة 16 من ميثاق التنوّع الاحيائي.

(32)  خطوط "بون" الهادية حول الحصول على الموارد الجينية والتقاسم العادل والمنصف للفوائد الناجمة عن استعمالها. المصدر:

http://www.biodiv.org/decisions/default.asp?lg=0&m=cop-06&d=24

(33)  A. Revkin  "علماء البيولوجيا سعوا الى الحصول على معاهدة؛ والآن يعيبونها"، جريدة نيويورك تايمز، 7 مايو/أيار 2002. المصدر:

http://www.nytimes.com

(34)  "هل يتوجب على طالبي براءات الاختراع ان يفصحوا بمنشأ المواد الاحيائية التي على أساسها يطلبون براءات الاختراع؟ وهل عليهم ان يبرهنوا حصولهم على الموافقة المدروسة المسبقة لاستعماله؟ بيان بسياسة ICC، أبريل/نيسان 2002 (رقم الوثيقة 450/941 Rev. 10). المصدر:

rules/statements/2002/should%20patent%20applicants.asp http://www.iccwbo.org/home/statements

(35)  المادة 2 من ميثاق التنوّع الاحيائي.

(36)  المادة 13(3) قانون التنوّع الاحيائي وحماية معرفة المجتمع في بنغلاديش، مسودة النص المقترح من قبل اللجنة الوطنية للمصادر الجينية للنباتات، 29 سبتمبر/أيلول 1998. المصدر: http://www.grain.org/docs/bangladesh-comrights-1998-en.pdf

(37)  راجع الارشادات للسياسة المشتركة للحدائق النباتية المساهمة وأمثلة أخرى سلّط عليها الأضواء S. Laird (المحرر) (2000) "التنوّع الاحيائي والمعرفة التقليدية – الشراكة المنصفة في الممارسة"، ايرثسكان، لندن، الصفحات 51-53.

(38)  N. Pires de Carvalho (2000) "لزوم الفصح بمنشأ الموارد الجينية والحصول على الموافقة المدروسة المسبقة في طلبات براءات الاختراع بدون خرق اتفاقية تريبس: المشكلة والحل"، جامعة واشنطن، مجلة القانون والسياسة، المجلد 2، الصفحات 371-401. المصدر:

http://www.law.wustl.edu/journal/2/p371carvalho.pdf

(39)  Precision Instruments Mfg. ضد Auto. Maint. Mach. Co. 324 US 806 (1945)

(40)  Keystone Driller Co. ضد General Excavator Co. 290 U.S. 240, 245  (1933) الاستشهاد بـ Deweese   ضد Rienhart

165 U.S. 386, 390 (1887).

(41)  S. Escudero (2001) "الحماية الدولية للمؤشرات الجغرافية والدول النامية" أوراق عمل TRADE الرقم 10، ساوث سنتر، جنيف. المصدر:

http://www.southcentre.org/publications/geoindication/toc.htm

(42)  وثيقة منظمة التجارة العالمية رقم IP/C/W/308/Rev.1  المصدر: http://www.docsonline.wto.org/DDFDocuments/t/IP/C/W308R.doc

(43)  وثيقة منظمة التجارة العالمية رقم IP/C/W/278/Add.1  المصدر: http://www.docsonline.wto.org/DDFDocuments/t/ip/c/w278a1.doc و IP/C/W/231 المصدر: http://www.docsonline.wto.org/DDFDocuments/t/ip/c/w231.doc

(44)  وثيقة منظمة التجارة العالمية رقم IP/C/W/`07/Rev.1  المصدر: http://www.docsonline.wto.org/DDFDocuments/t/ip/c/w107R1.doc

(45)  وثيقة منظمة التجارة العالمية رقم IP/C/W/255  المصدر: http://www.docsonline.wto.org/DDFDocuments/t/ip/c/w255.doc

(46)  وثيقة منظمة التجارة العالمية رقم IP/C/W/133/Rev.1  المصدر: http://www.docsonline.wto.org/DDFDocuments/t/ip/c/w133R1.doc

(47)  "ملخّص الاستجابات على قائمة الأسئلة"، IP/C/W/253 المصدر: http://www.docsonline.wto.org/DDFDocuments/t/ip/c/w253.doc

(48) البنك العالمي (2001) "التوقعات الاقتصادية العالمية والدول النامية 2002: جعل التجارة تعمل من أجل فقراء العالم"، البنك العالمي، واشنطن دي سي، الصفحات 143-144. المصدر: http://www.worldbank.org/prospects/gep2002/full.htm

(49)  تسمية المنشأ هي "الاسم الجغرافي للبلد او المنطقة او الموقع الذي يحدد المنتج المنشأ فيه، والذي تعود جودته وخصائصه  اليه بصورة مقتصرة او أساسا الى البيئة الجغرافية، بما فيه العوامل الطبيعية والبشرية"، المادة 2 من اتفاقية لشبونة حول حماية تسميات المنشأ. المصدر:

http://www.wipo.org/treaties/registration/lisbon/

(50)  M. Blakeney (2001) "المؤشرات الجغرافية واتفاقية تريبس"، وثيقة QUNO  تصدر بين حين وآخر 8، مكتب الكويكر للأمم المتحدة، جنيف. المصدر: http://www.geneva.quno.info/new/doc/OP8%20Blakeney.pdf

(51)  "مسائل للبحث في المفاوضات بموجب اتفاقية تريبس المادة 23-4"، تقدمة الولايات المتحدة الى مجلس تريبس، 10 أبريل/نيسان 2002، وثيقة منظمة التجارة العالمية الرقم TN/IP/W/2. المصدر: http://www.docsonline.wto.org/DDFDocuments/t/tn/ip/w2.doc

(52)  الأرجنتين، السودان، ماليزيا والمكسيك. اللجنة الدائمة للمنظمة العالمية للملكية الفكرية حول القانون المترتب على العلامات التجارية والتصاميم الصناعية والمؤشرات الجغرافية. الدورة السابعة، ديسمبر/كانون الأول 2001. وثيقة المنظمة العالمية لبراءات الاختراع الرقم SCT/7/4 Prov.2. المصدر:

http://www.wipo.org/dct/en/documents/session 7/pdf/sct7 4.pdf

(53)  D. Rangnekar (2002) "المؤشرات الجغرافية: مراجعة لمقترحات مجلس تريبس". مسودة وثيقة، مؤتمر الأمم المتحدة حول التجارة والتنمية/المركز

الدولي للتجارة والتنمية القابلة للاستمرار، جنيف. المصدر: http://www.ictsd.org/unctad-ictsd/docs/GI paper.pdf


الفصل الخامس

 

حقوق النشر والتأليف وبرامج الحاسب الآلي وشبكة الانترنت

 

المقدمة

 

يتعيّن على أي تحقيق جدي في موضوع الملكية الفكرية والتنمية بأن يأخذ بعين الاعتبار الدور المهم والحرج لحقوق النشر والتأليف وللصناعات المبنية على أساس حقوق النشر والتأليف (مثل النشر والأفلام والتلفزيون والاذاعة والموسيقى والآن برامج الحاسب الآلي أيضا) في انتاج ونشر المعرفة والمنتجات المبنية على أساس المعرفة. تزوّد تلك الصناعات "المواد الخام" الفكرية للعلوم والابتداع، بالاضافة الى التعليم والتربية عموما، وقد ساعدت في تحقيق زيادات دراماتية في الانتاجية عن طريق المساعدة في استحداث منتجات مبنية على المعلوماتية مثل برامج النشر بواسطة الحاسب الآلي، والبريد الالكتروني او قواعد معلومات الحاسب الآلي العلمية المتقدمة. وعلاوة على ذلك، فقد تطوّرت الصناعات التي تعتمد على حقوق النشر والتأليف الى مصدر عظيم للثروة ولاستحداث الوظائف في اقتصاد عالمي يعتمد على المعرفة. ففي الولايات المتحدة، مثلا، ازدادت قيمتها المجتمعة العامة بسرعة كبيرة في السنوات العشرين الى الثلاثين الماضية بحيث تساهم حاليا معا بأكثر من 460 مليار دولار أمريكي من الانتاج المحلي الاجمالي الامريكي وبلغت قيمة صادراتها في عام 1999(1) 80 مليار دولار أمريكي تقريبا.

 

بالنسبة للدول النامية يتيح ذلك فرصا وتحديات هائلة على حد سواء:

 

"يعتبر احداث وملكية منتجات المعرفة على أهمية متزايدة بالنظر الى تمركزية الاعلام والمعرفة في اقتصادات ما بعد الاقتصادات الصناعية. فقد توسّع مفهوم حقوق النشر والتأليف، الذي كان أصلا معدا لحماية المؤلفين ودور نشر الكتب، بحيث يشمل الآن منتجات أخرى من منتجات المعرفة مثل برامج الحاسب الآلي والأفلام...وقد برزت حقوق النشر والتأليف على انها من أهم الأساليب لتنظيم التدفق الدولي للأفكار وللمنتجات المبنية على أساس المعرفة، وستشكّل آلية مركزية لصناعات المعرفة في القرن الواحد والعشرين. لدى الذين يتحكمون بحقوق النشر والتأليف أفضلية كبيرة في الاقتصاد العالمي الناشىء المبني على أساس المعرفة. الواقع هو ان حقوق النشر والتأليف محفوظة الى حد بعيد في أيدي الأمم الصناعية الكبرى وفي أيدي مؤسسات الاعلام الكبرى المتعددة الجوانب الأمر الذي يضع الدول ذات دخل الفرد المتدني بالاضافة الى الاقتصادات الصغيرة في وضع ضعيف الى حد بعيد."(2)

 

ويعود تاريخ الحماية القانونية لحقوق النشر والتأليف الى القرن السابع عشر و "قانون آن"، وفي نهاية القرن التاسع عشر جرى تكريسها في "ميثاق بيرن". ومع ان لغة الاتفاق توحي بأنه نموذج لحماية حقوق المؤلفين والفنانين، الا انه في حالات كثيرة تعود حقوق النشر والتأليف ليس للأفراد بل الى الشركات التي توظفهم. حقا، تعتبر حقوق النشر والتأليف عنصرا أساسيا في النموذج التجاري لدور النشر والتلفزيون وشركات الاسطوانات الموسيقية وشركات انتاج برامج الحاسب الالي لأنها تمنح أصحابها حقوقا مقتصرة، من بينها، حقوقا على استنساخ وتوزيع الأعمال المحمية بحقوق النشر والتأليف. تتيح تقنيات الاعلام والاتصالات الجديدة (ICTs)، ولا سيما شبكة  الانترنت، المجال لاستخراج نسخ غير مصرّح بها ولكن غير محدودة وممتازة وبلا كلفة من أعمال محمية، بالاضافة الى توزيعها الحاضر تقريبا في كافة أنحاء العالم. يشكّل ذلك الأمر  تحديا غير مسبوق لقانون حقوق النشر والتأليف. يعتقد البعض بأن حقوق النشر والتأليف ستصبح في المستقبل أقل أهمية لدى تحوّل الصناعات الى الحماية المبنية على التكنولوجيا، عن طريق التشفير والتدابير المناهضة للالتفاف حول الحقوق مع ما يرافقها من قوانين للعقود وأشكال ضريبية sui generis من حماية الملكية الفكرية لقواعد المعلومات الرقمية.

 

ونحن نعتقد بأن القضايا ذات العلاقة بحقوق النشر والتأليف قد أصبحت على صلة متزايدة  ومهمة بالنسبة للدول النامية لدى دخولها عصر الاعلام ونضالها للمساهمة في الاقتصاد العالمي المبني على أساس المعرفة. طبعا، لدى بعض الدول النامية مخاوف طويلة الأمد من أن حماية حقوق النشر والتأليف على الكتب ومواد التعليم، مثلا، ستجعل من الصعب لها ان تحقق أهدافها في التعليم والأبحاث. وقد جرى التعبير عن تلك المخاوف بشكل جليّ في مؤتمر ستوكهولم حول ميثاق بيرن المنعقد في عام 1967 وهي لا تزال قائمة حتى الآن.

 

وتستحق حقوق النشر والتأليف انتباها خاصا الآن ليس لأن ملايين الناس لا يزالون يفتقرون الى الكتب وللأعمال الأخرى المحمية بحقوق النشر والتأليف بل لأن العقد المنصرم قد شاهد تقدمات سريعة في تقنيات الاعلام والاتصالات الأمر الذي غيّر طريقة انتاج وانتشار وخزن المعلومات. وترافق ذلك مع تقوية حماية حقوق النشر والتأليف على الصعيدين القومي والدولي. وفي الواقع تلك التغييرات في التكنولوجيات هي التي أدت الى قيام الصناعات المبنية على أساس حقوق النشر والتأليف في الدول المتقدمة بالضغط من أجل اتفاقية "تريبس" ومعاهدة حقوق النشر والتأليف للمنظمة العالمية للملكية الفكرية، بالاضافة الى نظام الحماية الضريبية sui generis لقواعد المعطيات التي أسسها الاتحاد الاوروبي في عام 1996. من المحتمل ان تكون لتلك الاتجاهات نواح ايجابية وسلبية على حد سواء بالنسبة للدول النامية ومن الأهمية بمكان ان نعلم كيفية تأثيرها على مثل تلك الدول ولا سيما الفقيرة منها.

 

المسألة الحرجة بالنسبة للدول النامية هي تحقيق التوازن الصحيح بين حماية حقوق النشر والتأليف من جهة وتأمين القدرة على الحصول على المعرفة وعلى المنتجات المبنية على أساس المعرفة من جهة أخرى. مسألة تكلفة الحصول على المعرفة وتفسير استثناءات "الاستخدام المنصف" او "التعامل المنصف" هما أمران حرجان بالنسبة للدول النامية خصوصا مع تمديد حقوق النشر والتأليف الى برامج الحاسب الآلي والى المواد الرقمية. هناك حاجة تدعو الى مواجهة تلك القضايا لتأمين قدرة حصول الدول النامية على المنتجات المهمة المبنية على أساس المعرفة وذلك في سعيها الى تعميم التعليم على الجميع والى تسهيل الأبحاث وتحسين التنافس وحماية تعابيرها الثقافية وتقليل الفقر.

نتناول في هذا الفصل المسائل التالية:

·                   ما هي أهمية حقوق النشر والتأليف كحافز للصناعة الثقافية ولغيرها من الصناعات في الدول النامية؟

·                   كيف تؤثر حقوق النشر والتأليف على الدول النامية بصفتها دولا مستهلكة للمواد من الخارج، ولا سيما للمواد التعليمية، بما في ذلك عن طريق شبكة الانترنت؟

·                   ماذا يترتّب على الدول النامية ان تفعله لتطبيق حقوق النشر والتأليف؟

·                   كيف تؤثر حقوق النشر والتأليف والسوفتوير على الدول النامية؟

 

حقوق النشر والتأليف كحافز للابداع

 

مثلما أشارت بعض الوكالات أمثال المنظمة العالمية للملكية الفكرية والاونيسكو والبنك العالمي، من الأهمية ان تطوّر الدول النامية آليات للحماية والافادة من  الاستغلال التجاري لأعمالها الابداعية الماضية والحاضرة. يمكن لحقوق النشر والتأليف، من وجهة النظر هذه، ان تلعب دورا هاما في تطوير المجالات الثقافية في الدول النامية وذلك بتأمين المكافآت عن طريق الحقوق المقتصرة مقابل النسخ والتوزيع.(3) بحثنا في الفصل الرابع المسائل المتعلقة بحماية المعرفة التقليدية في الدول النامية والشيء الكثير منها له صلة بموضوعنا هذا بالقدر الذي يمكن فيه حماية مثل تلك المعرفة والابداعية بحقوق النشر والتأليف.

 

ومن المنظور العالمي، المكافآت المباشرة الناجمة عن حماية حقوق النشر والتأليف موجهة الى حد بعيد الى صناعات النشر والتسلية والترفيه وبرامج الحاسب الآلي في اوروبا وأمريكا الشمالية. مثل ما يبيّن الجدول 1:5 أدناه انتجت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا واسبانيا وفرنسا وايطاليا فيما بينها حوالي ثلثي الصادرات العالمية من الكتب في عام 1998. ولكننا نجد في بعض الحالات بأن الصناعات المبنية على أساس حقوق النشر والتأليف في الدول النامية هي صناعات مزدهرة وتحصل على نصيبها من تلك المكافآت.

 

ولعل أشهر حالة هي صناعة برامج الحاسب الآلي الهندية. بين 1994-1995 و 2001-2002 ارتفع دخل تلك الصناعة الاجمالي من 787 مليون دولار أمريكي الى 2ر10 مليار دولار أمريكي (جزء كبير منها كان صادرات من برامج الحاسب الآلي التي ارتفعت قيمتها خلال تلك الفترة من 489 مليون دولار أمريكي الى 8ر7 مليارات دولار أمريكي) ومع حلول شهر مارس/آذار عام 2002 كان قطاع برامج الحاسب الآلي وخدماته يوظّف نحو 520 ألف عامل.(4) هناك طبعا قدر كبير من المواهب الابداعية في الدول النامية – مثل الموسيقيين في مالي وجاميكا او الفنانين التقليديين في نيبال – الذين يمكن الانتفاع من مواهبهم لتوليد المزيد من الثروة للاقتصادات الناشئة. ولكن يحدث ذلك فقط في وجود بنية اساسية محلية للصناعات الثقافية، مثلا للنشر والتسجيل. حاليا، يضطر عدد كبير من المؤلفين والموسيقيين في الدول النامية (ولا سيما في أفريقيا) الى الاعتماد على دور النشر او شركات الاسطوانات الأجنبية.

 

الجدول 1:5 الدول الرئيسية المصدّرة للكتب حسب حصتها من السوق، 1998

 

الولايات المتحدة                20%

المملكة المتحدة                  17%

المانيا                             10%

اسبانيا                            6%

فرنسا                             6%

ايطاليا                            6%

البلجيك/لوكسمبورغ                        4%

روسيا                            3%

سنغافورة                                    3%

كندا                                3%

غيرها                            22%

 

المصدر: الاونيسكو (2000أ)

 

وفي الوقت ذاته، ناهيك عن قصص النجاح مثل صناعة برامج الحاسب الآلي الهندية، هناك أيضا بعض الدول النامية التي توفر حماية لحقوق النشر والتأليف كأعضاء في اتفاقية بيرن منذ عشرات السنين (مثل بينين وتشاد اللتين انضمتا الى الاتفاقية في عام 1971)، لم تر أية زيادات تذكر في صناعاتها الوطنية المبنية على أساس حقوق النشر والتأليف او في مستوى الأعمال المحمية بحقوق النشر والتأليف التي تبتدعها شعوبها.

 

وهكذا توحي الأدلة بأنه يمكن لتوفر الحماية لحقوق النشر والتأليف ان يكون شرطا ضروريا ولكن ليس كافيا لتطوير صناعات محلية قابلة للاستمرار في قطاعات النشر والتسلية والترفيه وبرامج الحاسب الآلي في الدول النامية. هناك عوامل عديدة أخرى مهمة للتنمية المستديمة لمثل تلك الصناعات المبنية على أساس حقوق النشر والتأليف. فلنأخذ صناعة النشر في أفريقيا كمثل. عدم الامكانية في التنبؤ بمقدار مشتريات الجكومة والدول المانحة من الكتب، والادارة الضعيفة في الشركات المحلية، والتكاليف العالية لمعدات الطباعة والورق، والافتقار الى الموارد المالية، ستستمر في العمل بمثابة تقييدات شديدة جدا في العديد من الدول في المستقبل المنظور.(5)

 

وعلاوة على ذلك، بالنظر الى حجم السوق الصغير يمكن ان تكون الحماية لحقوق النشر والتأليف مهمة من الوجهة التجارية في أسواق التصدير وليس محليا، علما انه يمكن للمؤلفين وللشركات في الدول النامية ان تواجه تكاليف لا يمكنها ان تتحمّلها عندما تضطر الى تطبيق حقوقها قانونيا في تلك الأسواق. طبعا، حماية حقوق النشر والتأليف في الأسواق المحلية في الدول النامية الكبرى، مثل الهند والصين والبرازيل ومصر، هي ذات أهمية كبيرة بالنسبة لصناعات النشر والأفلام والموسيقى وبرامج الحاسب الآلي الوطنية. ذلك مع انه في القرن التاسع عشر، مثلما قلنا سابقا، سعت الولايات المتحدة الى مساعدة تطوير صناعة النشر المحلية في البلاد بالامتناع عن الاعتراف بأصحاب حقوق النشر والتأليف الأجانب.

 

جمعيات الاقتناء

 

من أجل تحقيق الفوائد المحتملة من حقوق النشر والتأليف، شكّلت بعض الدول النامية جمعيات لادارة مقتنياتها تمثّل حقوق الفنانين والمؤلفين والممثلين وهي تجمع الجعالات (royalties) من ترخيص الأعمال المحمية بحقوق النشر والتأليف التي تحتفظ به في مخزونها. في الوقت الحاضر، اتبع عدد قليل فقط من الدول النامية هذا المنوال وهناك أوجه نظر مختلفة حول حسنات تشكيل جمعيات لادارة المقتنيات. تؤيد المنظمة العالمية للملكية الفكرية وغيرها من الوكالات المانحة بشدة مثل تلك الجمعيات وتدعمها كما تقوم بذلك بعض الحكومات في الدول النامية (مثلا، في بلاد البحر الكريبي). وتجادل أيضا جماعات الصناعات المبنية على أساس حقوق النشر والتأليف في الدول النامية قائلة بأن تشكيل منظمات لحقوق انتاج نسخ طبق الأصل في الدول النامية من شأنه ان يسهّل حرية الحصول على الأعمال المحمية عن طريق استنساخها فوتوغرافيا بأسعار تناسب السوق المحلية.

 

من ناحية أخرى، يجادل بعض المعلقين بالقول انه على الرغم من انه يمكن لتلك المنظمات في الدول النامية ان تجمع الجعالات للمؤلفين والفنانين المحليين، الا انه يمكنها ان تجمع مقدارا أكبر لأصحاب الحقوق الأجانب في الدول المتقدمة الذين يمكنهم ان يهيمنوا على سوق الأعمال المحمية بحقوق النشر والتأليف. مثلا، في جنوب أفريقيا، حيث يمكن ان ترجح كفة الميزان الى صالحها أكثر مما هو الحال في الدول النامية ذات الدخل المتدني، قامت منظمة حقوق الأعمال الدرامية والفنية والأدبية بتوزيع نحو 74 ألف يورو على أصحاب الحقوق القوميين، جمعت منه مقدار 20 ألف يورو تقريبا من جمعيات جمع الجعالة الأجنبية، وفي نفس الفترة وزّعت حوالي 137 ألف يورو على أصحاب الحقوق الأجانب.(6) ومن الأهمية الاعتراف بأنه يمكن لمنظمات ادارة المقتنيات ان تمارس نفوذا كبيرا في السوق وان تعمل باسلوب مناهض للمنافسة. هذا أمر يثير المخاوف في الدول النامية ذات القدرات المؤسسية والأطر التنظيمية الضعيفة.

 

في نهاية الأمر، يترتب على الدول النامية ان تتوصل الى قراراتها الخاصة بخصوص فوائد تأسيس منظمات لادارة مقتنياتها. وفي الدول النامية التي لديها أسواق كبيرة لمنتجات صناعاتها المبنية على أساس حقوق النشر والتأليف، محليا وخارجيا، فان تأسيس مثل تلك المؤسسات من شأنه ان يجلب فوائد مالية لأصحاب حقوق النشر والتأليف. ولكن بالنسبة للدول الأخرى، هذا يعني انه سيكون من الصعب تبرير الفوائد الصافية لمواطني البلاد، على عكس المواطنين الأجانب، من جراء الكلفة المنفقة عليها. وفي أي حال، من الضروري اظهار بشفافية من البداية التكاليف الكاملة المترتبة على تأسيس وتشغيل مثل تلك الوكالات في الدول النامية وان يتحمّل تلك التكاليف أصحاب حقوق النشر والتأليف بصفتهم المستفيدين المباشرين منها. ويجب عدم تأسيس منظمات لادارة المقتنيات ما لم يجر بالتوازي تشكيل مجالس قضاء عاملة متخصصة في مجالي حقوق النشر والتأليف والمنافسة.

 

ومع انه يمكن ان تكون الفوائد المحتملة من تطوير صناعات مبنية على أساس حقوق النشر والتأليف في بعض الدول النامية مغرية في بعض الحالات من الصعب ان لا نستنتج من النظر الى الأدلة المتوفرة من العالم النامي عموما بأنه من المحتمل ان يكون تأثير الحماية القوية لحقوق النشر والتأليف فوريا وهاما لغالبية فقراء العالم. هناك في الوقت الراهن "فجوة كبيرة في المعرفة" بين أغنى الدول وأفقرها. ومثلما أفاد البنك العالمي:

 

"اذا اتسعت الفجوة في المعرفة سينقسم العالم أكثر ، ليس من جراء التفاوتات في رأس المال والموارد الأخرى، بل من جراء التفاوت في المعرفة. ستتدفق بازدياد رؤوس الأموال وغيرها من الموارد الى تلك الدول التي تتمتع بقواعد قوية في المعرفة، الأمر الذي سيقوي عدم المساواة. هناك أيضا خطر من اتساع الفجوة في المعرفة داخل الدول، ولا سيما النامية منها، حيث يتوفر للمحظوظين القلة فيها المجال للاطلاع على المعلومات بواسطة الانترنت بينما يبقى الآخرون أميين. ولكن الخطر والفرصة هما وجهان لعملة واحدة. فاذا استطعنا تضييق الفجوات في المعرفة وتغلبنا على مشاكل الحصول على المعلومات...من الممكن ان نتمكن من تحسين الدخل ومستويات المعيشة بسرعة أكثر مما كنا نتصوّره سابقا."(7)

 

وعلى المدى الطويل، يمكن لحماية حقوق النشر والتأليف القوية ان تساعد في حث الصناعات الثقافية المحلية في الدول النامية شرط ان تستوفى الشروط الأخرى التي تؤثر على نجاح مثل تلك الصناعات. ولكن من المحتمل، على المدى القصير والمتوسط، ان تخفّض قدرة الدول النامية وقدرة الفقراء في اغلاق هذه الفجوة بالحصول على الكتب المدرسية والمعلومات العلمية وبرامج الحاسب الآلي التي هي بحاجة اليها بأسعار يمكنها ان تتحملها.

 

هل ستسمح قواعد حقوق النشر والتأليف للدول النامية على اغلاق الفجوة في المعرفة؟   

 

من الناحية النظرية، يمكن لقواعد حقوق النشر والتأليف الدولية ان تتغلب على مشاكل الحصول على المعرفة لأن تلك القواعد تتيح المجال للدول لادخال استثناءات وتراخيات في حقوق النشر والتأليف في بعض الظروف في قوانين تلك الدول الوطنية. مثلا، تسمح المادتان 9 و 10 من ميثاق بيرن للدول بأن تقوم باستنساخ محدود للأعمال المحمية بحقوق النشر والتأليف بدون اذن لأغراض معيّنة محددة في التشريعات الوطنية مثل التعليم والأبحاث والاستعمال الخاص، طالما انها لا تخل بحق صاحب حقوق النشر والتأليف في الاستغلال العادي لعمله (راجع المربّع 1:5).

 

المربّع 1:5 "الاستخدام المنصف" و "التعامل المنصف" في العصر الرقميّ (Digital Era)

 

كجزء من ايجاد توازن بين الحقوق المقتصرة التي يحملها المؤلفون والفنانون والمبدعون الآخرون من ناحية، والهدف الاجتماعي الرامي الى نشر المعرفة نشرا واسعا من ناحية أخرى، تتيح قواعد حقوق النشر والتأليف الدولية المجال للدول بأن تضع حدودا على الحق في منع الاستخدام غير المصرّح به وتسمح بالاستنساخ في ظروف فرضية معينة. مثلا، تفيد الفقرة 2 من المادة 9 من اتفاقية بيرن ما يلي: "يعود الأمر الى التشريعات في الدول الأعضاء في الاتحاد للسماح باستنساخ أعمال في حالات خاصة معيّنة، شرط ان ذلك الاستنساخ لا يتعارض مع الاستغلال العادي للعمل ولا يخلّ بشكل غير معقول بمصالح المؤلف المشروعة".

 

وبناء على ذلك، تضم قوانين حقوق النشر والتأليف في معظم الدول استثناءات للاستنساخ للاستخدام الشخصي وللأبحاث وللتعليم ولوضع نسخ في الأرشيف والاستعمال في المكتبات العامة والتقارير الأخبارية، بناء على مبدأ "التعامل المنصف"، او كما هو الحال في الولايات المتحدة، بناء على مبدأ "الاستخدام المنصف". يتفاوت نطاق وقوة ومرونة تلك الاستثناءات تفاوتا واسعا بين الدول والمناطق، من ناحية بسبب اختلاف القانون الوطني، ولكن عموما لتركيزها على الشروط التالية:

 

·                                غرض وطبيعة الاستخدام – يجب ان يكون الاستنساخ للأغراض الخاصة غير التجارية. لا يمكن استنساخ الا نسخة واحدة او عدد صغير من النسخ. نسبة العمل الذي يجري استنساخه – يجب عمل نسخ لأجزاء فقط من العمل. ويسمح باستنساخ الأعمال كاملة فقط عندما لا يكون العمل الأصلي متوفرا في السوق.

·                                ويمكن استنساخ نسخ من الأعمال المطبوعة بوسائل الاستنساخ الفوتوغرافي فقط. هناك بعض الحرية أيضا في أخذ نسخ من الأعمال الالكترونية، مثلا، لنقل أوقات البرامج التلفزيونية او للحفظ في الأرشيف برامج الحاسب الآلي.

·                                وفي حال وجود استثناءات لمصلحة المكتبات العامة والأرشيفات، يجب ان تكون تلك المؤسسات مفتوحة للجمهور وان تعمل بطريقة غير تجارية.

·                                ويجب الأخذ بعين الاعتبار المصلحة المشروعة لصاحب الحق – التأثير على السوق المحتملة للعمل.

 

ولكن، يسمح الآن تطوّر وانتشار التكنولوجيا الرقمية، بالاستحداث غير المصرّح به لعدد غير محدود وممتاز وبلا كلفة من النسخ، وللتوزيع الآني تقريبا والعالمي النطاق للأعمال المحمية بحقوق النشر والتأليف. استجابت صناعات حقوق النشر والتأليف الى ذلك باستخدام التكنولوجيا الرقمية، بشكل تكنولوجيات التشفير والتدابير المناهضة للالتفاف حول حقوق النشر والتأليف، مضيفة اليها قانون العقود وأشكال sui generis من الحماية لقواعد المعطيات. ويجادل النقّاد بالقول ان تلك التدابير تقيّد بالفعل "الاستخدام المنصف" وقد تخفّض قدرة المعلمين والطلاب والبحاث والمستهلكين من الحصول على المعلومات، ولا سيما في الدول النامية. ولذلك، هناك حاجة الى طرق جديدة لتأمين المحافظة على استثناءات "الاستخدام المنصف" المناسبة في السياق الرقمي هذا.(8)

 

وفي مؤتمر ستوكهولم لإتفاقية بيرن، طالبت الدول النامية بمرونات اضافية في قواعد حقوق النشر والتأليف الدولية بسبب حاجتها الى التعليم الجماعي. أصدر المؤتمر "بروتوكولا" يتيح للدول النامية بتوفير مدة مخفضة من الحماية مدتها 25 سنة علاوة على الترخيص الاجباري للترجمة الى اللغات المحلية، وأكثره اثارة للجدل، استخدام أية مواد محمية لأغراض التعليم او العلم او الأبحاث. ولكن لم يجر التصديق على "بروتوكول ستوكهولم" بسبب الافتقار الى الاجماع بين الدول المتقدمة والدول النامية. وفي النهاية، توصلوا الى اتفاق في باريس في عام 1971على مجموعة مخفّفة من الاستثناءات للدول النامية، تتيح أساسا ترخيصا اجباريا محدودا للأعمال للترجمة الى اللغات المحلية. تم تسجيل تلك الاستثناءات في "ملحق الاتفاقية" ولكنها لم تفد مباشرة الدول النامية الا قليلا مثلما يبيّن الواقع ومفاده ان حفنة صغيرة من الدول النامية قد أدخلتها في شروطها الخاصة في قانونها القومي.(9)

 

والسؤال المركزي هو ما اذا تسمح الاستثناءات والتقييدات ضمن اطار القواعد الدولية للدول النامية بأن تتوصل الى التوازن الصحيح بين حماية حقوق النشر والتأليف وتلبية حاجاتها التنموية الخاصة. هناك أسباب للشك في ذلك. قال أحد الخبراء الدوليين المرموقين في حقل حقوق النشر والتأليف ما يلي:

 

"عندما تقرر دولة نامية الدخول في مجال حقوق النشر والتأليف الدولية، ستجد عموما بأنه تبقى هناك فجوة ملحوظة بين ما هو المطلوب لتلبية متطلباتها (للتعليم وتحويل المعرفة) وبين مقياس الحماية التي تتطلبها آلية متعددة الأطراف مثل اتفاقية بيرن."(10)

 

في الواقع، أظهرت استشاراتنا مع المعنيين بالأمر ومن قراءة الأدلة بأن المسائل هي أكثر جدية بالنسبة للحصول على مواد التعليم، حيث دور النشر المحلية او البرامج التي تمولها الدول المانحة لا تلبي الطلبات؛ وبالنسبة للحصول على برامج الحاسب الآلي وهو شرط أساسي للحصول على المعلومات وللمنافسة في الاقتصاد العالمي. يوفر قدوم العصر الرقميّ فرصا كبيرة للدول النامية في مجال الحصول على المعلومات وعلى المعرفة. ان تطوير المكتبات والأرشيفات الرقمية، وبرامج التعلّم عن بعد المبنية على أساس شبكة الانترنت، وقدرة العلماء والباحثين في الوصول الى قواعد معطيات كومبيوترية متطوّرة من المعلومات الفنية في وقت آني، هي مجرد بعض الأمثلة. ويشكّل قدوم العصر الرقميّ أيضا بعض التهديدات الجديدة والجدية للحصول على المعلومات وعلى نشرها. وهناك، بصورة خاصة، خطر حقيقي من فقدان الامكانيات التي تتيحها شبكة الانترنت في الدول النامية بقيام أصحاب الحقوق بمنع العامة من الحصول عليها عن طريق أنظمة "ادفع فترى".

 

الصناعات المبنية على اساس حقوق النشر والتأليف ونسخ الأعمال المحمية بحقوق النشر والتأليف  

 

مثلما قلنا في بداية هذا الفصل، تلعب الصناعات المبنية على أساس حقوق النشر والتأليف، مثل النشر وبرامج الحاسب الآلي، دورا كبيرا هاما في الاقتصاد العالمي المبني على المعرفة، كما تلعب المنتجات والخدمات التي توفرها تلك الصناعات دورا مركزيا في تسهيل الابتداع والتنمية الاجتماعية والاقتصادية عموما. ينعكس نجاح تلك الصناعات في نموها العظيم، الذي أسفر عن الملايين من الوظائف العالية الرواتب وعن مليارات في الدخل، بما في ذلك في بعض الدول النامية. وتعتبر صناعة برامج الحاسب الآلي صناعة على جانب كبير من الأهمية كمصدر للابتداع في حد ذاتها وتقول الشركات المنضوية الى تلك الصناعة بأنها أنتجت مكاسب دراماتية في أداء وعمل عدد كبير المنتجات التجارية لبرامج الحاسب الآلي في السنوات العشرة الماضية او نحو ذلك بينما بقيت أسعار تلك المنتجات مستقرة او بالأحرى هبطت.

 

وقد شدد لنا ممثلو تلك الصناعات أهمية قوانين حقوق النشر والتأليف والحماية القوية لحقوق النشر والتأليف ضد النسخ غير المصرّح به من أجل تشجيع الاستثمار في الابتكار والابتداع، وكذلك في تطوير المنتجات والتطوّر التكنولوجي. مقدار  الاستثمار المطلوب لتطوير الأعمال الابتداعية وانزالها الى السوق هو لا شك مقدار كبير. مثلا، يفيد اتحاد دور النشر بأن هناك 600 ألف كتاب قيد الطبع حاليا في المملكة المتحدة. يعتبر ذلك مصدرا قيّما هائلا للمعرفة بالنسبة للصناعات الابتداعية وللمجتمع ككل. طبعا، يجب ان تكون باستطاعة الصناعة ان تعوّض عن استثماراتها لكي تستثمر في أجيال جديدة من المنتجات المبنية على أساس المعرفة. وهكذا، تقول مثلا صناعة برامج الحاسب الآلي بأن فرض رسوم الترخيص على منتجاتها يسمح للشركات بتوليد دخل من أجل تمويل الأبحاث والتطوير في المستقبل.

 

كان دائما منع النسخ غير المصرّح به هو الهدف الرئيسي وراء تطوير قواعد دولية لحقوق النشر والتأليف والأمر يبقى كذلك حتى الآن. للنسخ غير المصرّح به للأعمال المحمية بحقوق النشر والتأليف (الذي يصفه بامتهان أصحاب حقوق النشر والتأليف  "بالقرصنة") تاريخ طويل وهو يبقى ظاهرة دولية تحدث في العالمين المتطوّر والنامي. مثلا، برّرت الولايات المتحدة امتناعها المتواصل عن منح حماية حقوق النشر والتأليف للمؤلفين الأجانب خلال القرن التاسع عشر على أساس انه أمر ضروري لتلبية حاجات الأمة للمعرفة والتنوير. ومع ان الصناعة تدعي بان النسب الحالية للنسخ غير المصرّح به هو في أوجّه في بعض الدول النامية والاقتصادات الانتقالية،(11) أكبر الخسائر المالية التي يتكبّدها أصحاب حقوق النشر والتأليف لا زالت تحدث في الدول المتقدمة، لأن حجم السوق فيها أكبر من حجم السوق في الدول النامية.(12) قدوم العصر الرقمي قد بعث مخاوف في الصناعات المبنية على أساس حقوق النشر والتأليف من انه يمكنها ان تبيع "نسخة واحدة فقط" من كتاب الكتروني جديد او من فيلم على شريط DVD او موسيقى مسجلة على قرص مدمّج او برنامج حاسب آلي قبل ان يتم استنساخه بطريقة غير مشروعة، كنسخة مطابقة تماما للأصل وبدون كلفة، ويمكن توزيعه دون عناء في كافة أنحاء العالم عن طريق شبكات الحاسب الآلي والانترنت.

 

ولكن، في الماضي، أظهرت الأدلة بأن المستويات الضعيفة من تطبيق حقوق النشر والتأليف كان لها أثر كبير على نشر المعرفة وعلى المنتجات المبنية على أساس المعرفة في بعض الحالات، مثل برامج الحاسب الآلي، في كافة أنحاء العالم النامي. وفي الواقع، يمكن القول بأن العديد من الفقراء في الدول النامية تمكنوا فقط من الحصول على أعمال معيّنة محمية بحقوق النشر والتأليف باستخدام نسخ غير مصرّح بها متوفرة بجزء من سعر المنتج الأصلي الحقيقي. ولذلك نحن نتخوّف من ان يكون التأثير غير المقصود من الحماية القوية وتطبيق القواعد الدولية لحقوق النشر والتأليف وفقا لما تطلبه، من بين أمور أخرى، اتفاقية "تريبس"، هو تقليل القدرة على الوصول الى منتجات المعرفة في الدول النامية مع ما ينجم عن ذلك من عواقب ضارة على الفقراء.

 

استجابة لتلك المخاوف، يشير ممثلو الصناعات المبنية على أساس حقوق النشر والتأليف الى المبادرات الخاصة التي يطرحونها للدول النامية، مثل برامج الدول المانحة ونسخ رخيصة من الكتب وبرامج الحاسب الآلي للمستعملين الذين ليس باستطاعتهم تحمّل تكاليف تلك الأشياء، على انها الطريق الى الأمام بدلا من اضعاف قواعد حقوق النشر والتأليف الدولية و/او تطبيق تدابير في العالم النامي. مثلا، تقوم صناعة النشر بدعم عدد متوسّع من المبادرات التي تستهدف تحسين الحصول على الكتب والمجلات التي يمكن تحمّل تكاليفها في الدول النامية وتأسيس شراكات مع دور النشر في الدول الأقل نموا لتشجيع تطوير صناعات محلية للنشر.(13) وكذلك الأمر بالنسبة لصناعة برامج الحاسب الآلي، ثمة شركة قيادية لانتاج برامج الحاسب الآلي قائمة على وضع عدد كبير من منتجاتها من هذه البرامج في متناول 32 ألف مدرسة في جنوب أفريقيا بدون مقابل، وبذلك فهي تساعد الطلاب والمعلمين في جنوب أفريقيا لأن يصبحوا ملمين بتقنية المعلومات وبنفس الوقت تساعد على بناء أسواقها في المستقبل.

 

ولكن في النهاية، الشركات التجارية مسؤولة تجاه حاملي أسهمها. تلك الشركات ليست مؤسسات خيرية ولم يجر تأسيسها لذلك الغرض. وهكذا تعتقد الشركات بأن المسؤولية تقع على عاتق حكومات الدول المتقدمة ووكالات التنمية لتلبية متطلبات الدول النامية في الحصول على عون مالي للأعمال المحمية بحقوق النشر والتأليف التي يمكنها ان تتحمّل كلفتها، وذلك من أجل تلبية حاجاتها للتعليم وتحويل المعرفة. ومثلما أفاد تقرير عرض أمام البرلمان البريطاني في عام 1977 وفي القرار الأخير الذي اتخذه مجلس القضاء البريطاني الخاص بحقوق النشر والتأليف لم يقترح أحد بأن يقدم صانعو الدفاتر او الفرجار او المساطر هذه المنتجات الى المؤسسات التعليمية بدون مقابل.(14) لذلك، لماذا يطلبون من الصناعات المبنية على أساس حقوق النشر والتأليف ان تتهاون مع الاستنساخ غير المصرّح به الواسع الانتشار لكتبها ومجلاتها وبرامج الحاسب الآلي او قواعد المعطيات الخاصة بها؟

 

لقد فكّرنا ودرسنا تلك الحجج بتروي وحذر. نحن نعترف بقيمة المبادرات التطوّعية التي تقوم بها الصناعة للدول النامية ونرى ان هناك المزيد الذي يمكن عمله في هذا المجال. وعموما، لسنا مقتنعين من ملاحظاتنا في مختلف الدول النامية بأنه، حتى من وجهة نظر صاحب الحق، ان تسعير المنتجات هو الأفضل. لما كان مدى الاستنساخ، ولا سيما على نطاق تجاري، هو مدفوع بنسبة سعر البيع الى كلفة انتاج النسخ، هناك مجال لاستعمال التسعير التفاضلي في الدول النامية على أساس تساوي الكلقة بالسعر او حتى على أساس تعزيز الدخل للصناعات المنتجة. وبما ان دور النشر مستعدة لدعم مختلف المشاريع لحصول المؤسسات في الدول النامية، بكلفة ضئيلة او بلا كلفة، على النشرات عن طريق شبكة الانترنت فهذا يشير الى انها تعترف بوجود مجال للتسعير التفاضلي، مع حمايات مناسبة. وبينما نعترف اعترافا تاما بحق أصحاب حقوق النشر والتأليف في عائدات مناسبة لاستثماراتهم مثلما هو الحال بالنسبة للصناعات الأخرى، الا اننا نعتقد من منظور السياسة العامة الواسعة، بأنه في النهاية من الأهمية تأمين حصول أفضل للناس في الدول النامية على المعرفة مثلما هو من الأهمية تأمين حصولهم على متطلبات التنمية الأساسية الأخرى مثل الطعام والماء والأدوية. ليس من الواضح لنا بأن دور النشر وشركات صنع برامج الحاسب الآلي قد توصلت الى الموازنة الصحيحة في تسهيل حصول الناس في الدول النامية على تلك المنتجات بطرق ثابتة على مبدأ واجباتهم نحو أصحاب الأسهم.

 

يتوجب على دور النشر، لكل من الكتب والمجلات المطبوعة وعلى شبكة الانترنت، وعلى شركات صنع برامج الحاسب الآلي ان تراجع سياسات تسعيرها لمنتجاتها للمساعدة على تخفيض الاستنساخ غير المصرّح به وتسهيل الحصول على منتجاتها في الدول النامية. المبادرات التي تقوم بها دور النشر لتوسيع القدرة على الحصول على منتجاتها في الدول النامية هي مبادرات قيّمة ونحن نشجّع توسيع مثل تلك المشاريع. توسيع مبادرات حرية الحصول مجانا على المعلومات المتوفرة على شبكة الانترنت في الدول النامية لتغطية جميع المجلات الأكاديمية هو مثال جيد على ما يمكن عمله.

 

حقوق النشر والتأليف والقدرة على الحصول على المواد والمنتجات

 

المواد التعليمية  

 

حصل في السنوات الأخيرة توسّع نرحّب به في التعليم الابتدائي والثانوي في الدول النامية وتم تركيز المساعدات، عن حق، في تلك القطاعات. بينما لا تزال تواجهنا تحديات كبيرة في تحقيق "التعليم للجميع" أحرزت الدول النامية وشريكاتها المانحة تقدما كبيرا في هذا المضمار.(15) وكذلك تحسّنت القدرة على الحصول على الكتب وعلى مواد القراءة على المستويين الابتدائي والثانوي في بعض الدول. هذه نتيجة مستويات متزايدة من الانفاق العام على التعليم الابتدائي وعلى البرامج الدولية لمنح الكتب بدون مقابل، مثل برنامج "مؤسسة اعانات الكتب الدولية". وأهم من ذلك، لأنه في بعض الدول بامكان صناعات النشر المحلية، كثيرا في مرحلة بدائية، ان تنتج الكتب المدرسية ومواد القراءة بأسعار زهيدة.(16)

 

ومع ذلك، لا تزال القدرة على الحصول على الكتب والمواد التعليمية تشكّل مشكلة حقيقية في عدد كبير من الدول النامية. في عام 1999 كشفت الأبحاث التي قامت بها رابطة تطوير التعليم في أفريقيا، وهي كونسورتيوم من المانحين ومن الدول النامية، بأن النقص في الكتب الرخيصة للاستعمال داخل المدرسة وخارجها، يستمر في منع توفير التعليم الحسن. في الواقع، استنتاجات الأبحاث التي قامت بها الرابطة ترسم صورة كئيبة للوضع:

 

"يبقى الحصول غير المتساوي على مواد التعليم والتعلّم، والحصول غير الكافي على مواد القراءة اللازمة لتطوير مهارات القراءة الحيوية وكذلك النسب غير المقبولة بين الطالب والكتاب، هو المهيمن.  تبقى دور النشر الأفريقية في وضع غير ملائم في السياق الاقتصادي الذي ينـزع الى استيراد الكتب من الخارج على حساب تلك المطبوعة في البلد".(17)

 

ولكن القدرة على الحصول على الكتب والمواد التعليمية مهم في أماكن أخرى من النظام التعليمي أيضا. تحتاج الدول النامية الى أناس مثقفين مثل الأطباء والممرضين والمحامين والعلماء والبحاث والمهندسين وعلماء الاقتصاد والمعلمين والمعلمات والمحاسبين. فمن دون أناس مهرة في تلك المهن وبدون نظام من التعلّم والتعليم مدى الحياة ، لن تتمكن الدول النامية من استيعاب التكنولوجيات الجديدة وتوليد الابتداع والمنافسة في اقتصاد المعرفة العالمي. مثلا، حتى لو تمكنت الدول النامية من الحصول على الأدوية الرخيصة فهي ستحتاج الى الأطباء والممرضين المدربين لتقديمها كما يجب من أجل انقاذ حياة الناس.

 

ومع ذلك، في عدد كبير من الدول النامية، ولا سيما في دول افريقيا جنوب الصحراء، هبط التعليم في المرحلة  الجامعية الى مستويات لن يكون بوسعه قريبا من توفير المستويات الدنيا من التعليم والأبحاث، هذا في وقت يتزايد الطلب على أماكن في الجامعات.(18) وبينما ينفق عدد كبير من الدول النامية نسبة كبيرة من نتاجهم القومي الاجمالي على التعليم، فقد يتعذّر على تلك الدول ايجاد الموارد الاضافية اللازمة للمحافظة ببساطة على المستويات الحالية من الطلاب في المرحلة الجامعية من التعليم، بغض النظر عن تحسين جودته. وهكذا، من الواضح ان حقوق النشر والتأليف ليست السبب الوحيد لضعف البنية التحتية للمرحلة الجامعية من التعليم ولا تزال تشكّل الأسعار العالية للكتب وللمواد التعليمية وقدرة الوصول المحدودة الى الموارد على شبكة الانترنت أجزاء مهمة في الوضع المتدهور.

 

وفي القطاع الجامعي، تشير الأدلة بأن حرية الحصول على الكتب وعلى المواد الأخرى للتعليم والأبحاث تبقى مشكلة حرجة في عدد كبير من الدول النامية، ولا سيما أفقرها. تبقى معظم الدول النامية معتمدة بشدة على الكتب المدرسية والكتب المرجعية المستوردة، لأن هذا القطاع ليس مجديا تجاريا لدخول دور النشر المحلية فيه. وأسعار تلك الكتب هي خارج امكانيات معظم الطلاب.

 

المكتبات العامة  

 

يجب ان تلعب المكتبات الجامعية دورا رئيسيا في دعم الأبحاث وتأمين القدرة على الوصول الى الكتب والمجلات والمواد الموجودة على شبكة الانترنت المحمية بحقوق النشر والتأليف الى الطلاب الفقراء في الدول النامية، ولكن تكون تلك المواد عادة في حالة متردية. وفّرت الوكالات المانحة التمويل لتحديث واعادة تزويد المكتبات بالكتب في عدد من الدول، بما فيه توفير لها الوصل بالانترنت وتسهيلات النسخ الفوتوغرافي.(19) هناك حاجة ملحة الى المزيد من تلك المساعدات. ولكن أنظمة الوكالات المانحة هي بطيئة جدا وبيروقراطية الى حد بعيد لكي تحتفظ المكتبات بمقتنيات حديثة من الكتب المدرسية. وعموما، يبقى الوضع بالنسبة لمكتبات الجامعات في الدول النامية الفقيرة وضعا كئيبا، (20) ولا سيما في أفريقيا، كما أشار تقرير لمنظمة الاونيسكو أخيرا:

 

"الانكماش في اقتصاد الدول الأفريقية في العشر سنوات الماضية كان له تأثير مخرّب على جودة الخدمات المكتبية في المعاهد الأكاديمية، الممولة جميعها تقريبا من الأموال العامة. لا يمكن لمعظمها شراء الكتب الجديدة وألغت نسبا كبيرة من اشتراكاتها في المجلات الدورية. وبعدم قدرتها على التحوّل الى تقنيات الاعلام الجديدة تواجه المكتبات الجامعية الأفريقية بصورة خاصة، والأكاديميين الأفريقيين بصورة عامة، مستقبلا قاتما حقا."(21)

وجدت استشاراتنا بأنه بالنسبة للمكتبات الجامعية المتوفرة لها موارد أفضل في الدول النامية، مثل جنوب أفريقيا، تواجه تلك المكتبات أحيانا مشاكل جدية في حاجتها للحصول على تخليص لحقوق النشر والتأليف ودفع الجعالات للمواد التي يحتاج اليها المعلّمون والطلاب. وتشير الأدلة التي قمنا بمراجعتها بأن حتى المكتبات الحسنة التمويل اضطرت الى تخفيض اشتراكاتها في المجلات الأكاديمية تخفيضا كبيرا بسبب الكلفة العالية المترتبة على الاحتفاظ بمقتنيات حديثة من الكتب والمجلات. وفي الواقع، حتى المكتبات الممولة جيدا في الدول النامية تواجه صعوبات جمة في الاستمرار بتوفير مجموعة كاملة من المجلات التي يتوقعها أساتذتها وطلابها. وفي الدول المتقدمة، أشعلت الزيادة السريعة في أسعار الاشتراكات في المجلات الأكاديمية، واندماج الشركات المتواصل العاملة في مجال النشر، مناقشة حادة حول كيفية استمرار حصول الباحثين على المواد التي هم بحاجة اليها، وحول تطوير نماذج بديلة من النشر بواسطة الانترنت مثل BioMed Central.(22)

 

ولكن الدول النامية بحاجة الى ان تسمح لها حرية أكبر لارخاء قواعد حقوق النشر والتأليف الدولية لتلبي حاجاتها للمواد التعليمية وللأبحاث. ومثلما قلنا سابقا، اقترح المندوبون في مؤتمر ستوكهولم حزمة من تلك التعديلات لإتفاقية بيرن في عام 1967. رفضت الدول المتقدمة تلك الاقتراحات لأنها رأت بأنها تضع قيودا جذرية على حماية حقوق النشر والتأليف. ولدى فحصنا للأدلة بعد 30 عاما، يبدو لنا واضحا بأن الشروط الخاصة بالدول النامية التي أضيفت الى إتفاقية بيرن في عام 1971، كما هي واردة في الملحق، لم تكن فعالة. وهكذا، هناك حاجة الى المزيد من الاصلاحات وقد تكون التدابير المختلفة أكثر او أقل أهمية في تلبية الحاجات المحددة للدول الفردية. قال أحد المعلقين:

 

"في بعض الحالات، ان القدرة على الحصول على المجلات العلمية والكتب بأسعار ممولة من الأموال العامة ولفترة محددة من الوقت من شأنه أن يساعد الى حد بعيد. وفي حالات أخرى، تحتاج دور النشر المحلية ذات الأسواق المحدودة الى الحصول على الكتب الأجنبية بسهولة وبأسعار زهيدة لكي تترجمها الى اللغة المحلية. وفي سياق آخر، هناك حاجة الى اذن لاعادة طباعة الكتب من الدول الصناعية في لغة الكتب الأصلية من أجل مصلحة الشعب الأصلي الذي يجيد قراءة اللغة الانجليزية او الفرنسية ولكن يتعذّر عليه تكبّد كلفة الكتب المستوردة. وبالنسبة لبعض الدول، فان معظم العناصر اللازمة لصناعة نشر أهلية غير موجودة وهكذا هناك حاجة الى بناء تلك الصناعة من الصفر. قد لا تكون حقوق النشر والتأليف العنصر الرئيسي في جميع تلك الظروف ولكنها تلعب دورها في هذا المجال."(23)

 

من أجل تحسين قدرة حصول الدول النامية على الأعمال المحمية بحقوق النشر والتأليف وتحقيق أهدافها في التعليم وتحويل المعرفة، عليها ان تتبنى تدابير تنافسية بموجب قوانين حقوق النشر والتأليف. يجب ان يسمح للدول النامية بأن تحافظ على او تتبنى استثناءات واسعة للاستخدامات التعليمية وللأبحاث وللمكتبات العامة في قوانينها الوطنية المتعلقة بحقوق النشر والتأليف. يجب القيام بتنفيذ مقاييس حقوق النشر والتأليف الدولية في العالم النامي بالأخذ بعين الاعتبار المستوى العالي المتواصل من الحاجة الى تحسين توفر تلك المنتجات وأهميتها الحرجة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية.

 

حقوق النشر والتأليف وبرامج الحاسب الآلي

 

مثلما نوّه به الآخرون، هناك انقسام رقميّ أي في مجال الحاسب الآلي بين دول العالم المتقدم والعالم النامي. في اقتصاد عالمي مبني على المعرفة تعتبر تكنولوجيات الحاسب الآلي متطلّبا أساسيا للحصول على المعلومات وعلى استخدامها وللاسراع في تحويل التكنولوجيا وتعزيز نمو الانتاجية. وفي الوقت ذاته، منتجات برامج الحاسب الآلي هي ربما أكثر أشكال المنتجات المبنية على أساس المعرفة حماية. بموجب اتفاقية "تريبس" تستحق برامج الحاسب الآلي الآن الحماية لحقوق النشر والتأليف مثل أي عمل أدبي آخر وكذلك الى أشكال أخرى من الحماية للملكية الفكرية، بما في ذلك عن طريق براءات الاختراع في بعض الدول، مثل الولايات المتحدة.

 

لدى الدول النامية بالطبع مجموعة من المتطلبات برامج الحاسب الآلي في صناعاتها وفي مستشفياتها ومدارسها ومكاتبها الحكومية. ولكنها أكثر من ذلك تريد حرية الحصول على حزمات من برامج الأعمال الجاهزة والتي يمكنها تحمّل تكاليفها، مثل سوفتوير معالجة الكلمات والحسابات والبريد الالكتروني ومنتجات لتصفّح الانترنت. تسيطر الشركات في اوروبا وأمريكا الشمالية، حيث تشكّل شركة مايكروسوفت اللاعبة الاولى في هذا المجال، على السوق العالمية في تلك المنتجات. صناعات برامج الحاسب الآلي في الدول النامية، حتى في الهند، هي في غالبيتها غائبة عن قطاع برامج الحاسب الآلي الجاهزة للشراء من على الرف.(24)

 

حقوق النشر والتأليف تهم صناعةبرامج الحاسب الآلي في قطاع البرامج الجاهز للشراء من على الرف للاستخدام في الأعمال التجارية. اذ بعكس البرامج المفصّل لغرض معيّن، فان تلك المنتجات موجهة الى السوق الجماعي ومن السهل استنساخها. حماية حقوق النشر والتأليف تتيح المجال للشركات لمنع استنساخ منتجاتها والحد من المنافسة وفرض أسعار احتكارية لتلك المنتجات. بالنسبة للدول النامية يشكّل ذلك مشكلتين رئيسيتين.

 

أولا، بما ان هناك انتشار واسع النطاق للاستنساخ وقوة شرائية منخفضة في الدول النامية، هناك قلق من ان الحماية القوية وتطبيقها قد يعني تقييدا أكثر لانتشار مثل تلك التكنولوجيات. قد يشكّل ذلك خطرا معيّنا لأن تأثير الشبكة في الاستعمالات الخاصة بالأعمال تنـزع الى تقوية هيمنة الشركات الحالية المنتجة لبرامج الحاسب الآلي. ولكن لدى فحصنا للمشكلة فاننا نجد بأنه من الممكن للدول النامية ان تتغلّب على تلك المشكلة. مثلا، يمكن للحكومات وللمنظمات المانحة ان تراجع سياساتها الخاصة بشراء برامج الحاسب الآلي لغرض اعطاء اعتبار أكبر لمنتجات البرامج الرخيصة الخاصة بالأعمال، بما فيها منتجات عامّة غير محمية ومنتجات ذات مصدر مفتوح متوفرة واسعا.(25)

 

ثانيا، عندما تكون شيفرة مصدر برامج الحاسب الآلي محمية أيضا، قد يصعب تكييف المنتجات لتلبي الحاجات المحلية. وقد تقيّد أيضا المنافسة في تطوير استعمالات التشغيل البيني، عن طريق الابتداع اللاحق بالهندسة العكسية. بموجب اتفاقية "تريبس"، المرونة متاحة للدول النامية للقيام بالهندسة العكسية لبرامج الحاسب الآلي، وهكذا يمكن تجنّب تلك المشكلة اذا جرت صياغة قوانين حقوق النشر والتأليف الوطنية حسبما ينبغي. وكتدبير عملي آخر، يمكن التفكير باستعمال أوسع لمختلف منتجات برامج الحاسب الآلي ذات المصدر المفتوح (26)، حيث تكون شيفرة المصدر متاحة بعكس البرامج المملوكة ملكية شخصية.(27) بدلا من ذلك، يجادل البعض من أهل تلك الصناعة بالقول انه بوجود تطبيق أقوى لحقوق النشر والتأليف، يمكن ان تكون الشركات المتقدمة لبرامج الحاسب الآلي المملوكة ملكية خاصة ومن مصدر مغلق مستعدة أكثر لجعل شيفرة المصدر متوفرة للشركات المنتجة للسوفتوير في الدول النامية.

 

طبعا ليست من صلاحيتنا ان نوصي بأي نوع من السياسات يجب على الدول النامية ان تتبعها في شراء برامج الحاسب الآلي. مثلا، بينما يمكن للبرامج الزهيدة الثمن او من مصدر مفتوح ان يوفر فوائد الكلفة الزهيدة وفوائد أخرى بالنسبة للسوفتوير المملوكة ملكية شخصية، هناك عوامل عديدة عدا رسوم الحصول على ترخيص السوفتوير تؤثر على الكلفة الاجمالية لنظام تقنية الاعلام مثل تكييف النظام ليلبي حاجات الزبون الخاصة، علاوة على مصلحة وصيانة النظام. ومع ذلك، بالنظر الى حاجات الدول النامية الملحة لتقنية الاعلام والاتصالات والأموال المحدودة المتوفرة لديها، من المعقول ان تفكّر الحكومات والمنظمات المانحة في دعم برامج ترفع الادراك بالخيارات الرخيصة الثمن، بما في ذلك البرامج من مصدر مفتوح، في الدول النامية.    

 

يجب على الدول النامية وعلى شركائها المانحين ان تراجع سياساتها المترتبة على شراء برامج الحاسب الآلي للتأكد من دراسة الخيارات المتوفرة لاستعمال منتجات البرامج الزهيدة الثمن و/او من مصدر مفتوح دراسة وافية والتأكد أيضا من تقييم تكاليفها وفوائدها تقييما حذرا. ويجب ان تتأكد الدول النامية من أن قوانين حقوق النشر والتأليف الوطنية تسمح بالهندسة العكسية لبرامج الحاسب الآلي خارج متطلبات التشغيل البيني، بشكل يتفق مع معاهدات الملكية الفكرية ذات الصلة المنتسبة اليها تلك الدول.

 

توفير امكانيات شبكة الانترنت في مجال التنمية   

 

هناك سبب للأمل بأن لثورة تقنية الاعلام الامكانية لزيادة قدرة الحصول على المعلومات وعلى المعرفة في الدول النامية. لقد أحدثت التقدمات السريعة في مجالين رئيسيين من مجالات التكنولوجيا - خزن/معالجة المعلومات الرقميّة والاتصالات الليفية بالفضائيات/الألياف البصرية – وسائل سريعة ورخيصة للحصول على المعرفة واستعمالها في كافة أنحاء العالم. نمو شبكة الانترنت هو مثال رئيسي على ذلك. في أواسط عام 1993 بلغ عدد المواقع على الانترنت أقل من 200 موقع ومع نهاية عام 2000 ارتفع هذا العدد الى 20 مليون موقع ومن المتوقع ان يبلغ عدد مستعملي شبكة الانترنت مع حلول عام 2005 بليون شخص، مع ان معظم هؤلاء سيكونوا في الدول المتقدمة (برنامج التنمية للأمم المتحدة 2001). يبيّن الجدول 1:5 التفاوتات الدرامية في استعمال شبكة الانترنت في الدول المتقدمة والدول النامية والدول الأقل نموّا.

 

الجدول 1:5 الاتصال بشبكة الانترنت في العالمين المتقدم والنامي في عام 2000

 

 

مستعملو شبكة الانترنت

(بالملايين)

عدد السكان

(بالملايين)

مستعملو شبكة الانترنت

بين كل 10000 شخص

الدول المتقدمة

2ر253

860

2944

الدول النامية

0ر107

4500

238

الدول الأقل نموا

7ر.

780

9

المجموع

9ر360

6140

588

المصدر: ITU (2001)، مثلما جاءت في Story (2002) الملحق4

يتيح نمو شبكة الانترنت فرصا حقيقية لتحسين القدرة على الحصول على المعرفة وعلى تحويلها في الدول النامية. مثلا الحجم والعدد المتنامي للمكتبات الرقميّة تحدث أنواعا غير مسبوقة من قدرة الحصول على كافة المعلومات المنشورة في أي مكان في العالم. وفي المستقبل سيصبح بامكان الدول النامية ان تبني شبكة رقميّة وطنية لتوفير حرية الحصول على موارد المكتبات من كافة أنحاء العالم الى أقاصي القرى، مثلما يحدث الآن في استراليا. (28) وكذلك، تبيّن المبادرات مثل الجامعة الافتراضية الأفريقية امكانيات شبكة الانترنت كأداة ومورد للتعلّم عن بعد في العالم النامي. ومنذ تأسيسها في عام 1997، أتم أكثر من 24 ألف طالب من 17 دولة أفريقية دورات دراسية مدتها نصف سنة في التكنولوجيا والهندسة والأعمال والعلوم في الجامعة الافتراضيّة الأفريقية. وهي توفر أيضا للطلاب قدرة الوصول الى المكتبة الرقمية على شبكة الانترنت مع ما توفره من أكثر من ألف مجلة بالنصوص الكاملة ويفتح موقع شبكة الانترنت الخاص بالجامعة الافتراضيّة الأفريقية أكثر من مليون شخص بالشهر.(29)

 

القيود التكنولوجية

 

ولكن هناك تهديدات أيضا لقدرة الحصول على وانتشار المعلومات والتكنولوجيا من تلك التغييرات التكنولوجية. هناك نزعة متزايدة داخل صناعات النشر وبرامج الحاسب الآلي باتجاه توزيع المحتويات على شبكة الانترنت مع فرض قيود الحصول عليها بواسطة أنظمة لادارة الحقوق الرقميّة، مثل تكنولوجيات التشفير. هذا الشكل المتطوّر من الحماية التكنولوجية يلغي حقوق "الاستخدام المنصف" التقليدية للتصفّح وتقاسم المعلومات او عمل نسخ خصوصية للأعمال المحمية بحقوق النشر والتأليف بأشكال رقميّة، اذ لن تتوفر الأعمال للحصول عليها بدون دفع رسم، حتى للاستعمالات المشروعة. وبالنسبة للدول النامية حيث الوصل بشبكة الانترنت محدود والاشتراك بها باهظ الثمن، قد تستبعد تلك الحقوق الحصول على تلك المواد تماما وتفرض عبئا ثقيلا من شأنه ان يؤخر مشاركة تلك الدول في المجتمع العالمي المبني على أساس المعرفة.

وبالنسبة لعلاقة هذا الاتجاه بقواعد الملكية الفكرية وامكانية شبكة الانترنت في المساعدة على التنمية، هناك ثلاثة عوامل ذات أهمية للدول النامية.

 

اولا، وضعت معاهدة حقوق النشر والتأليف للمنظمة العالمية للملكية الفكرية قواعد جديدة من شأنها ان تصبح مقياسا دوليا.(30) توضح المعاهدة حقوق أصحاب حقوق النشر والتأليف المقتصرة على المواد الموجودة على شبكة الانترنت وتدعو الدول بصورة خاصة الى توفير علاجات قانونية فعالة ضد الالتفاف حول تدابير الحماية التكنولوجية تحد من قدرة الوصول الى أشياء لا يصرّح بها حامل حقوق النشر والتأليف او لا يسمح بها القانون القومي. اعتبارا من شهر ابريل عام 2002 وافقت 35 دولة على تلك المعاهدة، بما فيها بوركينا فاسو ومالي وغابون. والقلق الهام هنا هو انه سيجري الضغط على الدول النامية، مثلا في سياق الاتفاقيات الثنائية مع الدول المتقدمة (راجع الفصل السادس)، للانضمام الى معاهدة حقوق النشر والتأليف للمنظمة العالمية للملكية الفكرية، او حتى لتبني موانع أكثر صرامة ضد الالتفاف حول أنظمة الحماية التكنولوجية وبالتالي بالفعل تخفيض نطاق "الاستخدام المنصف" التقليدي في وسائل الاعلام الرقميّة.

 

وفي الولايات المتحدة سن قانون حقوق النشر والتأليف الألفية الرقميّة الصادر عام 1998 معاهدة المنظمة العالمية للملكية الفكرية وذهب الى أبعد منها. فقد أعطى بصورة خاصة دعما قويا لاستعمال الحماية التكنولوجية بجعل الالتفاف حول الحماية التكنولوجية التي تستخدمها دور النشر او تطوير او توزيع الوسائل التي توفر الحماية، أمرا غير مشروع. مثل تلك الأفعال هي غير مشروعة حتى للاستخدامات التي حتى الآن لم تنتهك حقوق النشر والتأليف (الأمر الذي لا ينطبق في حالة معاهدة المنظمة العالمية للملكية الفكرية). هذا الأمر يعرّض للخطر مبادىء "الاستخدام المنصف"، الموطّد تحت حقوق النشر والتأليف، وكذلك مبدأ المبيع الأول. وفي حالة كتاب ما فأنت حر لبيعه الى شخص آخر – قد تمنع الحماية التكنولوجية الفعل الرقميّ المساوي. أخيرا، الحماية التكنولوجية غير محدودة، بينما حقوق النشر والتأليف محدودة بالوقت (مع ان مدة وقت الحماية في ازدياد).

 

ثانيا، بعض الأوساط في صناعة "المحتويات" تدعو الحكومات الى سنّ تشريعات تلزم الشركات المنتجة لتكنولوجيا الحاسب الآلي ان تبني فيها وسائل لمنع الاستنساخ غير المصرّح به للأعمال الرقمية. مثلا، شدّد مايكل آيزنر، رئيس مجلس ادارة والمدير التنفيذي لشركة والت ديزني في مقال في جريدة الفايننشال تايمز في 25 مارس/آذار عام 2002 بقوله:

 

"نحن الآن في منعطف الطريق. يجب ان يكون الهدف الرئيسي هو الجمع معا مبتدعي المحتويات ومبتدعي تكنولوجيا الحاسب الآلي للاتفاق على تكنولوجيات مناسبة لمنع استنساخ وبث المواد المحمية بحقوق النشر والتأليف غير المصرّح به. للحكومة الأمريكية دور مهم لتؤديه وذلك بوضع موعد أخير معقول تقوم بعده، ان لم يتحقق أي تقدم، بتكليف وضع مقاييس تكنولوجية لحماية الأعمال المحمية بحقوق النشر والتأليف من الاستغلال غير القانوني."

 

 ثالثا، وخصوصا فيما يتعلق بقواعد المعطيات الالكترونية العلمية او الفنية، يمكن تشجيع الدول النامية على تبني نظام خاص من حماية الملكية الفكرية، بالاضافة الى الحماية المحدودة التي توفرها اتفاقية "تريبس" واتفاقية بيرن (راجع المربّع 2:5). تم ادخال نظام للحماية sui generis من هذا القبيل في 15 دولة من دول الاتحاد الاوروبي في عام 1996. (31) وبما ان نظام قواعد المعطيات في الاتحاد الاوروبي يوفر الحماية للأجانب فقط على أساس متبادل، هناك مقترحات شبيهة لا تزال امام الكونغرس الأمريكي منذ عدة سنوات (مثلا قانون الاستثمار في قواعد المعطيات ومناهضة قرصنة الملكية الفكرية لعام 1996). وقد تقدم كل من الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة بمقترحات لعقد معاهدة دولية حول حماية قواعد المعطيات في المؤتمر الديبلوماسي للمنظمة العالمية للملكية الفكرية المنعقد في عام 1996.

 

المربّع 2:5 حماية الملكية الفكرية لقواعد المعطيات الالكترونية

 

تعتبر الحماية الفكرية لقواعد المعطيات قضية هامة جدا في العلوم والأبحاث والابتداع والابتكار، بالنظر للانتشار العالمي لخدمات الاعلام الحاسب الآلي. التقدّمات في تقنيات الاعلام والاتصالات قد جعلت قواعد المعطيات الرقميّة للمعلومات الواقعية مصدرا أساسيا للاسراع في نمو المعرفة وتحقيق اكتشافات جديدة وتوسيع تسهيلات شبكة الانترنت ونشرها واسعا وسهولة استعمالها. وبنفس الوقت فان التكنولوجيات نفسها تجعل الاستعمال غير المصرّح به والاستعمال من غير حقه بالجملة لقواعد المعطيات القيّمة هذه سهلا نسبيا. المسألة المركزية هنا هي ايجاد توازن بين مخاطبة مخاوف مبتدعي قواعد المعطيات بالنسبة للحوافز على الاستثمار في منتجات وخدمات قواعد المعطيات الجديدة وحمايتها من جهة، وحماية الحصول العرفي على المعطيات التي تحتويها تلك القواعد من قبل الجماعات العلمية والتربوية والمكتبية.

 

في معظم الدول تستحق قواعد المعطيات لحماية الملكية الفكرية عن طريق العلامات التجارية وتشريعات حقوق النشر والتأليف (ويمكن حمايتها في الواقع عن طريق عقود بين مستعملي قواعد المعطيات ومقدّم الخدمة). ولكن، حماية قواعد المعطيات بموجب قانون حقوق النشر والتأليف هي محدودة. تحمي اتفاقية بيرن مجموعات او مقتنيات الأعمال ولكن لا يأتي على ذكر حماية مقتنيات المواد غير المواد نفسها المحمية بحقوق النشر والتأليف. وفي القضية المشهورة في عام 1991 Feist Publications Inc. ضد Rural Telephone Service Co. ، رفضت المحكمة الأمريكية العليا منح الحماية لدليل تليفوني على أساس ان جمع الأسماء والعناوين وأرقام التليفونات لم يكن عمل ابتكاري أصلي.

 

وبموجب نظام sui generis للاتحاد الاوروبي، الذي استحدث في عام 1996، لمبتدعي قواعد المعلومات العلمية في منع استخراج محتويات قواعد المعطيات بالكامل او جزء كبير منها، لمدة 15 سنة، مع ان مدة الحماية قابلة للتجديد كلما جرى تغيير كبير (مثلا عند اضافة المزيد من المعطيات). الجدل بأن نظام الاتحاد الاوروبي مصمم لحماية الاستثمار بدلا من التعبير الابتكاري الأصلي تدعمه الحقيقة ومفادها انه لكي يكتسبوا الحماية يترتب على المبتدعين ان يظهروا بأنهم قاموا "باستثمار كبير" في تطوير قواعد المعطيات.

 

 

فتحت المعلومات الرقميّة وامكانية الحصول على اتصالات عالمية منخفضة الثمن فرصا هائلة لنشر واستخدام قواعد المعطيات العلمية والفنية في الدول النامية كما هو الحال في أماكن أخرى في العالم. وفي الواقع، فان القدرة على الوصول الى المعلومات الموجودة في قواعد المعطيات الحالية واستخدام واعادة جمع أجزاء مختارة منها لأغراض الأبحاث قد أصبحت جزءا رئيسيا في العملية العلمية. ولكن، تسعى قواعد المعطيات في القطاع الخاص المملوكة من الشركات التجارية الى التحكم في الحصول على المعلومات فيها بدون تصريح من أجل رفع وارداتها من الاشتراكات الى الحد الأقصى، حتى عندما تكون بعض المعطيات فيها متوفرة في الميدان العام او تم جمعها بفضل الأبحاث الممولة من الأموال العامة. بالتالي ان خوفنا الرئيسي هنا، هو مع ان تقوية حماية الملكية الفكرية لقواعد المعطيات على المستوى الدولي قد تشجّع الاستثمار في منتجات وخدمات قواعد المعطيات التجارية الجديدة، فانها في الوقت نفسه قد تخفّض الى حد بعيد حرية حصول العلماء والبحاث في الدول النامية على المعلومات التي تحتويها لأنه كثيرا ما تفتقر تلك الدول الى السبل المالية لدفع رسوم الاشتراكات اللازمة.

 

من الواضح ان المسائل المحيطة بقدرة الحصول على المعلومات وعلى المعرفة عبر شبكة الانترنت لا تزال تنشأ. فهي، من بعض النواحي، ذات أهمية فورية محدودة في الدول النامية بالنظر الى محدودية وصل تلك الدول بشبكة الانترنت. ولكن، مسائل الانترنت مهمة للجامعات وللأبحاث العلمية في العالم النامي وقد تصبح عما قريب مركزية في التعليم الثانوي وحتى التعليم الابتدائي في الدول النامية، حيث سيصبح الحصول على شبكة الانترنت أقل كلفة بكثير من بناء المكتبات العامة وتخزينها بالكتب. لشبكة الانترنت امكانيات عظيمة للتنمية ومن الضروري ان لا نفقد تلك الامكانيات.

 

هناك حاجة للقيام بالمزيد من التحليل حول أفضل الأساليب لحماية المحتويات الرقميّة وحماية مصالح أصحاب الحقوق، وفي الوقت ذاته احترام المبادىء التي تؤمن الحصول الكافي على المعلومات وعلى "الاستخدام المنصف" من قبل المستهلكين. وبوجه خاص، يترتب على صانعي السياسة ان يتفهموا تفهما أفضل تأثير الرغبة لتوزيع المعلومات عبر شبكة الانترنت وحماية محتواها التكنولوجي على الدول النامية. هناك احتمال من حماية قدر كبير من تلك المواد تكنولوجيا او عن طريق تدابير تعاقدية تفرض كشرط من شروط الحصول على المعلومات. من غير الواضح كيف يمكن ضمان المتطلبات المعقولة "للاستخدام المنصف" في مثل تلك البيئة.

 

مع ابقاء هذا المستوى الكبير من الشكوك نصب أعيننا، فقد توصلنا الى النتيجة ومفادها انه من السابق لأوانه في الوقت الحاضر ان تجبر الدول النامية في الذهاب الى أبعد من مقاييس اتفاقية "تريبس" في هذا المجال. ونحن نعتقد انه من غير الحكمة للدول النامية ان تصدّق على معاهدة حقوق النشر والتأليف للمنظمة العالمية للملكية الفكرية، ما لم تكن لديها أسباب وجيهة محددة للقيام بذلك، ويجب ان تحتفظ بحريتها لسن التشريعات بخصوص التدابير التكنولوجية. ويتبع من ذلك بأنه يجب ان لا تتبع الدول النامية، او في الواقع الدول المتقدمة، "قانون حقوق النشر والتأليف للألفية الرقميّة" في منع كل الالتفاف حول الحماية التكنولوجية. ونحن نرى، بصورة خاصة، بأن التشريعات مثل "قانون حقوق النشر والتأليف للألفية الرقميّة" يرجّح كفة الميزان بعيدا الى صالح منتجي المواد المحمية ببراءة على حساب الحقوق التاريخية للمستعملين. ان نسخ هذا القانون عالميا سيضر كثيرا بمصالح الدول النامية في القدرة على الحصول على المعلومات وعلى المعرفة التي هي بحاجة اليها للتنمية. وكذلك، فقد توصلنا الى النتيجة ومفادها ان "التوجيه المترتب على قواعد المعطيات للاتحاد الاوربي" يذهب الى حد بعيد في توفير الحماية الى تجميع المعلومات ومن شأنه ان يقيّد على نحو غير ملائم حرية الحصول على قواعد المعطيات العلمية التي تحتاج اليها الدول النامية.

 

يحق لمستخدمي المعلومات المتوفرة على شبكة الانترنت في الدول النامية حقوق "الاستخدام المنصف"، مثل عمل النسخ المطبوعة من الموارد الالكترونية وتوزيعها وذلك بأعداد معقولة لأغراض الأبحاث والتعليم، واستخدام مقتبسات معقولة منها في التعليقات والانتقادات. وحيث يحاول مزودو المعلومات الرقميّة او برامج الحاسب الآلي تقييد "الاستخدام المنصف" بشروط تعاقدية ملازمة لتوزيع المواد الرقميّة، يعتبر الشرط التعاقدي المعني لاغيا. وحيث تجري المحاولة الى فرض التقييد ذاته بأساليب تكنولوجية، يجب ان لا تعتبر التدابير لهزم الأساليب التكنولوجية للحماية في تلك الظروف على أنها غير قانونية. يجب على الدول النامية ان تفكر مليا قبل الانضمام الى معاهدة حقوق النشر والتأليف للمنظمة العالمية للملكية الفكرية ويجب ان لا تتبع الدول الأخرى خطى الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي في تنفيذ تشريعات على غرار "قانون حقوق النشر والتأليف للألفية الرقميّة" او "التوجيه المترتب على قواعد المعطيات".

_______________________________________________________

(1) A. Story (2002) "حقوق النشر والتأليف وبرامج الحاسب الالي وشبكة الانترنت"، وثيقة بمعلومات خلفية نشرتنها اللجنة 5، لندن، الصفحة 11.

http://www.iprcommission.org

(2) منظمة الاونيسكو (1998) "تقرير اعلامي عالمي 1997/1998"، الاونيسكو، باريس. المصدر:

http://www.unesco.org/webworld/com inf reports/wirenglish/chap23.pdf

(3) راجع، مثلا، R. Oman (2000) "حقوق النشر والتأليف – محرك التنمية"، الاونيسكو، باريس. المرجو الملاحظة بأن هذه النشرة متوفرة على الانترنت بمثابة كتاب الكتروني يمكن الحصول عليه بدفع رسم قيمته 67ر10 يورو. يتيح هذا الرسم المجال للقارىء بتصفّح الكتاب على شبكة الانترنت ولكن لا يسمح له بطباعته على ورق. هذا مثال جيد على الحماية التكنولوجية على شبكة  الانترنت. المصدر: http://upo.unesco.org/ebookdetails.asp?id=3004

(4) مصدر هذه المعلومات هو الرابطة الوطنية الهندية لبرامج الحاسب الالي وشركات الخدمات.

  industry/sw industry home.asphttp://www.nasscom.org/it

(5) W. Bgoya وغيره (1997) "اقتصادات نشر المواد التربوية في أفريقيا"، سلسلة مناظير حول تطوير الكتب الأفريقية، مجموعة عمل حول الكتب ومواد التعليم، لندن. المصدر: ENG/Economic%eng.pd http://www.adeanet.org/trans/Econ%20of%20publishing

(6) A. Story (2002) الصفحة 53

(7) البنك العالمي (1999) "تقرير التنمية العالمية 1998/1999: المعرفة للتنمية"، البنك العالمي، واشنطن دي سي. الصفحة 14. المصدر: 

http://www.worldbank.org/wdr/wdr98/

(8) C.M. Correa (2000) "الاستخدام المنصف في العصر الرقميّ"، الاونيسكو، باريس. المصدر:

 http://webworld.unesco.org/infoethics2000/documents/paper correa.rtf

(9) للحصول على تاريخ البروتوكول والملحق، راجع S. Ricketson (1987) "اتفاقية بيرن لحماية الأعمال الأدبية والفنية: 1886-1986"، كلوير، لندن، الفصل 11

(10) S. Ricketson (1987)، الصفحة 591

(11) مثلا يقدر اتحاد برامج الحاسب الالي للأعمال بأنه بلغت نسبة انتهاكات مستويات برامج الحاسب الآلي 97% و 94% في فييتنام والصين على التوالي في عام 2000.  اتحاد السوفتوير للأعمال (2001) " الدراسة السنوية السادسة لاتحاد برامج الحاسب الالي للأعمال حول قرصنة برامج الحاسب الالي"، اتحاد السوفتوير للأعمال. المصدر: http://www.bsa.org/resources/2001-05-21.55.pdf

(12) مثلا، يرجع الى أمريكا الشمالية واوروبا الغربية واليابان وحدها أكثر من 65% من الخسائر العالمية من برامج الحاسب الآلي المزوّرة، اتحاد ابرامج الحاسب الالي للأعمال (2001). الجدير بالملاحظة انه قد تم انتقاد اسلوب القيام بتلك الدراسات. يدلّ وصفها الى انها مبنية على أساس الفرق بين برامج الحاسب الالي  المركّب المقدّر وبين الامداد المشروع، المقيّم على أساس أسعار الامداد المشروع. لم يشيروا الى الحقيقة وهي انه في غياب "القرصنة" ستكون المبيعات الاضافية المشروعة بالضرورة أقل بكثير. وعلى هذا الأساس، ادعى البعض بأن تلك الأرقام تشكّل تقديرات كبيرة جدا أكثر مما يجب لخسارة الايراد من المبيعات.

(13) نطاق وعدد تلك المبادرات تجعله من المستحيل وصفها جميعها هنا، ولكن لعلّ أفضل مثال لها هو Health Internet Work Access to Research Initiative التي ترعاها منظمة الصحة العالمية، التي تقدم لمئة دولة نامية المعلومات على شبكة الانترنت مجانا والى نحو ألف مجلة طبية رئيسية. للحصول على قائمة وافية لتلك المبادرات الخاصة بالدول النامية راجعوا موقع الانترنت التالي: http://www.alpsp.org/htp dev.htm  او http://www.library.yale.edu/~llicence/develop.shtml

(14) تقرير اللجنة للنظر في القانون حول حقوق النشر والتأليف والتصاميم تحت رئاسة القاضي ويتفورد (تقرير ويتفورد) الذي قدّمه الى البرلمان البريطاني عام 1977، التقرير المؤقت لمجلس القضاء حول حقوق النشر والتأليف في المملكة المتحدة في قضية الجامعات في المملكة المتحدة ضد CLA. المصدر:

http://www.patent.gov.uk/copy/tribunal/uukvcla.pdf

(15) راجع مثلا، الاونيسكو (2001) "تقرير المراقبة بخصوص التعليم للجميع"، الاونيسكو، باريس. المصدر: http://www.unesco.org/education/efa/monitoring/pdf/monitoring report en.pdf

(16) P. Altbach (1995) "حقوق النشر والتأليف والتنمية: عدم المساواة في عصر الاعلام"، شبكة بيلاجيو للنشر، بوسطن ماساتشوسيتس، و W. Bgoya وغيره (1997).

(17) رابطة تطوير التعليم في أفريقيا، مجموعة العمل على الكتب وعلى مواد التعليم. المصدر: http://www.adeanet.org/workgroups/en wgblm.html

(18) خلال الثمانينات من القرن الماضي هبط الانفاق العام للطالب الجامعي في دول افريقيا جنوب الصحراء من 6300 دولار أمريكي الى 1500 دولار أمريكي بتقدير حقيقي، وشاهدت التسعينات من القرن الماضي هبوطا اضافيا تم تقديره بـ 30%. W. Saint (1999) "التعليم الجامعي عن بعد والتكنولوجيا في دول افريقيا جنوب الصحراء"، مجموعة العمل على التعليم العالي ADEA ،واشنطن دي سي.

(19) مثلا، حسب المعلومات المتوفرة من الاونيسكو (1998)، منح البنك العالمي قرضا قيمته 8ر15 مليون دولار أمريكي الى حكومة السنغال لتحسين الخدمات التي تقدمها مكتبة جامعة الشيخ أنطا ديوب في دكار.

(20) مثلا، في جامعة دار السلام في تنزانيا، نجد ان 100 طالب يتسابقون للحصول على نسخة واحدة من كتاب مدرسي في المكتبة ومقتنيات الجامعة من الكتب المدرسية عبارة عن نسختين من كل كتاب نفذ تاريخه. D. Rosenberg (1997) "مكتبات الجامعات في أفريقيا: نظرة الى وضعها الحالي وامكانياتها في المستقبل"، المعهد الأفريقي الدولي، لندن

(21) الاونيسكو (1998)، الفصل الرابع.

(22) راجع "حروب المجلات"، مجلة الاكنوميست، 10 مايو/أيار 2001.

(23) P. Altbach (1995)، الصفحة 7

(24) من غير المحتمل ان يتغيّر هذا الوضع بسرعة. هناك حواجز كبيرة لا علاقة لها بالملكية الفكرية تحول دون دخول شركات برامج الحاسب الالي في الدول النامية في سوق برامج الحاسب الالي الجاهزة للشراء من على الرف على مستوى هام، على الأقل في المدى القصير والمتوسط. تشمل تلك الحواجز حجم السوق المحلية الصغيرة في الدول النامية، التي يقل مجموعها عن 5% من سوق البرامج العالمية. منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (2000) "حالة تقنية الاعلام 2000"، منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، باريس. المصدر: http://www.oecd.org/dsti/sti/it/prod/it-out2000-e.htm

(25) لنعطي مثل على ذلك. يقال ان مجموعة "StarOffice" من برامج الأعمال التي تنتجها شركة "صن كوربوريشن" يمكن استعمالها تماما مع منتج "Office" المرغوب جدا الذي تنتجه شركة "مايكروسوفت" وهو متوفر للاستعمال من دون مقابل من موقع الانترنت الخاص بالشركتين.

(26) راجع شرح الكلمات للحصول على التعريف.

(27) ثمة مثال مشهور للبرامج الحاسب الالي  من المصدر المفتوح هو "Linux"، نظام شبيه بـ Unix للحاسبات الالية الشخصية جرى تطويره في جامعة هلسنكي في عام 1991 ومتوفر بسهولة. يجري توزيع النظام Linux مع شيفرة مصدره بموجب "ترخيص عام للجمهور".

(28) P. Lyman (1996) "ما هي المكتبة الرقميّة؟ التكنولوجيا والملكية الفكرية والمصلحة العامة"، دايدالوس: مجلة الأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم، المجلد 125 الرقم 4، الصفحة 12.

(29) للحصول على المزيد من المعلومات، راجع www.avu.org

(30) أدى المؤتمر الديبلوماسي للمنظمة العالمية للملكية الفكرية المنعقد في شهر ديسمبر/كانون الأول عام 1996 الى تبني معاهدتين جديدتي وهما: "معاهدة حقوق النشر والتأليف للمنظمة العالمية للملكية الفكرية" (المصدر: http://www.wipo.org/eng/diplconf/distrib/94dc.htm  و "معاهدة التمثيل والفونوغرام للمنظمة العالمية للملكية الفكرية" (المصدر: http://www.wipo.org/eng/diplconf/distrib/95dc.htm ) وهاتان تتعلقان على التوالي بحماية المؤلفين وحماية الممثلين ومنتجي الفونوغرامات.

(31) توجيه الاتحاد الاوروبي 96/9/ئي سي للبرلمان الاوروبي وللمجلس الصادر في 11 مارس/آذار عام 1996 في الحماية القانونية لقواعد المعطيات. المصدر: http://www.europa.eu.int/ISPO/infosoc/legreg/docs/969ec.html


الفصل السادس

 

اصلاح نظام براءات الاختراع

 

المقدمة

 

كان الهدف من نظام براءات الاختراع، في مفهومه "الحديث" الأصلي، حسب ما ورد في الدستور الأمريكي هو "تشجيع تقدّم العلوم والفنون وذلك بتأمين لمدد محددة للمؤلفين وللمخترعين حقوقا مقتصرة على مؤلفاتهم واكتشافاتهم". كان الغرض هو الحث على الاختراع، بمكافأة المخترعين بحق يستبعد الآخرين من استخدام اختراعاتهم، حيث يجب ان تتّصل المكافأة بفائدة الاختراع للمجتمع. ورأوا بأن افصاح المعلومات في براءة الاختراع من شأنه ان يحث على التقدم الفني.

 

ومع مرور الزمن، تحوّل التشديد باتجاه رؤية نظام براءات الاختراع بمثابة اسلوب لتوليد الموارد اللازمة لتمويل الأبحاث والتطوير وحماية الاستثمارات. وبما ان نظام براءات الاختراع يعرض مستوى قياسيا من الحماية في كافة المجالات التي يغطيها، لا توجد صلة مباشرة بين قيمة الحق الممنوح لاختراع معيّن والتكاليف المتكبّدة في الأبحاث والتطوير. يمكن ان تكون هناك صلة بين قيمة الاحتكار وفائدته الاجتماعية، لو جرى أخذ الطلب في السوق كدليل يعتمد عليه للفائدة الاجتماعية. ولكن بالنسبة للدول النامية بصورة خاصة هذا ليس هو الواقع. لا يمكن لنظام براءات الاختراع ان يحثّ على الاختراعات المفيدة للمجتمع ان لم يكن لدى المستفيدين المحتملين الامكانيات المادية لشرائها او لم يكن أحد آخر على استعداد لدفع ثمنها بالنيابة عنهم.

 

ومثلما نوّهنا في "النظرة العامة"، هناك قلق حول الطريقة التي تطوّر فيها النظام وهذا ينطبق على الدول المتقدمة وأيضا على الدول النامية. يتعلق هذا القلق بصورة خاصة في كيفية تطبيق نظام براءات الاختراع على جيل جديد من التكنولوجيات، ولا سيما في العلوم الحية وتقنية الاعلام. رافق تطوّر التكنولوجيا الاحيائية التسجيل ببراءة الواسع الانتشار للأشياء الحية، التي أقرت صلاحية تسجيلها ببراءة المحكمة العليا في الولايات المتحدة في قضية "دياموند" ضد "شكرابرتي" في عام 1980.(1) وعلى نحو مماثل فان تطوير وتطوّر تكنولوجيات الاعلام والاتصالات قد رافقها تمديد لتسجيل براءات الاختراغ لبرامج الحاسب الآلي في الولايات المتحدة.

 

وقد رافق تمديد تسجيل براءات الاختراع للتكنولوجيات الجديدة استعمال واسع لنظام التسجيل ببراءة. ففي الولايات المتحدة والى حد أقل في كافة أنحاء العالم يزداد عدد براءات الاختراع بسرعة. بين عامي 1981 و 2001 ازداد عدد براءات الاختراع الممنوحة في الولايات المتحدة بسرعة من 71000 الى أكثر من 184000. يشكّل ذلك ارتفاعا نسبته 159%. وقد تسارع هذا الارتفاع خلال السنوات الخمسة الماضية اذ ارتفع عدد البراءات الممنوحة أكثر من 50%، مقارنة بأقل من 14% خلال السنوات الخمسة السابقة لها. تبدو هذه الزيادة على انها تعكس النمو في حد التسجيل ببراءة (مثلا، بالنسبة لكل دولار يجري انفاقه على الأبحاث)، وليس زيادة نسبتها 50% في عدد الاختراعات. وفي التسعينات من القرن الماضي ازدادت النفقات الأمريكية على الأبحاث والتطوير في الواقع بنسبة 41% تقريبا، بينما ازداد عدد البراءات الممنوحة أكثر من 72% في السنوات العشرة السابقة لعام 2001.(2)

 

نظام براءات الاختراع مصمم كأداة لتوفير الحافز للتقدّم الفني. وتعتمد فعالية قيامها بذلك على الانطباق بين طبيعة الحافز والعمليات الصناعية التي يجري بموجبها التطوّر التكنولوجي. ولكن بينما لدى نظام البراءات معايير متّسقة للحكم على طلبات التسجيل ببراءة، قد يتفاوت نمط التقدم الفني تفاوتا كبيرا في مختلف المجالات. نظام براءات الاختراع ينطبق على أفضل وجه نموذج للتقدم يكون فيه المنتج المسجّل ببراءة، الذي يمكن تطويره للبيع الى المستهلك، نتيجة لعملية أبحاث خطيّة. ماكينة الحلاقة وقلم الحبر الجاف هما أمثلة على ذلك، كما وان العقاقير الجديدة تتقاسم أيضا بعض تلك الخصائص.

 

على العكس من ذلك، في صناعات عديدة ولا سيما تلك المبنية على أساس المعرفة، يمكن ان تكون عملية الابتداع تراكمية ومعيدة تستعين بمجموعة من الاختراعات السابقة التي تم اختراعها بشكل مستقل وتدخل في أبحاث مستقلة أخرى يقوم بها آخرون.(3) تتطوّر المعرفة عن طريق عقول عديدة وهي تبني تدرجيا على أعمال الآخرين. كتب السير آيزاك نيوتن بتواضع منذ زمن طويل بقوله: "اذا كنت قد رأيت أبعد من الآخرين فلأنني تمكنت من الوقوف على أكتاف العمالقة."(4) وعلاوة على ذلك يتألف الكثير من الأبحاث من التطوير الروتيني نسبيا للتكنولوجيات القائمة حاليا. مثلا، كان ترتيب تسلسل الجينات سابقا عملية يدوية تتسم بالكدح والجهد وها هي الآن عملية اوتوماتيكية تماما تتطلب القليل من الابتكار. تطوير برامج الحاسب الآلي عبارة عن بناء تدريجي على ما هو موجود حاليا. وفي الواقع، تعتمد "حركة البرامج من مصدر مفتوح" على تلك الخصيصة لتطوير شبكة من واضعي البرامج الحاسب الآلي المستقلين العاملين في تطوير البرامج على أساس اعادة المنتج المحسّن الى المجموعة المشتركة.

 

وعمليا من الصعب التمييز بين عمليات الأبحاث "المتميّزة" و "التدرّجية" او "التراكمية"، لأن الأبحاث تجري بطرق عديدة وكثيرا ما يكون فيها عامل مكتشف بالصدفة. ولكن الى حد بعيد، ينطبق الآن الأنموذج "التراكبيّ" أكثر على الأبحاث من الأنموذج "المتميّز". وثمة نظام لبراءات الاختراع جرى تطويره على أساس مفهوم الأنموذج المتميّز قد لا يكون أنموذجا مثاليا للأنموذج التراكمي. وهكذا مثل ما أشار "ميرجيس" و "نيلسون":

 

"في آخر المطاف من الأهمية ان نضع نصب أعيننا بأن كل مخترع محتمل هو أيضا منتهك محتمل.  وهكذا فان "تقوية" حقوق الملكية لن يزيد دائما الحوافز للاختراع؛ قد تقوم بذلك بالنسبة لبعض الروّاد، ولكنها قد تزيد امكانية وقوع المحسّن في شبكة القضايا القانونية...فعند منح براءة اختراع واسعة النطاق، فان هذا النطاق يخفّض الحوافز لبقاء الآخرين في اللعبة، بالمقارنة ببراءة اختراع تكون مفصّلة بدقة أكثر طبقا للنتائج الحقيقية التي حققها المخترع. لن يكون ذلك غير مرغوب فيه لو أشارت الأدلة الى ان التحكم بالتطورات اللاحقة من قبل طرف ما قد تجعل المجهود الاختراعي أكثر فعالية. لكننا نعتقد بأن الأدلة تشير الى العكس من ذلك."(5)

 

المسألة الحرجة هنا هو المدى الذي سيقوم به نظام لبراءات الاختراع كما تطوّر الآن في العالم المتقدم، والذي يطلبون من الدول النامية ان يتبنوه، بتوفير الحوافز المناسبة للاختراع. من المعضلات الجوهرية هنا هو هذا العدد الكبير من براءات الاختراع المسجلة لتكنولوجيات قد تكون نتيجة لعملية أبحاث واحدة ولكن من الممكن ان تكون نتائج عملية أبحاث واحدة او أكثر. هناك مثل على ذلك وهو منح براءة اختراع الى "أدوات الأبحاث".(6)

 

هذا، وانسجاما مع التوسّع في تسجيل البراءات في القطاع الخاص، تسرع مؤسسات الأبحاث العامة الى تحويل التكنولوجيات التي تطورّها بتسجيلها ببراءة. وفي الولايات المتحدة شجّعوا هذا الاسلوب بسنّ قانون بي-دول" في عام 1980، وانتشرت هذه السياسة الى الدول النامية الأخرى وعلى نحو متزايد الى الدول النامية الأكثر تقدما تكنولوجيا. وقد ارتفع عدد براءات الاختراع التي تمنح سنويا الى الجامعات الأمريكية عشرة أضعاف تقريبا، من أقل من 350 براءة في السبعينات من القرن الماضي الى أكثر من 3000 براءة في عام 2000. وقد ارتفعت نسبة البراءات الممنوحة الى الأكاديميين في الولايات المتحدة من نصف بالمئة الى 2% من مجموع عدد البراءات الممنوحة خلال الفترة ذاتها.(7) يقول البعض بأن تلك السياسة قد حثّت على تدفّق الاختراعات من الجامعات وشجّعت تسويقها تجاريا من أجل الفائدة الاقتصادية للمجتمع ككل. بالنسبة للآخرين، فهذا الأمر يثير القلق من التقييد المحتمل لحرية الحصول على نتائج الأبحاث او استخدامها من قبل الآخرين؛ وامكانية تشويه أولويات الأبحاث في القطاع العام، وما اذا كانت الزيادة في تسجيل البراءات  دليل صحيح للتسارع في نقل التكنولوجيا. نحن ندرس ماذا يعني القلق بالنسبة لنظام براءات الاختراع في الدول المتقدمة للدول النامية.  

 

أولا، حتى تتجنّب امكانية مواجهة مشاكل مشابهة لتلك التي واجهها العالم المتقدم، يتعيّن على الدول النامية ان تستنبط أنظمة لبراءات الاختراع تأخذ بعين الاعتبار ظروفها الاقتصادية والاجتماعية المعيّنة. ويجب على مكاتب براءات الاختراع وعلى السلطات التشريعية في الدول النامية ان تدرك ادراكا تاما التأثير التجاري والاجتماعي للاسلوب الذي يتبعونه في استنباط وتنفيذ السياسة المترتبة على براءات الاختراع. وقد ترغب الدول النامية الأكثر تقدما تكنولوجيا ان تتبنى أنظمة توفر حماية واسعة لبراءات الاختراع كحوافز للأبحاث والتطوير. ومن ناحية أخرى قد ترغب في تجنّب تلك النواحي في النظام التي لا توفر حوافز للأبحاث والتطوير، ولا سيما الابتداع التابع. وقد ترغب في تجنّب تحويل الموارد للصرف على القضايا القانونية والنـزاعات الناجمة عن براءات الاختراع ذات الصحة المشكوك فيها، وعن قيام أصحاب الحقوق بتأجير حقوقهم المشكوك بفائدتها الاجتماعية.(8) يجب ان تتوفر لتلك الأنظمة حمايات كافية لتأمين وجود بيئة تنافسية وتخفيض التكاليف التي يتكبدها المستهلكون الى الحد الأدنى. ولما كان القدر الكبير من الخبرة والبراعة العلمية والتكنولوجية في الدول النامية متمركزاً في القطاع العام، هناك حاجة الى التفكير مليا في متضمّنات التسجيل ببراءة من قبل مؤسسات الأبحاث والجامعات. والبلدان التي لها بنية اساسية علمية وتكنولوجية ضعيفة لن يكون لها داعي لتبني حماية واسعة لبراءات الاختراع، بالنظر الى ان معظم تكنولوجيتها هي تكنولوجيا مستوردة.

 

ثانيا، هناك مسألة صعبة جدا تتعلق بكيف يمكن التوفيق بين مصالح الدول النامية والضغوط الحالية لتوفيق نظام براءات الاختراع الدولي مع المعايير المعمول بها في الدول المتقدمة. وتنشأ تلك المسألة من جراء الزيادة في عدد طلبات التسجيل ببراءة، التي تفرض طلبات ثقيلة على موارد عدد كبير من مكاتب براءات الاختراع، والاعتراف بأن هناك قدر كبير من الازدواجية في الجهود، ولا سيما في الحاجة الى تقديم طلبات متعددة لاختراع واحد في أقضية قانونية مختلفة. يمكن تجنّب مثل تلك الازدواجية بجعل الاختلافات في المقاييس والمعايير في اجراءات البحث في الطلبات وفحصها منسجمة مع بعضها البعض. وبالنسبة للبعض فان الهدف النهائي هو ايجاد براءاة اختراع دولية، صالحة في جميع أنحاء العالم ومبنية على أساس عملية طلب واحدة لبراءات الاختراع. ولكن اذا كان لنا ان نشجّع الدول النامية على استنباط أنظمة لبراءات الاختراع تناسب ظروفها الفردية وغاياتها، التي هي نفسها تختلف عن بعضها البعض حسب مرحلة تنمية الدول، فكيف يتوجب على الدول النامية ان تسير قدما؟

 

فيما يلي الأسئلة الحرجة للدول النامية التي تنشأ عن المباحثات أعلاه:

 

·                   كيف يتعيّن على الدول النامية ان تصيغ تشريعاتها وممارستها الخاصة ببراءات الاختراع؟ وما هي التدابير التي يترتب على الدول النامية ان تتبناها عموما للتخفيض الى الحد الأدنى التأثيرات الضارة المحتملة لأنظمة براءات الاختراع؟

·                   هل يجب على الدول النامية ان تشجّع مؤسسات الأبحاث في القطاع العام في بلادها على تسجيل اختراعاتها ببراءة؟

·                   الى أي حد يعيق تظام براءات الاختراع الأبحاث ذات الصلة بالدول النامية؟ وهل يشكّل تسجيل أدوات الأبحاث ببراءة مشكلة بالنسبة للدول النامية؟

·                   ما هو الأسلوب الأمثل الذي يتعيّن على الدول النامية ان تتبعه في ما يتعلق بموضوع التوفيق بين مختلف أنظمة براءات الاختراع؟

 

تصميم أنظمة براءات الاختراع في الدول النامية

 

المقدمة

 

نحن نعتقد بأنه في تفكيرها بتصميم أنظمة لبراءات الاختراع يجب على الدول النامية ان تتبنى استراتيجية مؤيدة للمنافسة ومنحازة، مثلما قال أحد المراقبين، باتجاه القادمين الجدد وليس باتجاه أصحاب براءاة الاختراع القدامي.(9) وهذا الأمر مهم بصورة خاصة في مجالات التكنولوجيا مثل الادوية والمنتجات الزراعية حيث من المحتمل، كما سبق وقلنا، ان تكون كلفة الحماية القوية باهظة. ويمكن تحقيق الاستراتيجية المؤيدة للمنافسة على أفضل وجه بتقييد نطاق الحماية لبراءات الاختراع.

 

ويجب تحقيق ذلك ضمن قيود الواجبات الدولية والثنائية كما يلي:

 

·                   الحد من نطاق الموضوع المطلوب تسجيله ببراءة.

 

·                   تطبيق مقاييس بحيث تمنح براءات الاختراع فقط  لتلك التي تلبي المتطلبات الصارمة للتسجيل ببراءة وبأن يكون اتساع كل براءة اختراع متناسب مع المساهمة الاختراعية والافصاح المعطى

 

·                   تسهيل المنافسة بتقييد قدرة أصحاب البراءات على منع الآخرين من البناء على او التصميم حول الاختراعات المسجلة ببراءة

 

·                   توفير اجراءات واقية واسعة للتأكد من عدم استغلال حقوق براءات الاختراع بشكل غير ملائم

 

·                   التفكير بملاءمة أشكال أخرى من الحماية لتشجيع الابتداع المحلي.

 

نبحث أدناه بكيفية تحقيق تلك الغايات عمليا.

تاريخيا، مثل ما رأينا، تبنت الدول انظمة براءات الاختراع التي تشجّع او لا تشجّع او كثيرا ما تمنع  براءات الاختراع في مجالات معيّنة من التكنولوجيا. قدوم اتفاقية "تريبس" مع متطلبها لاسلوب أكثر اتّساقا لشتى مجالات التكنولوجيا، قد خفّض الخيارات المتوفرة للمشرّعين. ومع ذلك لا تزال للقائمين بصياغة التشريعات المترتبة على براءات الاختراع مجموعة هامة من الأدوات، ولو أوقفت اتفاقية "تريبس" البعض منها.(10) فقد صدر العديد من الكتب والنصوص المحتوية على تفاصيل لنطاق الخيارات المتوفرة بموجب اتفاقية "تريبس".(11) نصف في الفقرات التالية بعض تلك الخيارات ونبحث في صلتها بنوع نظام براءات الاختراع المؤيد للمنافسة الذي نوصي به لغالبية الدول النامية. ونحن نبحث أيضا كيف يمكن تنفيذ بعض التوصيات المتعلقة بالسياسة المترتبة على براءات الاختراع الواردة في الفصلين السابقين المتعلقين بالصحة والزراعة.

نطاق صلاحية براءة الاختراع

 

الاختراعات القابلة للتسجيل ببراءة

 

تقضي اتفاقية "تريبس" بأن "تتوفر براءات الاختراع لأية اختراعات، ان كانت منتجات او عمليات صناعية، في كافة ميادين التكنولوجيا شرط ان تكون هذه جديدة وتنطوي على خطوة اختراعية (غير بديهية) ويمكن تطبيقها صناعيا (مفيدة)."(12) ولكنها لا تعرّف كلمة "اختراع"، ولا تصف كيف تعرّف المعايير الثلاثة المترتبة على التسجيل ببراءة. حقا، يمكننا القول بأنه من الشائع لمختلف المحاكم الاوروبية، حتى عند تطبيقها لقانون مماثل، بأن تتوصل الى استنتاجات مختلفة حول ما اذا كانت براءة الاختراع بديهية ام لا. وهكذا هناك مجال واسع للدول النامية بأن تقرر لنفسها مقدار صرامة المقاييس المشتركة بموجب اتفاقية "تريبس" التي يجب تطبيقها وكيف يجب التعامل مع عبء الأدلة.

 

وتعودت الدول المتقدمة والدول النامية على مدى التاريخ ان تشترط بأن بعض الأشياء لا تشكّل اختراعات لغرض حماية براءة الاختراع. من بينها تلك الأشياء، مثلا،  الواردة في المادة 52 من الميثاق الاوروبي لبراءات الاختراع وهي:

أ) الاكتشافات، النظريات العلمية والأساليب الحسابية؛

ب) الابتكارات الجمالية؛

ج) مشاريع وقواعد وأساليب أداء الأعمال الفكرية ولعب الألعاب او القيام بالأعمال التجارية وبرامج الحاسب الآلي؛

د) عرض المعلومات.

 

وتنص المادة 52(4) من الميثاق الاوروبي لبراءات الاختراع بأن الأساليب المتبعة في علاج الجسم البشري او الحيواني بالجراحة او المداواة وأساليب التشخيص الممارسة على الجسم البشري او الحيواني لن تعتبر اختراعات تخضغ الى الطلبات الصناعية. وتنصّ المادة 53(ب) من الميثاق الاوروبي لبراءات الاختراع بأنه لن تمنح براءات الاختراع لمنوّعات النباتات او الحيوانات او أساسا للعمليات الاحيائية المتبعة في انتاج النباتات والحيوانات.

 

ومع ان ممارسات المكتب الاوروبي لتسجيل براءات الاختراع اللاحقة والاجتهادات القانونية قد خففت الى حد ما نطاق تلك المواد، (13) يبدو انه من المعقول تماما لمعظم الدول النامية ان تتبنى لائحة من الاستثناءات كحد أدنى. وفي الواقع لقد ذهبنا الى حد أبعد في استنتاجاتنا الواردة في الفصل الثالث عندما قلنا بأنه يجب ان لا تجعل الدول النامية حماية براءات الاختراع عموما متوفرة لجميع النباتات والحيوانات.(14) وسعى عدد من الدول النامية الى الحد أكثر ما يشكّل الاختراع القابل للتسجيل ببراءة. مثلا، ينص نظام الملكية الصناعية المشترك لميثاق الدول الأندينية بأنه يجب ان لا تعتبر ما يلي اختراعات:

 

"أي شيء حي، أكان كاملا ام جزئيا، كما يوجد في الطبيعة، والعمليات الاحيائية الطبيعية، والمواد الاحيائية، كما هي متواجدة في الطبيعة، او يمكن فصلها، بما فيها جينوم او بلازما الجرثومة."(15)

 

ويمكن ايجاد شروط مشابهة في تشريعات البرازيل والأرجنتين. ونحن نبحث أدناه بمسألة القواعد التي يجب ان تترتب على امكانية تسجيل المواد الجينية ببراءة.

 

استبعاد الاختراعات على أسس أخلاقية

 

ان الجدال المحيط بحماية براءات الاختراع لاختراعات معيّنة، ولا سيما تلك التي تشمل المواد الاحيائية، هو بكل وضوح أكثر من مجرد كونه يتعلق بالاقتصادات. فبالنسبة الى عدد كبير من الناس، في كل من الدول المتقدمة والدول النامية، فهم يعتبرون فكرة تسجيل الكائنات الحية ببراءاة هو عمل خاطىء أخلاقيا. وهذا كثيرا ما يتلازم مع الرأي القائل بأنه يجب ان لا تسجّل ببراءة الأشياء الحية لأنه لا يمكن، من حيث تعريفها، الا ان تكتشف ولا تخترع. وفي المحادثات الأخيرة داخل اوروبا حول الحماية التي يمكن منحها لاختراعات التكنولوجيا الاحيائية اشتركت فيها بنشاط الجماعات التي تعارض تسجيل "الحياة" ببراءة.(16) والنص النهائي لتوجيه الجماعة الاوروبية الناجم عن تلك المحادثات وضع بعض الشروط لاستبعاد بعض المجموعات من الاختراعات(18) من حماية براءات الاختراع على أسس أخلاقية ولكنها سمحت بالتسجيل ببراءة النباتات والحيوانات والمواد الجينية. وقد يؤدي جدال مماثل في دولة نامية حيث تكون المصالح الاقتصادية المحلية لتسجيل الأشياء الحية ببراءة ضعيفة وحيث تختلف فيها القيم الثقافية والدينية، قد يؤدي الى نتيجة مختلفة. وفي مثل هذه الحالة يمكن اتخاذ قرار لمنع تسجيل البراءة على أسس أخلاقية وذلك لاختراعات تدعي مادة جينية مثل الجينات البشرية. ولكن يمكن قبول استبعاد من هذا النوع على أساس الاستثناء الأخلاقي الوارد في المادة 27-2 من اتفاقية "تريبس" فقط اذا اعتبر منع "الاستغلال التجاري" لاختراع حرم من التسجيل ببراءة ضروريا. وهكذا فان مسألة تطبيق الاستبعاد وبنفس الوقت السماح بالبيع او بالاستغلال التجاري الآخر هي مسألة مثيرة للمناقشة.

 

ولكن يمكن تمديد بعض المخاوف الأخلاقية حول التكنولوجيات المبنية على أساس الجينات فقط الى احتمال قيام شخص ما بادعاء الاحتكار على التكنولوجيا وليس على الاستغلال التجاري. وفي تلك الحالة ان السعي الى الاستبعاد من حماية براءات الاختراع يمكن تحقيقه على أفضل وجه بتطبيق صارم لمعايير الاستحقاق للتسجيل ببراءة. وهذه تشمل، مثلما بحثنا اعلاه، التعريف بوضوح ما هو الذي يشكّل اختراعا قابلا للتسجيل ببراءة مقابل اكتشاف لا يمكن تسجيله ببراءة، والتأكد من تطبيق مفاهيم البدعة (novelty) والخطوة الاختراعية والمنفعة الصناعية كما يجب. ونحن ندرك بأنه عمليا من الصعب التمييز بين الاكتشاف والاختراع واستمرار ذلك الأمر يشكّل تحديا للمشرّعين.

 

وقد تنشأ الأمور الأخلاقية فيما يتعلق ببراءات الاختراع غير تلك الموجودة في حقل التكنولوجيا الأحيائية. مثلا، قررت مؤخرا كل من المملكة المتحدة وكينيا ان ترفض، على أسس أخلاقية، براءات الاختراع للألغام الأرضية.

 

مقاييس صلاحية براءات الاختراع

 

البدعة (novelty) والخطوة الاختراعية (inventive step) ومتطلبات المنفعة (utility requirements)

 

أوصينا في الفصل الرابع بواجب اشتراط المقياس القاطع للبدعة بحيث يشمل الفن السابق الذي بموجبه يجري الحكم على البدعة الافصاح عن طريق الاستعمال في أي مكان في العالم. وكذلك في الفصل الثاني نحن نحذّر الدول النامية من مجرد أخذ من القوانين الاوروبية الأخيرة نسبيا الفكرة بأنه يمكن اعتبار المنتج جديدا اذا جرى تحديد استعمال جديد له. اتفاقية "تريبس" لا تتطلب هذا الأمر وهناك وجهات نظر مختلفة حول ما اذا كان من المستحسن تمديد الحماية بهذه الطريقة، وهذا أمر قد ترغب الدول النامية في التفكير به بعناية.

 

وفي بعض الأقضية القانونية، فان افصاح المخترع عن اختراعه في الفترة السابقة، عادة 12 شهرا، من ملء طلب تسجيل هذا الاختراع ببراءة، لن يلغي بدعة تلك البراءة. هذه المهلة التي يمكن ان تكون محدودة بافصاح الاختراع فقط في المعارض المعترف بها دوليا او قد تغطي أي افصاح، هي مهلة للسماح لصاحب البراءة بالسعي للدعم المالي او اختبار اختراعه في السوق. ولكن، في غياب أي توافق دولي بخصوص المهلات، قد يخاطر المخترع بفقدان حقوق البراءة في قضاء قانوني لا يعترف بتلك المهلات بسبب افصاح اختراعه في قضاء قانوني يعترف بها. وبالنسبة للدول النامية التي لن يكون لديها أكثر من حفنة قليلة من أصحاب البراءات فليس لديها الكثير الذي تكسبه من توفير المهلات.

 

وفي الوقت الحاضر يعتبر الاختراع مخترعا اذا لم يكن بديهيا الى شخص ماهر في الفن.(19) قد يجادل البعض بأن هذا المقياس المطبق حاليا، مثلا من قبل المكتب الاوروبي لتسجيل براءات الاختراع والمكتب الأمريكي لبراءات الاختراع والعلامات التجارية، هو منخفض جدا في انتشار واسع لبراءات قد تعطى لاختراعات تافهة قد لا تساهم في الهدف الرئيسي لنظام براءات الاختراع الذي هو تقدّم العلوم للفائدة العامة.

 

ونحن لا نعلم عن أي مقياس اعلى بشكل هام يجري تطبيقه حاليا في أماكن أخرى. ولكن، هناك بعض الأمثلة على تطبيق مقاييس عالية في الماضي. مثلا، في النصف الأول من القرن العشرين طبّقت الولايات المتحدة مقياس "لحظة من العبقرية الابتكارية" الذي من الممكن ان يجعل غالبية براءات الاختراع التي تصدر حاليا غير نافذة المفعول.

 

وبالنسبة للدول النامية فان المستوى المنخفض السائد حاليا للخطوة الاختراعية يبرز قلقين وهما: أولا، بالطريقة التي يجري فيها تطبيقه في الدول المتقدمة يمكنه ان يعيق الأبحاث العلمية المهمة في الدول النامية. والقلق الثاني هو انه يتوقع من الدول النامية ان تطبّق مقياسا شبيها في أنظمتها الخاصة. ونحن نحث الدول النامية بأن تفكّر مليا قبل القيام بذلك وان تتحرى لعلها تجد مقياسا عاليا ملائما لها. ومن الاقتراحات التي تقدم بها البعض تطلب من طالب براءاة الاختراع ان يبرهن بأن اختراعه المقترح يعكس مقياسا من الاختراعية أعلى مما هو عادي في الصناعة المعنية.(20) والهدف من أي مقياس هو التأكد من أن أية زيادات روتينية في المعرفة المنطوية على الحد الأدنى من الادخال الابتكاري يجب ان لا تكون عموما صالحة للتسجيل ببراءة.

 

وتحتاج الدول النامية الى التفكير بالأثر المحتمل لأي مقياس عالي للخطوة الاختراعية على قدرة الشركات المغامرة المحلية على حماية ابتداعاتها الخاصة بها. وسنعود الى هذا الموضوع عندما نبحث في أهمية الدرجات الثانية من الحماية مثل نماذج المنفعة.

 

ولعل متطلب كون الاختراع له تطبيق صناعي (او منفعة في الولايات المتحدة) هو المتطلب الوحيد للصلاحية للتسجيل ببراءة الذي تم جعله أكثر صرامة في الآونة الأخيرة. وقد نشأ ذلك بالنظر الى الصعوبة في التقرير ما اذا كانت الاختراعات ذات العلاقة ببعض التكنولوجيات الاحيائية، مثل تلك التي تشمل الجينات او البروتينات لها حقا تطبيق صناعي. كثيرا ما لا يكون مثل هذا التطبيق بديهيا من الاختراع نفسه. قدم مؤخرا المكتب الأمريكي لبراءات الاختراع والعلامات التجارية ارشادات حول كيفية تقييم المنفعة في القضايا التي تتعلق بتسلسل د.ن.أ.(21) في تلك الحالات يمكن التأكد من المنفعة فقط اذا أفصح طلب البراءة عن منفعة محددة، كبيرة ومصداقية. مثل هذا المتطلب يجري تطبيقه الآن الى حد ما من قبل المكتب الاوروبي لتسجيل براءات الاختراع.(22) ويعقد الأمل بأن يمنع هذا المقياس الجديد منح البراءات لاختراعات يفصح طلبها بتطبيق واحد متسم بطابع المضاربة، ولكنه لا يذهب الى حد بعيد، وبالتالي هناك حاجة تدعو الى مراقبة الخطوط الهادية الجديدة مراقبة وثيقة.

 

ويتعيّن على الدول النامية التي توفر حماية براءات الاختراع لاختراعات التكنولوجيا الاحيائية ان تقيّم ما اذا كانت فعليا قابلة للتطبيق الصناعي، مع الأخذ بعين الاعتبار الارشادات التي وضعها المكتب الأمريكي لبراءات الاختراع والعلامات التجارية على انها مناسبة.

 

متطلّب الافصاح

 

العقد الذي يبرمه المخترع مع المجتمع هو انه لقاء منحه براءة اختراع يأخذ فترة احتكارية محدودة وفي المقابل يفصح طالب البراءة معلومات كاملة عن اختراعه. ومدى الافصاح الذي يعتبر ضروريا للايفاء بواجبات طالب البراءة في العقد يتفاوت بين الدول. ففي بعض الدول، بما فيها الولايات المتحدة، المطلوب من طالب البراءة ليس فقط ان يفصح معلومات كاملة عن اختراعه بطريقة تتيح المجال لطرف ثان ان يضعه قيد التنفيذ، بل عليه ان يفشي أيضا أفضل الطرق للقيام بذلك. وتكون عادة عقوبة عدم الامتثال هي سحب براءة الاختراع.

 

يتعيّن على الدول النامية ان تتبنى شرط "أفضل الطرق" للتأكد من أن طالب البراءة لا يخفي معلومات من شأنها ان تكون مفيدة لطرف آخر.

 

وثمة مسألة أخرى تتعلق بالافصاح هي المتطلّب المحتمل للافصاح عن مصدر أية مادة احيائية تستعمل في الاختراع التي بحثنا بشأنها في الفصل الرابع.

 

والعلاقة بين مدى الافصاح ونطاق او اتساع الحماية المطلوبة هي مسألة هامة أخرى. تتطلب عادة أنظمة براءات الاختراع بأن يجري افصاح الاختراع في طلب براءة الاختراع باسلوب واضح وكامل بما يكفي ليقوم به شخص ماهر بهذا الفن. ويجب ان تكون الطلبات المقدمة مدعومة أيضا بوصف للاختراع. مثلا، القياس المطبّق في المملكة المتحدة هو ان البيان الجيد للمطالبة هو واحد ليس واسعا كثيرا بحيث يتجاوز الاختراع ولكن ليس ضيّقا بحيث يحرم المطالب بالبراءة من مكافأة عادلة لافصاحه لاختراعه. (23) وقد أفادت المحاكم الأمريكية مؤخرا بأن الافصاح يجب ان يكون كافيا للسماح بأداء كافة نواحي الاختراع المطالبة له براءة، وان الافصاح باسلوب واحد لوضع الاختراع قيد العمل لا يكون كافيا دائما.(24)

 

ولكن ماذا تعني المطالبة الواسعة؟ فلنأخذ مثل المخترعة لمركّب طبي جديد لعلاج الصداع.  فهي تفصح الاستخدام المحتمل لمركّبها الطبي في طلبها للبراءة، ولكن ادعاءاتها تتجاوز هذا الاستخدام للمركّب الطبي نفسه، وأيضا كافة استخداماته المحتملة. وخلال مدة البراءة يقوم شخص آخر بالتأكيد بأن هذا المركّب الطبي هو مفيد أيضا لعلاج أمراض القلب. هل هو حق اذا بأن تتمكن صاحبة البراءة من منع استعمال المركّب الطبي، بدون تصريح منها، لأغراض لم تكن تتوقعها؟ هل يمكن تبرير حقا تلك المطالبات الواسعة على أساس الافصاح المحدود؟

 

تبرّر قوانين براءات الاختراع في الدول المتقدمة هذا النوع من المطالبات الواسعة على أساس ان المخترعة وضعت في المتناول شيئين وهما: المركّب الطبي والاستخدام الأول له. وبينما موضوع اتساع المطالبات هو موضوع عامّ، فهو ينشأ بصورة خاصة فيما يتعلق بتسجيل الجينات ببراءات الاختراع. ومثلما قلنا أعلاه، البعض يرى بأنه يجب ان لا نسجل ببراءة جينة معزولة (حتى عندما يكون عمل او أكثر من أعمالها مقرر) لأنها موجودة مقدما في الطبيعة وهي تشكّل اكتشافا وليس اختراعا. ولكن، اذا اختارت دولة من الدول ان تسمح بتسجيل الجينات ببراءة، فمن الضروري تحديد النطاق المحتمل للحماية. مثلا، في الوقت الحاضر اذا قامت باحثة بعزل جينة ومنحت براءاة لاستخدام تلك الجينة بمثابة أداة تشخيصية لمرض معيّن، اعتمادا على الصياغة الدقيقة للمطالبة والاسلوب الذي يجري فيه تفسير قانون براءات الاختراع المحلي، يمكنها ان تفرض حقوقها على كافة استخدامات تلك الجينة، بما في ذلك تلك التي لم تكتشف بعد. بالنظر الى ان عزل وتحديد هوية الجينة هو الآن عبارة عن عملية روتينية منذ أن تم الترتيب التسلسلي للجينات البشرية وللجينومات الأخرى، فالباحثة في وضع يمكنها من الحصول على مستوى من الحماية أعلى بكثير من مساهمتها. وعلاوة على ذلك، بالنظر الى انه من الصعب على الآخرين "الاكتشاف حول" الجينة، يمكن للباحثة ان تمارس احتكارا قويا.

 

وبعد دراسة الموضوع بالتفصيل، اقترح تقرير صدر أخيرا عن تسجيل د.ن.أ. ببراءة بأنه يجب "الأخذ بعين الاعتبار فكرة تقييد نطاق براءات اختراع المنتج التي تفرض حقوقا على تسلسلات د.ن.أ. التي تحدث طبيعيا على الاستخدامات المشار اليها في مطالبات براءاة الاختراع، حيث تتعلق أسس الاختراعية باستخدام التسلسل فقط وليس المشتق او الشرح من التسلسل نفسه."(25) وهذا يؤدي الى منح الباحثة فقط الحقوق للاستخدامات التي أوردتها في المواصفات، وليس لجميع الاستخدامات.

 

هذا الموضوع هو ذو صلة بالدول النامية مثلما هو ذو صلة بالدول المتقدمة. وهكذا فنحن نقترح بأن تقوم الدول النامية بتحرياتها في طرق للتأكد من ان نطاق المطالبات ببراءات الاختراع في أقضيتها القانونية متساوقة مع الافصاح. وقد ترغب الدول النامية أيضا بالضغط لتقوم المنظمة العالمية لبراءات الاختراع بدراسة هذا الموضوع، ربما كجزء من المباحثات الجارية حول ايجاد توفيق أكبر بين براءات الاختراع.

 

واذا سمحت الدول النامية بتسجيل براءات للجينات بحد ذاتها، يجب ان تنص الأنظمة والارشادات على تقييد تلك المطالبات بالاستخدامات المفصح عنها حقا في مواصفة البراءة، من أجل تشجيع المزيد من الأبحاث العلمية والتطبيق التجاري لأية استخدامات جديدة للجينة.

 

ولكن التدابير اللازمة للتعاطي مع موضوع اتساع البراءة، مثلما ذكرنا، تتجاوز براءة اختراع الجينات ويجب ان تشمل براءات واسعة في جميع ميادين التكنولوجيا. اذ بينما تمنع اتفاقية "تريبس" التمييز من حيث ميادين التكنولوجيا، فمن المستحسن أيضا من منظور عام التأكد من ان المطالبات الواسعة لا تعيق بدون انصاف الأبحاث العلمية والمنافسة في أي ميدان من ميادين التكنولوجيا.

 

تطبيق المقاييس

 

اقترحنا حتى الآن بأنه يجب على الدول النامية ان تفكّر في تبني مقاييس عالية لصلاحية التسجيل ببراءة من تلك المنصوص عليها في عدد كبير من الدول المتقدمة. ولكن لا يكفي مجرد دمج تلك المقاييس في التشريعات. فمن الضرورة تطبيقها. تطرقنا في الفصل السابع الى القضايا المتعلقة بالقدرات، مثل ندرة الموظفين المؤهلين، مما قد يقيّد الدولة النامية من تنفيذ سياسة فعالة لبراءات الاختراع. كما بحثنا في نوع التدابير، مثل تلزيم فحص المطالبات ببراءة، الذي يمكن استعماله للتغلب على تلك المشاكل. كما نبحث في امكانية اعادة تسجيل براءات الاختراع الممنوحة في أماكن أخرى، مع انه مع هذا الحل سيكون من الضرورة تأمين تطبيق مقاييس عالية كافية عند فحص طلبات براءات الاختراع.

 

ومهما كان النظام الذي يجري تبنيه، فمن المناسب ان تفكّر الدول النامية بتوفير شكل من أشكال الاعتراض او اعادة الفحص المنخفضة الكلفة.(26)  وفي الفصل الرابع سلّطنا الأضواء على قيمة مثل تلك الاجراءات في الغاء براءات الاختراع غير الصالحة التي تغطي المعرفة التقليدية. ونوع الاعتراض او اعادة الفحص الذي يمكن للدولة النامية ان تتبناه يمكن ان تكون هجينا من أنواع الأنظمة المتوفرة حاليا في بعض الدول النامية والولايات المتحدة واوروبا. مثلا، النظام الذي يسمح باعتراض المطالبة قبل منح البراءة، ويتيح المجال للطعن بالبراءة في أي وقت من أوقات مدة صلاحية البراءة على أساس أي سؤال يتعلق بصلاحية التسجيل ببراءة، قد يكون مرغوبا فيه.

 

وعند فحص طلبات التسجيل ببراءة، يتعيّن على الدول النامية ان تفكّر جديا بالطلب من طالب البراءة ان يفصح كل المعلومات ذات الصلة المتعلقة بالطلبات المماثلة الأخرى المقدمة في أماكن أخرى للاختراع نفسه. ويجدر بالدول النامية ان تفكّر في تكملة الحكم الذي يصدره الفاحصون وذلك بدعوة خبراء آخرين للتعليق على طلبات تسجيل البراءات. وفي البرازيل، ترسل طلبات تسجيل البراءات المتعلقة بالادوية الى وزارة الصحة لتقييمها اذ تكون في وضع أفضل للتعليق، مثلا، على اختراعية الاختراع المطالب به.

 

الاستثناءات لحقوق براءات الاختراع     

 

في الفصل الثاني، نوصي بأن تقوم الدول النامية بادخال ما يسمى بـ "استثناء بولار" الى حقوق براءات الاختراع وذلك لتسهيل الدخول المبكر للمنافسة بمنتجات عامّة غير محمية ببراءة في مجال الادوية. وقد اقترحنا أيضا بأن توفير نظام دولي مرهق (أي السماح باستيراد متواز للمنتجات المحمية ببراءة) قد يكون مفيدا للدول النامية. ولكن مثل تلك الاستثناءات ليست الوحيدة التي يمكن للدول النامية ان تأخذها بعين الاعتبار. تنص، مثلا، معظم الدول الاوروبية بأن بعض الأفعال، مثل تلك التي يقام بها لأغراض خاصة وغير تجارية او تلك المتعلقة بتجربة موضوع براءة الاختراع (بما فيه لأغراض تجارية) لن تعتبر انتهاكات للبراءة. والنية وراء تلك الاستثناءات، وهي ذات الصلة بالتساوي للدول النامية، هي تشجيع الابتداع الاضافي بتمكين الآخرين من البناء على او تصميم حول الاختراع المسجّل ببراءة.

 

وهناك استثناء آخر قائم حاليا في بعض الدول النامية يتيح الحرية لاستخدام الاختراعات المحمية ببراءة لأغراض التعليم. وتبرير مثل ذلك الاستثناء قد يأتي من مجال حقوق النشر والتأليف حيث "الاستخدام المنصف" للأعمال المسجّلة ببراءة للأغراض التعليمية موطّد الأركان. وفي الواقع مع التعدي المتزايد سرا على براءات الاختراع في مجالات كانت سابقا محمية بحقوق النشر والتأليف وحدها، مثلا برامج الحاسب الآلي، يمكن ان تزداد صلة الاستثناء التعليمي في براءة الاختراع.

 

توفير وسائل الحماية في سياسة براءات الاختراع

 

لقد بحثنا حتى الآن في المتطلبات اللازمة للحصول على براءة الاختراع والقيود الممكنة على صاحب الحقوق. نبحث الآن في الأدوات اللازمة لضمان عدم استغلال تلك الحقوق بطريقة غير مناسبة. نحن نبحث في عدد كبير من تلك المسائل ببعض التفصيل في الفصل الثاني، ولكننا نكملها هنا.

 

الترخيص الاجباري والاستعمال الحكومي

 

في الحالات التي تعتبر فيها بأن صاحب البراءة يتصرّف بشكل غير لائق يمكن عندئذ للحكومات ان تتدخل لاصلاح الوضع. يمكن ان ينجم مثل هذا التدخل عن نظام المنافسة العام او من داخل نظام براءات الاختراع نفسه. وامكانية استعمال الحكومات، او السماح لأطراف أخرى باستعمال، اختراع مسجل ببراءة بدون موافقة صاحب البراءة هو موطّد في قانون براءات الاختراع، وفي اتفاقية "تريبس"، كما ذكرنا في الفصل الثاني. تصف اتفاقية "تريبس" على عدد من الشروط التي يجب ان تستوفى في حالات الاستخدام "غير المصرّح به"، ولكنها لا تصف الأسس التي يمكن عليها التصريح بمثل ذلك الاستخدام. وبالتالي يمكن للدول النامية ان تطوّر أسسها الخاصة للتصريح بالترخيص الاجباري او تطوّر استثناءات أخرى لحقوق أصحاب البراءات (مثل الاستخدام من قبل التاج او الحكومة في الدول النامية). وعند تفكيرها في ادخال او مراجعة تشريعات، يجدر بالدول النامية ان تسعى الى الحصول على الارشاد بالاطلاع على القوانين المترتبة على براءات الاختراع في بلدان أخرى. مثلا، استعملت الولايات المتحدة الترخيص الاجباري في أكثر من 100 قضية لمقاومة التجميع الضخم للرساميل (مقاومة التروستات).(27) وتنص المملكة المتحدة انه يمكن منح التراخيص الاجبارية على الأسس التالية:

·                   بأن الطلب على المنتج المسجّل ببراءة في المملكة المتحدة لا يستوفى بناء على أسس معقولة

·                   بأنه يجري منع او اعاقة الاستغلال في المملكة المتحدة لأي اختراع آخر مسجّل ببراءة، يشتمل على   تقدم فني هام ذي أهمية اقتصادية عظيمة

·                   وبأن تأسيس او تطوير النشاطات التجارية او الصناعية في المملكة المتحدة تتضرر بشكل غير منصف.

 

طبعا الدول النامية غير مرغمة على اتباع ما قامت به بلدان مثل المملكة المتحدة. الأسس الأخرى التي تبنتها الدول النامية تشتمل على "المصلحة العامة" وفشل الطرف الآخر في الحصول على ترخيص بموجب شروط معقولة.(28) تشترط البرازيل ودول أخرى(29)، او تفكّر في اشتراط، بأنه يمكن منح الترخيص الاجباري في الحالات التي يجري فيها تلبية الطلب أساسا على الاختراع المحمي ببراءة عن طريق الاستيراد. ومثلما ذكرنا في الفصل الأول، تم استخدام هذا النوع من التدابير من قبل الدول المتقدمة في القرنين التاسع عشر والعشرين للحد من الضرر المحتمل للصناعات المحلية من اصدار براءات اختراع للأجانب. تبرز الأسئلة حول توافق هذا التدبير مع اتفاقية "تريبس" التي تجعل الاستمتاع بحقوق براءات الاختراع بدون تمييز ما اذا كان المنتج مستورد او منتج محليا.(30) أزالت الدول المتقدمة، من بينها المملكة المتحدة، هذا التدبير من قوانينها على أساس تفسيرها الخاص لاتفاقية "تريبس".

 

وفي عالم مثالي، يجب ان يكون مجرد امكانية اصدار ترخيص اجباري كافيا لتشجيع صاحب البراءة على تعديل سلوكه. وننوه في الفصل الثاني بأن ذلك محتمل فقط عندما يكون التهديد مصداقيا من حيث يوجد صاحب ترخيص محتمل يمكنه ان يوفر المنتج المسجّل ببراءة ويقدمه بثمن أرخص من الثمن الذي يطلبه صاحب البراءة.

 

من غير المحتمل ان يطبّق الترخيص الاجباري في الدول النامية بالنظر الى التعقيدات الاجرائية للنظام. ومع ذلك فنجن نعتقد بأن وجود نظام ترخيص اجباري مصداقي، مثل ذلك الذي نوصي به في الفصل الثاني، هو جزء أساسي من أية سياسة مترتبة على براءات الاختراع. وهذا الأمر صحيح بالنسبة للدول التي تفتقر الى سياسة تنافسية مفهومة او فعالة.

 

النـزاعات حول ملكية براءة الاختراع

 

خلال زيارتنا الى كينيا أبلغونا بالجدل المحيط ببراءة اختراع تتعلق بلقاح ضد فيروس نقص المناعة البشرية تقدم بها مجلس الأبحاث الطبي في المملكة المتحدة. كان هناك قلق، بوجه خاص، من أن المساهمة التي قام بها البحاث في جامعة نيروبي في هذا الاختراع المطالبة له براءة اختراع لم تعترف بها بشكل كاف. ونتيجة الى حد ما للضغط الشعبي المحيط بتلك القضية، توصلوا الى اتفاق يمتلك بموجبه كل من مجلس الأبحاث الطبي وجامعة نيروبي والمبادرة الدولية للقاح ضد فيروس نقص المناعة البشرية بشكل مشترك تلك البراءة المعينة وأية براءات في المستقبل تشمل هذا التطوّر بعينه.(31) في غياب مثل هذا الاتفاق، كان يجب على البحاث في كينيا ان يفكروا في رفع قضية قانونية للحصول على أي استحقاق عادل في براءاة الاختراع او في أية فوائد ناجمة عن استغلاله المحتمل.

 

هذا، وتفترض معظم، ان لم تكن جميع، القوانين المترتبة على براءات الاختراع بأنه يحق للشخص المتقدم بطلب للحصول على براءة الاختراع ان يحصل عليها. مثلا، بموجب قانون براءات الاختراع في المملكة المتحدة، مطلوب من الشخص المتقدم بطلب البراءة والذي لا يدعي بأنه المخترع ان يبيّن استحقاقه للبراءة. وكقاعدة عامة لا تشك مكاتب براءات الاختراع في البيانات البديهية المتعلقة بالاستحقاق او في الاختراعية، مع انه يمكن لطرف آخر ان يطعن في البراءاة الممنوحة وذلك قبل وبعد منحها. ولكي ينجح في مطالبته، يجب ان يبيّن الطرف الآخر بأنه اما المخترع او المشترك في اختراع الاختراع المسجل ببراءة او ان له الحق فيه بفعل اتفاقية او تنفيذا للقانون. يقع دائما تقريبا عبء الاثبات على عاتق الشخص المتقدم بالمطالبة.

 

وقد اقترحوا بأنه من المفيد ادخال متطلّب يفرض على المطالبين ببراءات الاختراع ان يبرهنوا كيف توصلوا الى اختراعهم وذلك في تلك الحالات التي قد لا تكون فيها الطريق المؤدية الى الاختراع بديهية فورا (مثلا، في بعض المطالبات بتسجيل ببراءة مواد احيائية).(32) يختلف مثل هذا المتطلّب المسموح بموجب اتفاقية "تريبس" من المتطلب الحالي الذي يقضي بوصف كيفية وضع الاختراع قيد العمل.(33) مع ان اتخاذ دور فعال في البحث بقضايا الاستحقاق قد تضع عبئا اضافيا على مكاتب براءات الاختراع المرهقة بالعمل، الا اننا نرى بأن هذا الاقتراح جدير بالمزيد من الدراسة.

 

تشجيع الابتداع على الصعيد الوطني

 

تعكس العديد من المقترحات التي تقدمنا بها في هذا الفصل الواقع ومفاده ان مواطني الدول النامية ذوات الدخل المنخفض يتقدمون بعدد قليل من طلبات التسجيل ببراءة. يجب ان لا نعتبر ذلك على انه دليل الى عدم وجود نشاط ابتداعي في تلك الدول؛ اذ ان المشكلة هي في ان نظام براءات الاختراع الحالي لا يتيح أساليب مناسبة لحماية جهود هؤلاء. أحد الأسباب الى ذلك هو ان أنواع الاختراعات الجاري القيام بها لا تحوز على المستوى الضروري من الابتداع. وثمة سبب هام آخر وهو تعقيد وكلفة حيازة الحقوق، ولا سيما في الأسواق الأجنبية، وأهم من ذلك كله صعوبة فرض تلك الحقوق عن طريق المحاكم.

 

وقد اعترف العديد من الدول، النامية منها والمتقدمة، بالحاجة الى حماية اختراعاتها، الناجمة عن ما يسمى بنوع الاختراع "دون الصلاحية للتسجيل ببراءة" (sub-patentable) ولذلك أدخلوا درجة ثانية من الحماية الشبيهة ببراءة الاختراع. يشار الى تلك الأنظمة عادة بـ "انموذج المنفعة" (utility model) او "براءة الاختراع الثانوية" (petty patent).(34) وبالمقارنة بنظام براءات الاختراع العادية فان أنظمة "انموذج المنفعة" او "براءة الاختراع الثانوية" تتطلب عادة مستوى منخفضا من الخطوة الابتداعية، وتوفر فترة أقصر من الحماية والحصول عليها رخيص الثمن، لأنها لا تخضع الى أي فحص مسهب قبل منحها.(35)

 

وتلك الخصائص معدة لجعل النظام أكثر جاذبية للشركات المغامرة الصغيرة والمتوسطة الحجم التي ليست لديها عادة لا الرغبة ولا القدرة على استعمال نظام براءات الاختراع العادي. وقد يتركز نوع النشاط الابتداعي في تلك المؤسسات على التحسينات التدرجية الصغيرة نسبيا للمنتجات الحالية بدلا من تطوير منتجات جديدة تماما. مثل تلك التحسينات، مع انها لا تتمتع بالضرورة بمستوى الابتداع للحصول على الحماية العادية لبراءات الاختراع، الا انها تساهم في التقدم التكنولوجي ويجب تشجيعها. ومن المحتمل ان تكون هذه مفيدة للمنتجات، مثل المنتجات الميكانيكية، التي من المحتمل انتاجها محليا. بكل تأكيد يجب ان لا تستعمل كبديل لبراءات الاختراع العادية (التي نوصي بها لرفع المستويات).

 

ومن الصعب ايجاد أدلة على مقدار نجاح أنظمة "أنموذج المنفعة".(36) قيل لنا خلال زيارتنا الأخيرة الى كينيا بأن مستوى الاهتمام، بين الشركات الكينيائية، في نظام "انموذج المنفعة" الذي أدخلوه مؤخرا كان منخفضا. وينطبق الأمر أيضا على دول نامية أخرى. تظهر الأرقام التي جمعتها المنظمة العالمية لبراءات الاختراع بأنه تم في الأرجنتين تسجيل 38 أنموذج منفعة فقط في عام 2000 و 32 فقط في فيتنام.

 

وما عدا تلك الأنظمة المستعملة حاليا، اقترحوا شتى المقترحات لتشجيع الابتداع دون الصلاحية للتسجيل ببراءة او الابتداع التدريجي. واحد منها مبني على أساس توفير الحق بجعالة صغيرة عند قيام الآخرين باستعمال الاختراع، ولكنه لا يسمح بمنع ذلك الاستعمال. تسعى تلك الطريقة الى تقديم مكافأة للابتداع مع تخفيض الآثار التي يمكنها ان تحبط الابتداع اللاحق. ولكن يجب اختبار المتطلبات الادارية والفرضية لمثل ذلك النظام لتقييم امكانية تطبيقه عمليا في الدول النامية.(37)

 

بدلا من تخفيف مستويات الصلاحية للتسجيل ببراءة لاستقطاب النوع التدرجي من الابتداعات المهيمنة في العديد من الدول النامية، على المشرّعين وصانعي السياسة في تلك الدول ان يفكروا في تأسيس حماية لنماذج المنفعة من أجل حث مثل تلك الابتداعات ومكافأتها. ويبدو ان المزيد من الأبحاث مرغوب فيه لتقييم الدور الدقيق الذي يمكن لحماية أنموذج المنفعة، او غيره من الأنظمة ذات الأغراض المشابهة، ان يلعبه في الدول النامية.

هناك نوع آخر من الحماية متوفر في بعض الدول (38) للسماح لصاحب براءة الاختراع ان يحصل على الحماية لتحسينات يقوم بها على اختراعه. "براءات التحسين" (improvement patents) او "شهادات الاضافة" (certificates of addition) التي تنتهي صلاحيتها عادة في الوقت ذاته كبراءة الاختراع على الاختراع الأول، معدة لتغطية التحسينات التي لا تحوز على المستوى الضروري من الاختراعية التي تسمح لها بأن تكون موضوع طلب مستقل منفصل. والغموض القانوني الذي قد ينجم فيما لو سمح لصاحب البراءة بأن يمدد النطاق الفعال لحمايته في أي وقت من مدة صلاحية البراءة قد يردع المخترعين الآخرين من بناء على او تصميم حول الاختراع المسجل ببراءة. ولكن نظام براءة يوفر براءات تحسين بشكل متوازي مع مستوى عال نسبيا من الخطوة الاختراعية من شأنه ان يمنع التمديد غير العادل لمدة حماية البراءة التي تسفر أحيانا عندما يسمحوا بمنح براءات مستقلة لتحسينات طفيفة نسبيا.

 

الاستنتاجات 

 

نعرض فيما يلي بايجاز عناصر انموذج لقانون براءات الاختراعات مؤيد للمنافسة، بما في ذلك توصيات من الفصول الأخرى، التي يمكن للدول النامية ان تأخذها بعين الاعتبار. نلخصها في المربّع 1:6.

 

المربّع 1:6 ملخّص للتوصيات المتعلقة بنظام براءات الاختراع

 

الدول النامية (+)

 

* استثنوا تماما من التسجيل ببراءة الأساليب التشخيصية والجراحية والمداواة المتبعة في علاج البشر والحيوانات.

* استثنوا من التسجيل ببراءة النباتات والحيوانات وتبنوا تعريفا مقيّدا للكائنات المجهرية

* استثنوا من التسجيل ببراءة برامج الحاسب الآلي وأساليب الأعمال التجارية

* تجنبوا التسجيل ببراءة الاستخدامات الجديدة للمنتجات المعروفة

* تجنبوا استخدام نظام براءات الاختراع لحماية منوّعات النباتات، وحيث أمكن، المواد الجينية

* احتاطوا للاستنفاد الدولي لحقوق براءة الاختراع

* وفروا نظاما فعالا للترخيص الاجباري وتدابير كافية للاستعمال الحكومي

* وفروا أوسع الاستثناءات الممكنة لحقوق براءات الاختراع بما فيه استثناء كاف للأبحاث و "استثناء بولار" الواضح

* طبقوا مقاييس صارمة على البدعة وعلى الخطوة الابتداعية والتطبيق الصناعي او المنفعة (فكّروا بمستويات أعلى من تلك المطبقة حاليا في الدول  المتقدمة)

* استخدموا صلاحية التسجيل ببراءة الصارمة ومتطلبات الافصاح لمنع المطالبات العريضة بافراط في طلبات التسجيل ببراءة

* وفّروا اجراء لاعادة الفحص او الاعتراض المنخفض الكلفة نسبيا

* وفّروا أساليب لمنع منح او فرض براءات اختراع مؤلفة من مواد احيائية او ملازمة للمعرفة التقليدية يكون قد جرى الحصول عليها انتهاكا لتشريعات الحصول عليها او لشروط ميثاق التنوّع الاحيائي

* فكّروا في توفير أشكال بديلة من الحماية لتشجيع الابتداع المحلي من النوع دون الصلاحية للتسجيل ببراءة.

 

الدول المتقدمة والنامية

 

* طبقوا مقياسا قاطعا للبدعة بحيث أي افصاح في أي مكان في العالم يمكن اعتباره فنا قديما.

* خذوا بعين الاعتبار الى حد أكبر المعرفة التقليدية عند فحص طلبات التسجيل ببراءة.

* احتاطوا للافصاح الاجباري للمعلومات في طلبات التسجيل ببراءة للمصدر الجغرافي للمواد الاحيائية الذي تم استمداد الاختراع منه.

الدول الأقل نموا

 

* أخّروا توفير الحماية للأدوية حتى عام 2016 على الأقل. وتلك الدول التي توفر حاليا الحماية لمثل تلك المنتجات يجب ان تفكّر جديا بتعديل تشريعاتها.

 

(+) تعتبر تلك التوصيات ذات صلة لغالبية الدول النامية. بالنسبة للدول النامية التي تسعى الى تشجيع قطاعات معيّنة من التكنولوجيا من المستحسن اتباع اسلوب اختياري.

 

استخدام نظام براءات الاختراع في أبحاث القطاع العام

 

المقدمة

 

التغيير الهام في العالم المتقدم كان التشجيع على التسجيل ببراءات في المؤسسات او الجامعات الممولة من الأموال العامة. فقد سمح "قانون بي – دول" في الولايات المتحدة للجامعات بتسجيل اختراعاتها ببراءات بناء على أبحاث ممولة من الأموال الفدرالية شرط ان يسهّل ذلك تسويق الأبحاث تجاريا ويعجّل مسيرة الابتداع. وقد اتبع في وقت لاحق معظم العالم المتقدم سياسات مماثلة. وفي الدول النامية الأكثر تطورا تكنولوجيا هناك أيضا أدلة كثيرة تشير الى مثل ذلك النشاط في تسجيل البراءات. وفي بعض الدول النامية تأتي الطلبات الدولية للتسجيل ببراءة (عن طريق معاهدة التعاون في براءات الاختراع) على نحو متزايد من الجامعات او من الشركات المنبثقة عنها. مثلا، في الصين في عام 2000، عادت الى الجامعات ومعاهد الأبحاث العلمية 2ر13% من طلبات التسجيل ببراءة المحلية.(39) وفي شهر مايو/أيار عام 2002، أعلنت الصين بأنه يجب تشجيع طلب تسجيل براءات الاختراع المتعلقة بأبحاث علمية ترعاها الحكومة.(40) وفي عام 2001، كانت منظمة الأبحاث الهندية الرئيسية، وهي مجلس الأبحاث العلمية والصناعية، ثاني أكبر منظمة تتقدم بطلبات عن طريق "معاهدة التعاون في براءات الاختراع" من مؤسسات الدول النامية. ومن الطلبات الثلاثين المقدمة من الدول النامية المنتسبة الى "معاهدة التعاون في براءات الاختراع"، أتت ثمانية منها من الجامعات او من معاهد الأبحاث في القطاع العام.(41)

 

والنظرية التي تؤكد تلك السياسات هي ان تسجيل البراءات من قبل مؤسسات القطاع العام والترخيص المقتصر (او المحدود) للتكنولوجيات الى القطاع الخاص يزيد نسبة التطبيق التجاري للمعرفة. ويجادلون بالقول انه ما لم تفاوض الشركات للحصول على حرية وصول مقتصرة الى تلك التكنولوجيات، فلن يتوفر لها الحافز للاستثمار في الموارد الضرورية لتطوير التكنولوجيا وجعلها منتجا قابلا للتسويق. ويجادل الرأي الآخر بالقول انه يمكن خدمة مصالح نقل التكنولوجيا وتطبيقها التجاري على أفضل وجه عن طريق أوسع انتشار ممكن للمعرفة بواسطة النشر.

 

من غير الممكن في الواقع القول بأن أيا من الرأيين هو الرأي الخاطىء او الصحيح كليا. اذ يعتمد الشيء الكثير على الظرف الفردي. تقليديا، كانوا يرون العلوم "الأساسية" على أنها النشاط الرئيسي للقطاع العام/الجامعات، وان العلوم "التطبيقية" هي نشاط القطاع الخاص. بالنسبة للعلوم "الأساسية" فان الحوافز للتقدم العلمي هي الأنظمة الموطدة الأركان من الافصاح المكشوف والنشر ومراجعة الزملاء للأبحاث والترويج والمكانة الملازمة لكون المؤسسة تتصدر الآخرين في الاكتشاف. وبالنسبة للعلوم "التطبيقية"، فان الحوافز وأنظمة المكافأة هي تجارية ومالية، مع ما يرافقها من أشكال مختلفة من الحماية للملكية الفكرية. كانت هناك علاقة تكافلية ودقيقة التوازن بين النظامين.(42) كان يقدم القطاع الجامعي العلم لتقديم تقدّم العلم وأيضا الناس المهرة الذين يطلبهم القطاع الخاص.

 

في العصر الحديث، أصبحنا نرى الابتداع بمثابة عملية معقدة وتفاعلية. نرى الآن بأن قذف المعرفة من فوق أسوار الجامعات وعقد الآمال على التصرّف الأفضل فيها غير كاف لتشجيع تطبيق تلك المعرفة من أجل الفائدة الاقتصادية والاجتماعية. وهكذا، يرون بأن ادخال براءات الاختراع هو وسيلة لتغيير بنية الحوافز في القطاع العام للتغلّب على ذلك النقص. كما حدث تأكّل في الانقسام، الذي لم يكن أبدا مميزا، بين العلوم الأساسية والتطبيقية. وقد أدى تطوّر التكنولوجيا الاحيائية في بعض مجالات العلوم الأساسية، مثل علم الجينات، الى الرؤية بأ ن فيها قيمة تجارية كبيرة. وقد أدى اجتماع هاذان العاملين معا، ولا سيما في الولايات المتحدة، الى زيادة سريعة في تسجيل البراءات من قبل الجامعات، ولا سيما في المجال الطبي الاحيائي.

 

الأدلة من الولايات المتحدة

 

تشير الأدلة من الولايات المتحدة، حتى الآن، بأن تأثير "قانون بي – دول" على نقل التكنولوجيا لم يكن حاسما. ومع انه، كما أشرنا، حصل توسيع سريع في التسجيل ببراءات من قبل الجامعات، هذا وحده لا يبرهن بأنه ازداد التطبيق التجاري للاختراعات. لا توجد أية أدلة حاسمة تشير الى ان البحاث في الجامعات الأمريكية ينتجون عددا أكبر او أفضل من الاختراعات مما لو فعلوا في غياب "قانون بي – دول" او، اذا كان هذا هو الحال، بأن عددا أكثر من تلك الاختراعات يجري تطبيقه تجاريا. ويشير المؤيدون "لقانون بي – دول" الى الزيادة التي لا يمكن انكارها ليس فقط في تسجيل البراءات بل أيضا في ترخيص الدخل وفي عدد الشركات المبتدئة المنبثقة عن الجامعات. وفي عام 2000 قدّروا دخل الجامعات الاجمالي من الجعالة بمبلغ قدره 678 مليون دولار أمريكي وأنه قد تم تأسيس أكثر من 3000 شركة مبتدئة منذ عام 1980. (43) ولكن يمكن أيضا عزو الزيادة في تسجيل براءات الاختراع والترخيص الى النمو في التكنولوجيا الاحيائية يضاف اليه الحكم في قضية دياموند ضد شاكراباتي، التي من شأنها ان تكون قد زادت في تسجيل البراءات مع قيام الجامعات بأبحاث لها امكانيات تجارية.(44) وبالاضافة الى ذلك ارتفع التمويل للأبحاث ولا سيما من مؤسسات الصحة الوطنية في الولايات المتحدة ارتفاعا كبيرا بين عامي 1980 و 2000. وارتفع الانفاق على الأبحاث والتطوير في المؤسسات الأكاديمة الأمريكية بنسبة 150% في الواقع بين عامي 1980 و 2000.(45) لذلك من الصعب تحديد الأهمية الدقيقة لدور "قانون بي – دول" في توسيع تسجيل البراءات، وأهم من ذلك كله ما اذا أدى الى زيادة نقل التكنولوجيا ام لا، وكذلك تطبيق التكنولوجيا بالمقارنة بالوضع المضاد للواقع.

 

وفي القطاع العام، يمكن لتسجيل البراءات والترخيص ان يوفرا حوافز واعاقة لحوافز تطبيق التكنولوجيات. ويتوقف الحافز للتطبيق التجاري على منح رخصة مقتصرة للشريك التجاري، على أساس ان استبعاد الآخرين يوفر الحافز الضروري لصاحب الرخصة لكي يتحمل خطر استثمار أمواله في تطوير التكنولوجيا وتطبيقها تجاريا. ولكن 50% من الرخص الممنوحة في الولايات المتحدة في عام 2000 كانت غير مقتصرة.(46) وبما ان الجامعات تسجّل التكنولوجيات على نحو غير مقتصر، يمكن القول انه لا توجد أية فائدة من نقل التكنولوجيا لأن أعداد الذين يمكنهم استخدام التكنولوجيا لاخضاعها الى المزيد من التطوير هي محدودة بترتيبات الترخيص وبالكلفة، بالمقارنة بنشر نتائج الأبحاث بكل بساطة. ولكن يفتقد الحافز للمزيد من التطوير والتطبيق التجاري، المبني على منح ترخيص مقتصر. وأساسا، فان الترخيص غير المقتصر هو ضريبة مترنبة على مستعملي التكنولوجيا.(47) يبدو ان الترخيص المقتصر هو مهم في تطوير التكنولوجيات في مراحلها الاولى لأنها تحتاج الى أعمال تطويرية أضافية كبيرة. وازاء ذلك، فان منح الترخيص المقتصر، بطبيعة حاله، يشمل "انتقاء الرابحين". ففي بعض الحالات المدوّنة فشل صاحب الرخصة بتطبيق التكنولوجيا تجاريا، مع انه كان من الممكن للمطوّرين المحتملين الآخرين ان يستغلوها على نحو أفضل. وعندما تقوم جامعة ما بتطوير تكنولوجيا "جاهزة للاستعمال" وهناك طلب بديهي اليها، يمكنها ان تجني الايرادات من التسجيل ببراءة، ولكن بالتساوي لا توجد فائدة اضافية من نقل التكنولوجيا اذ يكون القطاع الخاص قد التقطها بأي حال.(48)

 

وبالنسبة للجامعات التي تخترع المنتجات والعمليات الصناعية الجديدة، يمكن للتسجيل ببراءة ان يشكّل مصدرا مفيدا للمزيد من الدخل، مع انه يجب موازنته ازاء التكاليف الكبيرة المنطوية على ادارة مكتب لتحويل التكنولوجيا بالاضافة الى تكاليف طلب التسجيل ببراءة وصيانتها. مثلا، في عام 1999 تلقت جامعة كاليفورنيا دخلا اجماليا بلغت قيمته 74 مليون دولار أمريكي من الجعالات ومن رسوم الترخيص بالمقابل بنفقات اجمالية على مكتب تحويل التكنولوجيا بلغت قيمتها 24 مليون دولار أمريكي. ومن "ربح" بلغت قيمته 50 مليون دولار أمريكي، أعيد ما يقرب من 30 مليون دولار أمريكي الى المخترعين في الجامعة واستخدم الباقي لتمويل أبحاث الجامعة.(49) طبعا، تعتبر جامعة كاليفورنيا من أوائل الجامعات للأبحاث العلمية في العالم، ومتوسط العائدات المالية من التسجيل ببراءة والترخيص في الولايات المتحدة هو أقل بكثير. ويقدّر بأن تمويل الأبحاث الجديدة من الدخل الناجم عن الترخيص في الجامعات الأمريكية بلغ 145 مليون دولار فقط في عام 1999، بالمقارنة بمجموع الانفاق على الأبحاث والتطوير في المؤسسات الأكاديمية الأمريكية بلغت قيمته 30 مليار دولار أمريكي في عام 2000.(50)

 

 

الأدلة من الدول النامية

 

في الولايات المتحدة يتوفر القليل من الأدلة عن كيف يؤثر التسجيل ببراءة من قبل الجامعات على أولويات الأبحاث. وفي الدول النامية هناك حتى أقل من ذلك لأن التسجيل ببراءة هو على مستوى أوطى. ومع ذلك، نحن نرى ان هناك امكانيات كبيرة في نشوء توترات بين الحاجة الى تأمين الحماية للملكية الفكرية لمنتجات مؤسسات الأبحاث وتحقيق أهدافها الاجتماعية الواسعة، ولا سيما تلك المتعلقة بحاجات المنتجين الفقراء.

 

وفي غياب الأدلة المنشورة، نحن نستعمل كمثال أحد معاهد الأبحاث الزراعية القيادية في العالم النامي الذي زرناه، كوسيلة لتوضيح مجموعة القضايا التي ستواجهها الدول النامية في استنباط سياسات لاستعمال الملكية الفكرية في المؤسسات الممولة من الأموال العامة. ونحن اندهشنا من النشاط الذي يجري فيه ادخال حماية الملكية الفكرية، ومن المجهود الواعي الجاري بذله لتغيير الثقافة المباحة تقليديا للأبحاث. هذا التغيير في السياسة يتصوّر توفير الحماية لكافة الموجودات التي ينتجها المعهد لكي يتمكنوا من ترخيصها لكسب الايراد او ترخيصها بدون مقابل للمزارعين الصغار المشتركين في برامج الحكومة. ومع ان الارشادات للمعهد تفيد بأنه يتوجب تنفيذ تلك السياسة من دون التضحية بمهمتها الاجتماعية، فهم أوضحوا بأن عدم السعي الى الحماية سيكون الاستثناء وليس القاعدة، وانه يجب البت في أية استثناءات من قبل لجنة الملكية الفكرية. والمفهوم الضمني لهذا التغيير في السياسة هو متطلب من جانب الحكومة ان تسدد 30% من التكاليف الاجمالية للمؤسسة من موارد غير حكومية. وهناك أيضا تشديد واضح على تحسين التنافسية الاجمالية للزراعة التجارية والتصديرية عن طريق التعاون مع الشركات الزراعية. وبوجه خاص، فان تطوير المحاصيل "الترانسجينية" transgenic هو مجال هام وحرج لأن الشركات الكبيرة المتعددة الجنسيات تملك القدر الأكبر من التكنولوجيا المملوكة والمدارة بوصفها ملكية لها.(51)

 

طبعا من السابق لأوانه اصدار الحكم تماما على كيف من الممكن لتلك السياسة، التي استحدثت مؤخرا، ان تؤثر على نتائج الأبحاث وعلى الأولويات. نحن نلاحظ بأن هناك تشديد واع على السياسة التي تتيح الفوائد المالية للبحاث وللمعهد ككل، لتوفير الحوافز. ولكننا نعتقد انه من الأهمية بمكان عند ادخال مثل هذا التغيير الكبير في حوافز الأبحاث والثقافة، تأمين عدم التعريض للخطر الرسالة الاجتماعية لمعهد الأبحاث. كان الأساس المنطقي "لقانون بي – دول" هو تشجيع نقل التكنولوجيا بسرعة وتطبيقها وليس جمع الأموال للمؤسسات العامة والبحاث. فاذا كان الباعث الرئيسي هو المال، فعندئذ يمكن للحكومة ان تخفض تمويلها على أساس ان لدى المعهد القدرة على توليد موارد أخرى من التمويل. بدلا من ذلك، يمكن للحكومات ان تقدم أموالا اضافية موازية عن ترخيص الملكية الفكرية. مهما كان الحال، هناك خطر من ان تتعدل أولويات الأبحاث بحيث تركّز على أكبر الأسواق المحتملة، التي في تلك الحالة، تكون قطاع الزراعة التجاري، على حساب المزارعين الفقراء.

 

وبناء على ما ورد أعلاه، فاننا نعتقد بأن هناك دور للملكية الفكرية في مؤسسات الأبحاث العامة لتشجيع نقل وتطبيق التكنولوجيات. ولكن من المهم:

 

·                   ان لا يرى توليد الموارد البديلة للتمويل على أنه الهدف الرئيسي، الذي يجب ان يكون تشجيع نقل التكنولوجيا.

·                   ان تتخذ الحيطة للتأكد من ان أولويات الأبحاث، ولا سيما فيما يتعلق بمتطلبات التكنولوجيا للفقراء، ان كانت في الزراعة او الصحة، لا تتشوّه بالبحث عن دخل أكبر من الترخيص.

·                   يجب تسجيل البراءات ومنح التراخيص عندما ترى بأنها ضرورية لتشجيع التطوير الذي يقوم به القطاع الخاص وتطبيق التكنولوجيات.

·                   يجب الأخذ بعين الاعتبار الحاجة الى استصدار براءات اختراع "دفاعية" للاختراعات الهامة، ولا سيما لاستعمالها كأداة للمساومة عندما تكون التكنولوجيات المكملة مملوكة من قبل كيانات في القطاع الخاص وقد تدعو الحاجة الى تراخيص متعارضة للحصول على تلك التكنولوجيات.

·                   تطوير الخبرة في الملكية الفكرية في مؤسسات القطاع العام التي ليست لديها عادة خبرة في هذا المجال، ولكن من دون غض النظر عن أهداف السياسة العامة المترتبة على الأبحاث.

 

كيف يمكن لنظام براءات الاختراع ان يعيق الأبحاث والابتداع

 

القضايا في الدول المتقدمة

 

رأينا، مع تطبيق نظام براءات الاختراع في حقول جديدة من التكنولوجيا، ان المسألة الأولية هي هل يمكن تحقيق توازن بين الحث على الاختراع الحقيقي للتكنولوجيات المفيدة، وحماية التكنولوجيات الطفيفة والمتوسطة او العمليات الصناعية التي يمكنها ان تعيق الأبحاث من قبل الآخرين. يجادل الكثيرون بأن مقاييس تسجيل البراءات، ولا سيما في الولايات المتحدة، قد هبطت للغاية بحيث يجري تسجيل عدد كبير من براءات الاختراع وذلك لاختراعات تعتبر تافهة؛ او يجري اصدار عدد كبير من براءات الاختراع لا تثبت صلاحيتها في المحاكم اذا جرى الطعن فيها، بسبب الضغوط على فاحصي طلبات البراءات.(52)

 

تم وصف المشكلة في الولايات المتحدة كما يلي:

 

"...نظام البراءات لدينا، مع انه بالتأكيد يحث على الابتداع عموما، معرّض لخطر وضع حائل غير ضروري على الابتداع وذلك بالسماح لأصحاب الحقوق المتعددين بفرض "ضريبة" على المنتجات الجديدة، وعلى العمليات الصناعية وحتى على أساليب الأعمال التجارية. يخلق العدد الهائل من براءات الاختراع التي تصدر حاليا خطرا حقيقيا جدا من أن ينتهك منتج واحد او مصلحة واحدة براءات اختراع عديدة. وأسوأ من ذلك، العديد من براءات الاختراع تشمل منتجات او عمليات صناعية مستعملة على نحو واسع النطاق، الأمر الذي يجعله من الصعب للشركات التي تقوم حقا ببناء أعمالها وتصنع المنتجات من الاختراع حول براءات الاختراع هذه. أضف الى ذلك بأنه يمكن لصاحب البراءة ان يسعى الى الحصول على انذار قضائي، أي ان يمكنه التهديد باقفال عمليات الشركة المنتهكة براءة اختراعه، فتصبح امكانية "تأخير العمل أمرا واقعيا تماما."(53)

 

قد يؤدي ذلك الى انتهاج الشركات او المؤسسات العامة سلوكا يبدو غريبا من الوجهة الاجتماعية. يمكن للمنظمات ان تسجّل براءات لمنع الآخرين من الحصول على الأبحاث، او لتأمين عدم قيام المنظمات الأخرى من اعاقة أبحاثها. وقد تطوّر ملفات من براءات الاختراع كأداة للمساومة من أجل الحصول على تكنولوجيات تملكها شركات أخرى، عن طريق الترخيص المتعارض. هذا اسلوب تتبعه بصورة خاصة الشركات الصغيرة التي تعمل في مجال التكنولوجيا العالية. ونحن نلاحظ في الفصل الثالث أهمية هذا النوع من الاستراتيجية في قطاع التكنولوجيا الاحيائية الزراعية، وكيف تسفر عن نزاعات باهظة الثمن حول براءات الاختراع وقضايا في المحاكم، ونتائجها المحتملة على المنافسة وتركيز الشركات في مجال معيّن.

 

فسّر المشكلة تفسيرا جيدا أحد الموظفين التنفيذيين من CISCO في عرض قدمه الى اللجنة الأمريكية للتجارة الفدرالية:

 

"أصبح الحصول على براءات الاختراع بالنسبة لعدد كبير من الناس والشركات نهاية في حد ذاتها، ليس لحماية استثمار في الأبحاث والتطوير، بل لتوليد الدخل عن طريق اصدار ترخيص ("تأخير") لشركات أخرى تصنع في الواقع وتبيع منتجات من دون ان تكون مدركة ببراءات اختراعها. فهي تحاول تسجيل ببراءة أشياء يمكن لأشخاص او شركات أخرى ان تنتهكها من دون قصد ومن ثم تنتظر حتى تقوم تلك الشركات بوضع المنتجات بنجاح في السوق. فهي تضع ألغاما في حقل الطريق. الأشخاص والشركات ... التي تطلب براءات الاختراع هذه والتي تتقاضى رسوم ترخيص من الشركات الناجحة تتلاعب بنظام براءات الاختراع مثل اليانصيب... فالتأخيرات الطويلة في مكتب براءات الاختراع تعمل لصالحها اذ تبقي التغطية النهائية لبراءات اختراعها الى أجل غير مسمى بينما يقوم الآخرون بصنع المنتجات. فهي تستفيد من كلفة رفع القضايا في المحاكم الغالية الثمن بفرض رسوم على الترخيص أقل من كلفة رفع القضايا، على أمل ان يدفعها الناس حتى وان لم تنتهك، واذا انتهكت، فسيكون تغيير المنتج غالي الثمن. هذا الأمر يتيح الفرص المؤاتية للمحامين ولشركات الترخيص وللشركات الاستشارية التي تدعي مساعدة الناس على "استخراج" من ملفاتهم لبراءات الاختراع براءات حتى هم لم يكوتوا على علم بأنهم بملكونها. من الصعب معرفة كيف يمكن لذلك ان يساهم في تقدم العلم والفنون المفيدة."(54)

 

طبعا، يجادل البعض فيقول بأن هذا الوضع هو ثمن يترتب دفعه من أجل توفير الحافز على براءات الاختراع ومن انه يمكن متابعة استراتيجيات الترخيص للتلطيف من التأثيرات المناوئة الخطيرة. ولكن، بينما هناك نقاش حول مدى المشكلة ودرجة اعاقة الحوافز للأبحاث، اهتمامنا الرئيسي ينصب في تجنّب الدول النامية، حيث أمكن، احداث مشاكل مماثلة في أنظمتها للملكية الفكرية.

 

وتنطبق مشكلة أدوات الأبحاث في كل من القطاع العام والقطاع الخاص. وقد جرى تعريف أدوات الأبحاث على انها "المجموعة الكاملة من الموارد التي يستعملها العلماء في المختبر، مع الاعتراف بأنه من مناظير أخرى يمكن اعتبار الموارد ذاتها على انها منتجات نهائية."(55) في القطاع العام، ترى هذه الأمور على انها مشكلة ولا سيما، مثلا، عندما تريد احدى الجامعات الحصول للأبحاث على تكنولوجيا مسجّلة ببراءة من جامعة أخرى، وهو أمر يراه البعض على انه غريب خصوصا عندما يجري تمويل الجامعتين من الأموال العامة. ولكن ذلك هو نتيجة منطقية لادخال براءات الاختراع في الساحة الجامعية. وتتواجد المشكلة في كافة الاتجاهات. قد تريد الجامعات الحصول على تكنولوجيات القطاع الخاص والعكس بالعكس. مثلما رأينا، قد تواجه شركات القطاع الخاص صعوبات في الحصول على تكنولوجيات الآخرين مما يؤدي الى عدد من الاستراتيجيات الدفاعية في محاولة التغلب عليها.

 

وقد أوحت الأبحاث الأخيرة في الولايات المتحدة بأنه، على الرغم من وجود زيادة في التسجيل ببراءة لأدوات الأبحاث (مثل تسلسل الجينات) اللازمة لاكتشاف العقاقير، فليس بديهيا بأنه تمت اعاقة اكتشاف العقاقير نتيجة لذلك.(56) فقد تبنوا شتى الاستراتيجيات للتلطيف من المشاكل المحتملة. تشتمل هذه الاستراتيجيات على استخراج تراخيص لبراءات اختراع يمكنها ان تعيق الأبحاث، والاختراع حول براءات الاختراع، ونقل مجالات الأبحاث الى حيث توجد حرية أكبر للعمل، ونقل الأبحاث الى الخارج، او ببساطة انتهاك البراءة (او الاستشهاد غير الرسمي باستثناء للأبحاث). وهكذا تجد المنظمات عموما طريقة للالتفاف حول المشاكل. ومع ذلك تتزايد تكاليف القيام بالأبحاث وتحدث تأخيرات. يجب تحديد براءات الاختراع التي تمنع الوصول اليها، والتفاوض بشأنها مع الأطراف المعنية ومعرفة تكاليف الترخيص والتكاليف القانونية. ولكن حدثت تغييرات يمكن التكيّف معها في البيئة المؤسسية. ومثلما ذكرنا، أصدر المكتب الأمريكي لبراءات الاختراع والعلامات التجارية ارشادات جديدة بخصوص التسجيل ببراءة من شأنها ان ترفع حواجز المنفعة عن براءات الاختراع الخاصة بالجينات.(57) وقد أدخلت مؤسسات الصحة الوطنية  في الولايات المتحدة ارشادات جديدة مصممة للتلطيف من مشاكل الأبحاث الطبية الاحيائية. (58) وقد استنتجت الأبحاث المشار اليها هنا بأنه على الرغم من التكاليف الاجتماعية الناجمة عن أدوات الأبحاث، فمن غير المحتمل ان تفوق وزنا الفوائد الحافزة الايجابية الناجمة عن أدوات الأبحاث.(59)

 

صلتها بالدول النامية

 

طبعا، هذا لا يعني بأنه من غير المرغوب فيه تخفيض التكاليف الاجتماعية الناجمة عن أدوات الأبحاث اذا تأثرت فوائد النظام تأثيرا مناوئا. مثلما ذكرنا أعلاه، يمكن للدول النامية ان تلطّف تلك المشاكل بتبني نظام ملائم لبراءات الاختراع، مع وضع حدود على تسجيل الجينات ببراءة ووضع استثناءات ملائمة من أجل الأبحاث. ولكن ذلك لن يعالج المشكلة برمتها. يمكن القيام بقسط كبير من الأبحاث ذات الصلة بالدول النامية في الدول المتقدمة او بتعاون مع البحاث في الدولة المتقدمة. وفي تلك الظروف، تكون القواعد المطبقة في الدول المتقدمة ذات صلة بالدول النامية.

 

مع انه على المستوى الكلي قد لا يكون التأثير الاجمالي لبراءات الاختراع على أدوات الأبحاث كبيرا، فالعديد من أولويات الأبحاث ذات الصلة بالدول النامية موجّهة في مجالات ضيّقة نسبيا من الأبحاث، حيث يكون من الصعب الالتفاف حول مشكلة أحدثتها أدوات الأبحاث. ثمة مثال على ذلك يربط ذهنيا المشكلة العامة بالدول النامية وهو براءاة الاختراع على المتقبّل CCR5 الذي تعرّفوا عليه لاحقا على انه مهمّ في نقل فيروس نقص المناعة البشرية/الأيدز.

 

المربّع 2:6 براءة الاختراع على الجينة CCR5

 

قامت الشركة الأمريكية Human Genome Sciences Inc. (HGS)  بعزل الجينة CCR5 خلال عملية تسلسل للجينوم البشري. بحثت الشركة في قواعد المعطيات عن متشاكلات ذات تسلسلات جينية معروفة وتوصلت الى الاستنتاج بأنها وجدت جينة تنتمي الى عائلة متقبّلات الخلايا، وتقدمت بطلب لتسجيلها ببراءة.

 

في شهر فبراير/شباط عام 2000، حصلت شركة HGS على براءة الاختراع رقم 6025154 من أجل "Polynucleotides Encoding Human G-Protein Chemokine Receptor HDGNR10 (التي تدعى الآن CCR5)"، التي كانت تحتوي على مطالبة واسعة تشمل الجينة وكافة الاستعمالات الطبية، مثل الوسائل الطبية لسدّ عمل المتقبّل او تعزيزه.

 

وجد العلماء، فيما بعد، من عدد كبير من المراكز الأكاديمية (بما فيها مركز ايرون دياموند للأبحاث بالأيدز والمعاهد الوطنية للصحة) بأن الجينة CCR5 تصنع بروتينا متقبّلا يستعمله فيروس نقص المناعة البشرية للوصول الى خلية المناعة.

 

المتقبّل عبارة عن جزئي يمتد على امتداد الغشاء يوجد على سطح الخلايا في جهاز المناعة، وهو يربطها بتماسك في مكان ضرر او مرض النسيج. يستغل فيروس نقص المناعة البشرية تلك المتقبّلات للتماسك معها وبالتالي الوصول الى الخلية.

 

هناك تغيار احيائي معيّن في جينة  CCR5 يحتوي على 32 قاعدة انشطاب زوجي، يسبب ازاحة في اطار قراءة القواعد في تسلسل د.ن.أ. هذا يؤدي الى بتر بروتين المتقبّل بشدة ويتعذر عليه الوصول الى سطح الخلية، مما يمنع فيروس نقص المناعة البشرية من تلويث الخلايا بالعدوى او يبطىء سرعة تلويث للخلايا.

 

الأفراد الذين لديهم تغيار احيائي للجينة CCR5 هم أقل عرضة بكثير للعدوى بفيروس نقص المناعة البشرية. قد تكون الجينة الوسيلة لتعيين هوية فئة جديدة من العلاج للمرضى بفيروس نقص المناعة البشرية/اأيدز، كعقار لسدّ بروتين المتقبّل.

 

في الوقت الذي قامت فيه HGS بعزل الجينة CCR5 وطلبت تسجيلها ببراءة، لم تكن تدرك الشركة بأن المتقبّل كان نقطة من نقاط دخول فيروس نقص المناعة البشرية في الخلية البشرية. ولكن، النطاق الواسع لمطالبة البراءة يعني ان HGS لديها حقوق على أي استعمال للجينة، الأمر الذي يسمح لها بالمطالبة بجعالات عن طريق عقود الترخيص.

 

على الرغم من ان HGS قد وافقت على منح تراخيص عديدة لاستعمال الجينة المتقبّلة CCR5 في الأبحاث بعقاقير جديدة، فان المثال هذا يبيّن المخاطر المحتملة من منح براءات على اختراعات هي في الواقع لا أكثر من مجرد اكتشافات واستعمالها المدعى ما هو الا تحزّري ومبني على أساس معرفة غير كاملة لعمل الجينة.

 

وقد بحثنا ببعض التفصيل قضية تتعلق باستخدام تسلسلات د.ن.أ مسجّلة ببراءة للأبحاث بداء الملاريا. فقد عرّفت مبادرة اللقاح ضد الملاريا مولّد مضاد معيّن للبروتين (MSP-1) يمكن ان يكون حرجا لتطوير لقاح فعال ضد الملاريا. قاموا بالبحث عن ملكية براءات الاختراع المتعلقة بذلك البروتين وكشفوا النقاب عن بعض النتائج المدهشة:

 

·        تسجيل ببراءة تسلسلات د.ن.أ للمولّد المضاد معقّد جدا. هناك لغاية 39 عائلة من عائلات براءات الاختراع من الاحتمال ان تكون ذات صلة في تطوير اللقاح من MSP-1.

·        وفي المرحلة الاولى من الأبحاث في MSP-1 ، منحوا براءات اختراع على أساس علم وجدت الأبحاث اللاحقة بأنه غير سليم.

·        وبدا ذكر الفن القديم في العديد من طلبات براءات الاختراع غير كامل، بحيث من الصعب اقامة ربط بين براءة وأخرى.

·        وعلى هذا الأساس قد يكون عدد من مطالبات براءات الاختراع غير صالحة (والتي يمكن التحقق منها فقط بالطرق القانونية او اعادة فحصها). وعموما، يبدو نطاق المطالبات المقدمة (الذي يقرر احتمال الانتهاك) أوسع مما يجب.(60)

 

في مواجهة مثل تلك الحالة، قد تقرر منظمة تجارية للأبحاث ان تنتقل الى مجال آخر من مجالات الأبحاث. وبالنسبة لمبادرة اللقاح ضد الملاريا (التي جرى شنها بتمويل من مؤسسات خيرية للاسراع في تطوير لقاحات ضد الملاريا)، ليس لديها خيار الا السعي الى تفهم وادارة التعقيد، مع ما يرافقه من تكاليف عالية في المعاملات (بالنسبة للوقت والتكاليف) التي تنطوي عليه. وفي قيامها بذلك وجدت مبادرة اللقاح ضد الملاريا بما انه من غير المحتمل ان يكون اللقاح ضد الملاريا ذا فائدة تجارية كبيرة، كثيرا ما يضع أصحاب براءات الاختراع المتوسطين قيمة عالية غير معقولة على تكنولوجياتهم. يمكن التغلّب على ذلك بمنح حصة في الجعالة الى أصحاب براءات الاختراع المتوسطين ولكن هذا بدوره يخلق مشكلة محتملة وهي "تكديس الجعالات"، حيث يمكن ان تكون الجعالات التي يجب دفعها الى أصحاب البراءات المتوسطين باهظة بالنسبة للجعالات المدفوعة على المنتج الأخير.

 

وقد نشأت مشاكل مماثلة في قطاع الزراعة. نشأت تلك المشاكل بصورة رئيسية في سياق المجموعة الاستشارية للأبحاث الزراعية الدولية. نشأت المشكلة بالنسبة للحصول على تكنولوجيات جديدة تحتاج اليها مراكز المجموعة الاستشارية للأبحاث الزراعية الدولية لتقوم بالأبحاث.(61) وفي حالات كثيرة تركزت المسألة الرئيسية على الشروط التي يقدم بموجبها أصحاب براءات الاختراع التراخيص. تشتمل هذه على اتفاقيات تحدد بأنه يمكن استخدام التكنولوجيات "للأبحاث فقط" وشروط "بلوغ التكنولوجيات" التي لها متضمّنات بالنسبة لأية اختراعات جديدة يجري تطويرها عن طريق تطبيق التكنولوجيا. وفي احدى الحالات، استغرقت المفاوضات على ترخيص واحد سنوات عديدة لأن صاحب البراءة كان قد أعطى ترخيصا مقتصرا على شركة واحدة. وفي حالة أخرى، وجدوا شروط الترخيص المطلوبة للوصول الى قواعد معطيات مملوكة ملكية شخصية لجينوم الأرز، بأنها غير مقبولة. وقد واجهت أيضا المجموعة الاستشارية للأبحاث الزراعية الدولية قيودا او تكاليف باهظة في الوصول الى قواعد معطيات علمية هي بحاجة اليها لتنفيذ مهمتها. وقد تفاقمت تلك المشكلات منذ وضع "توجيه الاتحاد الاوروبي بخصوص قواعد المعطيات" موضع التنفيذ. وأخيرا هناك القضية المشهورة المعروفة بقضية "الأرز الذهبي" (راجع المربّع 3:6).

 

وتبيّن قضية "الأرز الذهبي" شدة سوء التفاهم حول الطبيعة الاقليمية لحقوق الملكية الفكرية. وقد يقلق البحاث في مراكز الأبحاث الوطنية والدولية في الدول النامية بلا ضرورة بخصوص براءات الاختراع على تكنولوجيات نافذة المفعول في الخارج، ولكن ليست لها صلاحية في البلد المتواجد فيه المركز. وفي بعض الحالات قد ينبع قلقهم عن رغبة في عدم استعداء مزوّدي التكنولوجيا الذين قد يحتاجون الى معرفتهم ومهاراتهم او استعداء المنظمات المانحة في الدول المتقدمة التي قد يرون بأنها ترغب في حماية حقوق براءات الاختراع.

 

المربّع 3:6 الأرز الذهبي

 

المحاصيل التي تزرع من أجل لقمة العيش او التي تباع الى المستهلكين الفقراء في الدول النامية ليس فيها أي اهتمام تجاري بالنسبة للشركات المتعددة الجنسيات، وهناك حالات منحت فيها الشركات تراخيص غير خاضعة للجعالة لمؤسسات الأبحاث الزراعية في القطاع العام المتعامل مع التكنولوجيات المحمية ببراءة نيابة عن المزارعين الفقراء في العالم النامي. قضية "الأرز الذهبي" هي مثال معروف.

 

يحتوي "الأرز الذهبي" على مستويات معززة من فيتامين أ. لهذا الأرز امكانية في توفير فوائد جمة لصحة الناس في الدول النامية حيث يعاني مائة مليون شخص (عالبيتهم من الأطفال) من نقص في فيتامين أ (وهي حالة تسبب العمى). في شهر أغسطس/آب عام 1999 وبالتعاون في مشروع للأبحاث تموله أمانة روكفيلر الخيرية نجح العالمان "انغو بوتريكوس" (المعهد الفدرالي السويسري للأبحاث) و "بيتر باير" (جامعاة فرايبورغ) باقحام ثلاث جينات _ اثنتان من زهرة النرجس البريّ وواحدة من بكتيريا – في جينوم الأرز بحيث تم ادخال "بيتا كاروتين"ن، المادة التي يشكّل منها فيتامين أ، في حبة الأرز.

 

ولكن، وفقا لتقرير ISAAA  صدر في عام 2000(62)، كانت هناك 70 عملية صناعية وبراءات اختراع للمنتج ملازمة لتكنولوجيا "الأرز الذهبي"؛ وهكذا كانت الجينات وأساليب استعمالها ملكية فكرية لـ 32 شركة وجامعة. أثبتت التعقيدات القانونية المترتبة على اجتياز براءات الاختراع هذه المعقدة، من أجل تطوير الأرز تطويرا اضافيا، واختباره وتسويقه، أثبتت مسألة في غاية الصعوبة بالنسبة للعلماء الذين تفاوضوا في شهر مايو/أيار عام 2000 على صفقة مع شركة "أسترازينيكا" (وهي الآن جزء من شركة "سينجنتا"، أكبر شركة تكنولوجية احيائية زراعية في العالم).

 

نالت شركة "سينجنتا" على حقوق "الأرز الذهبي" التي تسمح للشركة باستغلال الامكانيات التجارية للتكنولوجيا، وفي المقابل، وافقت على السماح بتوزيع الأرز على أساس معفى من الجعالة الى المزارعين الذين يكسبون أقل من 10 آلاف دولار في العام ويقيمون في الدول النامية. ومن ثم استمرت في التعاون طيلة عام 2000 وتعاقدت مع الشركات (بما فيها باير ومونسانتو) صاحبة البراءات الهامة بالنسبة لتكنولوجيا "الأرز الذهبي"، لتأمين "منح" مشابهة معفاة من الجعالة.

 

ولكن، في الدول التي لا تكون فيها التكنولوجيا عرضة لحماية محلية للملكية الفكرية، يمكن لأي أحد استعمالها، بغض النظر عما اذا كانت للقمة العيش او لأغراض تجارية وبغض النظر عما اذا كانت للتكنولوجيا حماية للملكية الفكرية في مكان آخر. والتحريات الاضافية في حقوق الملكية الفكرية المحيطة بالتكنولوجيا، تشير الى أن لدى معظم الدول النامية عدد قليل او ليس لديها براءات اختراع ملازمة "للأرز الذهبي". (63) وهكذا فان البحاث والمزارعين في تلك البلدان هم أحرار لتطوير وزراعة وبيع "الأرز الذهبي" من دون انتهاك حقوق الملكية الفكرية او التعرض للملاحقة القانونية بأي شكل، بغض النظر عن التبرّع بالتراخيص التي أعلنت عنها الشركات المتعددة الجنسيات على نحو واسع الانتشار.  طبعا تختلف القصة اذا رغب المنتجون لهذا الأرز بتصديره الى أسواق تكون فيها التكنولوجيا عرضة لحماية براءة الاختراع.

 

هناك عدد من المبادرات المستمرة التي تسعى الى تحديد المصلحة الذاتية المشتركة لمختلف الأطراف بطرق من شأنها تخفيف الى الحد الأدنى من مشاكل الحصول على التكنولوجيات المحمية ببراءة ولتخفيض المعاملات والتكاليف الأخرى. وعموما ان شركات الادوية، على الرغم من انها مهتمة اهتماما كبيرا ببراءات الاختراع وتأثيراتها على منتجاتها المسوّقة، توّاقة الى تجنّب التسجيل ببراءة تكنولوجيات تمسّ بأعمال الأبحاث التي تقوم بها. وهكذا، في عام 1999، أسست عشر شركات كبيرة من الشركات المنتجة للادوية مع "ولكام تراست البريطانية" كونسورتيوم (64) لايجاد ووضع خريطة لـ 300000 SNPs شائعة.(65) رسمت هذه خريطة واسعة القبول ورفيعة الجودة وواسعة ومتوفرة للعموم مستعملة SNPs بمثابة علامات موزعة بالتساوي في كافة أرجاء الجينوم البشري، الكثير منها سيجري استعماله لتحديد الأهداف للأبحاث في العقاقير. ومؤخرا أعلن الكونسورتيوم الدولي لعلم الجينات (66) مسنودا بمجموعة واسعة من شركات انتاج الادوية والجامعات والأمانات الخيرية، عن بناء وسيلة كبيرة لأداء تسلسل جيني واسع النطاق على عينات الأنسجة، ابتداء بمشروع كبير على السرطان سيجري عرض نتائجه على الناس.

 

قام عدد من الشراكات العامة-الخاصة بتطوير استراتيجيات للملكية الفكرية تسعى الى التوفيق بين مصالح أصحاب براءات الاختراع وهدف جعل المنتجات متوفرة بأسعار يمكن تحمّلها في العالم النامي. تشتمل تلك الاستراتيجيات عادة على ترتيبات تعاقدية تتعلق بأية ملكية فكرية يمكن احداثها. مثلا، يمكن التنازل عن حقوق التطبيق التجاري في العالم النامي الى شريك تجاري مقابل ترخيص معفى من الجعالة في العالم النامي الى الشراكة العامة-الخاصة. يمكن النظر في عدد كبير من الاستراتيجيات الأخرى لاقامة توازن بين أهداف الشراكة العامة-الخاصة والحاجة الى توفير حوافز ذات معنى للشريك التجاري. لقد جرى تطوير خبرة عظيمة في تلك المجالات، من بينها، من قبل التحالف العالمي ضد داء السل، والمبادرة الدولية للقاح ضد مرض الأيدز، ومشروع الأدوية لمكافحة الملاريا.(67) ويجري تأسيس مؤسسة جديدة وهي "مركز ادارة الملكية الفكرية في الأبحاث الصحية والتطوير" التي ستسعى الى التوسّع في "الممارسات الحسنة" في هذا المجال وتوفير التدريب والخدمات الداعمة.

 

وفي الميدان الزراعي هناك منظمتان تعرضان دعما مماثلا وخدمات اعلامية في الملكية الفكرية الخاصة بالتكنولوجيا الاحيائية لفائدة الدول النامية. تقوم مؤسسة CAMBIA في استراليا،من بين أشياء أخرى، بتطوير قواعد معطيات سهلة الاستعمال تتيح المجال للبحاث للتعرف بسهولة أكثر على براءات الاختراع ذات الصلة بمجال اهتمامهم.(68) "الخدمة الدولية لحيازة التطبيقات التكنولوجية الاحيائية-الزراعية" هي منظمة لا تجني الربح غايتها تقديم فوائد التكنولوجيات الاحيائية الزراعية الجديدة الى الفقراء في الدول النامية، ترعاها المؤسسات في القطاع العام والقطاع الخاص وهدفها هو نقل وتوزيع التطبيقات التكنولوجية الاحيائية المناسبة للدول النامية وتشكيل شراكات بين المؤسسات في الجنوب والقطاع الخاص في الشمال، وتقوية التعاون بين الجنوب-الجنوب.(69) هناك مقترحات لتقديم المزيد من المبادرات من أجل تسهيل الاسراع بالأبحاث التكنولوجية الاحيائية في مجال الزراعة.(70)

 

هناك حاجة الى المزيد من التنمية للمؤسسات والاستراتيجيات مثل تلك المذكورة اذ تسعى هذه الى تسهيل تطوير وحيازة التكنولوجيات اللازمة للأبحاث ذات الصلة بالدول النامية، وتسعى الى انتهاز الفرص التي توفرها الملكية الفكرية الى أفضل حد، وتساعد أيضا في حل المشاكل المرافقة لكثرة انتشار براءات الاختراع لأدوات الأبحاث. ونحن نعتبر انه من الأهمية انه في تطوير مثل تلك المبادرات يجب الاستمرار في ايلاء الاهتمام الى فرص لتحسين أنظمة براءات الاختراع، في كل من الدول النامية والدول المتقدمة، للتخفيف من حدة المشاكل التي تسعى تلك المبادرات الى حلها. قواعد اللعبة بالاضافة الى الطريقة التي تلعب فيها هما اعتباران هامان بالنسبة للدول النامية.

 

التوافق الدولي في مجال براءات الاختراع

 

الخلفية

 

التدويل المتنامي في التجارة المقترن بالتوافق الدولي الكبير في القوانين والممارسات المترتبة على براءات الاختراع وكذلك تبسيط عملية التطبيق بموجب نظام "معاهدة التعاون في براءات الاختراع" قد أدى الى زيادة سريعة في عدد طلبات التسجيل ببراءة. والارتفاع في الطلب كما يظهر في الرسم البياني 1:6 قد تواصل حتى القرن الواحد والعشرين.

 

أدى هذا الاندفاع في الطلب، دون عجب، الى زيادة في تراكم طلبات التسجيل ببراءة غير المبتوت فيها في مكاتب براءات الاختراع وزيادة في الوقت المبذول في الحصول على براءة الاختراع. مثلا، متوسط الوقت الذي يستغرقه البت في مكتب براءات الاختراع الصينية هو الآن حوالي 46 شهرا، مثله مثل مكاتب كبيرة أخرى. وعلى المدى القصير، تقوم جميع مكاتب براءات الاختراع الكبيرة بتوظيف أعداد من فاحصي البراءات الجدد (عيّن المكتب الأمريكي لبراءات الاختراع والعلامات التجارية 460 فاحصا جديدا في عام 2001 ويتوقع ان يعيّن حوالي 600 موظفا في عام 2002). وحتى عند تعيين فاحصين جدد، من غير المحتمل ان يلبي نظام براءات الاختراع الطلبات لمنح براءات اختراع عالية الجودة بسرعة وبكلفة زهيدة نسبيا.

 

الرسم البياني 1:6 الطلب على حقوق براءات الاختراع في كافة أنحاء العالم 1995-1999

 

                                                                                                            طلبات التسجيل ببراءة (بالملايين)

                                                                                                            8

                                                                                                            7 

                                                                                                            6

                                                                                                            5

                                                                                                            4

                                                                                                            3                   

                                                                                                            2

                                                                                                            1

                                                                                                            0

1999                1998                1997                1996                1995

 

الطلبات الاولى      الطلب بموجب معاهدة التعاون في براءات الاختراع          غيرها

 

تم استنساخه من موقع الانترنت الثلاثي EPO/JPO/USPTO. المصدر:

http://www.jpo.go.jp/saikine/tws/tsr2000/graph3-1.htm

 

على المدى القصير الى المتوسط، من المحتمل ان تبدأ مكاتب براءات الاختراع بالاعتراف بالعمل الذي تقوم به المكاتب الأخرى على الطلبات الموازية (أي الطلبات التي تطالب أساسا براءات للموضوع ذاته). مثلا، اذا جرى تقديم طلب والبحث فيه في الولايات المتحدة، عندئذ قد لا يحتاج تقديم طلب موازي للمكتب الاوروبي لبراءات الاختراع المزيد من البحث من قبل المكتب الاوروبي لبراءات الاختراع بل يمكن ان يعتمد بدلا من ذلك على البحث الذي جرى القيام به في الولايات المتحدة. الفوائد الناجمة عن ذلك من حيث تخفيض الكلفة للمطالب وتقليل عمل مكاتب البراءات يجعل الاعتراف المتبادل للعمل جذابا للجميع.

 

وفي مؤتمر المنظمة العالمية لبراءات الاختراع حول النظام الدولي لبراءات الاختراع المنعقد في شهر مارس/آذار عام 2002(71)، اتضح بأن مسألة الاعتراف المتبادل استقطبت على اهتمام كبير. تجري مقارنات لجودة البحث التي توفرها مكاتب البراءات الكبرى ويبدو انه لا محال من الاعتراف بشكل من أشكال الاعتراف المشترك او الاحادي (حيث تقبل دولة ببساطة نتائج البحث الذي يقوم به مكتب براءة آخر) بين مكاتب براءات الاختراع الكبرى. ولكن، التفاوتات الكبيرة في صلاحية التسجيل ببراءة ومتطلبات التسجيل، ولا سيما في مجالات التكنولوجيا العالية مثل التكنولوجيا الاحيائية وبرامج الحاسب الآلي، تعني ان الاعتراف المتبادل بتقارير فحص طلبات البراءات بين مكاتب تسجيل براءات الاختراع الكبرى قد يحتاج الى المزيد من التناغم. ومثل ذلك التناغم قد يوفر أيضا خطوة صغيرة ولكن هامة تجاه الهدف المنشود للبعض في عالم براءات الاختراع، الا وهو براءة اختراع عالمية واحدة سارية المفعول في أي مكان في العالم.

 

معاهدة لقانون أساسي لبراءات الاختراع في اطار المنظمة العالمية للملكية الفكرية  

 

تجري حاليا محادثات حول المزيد من التناغم في القانون الأساسي لبراءات الاختراع داخل أروقة المنظمة العالمية للملكية الفكرية وقد حصلنا على مؤشرات منذرة عما يمكن ان تنجم عنها تلك المحادثات. في عام 1991، كادوا ان يتفقوا على قانون أساسي لبراءات الاختراع في المنظمة العالمية للملكية الفكرية. بينما تقدمت الدول النامية بعدد من المقترحات خلال المفاوضات، الا ان المعاهدة النهائية كانت في الواقع هجينا من القوانين السائدة في عدد من الدول المتقدمة، ولا سيما في الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي. مثلما أشار مندوب احدى الدول النامية كان هناك تناقض من حيث ان عن طريق عملية التناغم كان المطلوب من أغلبية الدول ان تجعل قوانينها تتفق مع قوانين الأقلية.

 

ولكن فشل تلك المفاوضات تبعه مباشرة اتفاق على اتفاقية "تريبس" التي تسير مسافة بعيدة نحو تناغم قانون براءات الاختراع الأساسي في كافة أنحاء العالم. ولكن حتى بوجود اتفاقية "تريبس" تبقى هناك تفاوتات بين قوانين براءات الاختراع في العديد من الدول بما في ذلك بين الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي. المباحثات الجديدة في المنظمة العالمية للملكية الفكرية، والتي ابتدأت في مطلع عام 2001، تسعى الى ازالة تلك التفاوتات. ولكن ما هو الشكل الذي من المحتمل ان تتخذه أية معاهدة وكيف يتعيّن على الدول النامية ان تدنو من تلك المباحثات؟

 

مع ان المباحثات هي في مرحلة باكرة، يبدو انه من المحتمل، بناء على المسودات الصادرة عن المنظمة العالمية للمكية الفكرية (72) والمؤشرات من بعض الدول القيادية، ان تكون أية معاهدة مبنية على أساس نظام "الأول في التسجيل" (first-to-file) (73) مع ما يرافقها من مهلة مناسبة. ومن الممكن أيضا ان تجري محاولات لازالة عدد كبير من المرونات التي توفرها حاليا اتفاقية "تريبس" التي بحثنا بها أعلاه. مثلا، يمكن للمعاهدة ان تحدد ما الذي يشكّل اختراعا صالحا للتسجيل ببراءة وكيف سيجري تقرير متطلبات البدعة والخطوة الاختراعية والتطبيق الصناعي.

 

من الواضح انه بالنسبة للدول النامية هناك اهتمام في ضمان عدم التنازل عن تلك المرونات ما لم يتبيّن لها انه من مصلحتها ان تتبنى قواعد دولية جديدة الأمر الذي يقيّد أكثر حريتها في تصميم سياسات مناسبة للملكية الفكرية. لقد اقترحنا أعلاه نوع نظام براءات الاختراع الذي نعتقد بأنه مناسب لمصالح الدول النامية. تواجه الدول النامية، مثلما فسّرنا في الفصل السابع، عوائق هائلة في تنفيذ أنظمة براءات الاختراع. فاذا سعت الى تبني مقاييس أكثر شدة في تسجيل براءات الاختراع فمن المحتمل ان تكون المشاكل المؤسسية والادارية أكثر عبئا.

 

يترتب على الدول النامية ان تحدد استراتيجية للتعاطي مع الخطر بأن يؤدي التوافق في المنظمة العالمية لبراءات الاختراع الى تبني معايير لا تأخذ مصالحها بعين الاعتبار. يمكن القيام بذلك بالسعي الى احداث معايير عالمي يعكس توصيات هذا التقرير؛ ويمكن القيام بذلك بالسعي الى مرونة مستمرة في معايير المنظمة العالمية للملكية الفكرية؛ ويمكن القيام بذلك برفض عملية المنظمة العالمية للملكية الفكرية اذا بدا بأن النتيجة لن تكون في مصلحة الدول النامية.

 

ولكننا نعتقد بأن الكثير من مقترحاتنا لتحسين نظام براءات الاختراع ذات صلة أيضا بالدول المتقدمة، خصوصا بالنظر الى المخاوف من ارهاق النظام أكثر مما يتحمّل في البت بطلبات براءات الاختراع، التي تكون نسبة عالية منها لا تصلح للتسجيل ببراءة بموجب الاصلاحات التي نقترحها.

 

تركّزت المباحثات بخصوص اصلاح براءات الاختراع وتوافقها على كيفية تحسين كفاءة نظام براءات الاختراع العالمي الحالي عن طريق تبسيط الاجراءات وازالة الازدواجية واتباع التناغم.(74) ولكن لم يجر التفكير مليا بجودة البراءات الصادرة ولا بالموارد الموظّفة في فرض والطعن بحقوق براءات الاختراع بحيث يتعذّر استثمارها في أشياء أخرى ولا في المدى الذي تفوق فيه وزنا فوائد النظام في تشجيع التقدم الفني تكاليفه الاقتصادية والادارية وتكاليف فرضه قانونيا. ويعتبر الطلب المتزايد على براءات الاختراع حقا يجب الايفاء به بزيادة انتاجية عملية منح البراءات على حساب التخفيض المحتمل في الجودة. نحن نعتقد بأنه يترتب على كل من الدول المتقدمة والدول النامية ان تسعى الى ترجيح كفة الميزان بعيدا عن الكمية والعودة بها تجاه الجودة. عدد أقل وأفضل من براءات الاختراع، التي تحتفظ بشرعيتها في المحاكم، تكون على المدى الطويل الطريق الأكثر فعالية لتخفيض العبء على مكاتب براءات الاختراع، وأهم من ذلك كله، الطريق الأكثر فعالية لتأمين الدعم الواسع الانتشار لنظام براءات الاختراع.

________________________________________________________

(1) مع ان تلك القضية كانت قضية تمثّل نقطة تحوّل، كان قد جرى في السابق التسجيل ببراءة عمليات تشمل متعضيات حية وأشكال معزولة من المنتجات الطبيعية. مجلس نافيلد للأخلاقيات الاحيائية (2002) "أخلاقيات تسجيل د.ن.أ ببراءة: ورقة للمناقشة"، مجلس نافيلد للأخلاقيات الاحيائية، لندن، الصفحات 23-28. المصدر: http:www.nuffieldbioethics.org/filelibrary/pdf/theethicsofpatentingdna/pdf

(2) الأمانة العامة للعلوم (2002) "مؤشرات العلوم والهندسة 2002"، NSF، واشنطن دي سي، الفصل الرابع، الملحق 6:4. المصدر:

http://www.nsf.gov/sbe/srs/seind02/c4/c4s.1.htm تم الحصول على معطيات براءة الاختراع من المكتب الأمريكي لبراءات الاختراع والعلامات التجارية. المصدر: www.uspto.gov

(3) هذا مستمد من R. Merges و R. Nelson (1980) "حول الاقتصادات المعقدة لنطاق براءات الاختراع"، مجلة كولومبيا للقانون، المجلد 90، الصفحات 839-916. المصدر: http://sp.uconn.edu/~langlois/E382/Scope.html

(4) رسالة الى "روبرت هوك"، 5 فبراير/شباط 1676

(5) Merges و Nelson (1990)، الصفحة 916

(6) راجع شرح الكلمات للتعريف.

(7) الأمانة العامة للعلوم (2002) الفصل الخامس. المصدر: http://www.nsf.gov/sbe/srs/seind02/c5/c5h.htm

(8) السعي للايجار هو عبارة تستعمل من قبل علماء الاقتصاد للدلالة على كيف يمكن للمساهمين في السوق ان يواجهوا حوافز غريبة (من وجهة نظر اجتماعية) تحدثها "الايجارات الاحتكارية" الناجمة عن مختلف تدخلات الحكومة في السوق. حقوق الملكية الفكرية هو مثال على مثل ذلك التدخل. النص المشتمل على بذور التطور في المستقبل هو للمؤلف A. Kruger (1974) "الاقتصاد السياسي للمجتمع الساعي الى الايجار"، مجلة الاقتصاد الأمريكية، 291-303، المجلد 64(3) الصفحات 291-303.

(9) J. Reichman (1997) "من الممتطين الأحرار الى التابعين الأحرار: المنافسة العالمية بموجب اتفاقية تريبس"، مجلة القانون الدولي والسياسة الصادرة عن جامعة نيويورك، المجلد 29. المصدر: http://www.nyu.edu/pubs/jilp/main/issues/29/b.html

(10) راجع المادة 27(1) من اتفاقية "تريبس". المصدر: e/t agm0 e.htm http://www.wto.org/english/tratop e/trips

(11) مثلا، مؤتمر الأمم المتحدة حول التجارة والتنمية (1996) "اتفاقية تريبس والدول النامية"، مؤتمر الأمم المتحدة حول التجارة والتنمية، جنيف، رقم الوثيقة UNCTAD/ITE/1 ؛ C. Correa (2000) "حقوق الملكية الفكرية: منظمة التجارة العالمية والدول النامية"، كتب زد، لندن وشبكة العالم الثالث، بينانغ، P. Heald (2002) "استراتيجيات الملكية الفكرية للدول النامية: المرونة والفعّالية والمساعدة الذاتية ضمن اطار اتفاقية تريبس" (نسخة)

(12) المادة 27(1) من اتفاقية "تريبس".

(13) مثلا، تنص المادة 54(5) من EPC بأن متطلب البدعة (novelty) لن يمنع التسجيل ببراءة أية مادة او مركب، مؤلف بأحدث ما توصلت اليه التكنولوجيا، للاستعمال في اسلوب تمت الاشارة اليه في الفقرة 4، المادة 52، شرط استعمالها لهذا الاسلوب غير مشمول في أحدث ما توصلت اليه التكنولوجيا. وقد قضت المحاكم بالقول ان الاستعمال الطبي الثاني والاضافي للمركبات المعروفة هو مسموح. في وصولها الى هذا القرار أخذت المحاكم "نظرة خاصة الى مفهوم أحدث ما توصلت اليه التكنولوجيا"، قرار المكتب الاوروبي لتسجيل براءات الاختراع G83/0005 . المصدر:

http://www.european-patent-office.org/legal/epc/gdechtml/en/g.583.htm

(14) كما هو مسموح به بموجب مواد اتفاقية "تريبس" 27(3)(ب) و (أ) على التوالي.

(15) المادة 15(ب) من القرار 486 لنظام الملكية الفكرية المشتركة للمجتمع الأنديني. المصدر:

http://www.comunidadandina.org/ingles/treaties/dec/D486e.htm

(16) لقد تلقينا تقدمات حول هذا الموضوع من عدد من المنظمات غير الحكومية التي تريد تعديلات لاتفاقية "تريبس" فيما يتعلق بتسجيل الأشياء الحية ببراءة.

(17) التوجيه 98/44/EC للبرلمان الاوروبي وللمجلس، 6 يوليو/تموز 1998 حول الحماية القانونية للاختراعات التكنولوجية الاحيائية. المجلة الرسمية 213، 30 يوليو/تموز 1998، الصفحات 13-21. المصدر: http://europe.eu.int/smartapi/coi/sga  

 doc?smartapi!celexapi!prod!CELEXnumdoc&lg=EN&numdoc=31998L0044&model=guichett

(18) المادتان 5 و 6 من توجيه الاتحاد الاوروبي الخاص بالتكنولوجيا الاحيائية (توجيه الاتحاد الاوروبي 98/44) تقيّدان التسجيل ببراءة المتعلق بالمادة الجينية البشرية والحيوانية.

(19) المادة 56 EPC,35USC S103. بموجب EPC ان الشخص الماهر في الفن يفترض بأنه ممارس عادي للفن على علم بالمعرفة العامة المشتركة في الفن ولكن غير قادرة على الاختراع. تشير الممارسة الكندية الى شخص "ماهر في الفن ولكن بلا أدنى درجة من الاختراعية او وسع الخيال؛ مثال للاستنتاج والبراعة اليدوية؛ خالي تماما من البديهة والخيال؛ ماهر في التحليل والاستنتاج، نصر لنصف الكرة الأرضية الأيسر على الأيمن." Beloit Canada Ltd ضد Valmet OY 1986, 8 CPR (3d) 289

(20) J. Barton (2001) "غير البديهية" (العمل قيد التقدم). المصدر: http://emlab.berkeley.edu/users/bhhall/ipconf/Barton901.pdf

(21) دليل فدرالي للارشادات لفحص المنفعة صادر عن المكتب الأمريكي لبراءات الاختراع والعلامات التجارية المجلد 66 الرقم 4، 5 يناير/كانون الثاني 2001. المصدر: http://www.uspto.gov/web/offices/com/sol/notices/utilexmguide.pdf

(22) قرار المكتب الاوروبي لتسجيل براءات الاختراع يلغي EP0630405 (ICOS Corporation) 20 يونيو/حزيران 2001 (غير مبلغ به)

(23) القسم 14.143 من كتيّب ممارسة تسجيل براءات الاختراع الصادر عن المكتب البريطاني لبراءات الاختراع. المصدر:

http://www.patent.gov.uk/patent/reference/mpp/s14 16.pdf

(24) Biogen Inc ضد Medeva plc مجلس اللوردات (1997) RPC 1

(25) مجلس نافيلد للأخلاقيات الاحيائية (2002) الصقحات 73-74.

(26) في اليابان يمكن لأي شخص ان يرفع اعتراضا ضد منح براءة اختراع ضمن ستة أشهر من تاريخ نشر المنحة. قبل تأسيس المكتب الاوروبي لتسجيل براءات الاختراع بدأت فترة الاعتراض على منح البراءة بعد تاريخ نشر المنح وتدوم تسعة أشهر. وقبل تأسيس المكتب الأمريكي لبراءات الاختراع والعلامات التجارية يمكن الطلب باعادة فحص البراءة عندما تنشأ أسئلة هامة تتعلق بصلاحية البراءة وذلك في أي وقت خلال عمر براءة الاختراع. اجراءات الاعتراض ما قبل منح البراءة موجودة في اندونيسيا بموجب المادة 45 من قانون براءات الاختراع النافذ المفعول في البلاد (الرقم 14، 2001) وفي الجماعات الأندينية بموجب المادة 42 من القرار 486، الصادر في 14 سبتمبر/أيلول عام 2000.

(27) F.M. Scherer (2001) "نظام براءات الاختراع والابتداع في الادوية،"  المجلة الدولية للقانون الاقتصادي (طبعة خاصة ، "براءات اختراع الادوية، الابتداع والصحة العامة")، الصفحة 119.

(28) مثلا، المادتان 48 و 49 من القانون الصيني لبراءات الاختراع 2000 ينص بأنه يمكن منح الترخيص الاجباري الى كيان يقدم طلبات للتصريح من صاحب براءة اختراع ما وذلك لاستغلال براءة اختراعه بموجب شروط وظروف معقولة  وبأن تلك المساعي لم تتكلل بالنجاح ضمن فترة معقولة من الوقت او عندما تقضي المصلحة العامة.

(29) صدقت مسودة القانون المصري على منظمة التجارة العالمية في الوثيقة IP/C/W/278 (المصدر: http://docsonline.wto.org/DDFDocuments/t/IP/C/W278.doc) مسودة القانون الجاميكي كما هو مبلّغ في IP/N/1/JAM/1/1 (المصدر: http://docsonline.wto.org/DDFDocuments/t/IP/N/1JAMI1.doc)).

(30) تم الغاء اجراء DSP لمنظمة التجارة العالمية (IP/D/23) الذي كان يمكنه ان يوضح توافقية متطلب عمل محلي مع اتفاقية "تريبس" قبل ان تتمكن لجنة قضائية من ابداء رأيها. المصدر: http://docsonline.wto.org/DDFDocuments/t/G/L/385.DOC)).

(31) المصدر: http://www.iavi.org/press/63/p20010824a.asp

(32) C. Correa (قادم) "حماية وتشجيع الطب التقليدي" المركز الجنوبي، جنيف.

(33) تسمح المادة 62 من اتفاقية "تريبس" الأعضاء لطلب الامتثال، كشرط من شروط حيازة حقوق الملكية الفكرية، بالاجراءات المعقولة. في قضية حل النـزاع لمنظمة التجارة العالمية في القسم 211 من قانون المخصصات الشامل الأمريكي، قالت اللجنة القضائية بأن اتفاقية "تريبس" لا تمنع الأعضاء من انكار تسجيل العلامة التجارية على أساس ان الطالب ليس صاحب العلامة التجارية كما هو محدد في النظام القانوني المحلي (الفقرة 8-56 من وثيقة منظمة التجارة العالمية رقم الوثيقة WY/DS176/R). يبدو ان ذلك ينطبق بالتساوي على براءات الاختراع.

(34) تحدد المنظمة العالمية للملكية الفكرية حاليا 48 دولة على انها توفر مثل تلك الحماية. المصدر:

http://www.wipo.int/sme/en/ip business/utility models/where.htm

(35) في بعض الأقضية القانونية مثل ألمانيا، ان مستوى الخطوة الاختراعية المطلوبة للحصول على براءة الاختراع البسيطة هي نفسها مثل تلك المترتبة على براءة الاختراع الكاملة.

(36) راجع الفصل الأول.

(37) J. Reichman (2000) "النرجس الأخضر والكودزو القانونية: اعادة تعبئة الحقوق في الابتداع دون الصلاحية للتسجيل ببراءة"، مجلة فاندربلت القانونية، المجلد 53، الصفحات 1743-1798. المصدر: http://law.vanderbilt.edu/lawreview/vol536/reichman.pdf

(38) راجع مثلا المادة 76 من القانون البرازيلي للملكية الصناعية الرقم 9279ظ96 لعام 1996 كما هو معدّل. المصدر:

http://www.inpi.gov.br/idiomas/conteudo/law.htm

(39) مكتب الدولة للملكية الفكرية، الصين (2001) "التقرير السنوي 2000"، SIPO وبكين، الصفحة 29. المصدر:

http://www.sipo.gov.cn/sipo English/gftx e/ndbg e/2000nb e/nbbg 2000 e/12-1-b2-e.htm

(40) "يمكن للمعاهد الصينية ان تبقي على الملكية الفكرية"، جيا هيبينغ، 21 مايو/أيار 2000. المصدر: http://www.scidev.net

(41) وفّرت المعلومات المنظمة العالمية للملكية الفكرية، مستمدة من احصائيات الطلبات لعام 2001.

(42) P. Dasgupta و P. David (1994) "نحو اقتصاديات جديدة في العلوم"، سياسة الأبحاث، المجلد 23، الصفحات 487-521.

(43) رابطة مدراء التكنولوجيا الجامعيين (2002) "الدراسة السنوية لرابطة مدراء التكنولوجيا الجامعيين 2000: الملخص"، رابطة مدراء التكنولوجيا الجامعيين، نورثبروك الينوي. المصدر: http://www.autm.net/surveys/2000/summarynoe.pdf

(44) D. Mowery وغيره (2001) "نمو براءات الاختراع والترخيص من قبل الجامعات الأمريكية: تقييم لآثار قانون بي – دول الصادر عام 1980"، سياسة الأبحاث، المجلد 30، الصفحات 99-119. المصدر: http://www.sips.columbia.edu/RESEARC/Paper/99-5.pdf

(45) أمانة العلوم الوطنية (2002)، جدول الملحق 4-04. المصدر: http://www.nsf.gov/sbe/srs/seind02/append/c4/at04-04.xls

(46) رابطة مدراء التكنولوجيا الجامعيين (2002)، الصفحة 10

(47) J. Colyvas وغيره (2002) "كيف توضع اختراعات الجامعات قيد العمل"، العلوم الادارية، المجلد 48، الصفحة 67. المصدر:

http://www.vannevar.gatech.edu/pdfs%20of%publications/mans126.pdf

(48) J. Colyvas وغيره (2002)

(49) التقرير السنوي 2000، جامعة كاليفورنيا، مكتب تحويل التكنولوجيا. المصدر: http://www.ucop.edu/ott/ttimport.html

(50) أمانة العلوم الوطنية (2002)، الفصل الخامس، جدول نصي 5-25. المصدر: http:/www.nsf.gov/sbe/srs/seind02/c5/c5h.htm

(51) M. Sampaio و E. Brito da Cunha "ادارة الملكية الفكرية في امبرابا: مسألة سياسة وتغيير في التفكير"، في J. Cohen (المحرر) (1999) "ادارة التكنولوجيا الاحيائية الزراعية: مواجهة حاجات برامج الأبحاث ومتضمنات السياسة"، ISNAR/CABI، لاهاي، الصفحات 240-248.

(52) راجع تقدمة ديفيد مارتين الى مباحثات المائدة المستديرة في الكونغرس في 10 مايو/أيار 2001، حيث يزعم بأن أكثر من 30% من براءات الاختراع الأمريكية قد تتقاسم مطالبة او أكثر مع براءات اختراع أخرى. المصدر: http://www.house.gov/judiciary/martin 051001.htm

 

(53) C. Shapiro "اجتياز أجمة براءات الاختراع: التراخيص المتعارضة، تجمعات براءات الاختراع ووضع المعايير"، في A. Jaffe, J. Lerner و S. Stern (المحررون) (2001) "سياسة الابتداع والاقتصاد: المجلد 1"،  دار النشر لمعهد ماساتشوستس للتكنولوحيا، كامبريدج، ماساتشوستس، الصفحة 3. المصدر: http://www.haas.berkeley.edu/~shapiro/thicket.pdf

(54) افادة في 28 فبراير:شباط 2002. المصدر: http://www.ftc.gov/opp/intellect/barrobert.doc

(55) معاهد الصحة الوطنية (1998) "تقرير مجموعة العمل عن أدوات الأبحاث"، معاهد الصحة الوطنية، واشنطن دي سي. المصدر: http://www.nih.gov/news/researchtools/

(56) J. Walsh وغيره (2000) "تسجيل أدوات الأبحاث ببراءة والابتداع الطبي الاحيائي"، الأكاديميات الوطنية للعلوم، واشنطن دي سي. المصدر:

http://www7.nationalacademies.org/step/Walsh et al paper.pdf

(57) "طلبات التسجيل ببراءة – الارشادات لفحص المنفعة"، السجل الفدرالي، 5 يناير/كانون الثاني 2001 (المجلد 66، الرقم 4) الصفحات 1092-1099. المصدر: http://www.uspto.gov/web/offices/com/sol/notices/utilexmguide.pdf

(58) معهد الصحة القومي (1998)؛ ارشادات للتنفيذ لمعهد الصحة القومي، 1999. (المصدر:

http:ott.od.nih.gov/NewPages/RTguide final.html#guide)

(59) J. Walsh وغيره (2000) الصفحة 31

(60) عرض قدمه غريغ غالوي (فالكو-آرتشر) الى مؤتمر اللجنة، لندن 21-22 فبراير/شباط 2002، وعرض قدمته ميليندا موري (باث) الى ورشة عمل اللجنة عن أدوات الأبحاث، لندن، 22 يناير/كانون الثاني 2002. المصدر: http://www.iprcommission.org

(61) أمثلة اقتبست من عرض فكتوريا هنسون-أبولونيا في ورشة عمل اللجنة عن أدوات الأبحاث، لندن 22 يناير/كانون الثاني 20002.

المصدر: http://www.iprcommission.org

(62) R. Kryder, S. Kowalski & A. Krattinger (2000) "المكونات الفكرية والملكية الفنية للأرز أ المشبّع بالفيتامين (الأرز الذهبي): مراجعة مبدئية للحرية على التشغيل"، معلومات خلفية الخدمة الدولية لحيازة تطبيق التكنولوجيا الاحيائية الزراعية،  العدد 20، الخدمة الدولية لحيازة تطبيق التكنولوجيا الاحيائية الزراعية، نيويورك. المصدر: http://www.isaaa.org/publications/briefs/Brief 20.htm

(63) P. Pardey وغيره (2000) "التجارة الجنوبية-الشمالية، الملكية الفكرية، الأقضية القضائية وحرية التشغيل في الأبحاث الزراعية حول المحاصيل المنتجة بوفرة"، ورقة للبحث EPTO رقم 70، المعهد الدولي للأبحاث في سياسة الطعام، واشنطن دي سي. المصدر: http://www.ifpri.cgiar.org/divs/eptd/dp/papers/eptdp70.pdf

(64) كونسورتيوم SNP  المحدودة. المصدر: http://snp.cshl.org/

(65) SNP هي الأحرف الاولى للكلمات الانجليزية single nucleotide polymorphisms. هذه تغييرات في كتلة البناء الأساسية لـ د.ن.أ (الزوج الأساسي الأحادي) الذي يمكن ربطه بمسبب الأمراض، او أي تغايرات جينية أخرى.

(66) الكونسورتيوم الدولي لعلم الجينات. المصدر: http://www.intgen.org/

(67) C. Wheeler & S. Berkley (2001) "الدروس الأولية من الشراكات العامة-الخاصة في تطوير العقاقير واللقاحات"، نشرة منظمة الصحة العالمية، المجلد 8:79. المصدر: http://www.who.int/bulletin/pdf/2001/issue8/vol79.no.8.728-734.pdf

(68) مركز تطبيق البيولوجيا الجزيئية على الزراعة الدولية. المصدر: http://www.cambia.org/

(69) الخدمة الدولية لحيازة تطبيق التكنولوجيا الاحيائية الزراعية. المصدر: http://www.isaaa.org/

(70) A. Krattiger (2002) "الشراكات الخاصة-العامة للادارة الفعالة للتكنولوجيا الاحيائية المملوكة ملكية خاصة وتحويل وزيادة استثمارات القطاع الخاص"، استراتيجية الملكية الفكرية في هذه الأيام، الرقم 4. المصدر: http://binas.unido.org/binas/reviews/krattiger.pdf

(71) مؤتمر المنظمة العالمية للملكية الفكرية حول النظام الدولي لبراءات الاختراع، جنيف، 25-27 مارس/آذار. المصدر:

http://patentagenda.wipo.int/meetings/2002/program/index.html

(72) مسودة معاهدة القانون الأساسي أعدها المكتب الدولي للمنظمة العالمية للملكية الفكرية (وثيقة المنظمة العالمية للملكية الفكرية رقم SCP/7/3، المصدر: http://www.wipo.org/scp/en/documents/session 7/pdf/scp7 3.pdf

(73) نظام "الأول في تقديم المطالبة" يمنح براءة الاختراع الى الشخص الأول الذي يتقدم بالمطالبة بتسجيل اختراع ببراءة. الغالبية العظمى من الدول تطبق مثل هذا النظام. على العكس من ذلك تستخدم الولايات المتحدة نظام "الأول في الاختراع" حيث براءة الاختراع هي ملكية أول شخص يقوم بالاختراع.

 

 

 

(74) راجع "جدول أعمال تطوير نظام دولي لبراءات الاختراع"، مذكرة الى المدير العام، المنظمة العالمية للملكية الفكرية، 6 أغسطس/آب 2001 (وثيقة المنظمة العالمية للملكية الفكرية رقم A/36/14). المصدر: http://www.wipo.int/eng/document/govbody/wo gb ab/pdf/a36 14.pdf


الفصل السابع

 

القدرات المؤسسية

 

المقدمة

 

تواجه الدول النامية تحديات مؤسسية هائلة في تنفيذ الحماية للملكية الفكرية، حسبما تقضيه اتفاقية "تريبس". وحيث ان لغالبية الدول النامية ذات القدرات التكنولوجية والعلمية المحدودة الشيء القليل لكسبه في المدى المتوسط من تنفيذ التزامات اتفاقية "تريبس"، فان همها الرئيسي هو الحد من الكلفة البشرية وكلفة الموارد المنطوية على تأسيس أنظمة للملكية الفكرية. وفي الوقت نفسه تحتاج تلك الدول الى الضمان بأن أنظمتها الوطنية للملكية الفكرية تعمل من أجل المصلحة العامة وانها منظمة بفعالية. وستحتاج الدول النامية الأكثر تقدما تكنولوجيا الى الضمان بأن أنظمتها للملكية الفكرية تكمل وتعزز سياساتها العريضة وهي تشجيع التطوير التكنولوجي والابتداع.

 

وتشتمل التحديات على صياغة سياسة وتشريعات مناسبة وتطبيق حقوق الملكية الفكرية على نحو يتمشى مع الواجبات الدولية؛ وتطبيق وتنظيم حقوق الملكية الفكرية باسلوب مؤيد للمنافسة وملائم لمستويات التنمية الوطنية. طبعا، العديد من التحديات المؤسسية والسياسة ذات العلاقة بالملكية الفكرية هي مشتركة بين جميع الدول ولكنها تحديات حادة بالنسبة لعدد كبير من الدول النامية. ومن المهم الاشارة الى انه كثيرا ما يكون السياق الاقتصادي والتنظيمي في الدول النامية التي تجري فيها مراجعة أنظمة الملكية الفكرية، تمشيا مع اتفاقية "تريبس"، مختلف تماما عن الدول المتقدمة.

 

هناك خيارات صعبة. هل يجب على الدولة النامية، بالنظر الى الافتقار الى مواردها الخاصة، ان ترضى باعادة تسجيل براءات الاختراع لأنه تم منحها في دولة متطوّرة؟ او هل يجب عليها ان تطوّر قدرات قومية في مجال فحص البراءات، لكي تطبّق مقاييس مختلفة لصلاحية التسجيل ببراءة التي نقترح بأنها يمكن ان تكون مناسبة؟ في الظروف الحالية، هذه مهمة صعبة لمؤسسات ادارة حقوق الملكية الفكرية في معظم الدول النامية.

 

نبحث في هذا الفصل ما يلي:

·       ما هي المتطلبات لوضع سياسة وتشريعات فعالة للملكية الفكرية في الدول النامية؟

·       كيف يجب على الدول ان تبت بموضوع تنفيذ سياسة الملكية الفكرية وتطبيق حقوق الملكية الفكرة؟

·       كيف يمكن للدول المتقدمة وللمؤسسات الدولية ان توفر مساعدات فنية فعالة للدول النامية؟

وضع سياسة وتشريعات الملكية الفكرية

 

بما ان غالبية الدول النامية، بما فيها الدول الأقل نموا، هي اما أعضاء في منظمة التجارة العالمية او في مرحلة الانتساب اليها، يتطلب تنفيذ اتفاقية "تريبس" تغييرات في التشريعات المترتبة على الملكية الصناعية وحقوق النشر والتأليف. في بعض المجالات ستكون التغييرات طفيفة. وفي الأخرى، هناك حاجة الى تشريعات جديدة تماما. عدد كبير من الدول قد قامت بتعديل تشريعاتها المترتبة على الملكية الفكرية حتى تمتثل لاتفاقية "تريبس" وتفي بالموعد الأخير وهو شهر يناير/كانون الثاني عام 2000. وهناك عدد صغير من الدول الأقل نموا قد أتمت الاصلاحات القانونية والمؤسسية المطلوبة لوضع اتفاقية "تريبس" موضع التنفيذ. وبالاضافة الى اتفاقية "تريبس"، قد تختار تلك الدول التي ليست أعضاء في المعاهدات الدولية، مثل اتفاقية باريس واتفاقية بيرن، ان تنضم اليها وهذا الأمر سيتطلب تغييرات اضافية في التشريعات.

 

وتواجه ايضا الدول النامية اصلاحات أخرى تتعلق بالملكية الفكرية مثل تصميم أنظمة مناسبة لحماية تنوّعات النباتات ومواد النباتات الجينية؛ وما اذا وكيف عليها ان تحمي المعرفة التقليدية ضمن نظام الملكية الفكرية الرسمي؛ وكيف تنظم قدرة الحصول على وتنفيذ تقاسم الفوائد للموارد الاحيائية الوطنية حسب تصوّرات ميثاق التنوّع الاحيائي. عدد قليل سن تشريعات في تلك المجالات حتى الآن. وعدا القضايا التشريعية او السعوية، فقد يعكس ذلك أيضا افتقارا في الاجماع السياسي حول ماهية السياسات التي يجب تبنيها. وبالاضافة الى تعديل التشريعات ذات العلاقة بالملكية الفكرية، على الدول النامية ان تفكّر في تنفيذ اصلاحات مكملة في مجالات مرافقة للبيئة التنظيمية المحلية مثل السياسة المترتبة على العلوم والتكنولوجيا والتشريعات المضادة للتجميع الضخم للرساميل.

 

وضع السياسة المتكاملة

 

في عدد كثير من الحالات، تواجه الدول النامية صعوبات خاصة في تنمية سياسة شاملة ومنسقة حول الملكية الفكرية في مجال، يبدو للكثيرين، بأنه مجال جديد نسبيا من مجالات السياسة العامة.(1) ويأتي عادة الحافز للتغييرات في السياسة من الاتفاقيات الدولية الموقعة عليها الدولة، بدون ان يكون لديها بالضرورة فكرة مفهومة حول كيفية تنفيذها قوميا (مثلا اتفاقية "تريبس" او "ميثاق التنوّع الاحيائي"). وداخل الدوائر الحكومية، تؤثر الملكية الفكرية على مصالح عدد كبير من الوزارات الحكومية التي قد تختلف مواقفها بخصوص الموضوع ويتوجب التوفيق بينها. عادة، تقوم المجموعات الصناعية وغيرها من المنظمات المدنية الأخرى، ذات الاهتمام الخاص او الرؤية في الموضوع، بالضغط على الدوائر الحكومية للتأثير عليها. وعلاوة على ذلك، قد تضع بعض الحكومات الأجنبية ضغطا رسميا او غير رسمي عندما تكون مصالحها على المحك. وهكذا فان عملية وضع السياسة هي عملية معقدة.(2) ومثاليا، يجب ان تعتمد صياغة سياسة الملكية الفكرية في الدول النامية على تقدير سليم لكيف يمكن استخدام نظام الملكية الفكرية لتشجيع أهداف التنمية، المستمدة من تحليل لبنية البلاد الصناعية، وأنماط الانتاج الزراعي، والعناية بالصحة وحاجات التعليم. ولكن كثيرا ما تكون الخبرة والأدلة اللازمتين للقيام بتلك المهمة نادرتين.

 

الحقيقة في عدد كبير من الدول النامية هي ان القدرات المؤسسية فيها تكون ضعيفة عموما، وهناك بصورة خاصة افتقار للخبرة وللموظفين المؤهلين كما يجب. وهناك في غالبية الدول النامية اعتماد كبير على المساعدات الفنية، في شكل مسودات القوانين والمشورة الخبيرة والتعليق على مسودات التشريعات الجديدة، التي تقدمها المنظمة العالمية للملكية الفكرية والهيئات الأخرى.(3) وحسب أقوال أحد المعلقين:

 

"ليس لدى الدول الأقل نموا بصورة خاصة الخبراء المحليين لتقييم مناسبة نماذج القوانين الدولية للظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المحلية. كثيرا ما تفتقر الدول الأقل نموا الى الخبرة وهي تعتمد على الخبراء الأجانب في القانون لصياغة قوانينها، والذين يأتون بهم من تلك الأنظمة القانونية الغربية التي للدول الأقل نموا روابط تاريخية معها بمثابة مستشارين او بموجب عقد لفترة محددة من الوقت. والمشكلة حادة بصورة خاصة فيما يتعلق بالملكية الفكرية حيث هناك قليل من الناس الذين يتمتعون بالمهارات الفنية المتخصصة في صياغة التشريعات وكذلك الخبرة في قانون الملكية الفكرية."(4)

 

وهكذا بما ان عملية رسم السياسة هي عملية معقدة وفنية، قد تسعى الحكومات الى القفز فوق العملية، ولا سيما في وجه المواعيد الأخيرة المتفق عليها دوليا. وهكذا قد يتركون مسألة صياغة التشريعات الى خبرائهم في الملكية الفكرية، ان تواجدوا، وذلك بالقدر الأدنى من الاستشارات بين الدوائر الحكومية. او قد تعوّل على الخبرة الأجنبية. مهما يكون الأمر قد لا يتعرض اتساق التشريعات الخاصة بالملكية الفكرية مع سياسات التنمية الى التدقيق الكافي.

 

وهكذا فان قدرة الدول النامية على تنسيق السياسة على مدى الحكومة في الاطلاع بالاصلاحات ذات العلاقة بالملكية الفكرية هي أمر حرج. توحي الأدلة بأن بعض الدول قد أسست آليات لتحسين تنسيق رسم السياسة وتقديم النصح، والمساهمون الرئيسيون في ذلك هم الوزارات الرئيسية التي تعمل في مجال الصحة والعدل والعلوم والبيئة والزراعة والتعليم او الثقافة (من حيث حقوق النشر والتأليف والحقوق الملازمة لها). ولكن، تلك الآليات كثيرا ما تكون في مراحل بدائية ولم تتضح حتى الآن درجة فعاليتها – ولا سيما فيما يتعلق بدمج المسائل المتعلقة بالملكية الفكرية مع مجالات أخرى من السياسة الاقتصادية والتنموية. وفي العديد من الحالات، يمكن ان يعكس ذلك الواقع ومفاده بأنه ليس باستطاعة هيئات التنسيق هذه الاستعانة بسهولة بامداد من المشورة الفنية والخبرة اللازمتين، وانها تعكس أيضا المصالح المتضاربة داخل الدوائر الحكومية.

 

ومن النواحي غير المشدد عليها بالنسبة لاصلاح الملكية الفكرية في الدول النامية هي أهمية عملية رسم السياسة بحد ذاتها، وقدرة أصحاب الشأن، في الدوائر الحكومية وخارجها، من المساهمة في تشكيل السياسة وسن قوانين جديدة. فمن جهة، هناك دولة مثل الهند لديها نظام عريض الأساس وشامل للاستشارة العامة والمناقشة (بما في ذلك ورشات عمل عامة بخصوص مواضيع مثيرة للجدل مثل حماية التنوّع الاحيائي والمعرفة التقليدية)، بالاضافة الى مستوى عال من الخبرة داخل المجتمعات الأكاديمية والأعمال والقانوية. ومن جهة أخرى، في احدى الدول النامية الأفريقية الى الجنوب من الصحارى التي قمنا بدراستها، لقد تم سن تشريعات جديدة تتعلق بحقوق النشر والتأليف بعد مجرد عملية صياغة فنية بأقل حد من الاستشارة العامة او المناقشة.

 

المربع 1:7 رسم السياسة بالمساهمة في العمل: جنوب أفريقيا

 

منذ أواخر التسعينات من القرن الماضي وحكومة جنوب أفريقيا تفكّر باصلاح تشريعات البلاد الخاصة بحقوق النشر والتأليف. في الماضي، كانت صناعة النشر المجموعة المهتمة الرئيسية المساهمة في عملية التأثير على سياسة الحكومة الخاصة بحقوق النشر والتأليف. ولكن في السنوات الأخيرة لعب القطاع التعليمي دورا نشيطا بازدياد في هذا المجال ورأيناه يدعو الى تعديلات للقانون من أجل مخاطبة مسألة حقوق النشر والتأليف الالكترونية واتخاذ ترتيبات مسبقة تحسبا للتعليم عن بعد وبرامج التعليم الخاصة وحاجات المعاقين (مثلا، العميان).

 

في عام 1998، نشرت وزارة التجارة والصناعة مسودة أنظمة لتعديل الأنظمة الحالية الملحقة بقانون حقوق النشر والتأليف. استجاب القطاع التعليمي الى ذلك بتشكيل فريق عمل للبحث بحقوق النشر والتأليف تحت رعاية رابطة رؤساء جامعات جنوب أفريقيا ولجنة مدراء تكنيكون. دعوا المهتمين بالأمر الى تقديم أوراق بمواقفهم بخصوص مسودة التنظيمات ومن ثم تقديم تعليق عليها. ولما كانت مسودة التنظيمات مقتصرة على التعليم، قدم فريق العمل الخاص بحقوق النشر والتأليف وثيقة موحّدة شملت تعليقات واعتراضات من القطاع التعليمي. نتيجة لذلك، تم تعليق مسودة التنظيمات.

 

وفي شهر مايو/أيار عام 2000، قدمت وزارة التجارة والصناعة من جديد مقترحات لتعديل قانون حقوق النشر والتأليف. تم تشكيل فرق العمل لحقوق النشر والتأليف الالكترونية المؤلفة من رابطة رؤساء جامعات جنوب أفريقيا ولجنة مدراء تكنيكون لدراسة التعديلات المقترحة، بالاضافة الى أمور أخرى غير مشمولة في المقترحات (مثل تلك المذكورة في الفقرة الاولى أعلاه). أيضا كانت التعديلات المقترحة مقتصرة على التعليم. وبعدما عقد فريق العمل هذا مباحثات مع أربع وزارات حكومية، ألا وهي وزارة التجارة والصناعة ووزارة التعليم ووزارة المواصلات؛ ووزارة الفنون والثقافة والعلوم والتكنولوجيا، تم سحب عدد من التعديلات المثيرة للنـزاع. 

 

وفي شهر يناير /كانون الثاني عام 2001، تم حلّ فريقي العمل لاحداث لجنتين دائمتين للملكية الفكرية من أجل تمثيل القطاع التعليمي وهما: لجنة رابطة رؤساء جامعات جنوب أفريقيا للملكية الفكرية ولجنة مدراء تكنيكون للملكية الفكرية. عقدت اللجنتان منذ ذلك الوقت مباحثات مع وزارة التجارة والصناعة ومع رابطة دور النشر في جنوب أفريقيا ورابطة دور النشر الدولية وتحالف سوفتوير الأعمال التجارية. تعد لجنة رابطة رؤساء جامعات جنوب أفريقيا للملكية الفكرية حاليا وثيقة عمل حول "الاستخدام المنصف" و "النسخ المتعدد لأغراض التعليم"، من أجل المزيد من المباحثات مع أصحاب الشأن المهتمين بالأمر.

 

هناك بعض الدول النامية مثل كينيا التي لديها باع طويل في رسم سياسات الملكية الفكرية ونخبة كبيرة من المحامين والأكاديميين والمنظمات المدنية المهتمة بالملكية الفكرية، فهذه تقع في وسط هذا الطيف. خلال زيارتنا، مثلا، تمكنا من مقابلة اللجنة الفرعية المؤسسة مؤخرا الخاصة باتفاقية "تريبس" والمسؤولة عن كيفية تنفيذ كينيا لاتفاقية "تريبس". اشتملت اللجنة الفرعية هذه على ممثلين من مختلف الوزارات الحكومية علاوة على ممثلين من القطاع الخاص. ولكننا نعتقد، بأنه في العديد من الدول النامية، هناك مجال كبير للتحسين من حيث بناء عملية مساهمة حقيقية لاصلاح السياسة المترتبة على الملكية الفكرية. يجب ايلاء هذا الهدف تشديدا أكبر من قبل الحكومات والمنظمات المانحة على حد سواء.

 

يتعيّن على الدول النامية والمنظمات المانحة ان تعمل معا لضمان "تحالف" عمليات اصلاح الملكية الفكرية كما يجب مع مجالات سياسة التنمية المرتبطة بها. وكذلك، هناك حاجة الى بذل المزيد من الجهود لتشجيع المساهمة من قبل أصحاب الشأن القوميين في اصلاحات الملكية الفكرية. وفي توفيرها للمساعدات الفنية، يجب ان تأخذ المنظمات المانحة بعين الاعتبار الحاجة الى بناء قدرات المؤسسات المحلية للاضطلاع بالأبحاث في سياسة الملكية الفكرية وفتح حوار مع أصحاب الشأن، بالاضافة الى توفير خبراء دوليين ونصيحة قانونية.

 

ادارة ومؤسسات حقوق الملكية الفكرية

 

المقدمة

 

هناك تفاوت واسع جدا في كميات طلبات الملكية الفكرية والمنح التي تبت بها الدول النامية (راجع الجدول 1:7) وهذا الأمر له دلالة هامة على المتطلبات المؤسسية في ادارة حقوق الملكية الفكرية. وتقرر الطلبات، من ناحية، بما اذا كانت الدولة عضو في معاهدة التعاون بخصوص براءات الاختراع او بأي ترتيب دولي آخر او منظمة اقليمية. ولكن في معظم الدول النامية فقط نسبة صغيرة من الطلبات التي تقدم بموجب هذه الاتفاقيات تدخل في عداد "المرحلة الوطنية" عندما تمنح البراءات بأعداد كبيرة ويتم التسجيل. اما العوامل الأخرى فهي تشمل الاختلافات في قوانين وتنظيمات الملكية الفكرية الوطنية (التي قد تكون أكثر او أقل جاذبية للمطالبين) وسياسات الملكية الفكرية التي تتبعها المؤسسات المتعددة الجنسيات.

 

في دراسة قامت بها المنظمة العالمية لبراءات الاختراع في عام 1996(5) أحصت 96 دولة نامية ووجدت ان في أكثر من ثلثي العينة، قامت بادارة الملكية الصناعية دائرة داخل وزارة التجارة والصناعة او داخل وزارة العدل. وفي 10 دول كانت وكالة حكومية مستقلة مسؤولة عن ادارة الملكية الصناعية. وقامت بادارة حقوق النشر والتأليف دائرة في وزارة التعليم او الثقافة في ثلث العينة ومن قبل وكالة مستقلة لحقوق النشر والتأليف في 15 حالة. والجدير بالذكر، ان في ثلث آخر من الدول، لم توجد أية وحدة خاصة محددة داخل الحكومة مسؤولة عن ادارة حقوق النشر والتأليف.

 

الجدول 1:7 كميات الطلبات ومنح البراءات في ثماني دول نامية، 1996-1998

 

الدولة                            1996                                        1997                                        1998

                        الطلبات               الممنوحة                        الطلبات               الممنوحة                        الطلبات               الممنوحة

براءات الاختراع

 

الصين*              52714              2976                61382              3494                82289              4735

غواتيمالا             104                  8                      135                  15                    207                  17

الهند                   8292                1020                10155              لا ينطبق             10108              1711

جاميكا                79                    23                    70                    21                    60                    16

كيرغستان*                     20305              125                  25103              133                  33905              91

مالاوي*             39034              117                  49934              49                    67760              80

السودان*             39061              97                    49920              37                    67719              64

فيتنام*                22243              61                    27440              111                  35748              لا ينطبق

العلامات التجارية

الصين**                        150074                        121475                        145944                        217605                        153692                        98961

غواتيمالا             8206                5490                10588              6369                9988                4806

الهند                   لا ينطبق             4436                43302              لا ينطبق             36271              4840

جاميكا                1537                1346                1883                2195                2005                1966

كيرغستان**       2803                3297                3008                2592                3112                2760

مالاوي               624                  316                  819                  422                  582                  320

السودان**                       1508                1508                1482                1482                1514                1514

فيتنام**              8440                6615                7830                5174                2838                2534

 

المصدر: موقع شبكة الانترنت للمنظمة العالمية للملكية الفكرية. www.wipo.int

 

*عضو في معاهدة التعاون في براءات الاختراع.  **عضو في اتفاقية مدريد او البروتوكول خلال تلك الفترة.

 

 ملاحظة: كلفة تصنيف الدول بموجب معاهدة التعاون في براءات الاختراع هي قليلة جدا وهكذا فان المطالبين يصنّفون روتينيا عددا كبيرا من الدول. وهكذا على الرغم من ان مجموع عدد طلبات التسجيل ببراءة في الدول الأعضاء في معاهدة التعاون في براءات الاختراع تبدو كبيرة، عدد قليل فقط منها يدخل في "المرحلة الوطنية" حيث يطلب من مكاتب البراءات ان تتخذ اجراءات بمنح براءات اختراع أساسية في الدولة المعنية.

 

ولكن يبدو ان هناك زيادة كبيرة في عدد الدول النامية التي اتجهت الى تأسيس مؤسسة واحدة شبه مستقلة ذاتيا للملكية الفكرية مسؤولة عن ادارة الملكية الصناعية وحقوق النشر والتأليف. جاميكا وتنزانيا هما مثالان على ذلك. هناك حجج جيدة تدعو الى تأسيس مكتب واحد شبه مستقل ذاتيا لادارة الملكية الفكرية، تحت اشراف وزارة حكومية مناسبة. يشمل ذلك فصل مهمتي السياسة والادارة؛ واحداث اسلوب توجهه الأعمال التجارية لاسترجاع الكلفة ومراقبة الانفاق (بما في ذلك استراتيجيات استثمار الرساميل ومكافأة الموظفين ماليا حسب ما تمليه السوق)؛ والفوائد المحتملة من التنسيق الأفضل للسياسة في مختلف مجالات الملكية الفكرية.

 

الموارد البشرية

يتفاوت عدد الأشخاص العاملين في ادارة الملكية الفكرية في الدول النامية تفاوتا كبيرا: من شخص واحد غير مدرّب في وزارة التجارة والصناعة في اريتريا الى أكثر من 800 موظف موزعين على ثلاث وكالات حكومية مختلفة في الهند. ومن أجل تلبية الحد الأدنى من المستويات الادارية التي تتطلبها اتفاقية "تريبس"، فان العدد المطلوب للعمل في مكتب يبت في أعداد قليلة من طلبات تسجيل حقوق الملكية الفكرية هو 10 مهنيين مع عدد مساو من الاداريين/المساعدين. من المتوقع ان يرتفع هذا العدد مع مرور الزمن عندما يرتفع عدد طلبات تسجيل حقوق الملكية الفكرية.

تقريبا جميع الدول النامية تعاني من نقص في الموظفين المهنيين في اداراتهم الوطنية للملكية الفكرية. وهناك نقص بصورة خاصة في الموظفين المهنيين والخبرة القانونية في الدول الأقل نموا وفي الدول النامية ذات الدخل المنخفض. وحتى في وجود الخبرة القانوية لا يوجد اختصاصيون في حقوق الملكية الفكرية. وفي الدول النامية الأكثر تقدما او الكبيرة هناك عادة خبرة قانونية أكبر في الملكية الفكرية، ولا سيما في مجال العلامات التجارية.

 

المربّع 2:7 عدد الموظفين في مكاتب الملكية الفكرية في سبع دول نامية

 

الهند: لدى مكتب براءات الاختراع 300 موظف تقريبا مع انه مصرح له باستخدام 530 موظف (يشتمل هذا العدد على 40 فاحص لبراءات الاختراع مع ان العدد المصرّح باستخدامهم هو 190 فاحصا). ولدى قسم سجل العلامات التجارية 259 موظفا مقابل 282 موظف مصرح القسم باستخدامهم. ويعمل في مكتب حقوق النشر والتأليف 12 موظفا 9 منهم في مناصب مهنية.

 

جاميكا: لدى مكتب الملكية الفكرية الذي تأسس مؤخرا تحت وزارة الصناعة والتجارة والتكنولوجيا 51 منصبا لم يجر شغل الا نصفها حاليا.

 

كينيا: لدى معهد الملكية الفكرية 97 موظفا، 25 منهم يشغلون مناصب مهنية و 71 هم اداريون.

 

سانت لوسيا: لدى سجل الشركات والملكية الفكرية، الواقع تحت امرة دائرة المدعي العام، 9 مناصب أحدهما شاغر في الوقت الحاضر.

 

ترينيداد وتوبيغو: لدى مكتب الملكية الفكرية 23 موظفا في الوقت الحاضر، 6 منها شاغر. يقترح الاطار التنظيمي المعدل الى زيادة عدد الموظفين الى 54 موظفا للبت في مقدار الطلبات الحالية.

 

تنـزانيا: لدى قسم الملكية الفكرية لوكالة تسجيلات الأعمال التجارية والتراخيص 20 موظفا (11 موظفا مهنيا و 9 اداريا).

 

فيتنام: لدى المكتب القومي للملكية الصناعية 136 موظفا (87 موظفا مهنيا و 49 موظفا مساعدا) وهناك 22 موظفا آخرا في مكتب حقوق النشر والتأليف.

 

المصدر: M. Leesti و  T. Pengelly (2002) "القضايا المؤسسية للدول النامية في رسم سياسة الملكية الفكرية وفي ادارتها وتطبيقها"، وثيقة خلفية أعدتها اللجنة، الصفحة 27

 

تكنولوجيا المعلومات

أنظمة تقنيات الاعلام هي الآن متطلب لازم لادارة الملكية الفكرية ادارة فعالة. تساعد تلك الأنظمة على الحصول بسهولة على مجموعة واسعة من المعلومات السياسية المترتبة على الملكية الفكرية بالاضافة الى قواعد المعطيات بخصوص الملكية الفكرية المتوفرة بواسطة شبكة الانترنت وعلى مكتبات المنظمات أمثال المنظمة العالمية للملكية الفكرية وكبريات مكاتب براءات الاختراع. وهكذا فهي مقرر هام للقدرة المؤسساتية. وبينما تكون متطلبات الأجهزة الأساسية هي محدودة نوعا ما بالنسبة لمكاتب الملكية الفكرية الصغيرة وتكون برامج الحاسب الالي متوفرة بسهولة، فان مدى الأتمتة والوصل بالانترنت هو منخفض على نحو يثير الدهشة.(6) ومع ان لدى بعض الدول النامية الكبيرة ذات الدخل العالي أنظمة مؤتمتة للبحث في الطلبات وفي البت فيها، هناك عدد كبير من الدول لا يزال يتبع أنظمة مبنية على الكتابة على الورق. هذا الأمر يعيق البت الفعال بالطلبات ويعقد تعقيدا كبيرا جمع الاحصائيات الهامة وادارة المعلومات.

 

الفحص مقابل أنظمة التسجيل

 

تعمل ادارة حقوق الملكية الصناعية على تلقي الطلبات وعلى الفحص الرسمي للطلبات (اذا انطبق الأمر) وعلى منح او تسجيل حقوق الملكية الفكرية وعلى البت في الاعتراضات المحتملة. وكلما انتهت صلاحية بعض حقوق الملكية الفكرية بعد فترات محددة من الوقت، يتطلب الأمر خطوات اضافية لاستكمال اجراءات التجديد وتوثيق القرار. مستوى الادارة العامة المطلوب لحقوق النشر والتأليف والحقوق المرافقة لها هو مستوى منخفض لأنه تجري حيازة تلك الحقوق اوتوماتيكيا ولا تحتاج الى تجديد.

  

ولعل أكثر النواحي تحديا هي الفحص الهائل لطلبات التسجيل ببراءة لضمان كون الاختراع المزعوم بدعة وابتداعي وقابل للتطبيق الصناعي وكذلك لضمان تلبية مطالب متطلبات الافصاح. بعض المطالبات للتسجيل ببراءة تحتوي على آلاف من الصفحات من المعطيات الفنية، في مجموعة واسعة من حقول التكنولوجيا، وفحص تلك المطالبات فحصا مسهبا يتطلب كفاءة مهنية/فنية وقدرة الوصول الى قواعد المعطيات الحاسب الآلي الدولية الخاصة ببراءات الاختراع. متطلبات القدرة المؤسسية هي خارج قدرة معظم وكالات ادارة الملكية الفكرية في العالم النامي (مع بعض الاستثناءات). عدد قليل جدا من الدول النامية له القدرة على القيام بفحص مسهب في مجموعة واسعة من القطاعات التكنولوجية في مقراتها.

 

من الطرق التي يمكن فيها للدول النامية ان تحلّ تلك المشكلة هي عن طريق استعمال نظام للتسجيل يجري فيه بكل بساطة قبول ومنح براءات الاختراع بدون مراجعة مسهبة. قد تجري مراجعة بسيطة للتأكد بأنه قد تمت تلبية رسميات القانون. هذا من شأنه ان يخفف التكاليف التي تتكبدها مكاتب تسجيل براءات الاختراع وتخفيض أيضا عدد الموظفين اللازمين للقيام بمراجعة طلبات التسجيل. ولكن في غياب نظام تصفية طلبات التسجيل، قد تزدهر الممارسات المنتهكة للتسجيل ببراءة. ولكن بالنظر الى الافتراض بصلاحية مثل تلك البراءة، فان عبئاً اثبات عدم صلاحية البراءة يقع على عاتق الجمهور او المؤسسات المنافسة المتأثرة من ذلك. قد يكون ذلك العبء عبءا ثقيلا. وبالاضافة الى ذلك، فان تأسيس نظام محلي لفحص طلبات براءة الاختراع، حتى في ظل محدودية الموارد، يسمح باحداث قدرة لصياغة وثائق براءات الاختراع وقراءتها، واستعمالها كمصدر للمعلومات. وكثيرا ما تضمن قدرة الموظفين على الانتقال بين مكتب وآخر من مكاتب البت ببراءات الاختراع الى نقل تلك القدرة الى القطاع الخاص او الى مؤسسات الأبحاث.

 

التعاون الاقليمي او الدولي

 

لقد قرّر عدد كبير من الدول النامية بأن التعاون الاقليمي و/او الدولي في ادارة حقوق الملكية الفكرية هو أمر ضروري لتخفيض التكاليف وزيادة الكفاءة. وبالنسبة لبراءات الاختراع بوجه خاص، يعتمد الكثيرون الى حد بعيد او قليل على عمل المكتب الاوروبي لتسجيل براءات الاختراع وعلى مكاتب تسجيل براءات الاختراع في الولايات المتحدة واليابان، وكلها تضطلع بالفحص المسهب لغالبية طلبات تسجيل البراءات في كافة أنحاء العالم. ومن الوجهة العملية، هناك ثلاثة خيارات رئيسية متاحة للدول النامية للتعاون الاقليمي/الدولي.

 

معاهدة التعاون في براءات الاختراع

 

الخيار الأول هو الانتساب الى "معاهدة التعاون في براءات الاختراع" والى "نظام مدريد". تتيح العضوية في "معاهدة التعاون في براءات الاختراع" المجال لمكاتب براءات الاختراع الوطنية لتخفيض مهمات البحث والفحص والنشر الى الحد الأدنى. وهي تتيح المجال للمطالبين المحليين للحصول على الحماية الدولية لبراءة الاختراع في كافة دول الأعضاء في "معاهدة التعاون في براءات الاختراع" وذلك بأسعار زهيدة (بالاضافة الى ذلك يحصل المقيمون في الدول النامية على تخفيض نسبته 75% في جميع رسوم "معاهدة التعاون في براءات الاختراع". توفر العضوية في "نظام مدريد" فوائد مماثلة في ادارة العلامات التجارية مثل "معاهدة التعاون في براءات الاختراع".(7)

 

ويمكن للدول ان تطبق الفصل الأول (المطالبة الدولية والبحث) من "معاهدة التعاون في براءات الاختراع" فقط، وليس الفصل الثاني (الفحص المبدئي الدولي) اذا كانت ترى بأن الفحص الذي يقوم به مكتب أجنبي لتسجيل براءات الاختراع من شأنه ان يؤدي الى تطبيق مقاييس ومعايير تختلف اختلافا كبيرا عن تلك المطبقة محليا، ولا سيما في المجالات الحرجة مثل الادوية والتكنولوجيا الاحيائية.

 

تكليف الآخرين بموجب عقود

الخيار الثاني هو تكليف مكتب محلي او دولي آخر من مكاتب تسجيل براءات الاختراع ليقوم بادارة امور تسجيل البراءات، او تكليف منظمة خاصة للقيام بذلك. مثلا، يعرض "المكتب الاوروبي لتسجيل براءات الاختراع" مصلحة للبحث في وفحص براءات الاختراع لبعض الدول في اوروبا الشرقية. وهناك نظام مشابه لبراءات الاختراع يعرض على الدول النامية، مع انه لم تستغل أية دولة حتى الآن هذا الخيار. ويمكن للدول النامية ان تحصل على المساعدة من "مصلحة الاستعلامات الخاصة ببراءات الاختراع" التابعة للمنظمة العالمية للملكية الفكرية وذلك من أجل البحث في وفحص طلبات التسجيل الفردية.(8) وهناك امكانية أخرى تنطوي على استغلال الخبرة المتوفرة في الجامعات المحلية، حيث تتواجد، من أجل فحص الطلبات الفنية للتسجيل ببراءة، كما هي العادة في تشيلي، مثلا. وكذلك، من المفروض بموجب القانون ان تساعد وزارة الصحة في البرازيل "معهد الملكية الصناعية" في فحصه لبراءات تسجيل الادوية.

 

المنظمات الاقليمية

 

الخيار الثالث هو الانتساب الى نظام اقليمي للملكية الصناعية. هناك حاليا أربع منظمات اقليمية للملكية الصناعية في العالم النامي. وفي اوروبا الشرقية وأواسط آسيا لدى مكتب براءات الاختراع الاوروبي الآسيوي تسع دول أعضاء. وفي المنطقة العربية يضم مكتب براءات الاختراع التابع لمجلس التعاون الخليجي ست دول أعضاء. وفي المنطقة الأفريقية هناك منظمتان اقليميتان للملكية الصناعية وهما: "المنظمة الأفريقية للملكية الفكرية" و "منظمة الملكية الصناعية الأفريقية الأقليمية" التي تنتسب اليها 16 و 15 دولة على التوالي. وبالاضافة الى ذلك لقد طوّرت الدول الستة الأعضاء في "ميثاق الدول الأندينية" تشريعات مشتركة للملكية الفكرية (على الرغم من ادارته فرديا من قبل الحكومات الوطنية) وهناك مبادرات جارية في بلاد البحر الكريبي وجنوب-شرقي آسيا. لا توجد حاليا منظمات اقليمية لادارة الملكية الصناعية في أمريكا اللاتينية، او في دول البحر الكريبي، او دول المحيط الهادىء، او دول جنوب آسيا او جنوب شرقي آسيا. غالبية الدول الأقل نموا (27 من أصل 49 دولة) ليست أعضاء حاليا في أية منظمات اقليمية للملكية الفكرية.

 

وبينما يوفر التعاون الاقليمي فوائد للدول النامية، فهو يركز بصورة رئيسية على ادارة حقوق الملكية الفكرية. هناك حاجة الى مؤسسات قومية لأداء المهام المهمة المتعلقة برسم السياسة والمساهمة في وضع القواعد الدولية وتطبيق وتنظيم حقوق الملكية الفكرية. وهكذا يمكن للمنظمات الاقليمية ان تكمل البنية الاساسية الوطنية الفعالة للملكية الفكرية وان لا تحل محلها بالكامل.

 

وفي الوقت نفسه هناك بعض الأضرار المحتملة للدول النامية من التعاون الاقليمي/الدولي. أولا، العضوية في النظام الاقليمي، اعتمادا على بنيته وعلى المرونة المبنية فيه لتلبية مصالح الأعضاء الوطنية، قد تجعل من الصعب على الدول النامية الفردية ان تطبّق أنظمة الملكية الفكرية المكيّفة لحاجاتها (مثلا، بشروط ومستويات مختلفة من الحماية في بعض مجالات التكنولوجيا). مثلا، لا يمكن للدول الأقل نموا الأعضاء في "المنظمة الأفريقية للملكية الفكرية" ان تستغل فترة الانتقال الممددة المتوفرة بموجب اتفاقية "تريبس" او التمديد الأطول لحماية منتجات الادوية الممنوحة لها بموجب "اعلان الدوحة"، ما لم يتم تعديل "اتفاقية بانغوي" التي جرت مراجعتها مؤخرا. ليس هذا هو الحال بالنسبة للدول الأقل نموا الأعضاء في "منظمة الملكية الصناعية الأفريقية الاقليمية" التي تتمتع بمرونة أكبر لصياغة تشريعاتها وممارساتها الخاصة ببراءات الاختراع.(9) ثانيا، ان الانتساب الى نظام اقليمي او دولي لبراءات الاختراع قد يخلق صعوبات للدولة النامية اذا أرادت الاعتراض على صلاحية براءات الاختراع. وأخيرا، فان الاعتماد على المؤسسات الاقليمية قد يعيق بناء الخبرة التي لا تزال ضرورية في الأمور المتعلقة بالملكية الفكرية وفي بناء القدرات المؤسسية على المستوى القومي (مثلا، في رسم السياسة وتطبيق وتنظيم حقوق الملكية الفكرية).

 

من الواضح انه يتعيّن على الدول النامية ان تزن حسنات وسيئات التعاون الاقليمي والدولي وان تختار نظام براءات الاختراع الذي يناسب على أفضل وجه ظروفها الوطنية. وفي الوقت ذاته، من المفيد للمؤيدين للتعاون الاقليمي/الدولي المتعلق بالملكية الفكرية ان يبرهنوا كيف يمكن التغلب على مواطن الضعف المحتملة بالنسبة للدول النامية او تخفيفها عمليا. ثمة مناقشة نشيطة ومدروسة من شأنها ان تساعد الدول النامية على تفهم حسنات وسيئات التعاون الاقليمي/الدولي والوصول الى القرار الصحيح.

 

التكاليف والايرادات

 

كلفة نظام للملكية الفكرية

 

تأسيس وتشغيل بنية اساسية للملكية الفكرية في الدول النامية يتطلب تكاليف مقطوعة ومتكررة. قد تشتمل التكاليف المقطوعة على حيازة مكاتب؛ والأتمتة (الأجهزة الحاسب الآلي وبرامجها) ومعدات مكتبية؛ وخدمات استشارية (للبحث في السياسة وصياغة التشريعات الجديدة وتصميم استراتيجيات الأتمتة واعادة تنظيم الهيئة الادارية الخ)؛ وتدريب الموظفين في الوكالات ذات الصلة التي تتعاطى برسم السياسة/سن القوانين والادارة والتطبيق. وقد تشتمل التكاليف المتكررة على رواتب الموظفين والاعانات؛ وعلى رسوم المنافع العامة؛ وعلى صيانة معدات تقنية الاعلام؛ وعلى خدمات الاتصالات (بما في ذلك اصدار تقرير سنوي وتطوير موقع لشبكة الانترنت)؛ وتكاليف السفر للمشتركين في اجتماعات المنظمات الدولية والاقليمية؛ والاشتراكات السنوية في المنظمة العالمية للملكية الفكرية وفي المنظمات الاقليمية.

 

من الصعب جدا الوصول الى استنتاجات عامة حول نطاق تلك التكاليف في الدول النامية، في المقام الأول بالنظر الى كميات طلبات حقوق الملكية الفكرية اللازم البت فيها، والتفاوتات في تكاليف اليد العاملة المحلية واقامتها؛ والاختيارات السياسية التي تقوم بها مختلف الدول النامية في تصميم بنيتها الاساسية للملكية الفكرية. مثلا، تكون التكاليف أعلى بكثير في الدول النامية التي تدير أنظمة لفحص براءات الاختراع بالمقارنة بتلك التي تستخدم نظاما للتسجيل بدون أي فحص.

 

ثمة دراسة قام بها "مؤتمر الأمم المتحدة حول التجارة والتنمية" في عام 1996 قدّرت التكاليف المؤسسية لامتثال الدول النامية بشروط اتفاقية "تريبس".(10) في تشيلي، تم تقدير التكاليف الثابتة المنطوية على تحديث البنية الاساسية للملكية الفكرية بمبلغ قدره 718000 دولار أمريكي، والتكاليف المتكررة السنوية ترتفع الى 837000 دولار أمريكي. وفي مصر، قدّروا التكاليف الثابتة بمبلغ قدره 800000 دولار أمريكي مع تكاليف سنوية اضافية للتدريب من حوالي مليون دولار أمريكي. توقعت بنغلاديش تكاليف مقطوعة قيمتها 250000 دولار أمريكي (صياغة التشريعات) و 1ر1 مليون دولار أمريكي تكاليف سنوية للأعمال القانونية والمعدات وتكاليف التطبيق، ما عدا التدريب. قدّر البنك العالمي مؤخرا بأنه لتحديث نظام للملكية الفكرية في الدول النامية، تحديثا شاملا، قد يتطلب انفاقا رأسماليا يتراوح بين 5ر1 و 2 مليون دولار أمريكي، مع ان الأدلة من دراسة لمشاريع ذات صلة قام بها البنك العالمي في عام 1999 تشير الى انه يمكن ان تكون تلك التكاليف أعلى من ذلك بكثير.(11) ثمة تقرير أخير حول تحديث نظام جاميكا للملكية الفكرية يتحدث عن تكاليف مبدئية للأتمتة وحدها تبلغ 300000 دولار أمريكي.(12)

 

تسديد التكاليف

 

في معظم الدول النامية، تفرض وكالات ادارة حقوق الملكية الفكرية رسوما متفاوتة للخدمات المتعلقة بالبت في طلبات حقوق الملكية الفكرية وتجديد تلك الحقوق لدى منحها. وفي بعض الدول النامية الكبيرة، تشكّل تلك الايرادات من الرسوم ايرادا كبيرا وهي تتجاوز نفقات تشغيل النظام. في تشيلي، مثلا، بلغت الايرادات من ادارة حقوق الملكية الصناعية مبلغا قدره 6 ملايين دولار أمريكي في عام 1995، بالمقارنة بالتكاليف المتكررة التي بلغت مليون دولار أمريكي في الفترة ذاتها.(13) وفي الدول المتقدمة كثيرا ما تجني مكاتب الملكية الفكرية فوائض كبيرة، تساهم عادة بمبالغ كبيرة للخزينة الوطنية.

 

تشير الأبحاث التي كلّفنا القيام بها الى ايرادات بسيطة مع انها بازدياد في عدد كبير من الدول النامية.(14) مثلا، بلغ الايراد من رسوم الملكية الفكرية للسنة المالية 1999/2000 مبلغا قدره 5ر2 مليون دولا أمريكي في الهند، و 629000 دولار أمريكي في كينيا و 230000 دولار أمريكي في ترينيداد و 214000 دولار أمريكي في تنـزانيا و 162000 دولار أمريكي في جاميكا. وتعتبر الرسوم من ادارة العلامات التجارية أكبر مصدر أحادي للدخل اذ ينتج منح براءات الاختراع وحقوق الملكية الفكرية ايرادات أقل بالمقارنة. وهذا الأمر ينطبق بصورة خاصة على الدول النامية ذات الدخل المنخفض.

 

طبعا، ان المسألة المالية الحرجة هي تحقيق توازن بين الايرادات والنفقات. مثلما قال البنك العالمي، من غير المستحسن ان تحوّل الدول النامية الموارد من ميزانياتها المحمّلة أكثر من طاقتها المخصصة للصحة والتعليم الى اعانة ادارة حقوق الملكية الفكرية. هذا خطر حقيقي يواجه بعض الدول النامية الصغيرة او ذات الدخل المنخفض والتي من المحتمل ان تبت بمقادير ضئيلة جدا من حقوق الملكية الفكرية لسنوات عديدة في المستقبل. ومن أبحاثنا في ثماني دول نامية، بدا لنا ان أربعا منها تولد ما يكفي من الايرادات من رسوم الملكية الفكرية لتغطية نفقات الادارة، على الأقل في ما يتعلق بتكاليف التشغيل ان لم نقل التكاليف الرأسمالية. ومع ذلك، يبدو مكتب الملكية الفكرية في جاميكا على انه يشتغل بخسارة (حوالي 120000 دولار أمريكي في السنة المالية 1999/2000) وبالتالي فهو بحاجة الى معونة من دافعي الضرائب في جاميكا، بينما لم تتوفر لنا معلومات كافية في ثلاث دول أخرى لنتوصل الى رأي بهذا الشأن.(15)

 

لربما احتاجت معظم الدول النامية الى تنظيم برامجها الاستثمارية الرأسمالية في حقوق الملكية الفكرية على مراحل وتأمين تحديد رسوم الخدمة في مستوى يمكن فيه استرجاع كامل التكاليف المالية المترتبة على اقامة نظام للملكية الفكرية. هذا يستدعي ادارة مالية صارمة ووجود أنظمة محاسبة ومراجعة الرسوم على أساس دوري. توحي الأدلة التي راجعناها بأن تلك الشروط ليست موجودة في الدول النامية، مثلا، آخر مرة قاموا فيها بمراجعة رسوم براءات الاختراع في اوغندا كانت في عام 1993.

 

بما ان الرسوم العالية قد تثني بعض المطالبين من الحصول على حقوق الملكية الفكرية، هناك عدد من الدول التي اختارت ان تتبنى رسوما تدرجية، حيث تفرض رسوما أقل على المنظمات التي لا تجني الربح وعلى الأفراد والمنظمات التجارية الصغيرة مثل تلك التي يكون فيها عدد الموظفين او مستوى المبيعات دون مستوى محدد. تبدو هذه سياسة معقولة جدا لتبنيها لاسترجاع النفقات، اذ يتوقع لها ان توفر اسلوبا لتطوير البنية الاساسية الوطنية للملكية الفكرية وان تقدم خدمات متحسّنة للمستخدمين من دون وضع أعباء اضافية على الأموال العامة. وقد تبدو للبعض بأن سياسة فرض رسوم عالية على مقدمي الطلبات من الدول المتقدمة على انها سياسة جذابة، ولكنها لا تتوافق مع مبدأ المعاملة الوطنية بموجب "ميثاق باريس" واتفاقية "تريبس". ولكن بما ان الغالبية العظمى من طلبات براءات الاختراع في معظم الدول النامية تأتي من الخارج، يمكن توليد دخل مقارن من النظام التدرّجي.

 

ومع مرور الزمن، فان تبسيط ادارة حقوق الملكية الفكرية عن طريق الأتمتة والتعاون الاقليمي او الدولي في بعض الدول قد يساعد في توليد كميات كبيرة من طلبات براءات الاختراع وفي البراءات الممنوحة والتي يمكن فرض رسوم عليها. طبعا، ان جزءا من الجواب هو بوضوح قيام المؤسسات المانحة بتقديم المساعدات الفنية والمالية. ولكن مثل تلك المساعدات ليست دواء عاما للدول النامية؛ ولا يمكن ضمانها؛ والموارد محدودة وقد تكون هناك أولويات أشد الحاحا؛ وهي متوفرة بصورة رئيسية لسد تكاليف الاستثمار فقط لمرة واحدة ولا تموّل نقصا متكررا في ميزانيات العمل.

يجب على الدول النامية ان تسعى الى استرجاع تكاليف تحديث وصيانة بنيتها الاساسية للملكية الفكرية بالكامل من الرسوم التي تفرضها على مستعملي النظام. ويجب ان تدرس فكرة تبني نظام تدرّجي من الرسوم لتسجيل حقوق الملكية الفكرية. ويجب بانتظام مراجعة الرسوم التي تفرضها على المستعملين لتتأكد من انها تساعدها على استرجاع بالكامل تكاليف ادارة النظام.

 

التطبيق القانوني

 

التطبيق في الدول النامية

 

تعتبر حقوق الملكية الفكرية قيّمة لأصحاب الحقوق فقط اذا جرى تطبيقها تطبيقا جيدا، مما يعني انه يجب ان تكون الأنظمة القانونية فعّالة. وبنفس الوقت، يجب ان تكون للأنظمة القانونية الصلاحية لالغاء حقوق الملكية الفكرية غير الصالحة التطبيق، مثل براءات الاختراع التي تم منحها على الرغم من وجود فن قديم ذي صلة. تنصّ اتفاقية "تريبس" على متطلبات دنيا مفصّلة لتطبيق حقوق الملكية الفكرية. بالنسبة للعديد من الدول النامية، ولا سيما الدول ذات الدخل المنخفض، فان الامتثال لتلك الشروط التي تنص عليها اتفاقية "تريبس" يخلق  تحديات مؤسسية هائلة للأنظمة القانونية وللاجراءات المدنية والجنائية ولهيئات التطبيق القانوني. وبالاضافة الى ذلك فان تقوية التطبيق قد يكون حساسا للغاية من الناحية السياسية اذا تم رفع الأسعار للمستهلكين الفقراء او اذا هدد العمل في الصناعات التي تنتهك تلك الحقوق او حتى الدخل من الضرائب الناجم عنها.

 

وفي عدد كبير من الدول النامية، تشكّل المجالات الاختصاصية من القانون التجاري، مثل الملكية الفكرية، تحديا لأنظمتها القانونية. وفي تلك الظروف، فمن المحتمل ان تكون ادارة قوانين الملكية الفكرية في المحاكم صعبة بوجه خاص، اذ يحتاج القضاة والمحامون الى معرفة عميقة بمفاهيم فنية وقانونية معقدة. تشكل تلك الحالات مخاطر محتملة من حيث اما "التطبيق القليل" او "التطبيق الزائد" لحقوق الملكية الفكرية في الدول النامية.

 

كثيرا ما تقيّم المؤسسات الصناعية أمثال "اتحاد السوفتوير للأعمال" و "الاتحاد الدولي للملكية الفكرية" مستويات عالية جدا من انتهاك حقوق الملكية الفكرية في الدول النامية.(16) من الصعب الحصول على أدلة تشير الى مدى انتهاك حقوق الملكية الفكرية في الدول النامية، اذ كثيرا ما لا تكون الاحصائيات الرسمية متوفرة. ولكن، من المعترف به عموما ان مدى مشكلة انتهاك حقوق الملكية الفكرية في الدول ذات الدخل المنخفض هو في أعلاه في حقوق النشر والتأليف (تزييف المنتجات مثل برامج الحاسب الآلي وأشرطة الموسيقى التي من السهل استنساخها) وفي انتهاكات العلامات التجارية، مع انه يجدر الملاحظة، بالنسبة لخسارة الايرادات، بأن استخدام المنتجات المزوّرة يحصل بشكل أكبر في العالم المتقدم.(17)

 

نحن متفقون بأن أنظمة التطبيق في الدول النامية تحتاج الى مواجهة الانتهاكات الخطيرة لحقوق الملكية الفكرية بفعالية أكثر من السابق. الأمر هذا مهم لحماية الحوافز التي يعرضها النظام على أصحاب حقوق الملكية الفكرية. ولكن من المهم أيضا ان تطوّر الدول النامية مؤسسات قادرة على القيام بذلك بطريقة متوازنة مؤيدة للمنافسة. وخصوصا، يجب ان تكون مؤسسات التطبيق في الدول النامية قوية بما فيه الكفاية للتقرير ما اذا كانت حقوق الملكية الفكرية صالحة التطبيق ام لا وان تكون قوية بما فيه الكفاية لمقاومة انتهاكها المحتمل بممارسات تقييدية في الأعمال مثل "المقاضاة الاستراتيجية". مثلا، عندما تقع الدول النامية تحت الضغط لتوفير أنظمة يمكن فيها الحصول بسهولة وبسرعة على انذارات قضائية، هناك خطر من انتهاك تلك الانذارات القضائية من قبل أصحاب حقوق الملكية الفكرية وبالتالي اعاقة المنافسة المشروعة. وكلما قويت أنظمة تطبيق الملكية الفكرية في الدول النامية تمشيا مع اتفاقية "تريبس"، من الضرورة وضع تشديد مناسب على الحاجة الى حماية المصلحة العامة وتطوير اجراءات عادلة لطرفي النـزاع.

 

وينـزع التطبيق الفعال لحقوق الملكية الفكرية الى ان يرتفع مع ارتفاع مستويات الدخل، ولذلك فمن المحتمل ان نجد مواطن الضعف في هذا المجال في أوجّها في أفقر الدول. مثلا، في تنـزانيا واوغندا هناك القليل من الأدلة تشير الى رفع قضايا انتهاك لحقوق الملكية الفكرية في المحاكم، بينما في كينيا، استولت السلطات الجمركية في الآونة الأخيرة على 50 كمية من البضائع المزوّرة ورفعت في المحاكم 20 قضية جنائية ذات علاقة بحقوق الملكية الفكرية.(18) بعض الدول النامية، مثل تايلاند والصين، قد ذهبت الى أبعد من ذلك وأسست محاكم مختصة للنظر في قضايا تتعلق بالملكية الفكرية وذلك كوسيلة لتحسين قدراتها في تطبيق القوانين الوطنية، مع ان مثل ذلك الاجراء غير مطلوب بموجب اتفاقية "تريبس". هناك اسلوب أكثر جاذبية للتعامل مع الموضوع بالنسبة للدول النامية هو ربما تأسيس (او تقوية) محكمة تجارية، يمكنها ان تنظر في قضايا ذات علاقة بحقوق الملكية الفكرية، من بين أمور أخرى، وان تتيح حرية أفضل للوصول الى العدالة بالنسبة لقطاع الأعمال ككل. وفي أي حال هناك حاجة في معظم الدول النامية الى برنامج لتدريب القضاء ووكالات تطبيق القانون الأخرى في مواضيع ذات علاقة بالملكية الفكرية.(19)

 

تعكس الطبيعة "الخصوصية" لحقوق الملكية الفكرية أهمية حل النـزاعات بين الأطراف اما خارج المحاكم او بموجب القانون المدني. وفي الواقع، بما ان تطبيق الدولة لحقوق الملكية الفكرية هو نشاط يستدعي موارد كبيرة، هناك حجة قوية مقنعة لقيام الدول النامية بتبني تشريعات بخصوص حقوق الملكية الفكرية تشدد على تطبيق القانون عن طريق نظام العدل المدني وليس الجنائي. هذا من شأنه ان يخفف من عبء التطبيق من على كاهل الحكومة في حالات التزوير على نطاق كبير، مع ان هناك حاجة لتدخل وكالة التطبيق الخاضعة للدولة في هذا المجال. ومع ذلك، فنحن نرى بأن الدول النامية قد خضعت للضغط من قبل أرباب الصناعة الذين يؤيدون أنظمة تطبيق مبنية على أساس قيام الدولة في رفع القضايا في المحاكم ضد انتهاكات تلك الحقوق. يجب مقاومة تلك الضغوط وأن يتحمّل أصحاب الحقوق مهمة رفع القضايا في المحاكم وتكبّد تكاليف تطبيق حقوقهم الخاصة.

 

يجب على الدول النامية ان تضمن بأن تشريعاتها واجراءاتها الخاصة بالملكية الفكرية تشدّد، الى أقصى حد ممكن، على تطبيق حقوق الملكية الفكرية عن طريق الفعل الاداري ونظام العدل المدني وليس الجنائي. يجب ان تكون اجراءات التطبيق عادلة ومنصفة للطرفين وتضمن عدم استخدام الانذارات القضائية والتدابير القضائية الأخرى بشكل غير مبرر من أصحاب حقوق الملكية الفكرية لتكون عقبة في وجه المنافسة المشروعة. يجب استخدام الأموال العامة وتنفيذ برامج المنظمات المانحة لتحسين عملية تطبيق الملكية الفكرية كجزء من تقوية الأنظمة القانونية والقضائية بشكل واسع.

 

التطبيق في الدول المتقدمة 

 

حتى الآن، يركّز هذا القسم بشكل مقتصر على القضايا المتعلقة بتطبيق حقوق الملكية الفكرية في الدول النامية. هذا يعكس ثقل المباحثات حول موضوع التطبيق في النشرات التي راجعناها. يبدو لنا بالمقابل بأن هناك القليل من المباحثات عن المشاكل التي تواجه أصحاب الملكية الفكرية او حتى الاعتراف بها في الدول المتقدمة في مجال تطبيق تلك الحقوق في دول مثل المملكة المتحدة والولايات المتحدة او اليابان، حيث تكون تكاليف رفع القضايا في المحاكم تكاليف باهظة من الصعب تحمّلها. هذا يعني ان الشركات من الدول النامية المنافسة للشركات في الدول المتقدمة عرضة للمقاضاة في المحاكم في أمور تتعلق بحقوق الملكية الفكرية. وهناك مشكلة ذات علاقة بالموضوع، مثلما تبيّن في قضية الكركم (راج المربّع 2:4 في الفصل الرابع) وهي قيام دول أخرى بمنح حقوق الملكية الفكرية غير الصالحة للتطبيق لمعرفة موجودة من قبل بشكل فن قديم في الدول النامية. يجب ان تدرس الدول المتقدمة كيفية تحسين وصول الدول النامية الى أنظمة العدل في الدول المتقدمة في قضايا تتعلق بالملكية الفكرية.

 

يجب على الدول المتقدمة ان تطبّق اجراءات لتسهيل وصول المخترعين من الأمم النامية بشكل فعال الى الأنظمة المترتبة على الملكية الفكرية في الدول المتقدمة. يمكن ان تشتمل هذه، مثلا، على تبني رسوم تفاضلية تساند الفقراء او المخترعين الذين لا يجنون الربح، وكذلك أنظمة تخدم المصلحة العامة، وترتيبات لاسترجاع الأتعاب القانونية من قبل الطرف الرابح في القضية، او شمل تكاليف تنفيذ مناسبة للملكية الفكرية في برامج المساعدات الفنية.

 

تنظيم حقوق الملكية الفكرية

 

يجب اعطاء أولوية عالية لتنظيم حقوق الملكية الفكرية، ولا سيما فيما يتعلق بأمور ذات مصلحة عامة خاصة (كما هو الحال بالنسبة للترخيص الاجباري) او فيما يتعلق بالتحكم بالممارسات المناهضة للمنافسة من قبل أصحاب الحقوق، وذلك في رسم السياسة العامة وفي البنية الاساسية المؤسسية. وهكذا، بالاضافة الى تطوير أطر تنظيمية مناسبة، فان الجزء المهم في التنظيم الفعال هو القيام بمراجعات دورية نظامية لكافة نواحي نظام الملكية الفكرية القومي، للتأكد من ان تلك النواحي هي ذات صلة بالموضوع وانها ملائمة.

 

الأساس المنطقي لقيام الدول النامية بتأسيس مثل تلك الأنظمة التنظيمية والسندات فيما يتعلق بحقوق الملكية الفكرية هو موثّق خير توثيق.(20) وفي الواقع، ربما غاب عن البال ان الدول المتقدمة قد أدخلت حماية قوية للملكية الفكرية في سياق أنظمة المنافسة وغيرها من الأنظمة التنظيمية الأخرى لتتأكد من عدم اساءة حقوق الملكية الفكرية للمصلحة العامة. في الولايات المتحدة بصورة خاصة، ولكن في دول متقدمة أخرى، ان التنظيمات الموالية للمنافسة الخاصة بحقوق الملكية الفكرية ومراقبة ممارسات الأعمال المقيّدة المتعلقة بذلك هي ميزات رئيسية في التشريعات المناهضة للتجميع الضخم للرساميل (anti-trust)، وتطبّق تلك التشريعات بصورة منتظمة من قبل المحاكم وسلطات المنافسة ومن غيرها من الوكالات الحكومية ذات الصلة.

 

ولكن عند النظر اليها من المنظور المؤسسية، فمن المحتمل ان يشكل التنظيم الفعّال لحقوق الملكية الفكرية تجاوبا مع المستويات السائدة في العالم المتطوّر تحديات هامة لراسمي السياسة وللاداريين ولوكالات تطبيق القانون في الدول النامية. هذا تقرّه أبحاثنا في ثماني دول نامية حيث كشفت تلك الأبحاث بأنه لا توجد أية معلومات عن قضايا ذات علاقة بالملكية الفكرية نظرت فيها المحاكم بموجب تشريعات تتعلق بالمنافسة.(21) مثل ما أفاد أحد المعلقين قائلا:

 

"...في معظم الدول النامية فان الآليات المتوفرة للتحكم بممارسات الأعمال المقيّدة او مراقبة خرق حقوق الملكية الفكرية هي آليات ضعيفة او غير موجودة. وكذلك، فان الدول النامية هي عموما غير مستعدة او غير قادرة على القضاء على التأثير الذي تشكّله زيادة الأسعار الناجمة عن تأسيس او تقوية حقوق الملكية الفكرية في الحصول على المنتجات المحمية ببراءة، ولا سيما من قبل الشعوب ذات الدخل المنخفض."(22)

 

حوالي 50 دولة فقط من الدول النامية والاقتصادات الانتقالية قد تبنّت حتى الآن قوانين تنافسية محددة. عدد أكثر من الدول النامية، بما فيها الدول الأقل نموا مثل أوغندا، تقوم حاليا بتطوير مثل تلك التشريعات. يمكن للدول النامية الأخرى ان تشمل تدابير تتعلق بتنظيم حقوق الملكية الفكرية في قوانينها الحالية المترتبة على الملكية الفكرية. ولكن وجود التشريعات لمخاطبة مسائل المنافسة في دولة نامية لا يعني بأنه ستتواجد نتيجة لذلك مؤسسات كفوءة قادرة على معالجة مسائل معقّدة ذات علاقة بالملكية الفكرية بشكل فعّال.

 

مثلا، ان المهارات والاجتهادات اللازمة لادارة التراخيص الاجبارية، مثل التقرير الذي يشكّل "شروطا تجارية معقولة" و "القيمة الاقتصادية للتصريح" هي مهارات واجتهادات على جانب كبير من التطوّر وقد لا تكون متوفرة في مؤسسات عدد كبير من الدول النامية. هذه النقطة يقرها الواقع وهو انه قلما يجري استعمال التراخيص الاجبارية من قبل الدول النامية (مع انه يمكن الجدال والقول بأن مجرد التهديد بمثل تلك التراخيص قد أثبت على كونه كاف او ان السلطات الوطنية غير مستعدة لاستخدام تلك الآلية).

 

هناك معضلة واضحة تواجهها الدول النامية. فمن جهة، يعتبر تأسيس اطار تنظيمي فعال، بما فيه سياسة تنافسية، خطوة تكميلية مهمة في استحداث حماية قوية للملكية الفكرية. ومن جهة أخرى، على الرغم من ان الدول النامية الكبيرة (مثل الهند) تبذل جهودا لتقوية وتحديث قدراتها المؤسسية في هذا المجال، من المحتمل ان يكون ذلك بالنسبة لدول عديدة مهمة معقدة وصعبة كتأسيس نظام لحقوق الملكية الفكرية. وهناك وجهة نظر متداولة واسعة في العالم المتقدم وهي انه لا يمكن لنظام الملكية الفكرية ان يعمل كما هو مراد له ان يعمل الا اذا رافقته سياسة تنافسية فعّالة. هذا يثير السؤال عما اذا كان نظام الملكية الفكرية وحده هو هدف جدير بالاهتمام بالنسبة للدول النامية.

 

لا يوجد حلّ سهل لهذه المعضلة. بالنسبة للدول الأقل نموا هناك حجة وجيهة لتمديد الفترة الانتقالية لادخال أنظمة حقوق الملكية الفكرية، مثلما نبحث في الفصل الثامن. بالنسبة للدول النامية الأخرى، فان الحجة لتطوير نظام تنافسي لا يعتمد فحسب على علاقته بحقوق الملكية الفكرية. الخصخصة الواسعة الانتشار في الصناعات المملوكة من الدولة وزيادة تكتّل الشركات في عدد كبير من الأسواق خلال العقدين المنصرمين هما سببان قويان لحيازة سياسة تنافسية فعالة، مثلما تعلّمت كل من الدول المتقدمة والدول النامية. وهكذا فنحن نستخلص بالقول انه يجب ايلاء أولوية عالية لتقوية سياسات التنافس في الدول النامية.

 

يجب على الدول المتقدمة وعلى المؤسسات الدولية التي توفر المساعدات لتطوير أنظمة حقوق الملكية الفكرية في الدول النامية ان تقدم مثل تلك المساعدات بشكل يتفق مع تطوير سياسات ومؤسسات التنافس المناسبة.

 

المساعدات الفنية وبناء القدرات

 

البرامج الحالية

 

بموجب المادة 67 من اتفاقية "تريبس"، يلزم على الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية ان تقدم المساعدات الفنية والمالية للدول المتقدمة لتسهيل تنفيذ الاتفاقية. معظم الدول النامية تقدم نوعا من المساعدات الفنية ذات العلاقة بالملكية الفكرية للدول النامية. تقدم تلك المساعدات اما ثنائيا (بصورة رئيسية من قبل مكاتب براءات الاختراع الوطنية) او من أطراف متعددة. المنظمات الدولية الرئيسية المرتبطة بتقديم المساعدات الفنية ذات العلاقة بالملكية الفكرية الى الدول النامية هي المنظمة العالمية للملكية الفكرية والمكتب الاوروبي لتسجيل براءات الاختراع والبنك العالمي وبرنامج التنمية للأمم المتحدة ومؤتمر الأمم للمتحدة حول التجارة والتنمية. وهناك عدد من المنظمات الأهلية اي غير الحكومية تعمل بنشاط أيضا في الأبحاث وفي تقديم المساعدات الفنية للدول النامية في مجال الملكية الفكرية.

 

تقع أنواع المساعدات الفنية التي تقدمها المؤسسات المانحة في أربع فئات عريضة وهي: التدريب العام والمتخصص؛ والمشورة القانونية والمساعدة في تحضير مسودة القوانين؛ وتقديم الدعم لتحديث مكاتب ادارة حقوق الملكية الفكرية وأنظمة الادارة الجماعية؛ والحصول على خدمات المعلومات المتعلقة ببراءة الاختراع (بما في ذلك الأبحاث والفحص)؛ وتبادل المعلومات بين المشرّعين والقضاة؛ وتشجيع الابتداع والابتكار المحلي. وبما انه لا توجد لمعظم المؤسسات المانحة وكالات في البلد المعني، ترسل تلك المؤسسات عادة بعثات استشارية ومستشارين لمدة قصيرة من الوقت الى الدول النامية لتخطيط وتقديم ومراقبة البرامج.

 

هناك تركيز قوي على التدريب وعلى تطوير الموارد البشرية. ومثال هام على ذلك هو الأكاديمية العالمية النطاق التي ترعاها المنظمة العالمية للملكية الفكرية والتي تأسست في جنيف في عام 1998. ومؤخرا، اصبحت المساعدة في أتمتة ادارة حقوق الملكية الفكرية في الدول النامية وفي منظمات الملكية الفكرية الاقليمية هامة أيضا. والجدير بالملاحظة بصورة خاصة برنامجWIPONet   الذي تنفذه المنظمة العالمية للملكية الفكرية على مدى خمس سنوات بكلفة تبلغ 20 مليون دولار أمريكي تقريبا. يقدم البرنامج خدمات الحاسب الالي مثل الوصل بشبكة الانترنت، واستضافة مواقع قومية على شبكة الانترنت للملكية الفكرية، وبريد الكتروني مأمون وتبادل المعلومات بخصوص الملكية الفكرية مع 154 مكتبا من مكاتب الملكية الفكرية في كافة أنحاء العالم. لا شك بأن لدى برنامج WIPONet

الامكانية لتقديم فوائد طائلة، مع انه من المبكّر الحكم على مدى تأثيره.

 

تقييم ثأثير المساعدات الفنية   

 

بالنظر الى الافتقار الى التقييم، حتى الآن من الصعب التعليق بحزم على تأثير وفعالية التعاون الفني الذي تقدمه شتى المنظمات المانحة في دول او مناطق معينة. ولكن، من الأهمية لتأمين الفعالية والقيمة بالنسبة للأموال المنفقة، ان تقوم تلك المنظمات بتقييم تأثير تلك المساعدات، فرديا وجماعيا، وذلك بمثابة نشاط روتيني ضمن دورة ادارة البرنامج. وكذلك، لقد اندهشنا من قلة النشرات التي تحدد "الممارسة الحسنة" للمساعدات الفنية ذات العلاقة بالملكية الفكرية. هذا يتباين مع القطاعات الأخرى مثل البيئة والتجارة، حيث تعاضدت المنظمات المانحة والدول النامية معا لتطوير مجموعة من المنتديات المتفق عليها دوليا مثل لجنة المساعدات التنموية تحت رعاية منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. شيء مماثل يركّز على المساعدات الفنية ذات العلاقة بالملكية الفكرية قد يكون قيّما جدا.

 

من الواضح انه تحققت انجازات عظيمة في السنوات 5-10 الماضية من حيث تحديث البنية الاساسية للملكية الفكرية وتطوير الموارد البشرية الملازمة لذلك في العالم النامي. تلقت أعداد كبيرة من الناس، من مجموعة مختلفة من الخلفيات المهنية، التدريب العام والاختصاصي في مواضيع الملكية الفكرية. هذا مهم بصورة خاصة للنظام التعليمي وللعمل لاتاحة المجال للدول لاستعمال أنظمتها للملكية الفكرية والمساهمة الفعالة في المفاوضات الدولية وفي المفاوضات مع مزوّدي التكنولوجيا الأجنبية. وكذلك، قام عدد كبير من الدول النامية بمراجعة تشريعاتها الخاصة بالملكية الفكرية واستغلت الآليات المتوفرة للتعاون الدولي مثل معاهدة التعاون في براءات الاختراع وأنظمة مدريد للحصول على فوائد هامة من حيث الكفاءة ولتوفير مستويات متحسنة من الخدمات. لعل المناطق التي أثرت عليها المساعدات الفنية تأثيرا كبيرا هي أمريكا اللاتينية واوروبا الشرقية. ولكننا شاهدنا تطورات كبيرة في القدرات المؤسسية في الدول النامية الأخرى مثل الصين والمغرب وفيتنام وترينيداد وتوبيغو والهند.

 

وبنفس الوقت، لا تزال تواجه دول عديدة ذات دخل منخفض، ولا سيما الدول الأقل نموا، تحديات كبيرة في تطوير بنية تحتية للملكية الفكرية. وهكذا، مع أخذ ذلك الأمر بعين الاعتبار، هناك بعض الأمور العامة الهامة لتمويل وتصميم وتقديم التعاون الفني للدول النامية، ولا سيما لأفقر الدول التي تحتاج الى البت بأمرها فورا.

 

تمويل المساعدات الفنية الاضافية

 

هناك حاجة لتمويل اضافي للنهوض بالاصلاحات المؤسسية الضرورية وبناء القدرات في الدول النامية، اذ سيناضل عدد كبير من الدول النامية لتنفيذ اتفاقية "تريبس" في السنوات القليلة المقبلة. مع اننا نرى أهمية ذلك المتطلب، الا انه من غير الممكن تحديد المقدار بدقة. يجب تقييم حاجات بناء القدرات في كل دولة على حدة. ولكن، بمثابة تقدير عام، أفاد البنك العالمي بأنه تحتاج كل دولة الى ما بين 5ر1 و 2 مليون دولار أمريكي لتحديث نظام الملكية الفكرية فيها. يبدو ذلك لنا بأنه تقدير معقول للبدء به. ولكن هناك، بكل وضوح، حاجة الى المزيد من العمل من قبل المنظمات المانحة ومن قبل الدول النامية لتقييم وتحديد مقدار الحاجات ذات الصلة.

 

والسؤال هو طبعا من أين سيأتون بالأموال الاضافية اللازمة. مثلما أظهرنا في مكان سابق من هذا التقرير، لدى معظم الدول النامية مستويات منخفضة جدا من حقوق الملكية الفكرية، وبالتالي فان المساعدات الفنية الخاصة بتقوية حماية الملكية الفكرية هي غير عادية اذ من المتوقع ان تذهب حصة كبيرة من الفوائد المباشرة الناجمة عن تلك الحماية الى أصحاب حقوق الملكية الفكرية الأجانب المتواجدين في الأغلب في الدول المتقدمة. وعلاوة على ذلك، نجد بأن المستويات المنخفضة للغاية من التطوّر البشري والاقتصادي في الدول الأقل نموا وفي الدول الأخرى ذات الدخل المنخفض تعني بأن الأولوية تعطى عن حق لزيادة الانفاق على الصحة الأساسية وعلى الخدمات التعليمية للفقراء.

وهكذا، آخذين النقاط الواردة أعلاه بعين الاعتبار، فاننا نعتقد بأن هناك حججا مقنعة لقيام أصحاب حقوق الملكية الفكرية بتسديد تكاليف تحديث البنية الاساسية الوطنية للملكية الفكرية في تلك الدول. هذا هو في الواقع ما تقوم به المنظمات أمثال المنظمة العالمية للملكية الفكرية والمكتب الاوروبي لتسجيل براءات الاختراع ومكاتب براءات الاختراع في بعض الدول المتقدمة، الى حد بعيد، اذ تولد الايرادات لبرامج المساعدات الفنية من رسوم الخدمات التي توفرها لأصحاب حقوق الملكية الفكرية.(23) يمكن توليد التمويل الاضافي للمساعدات الفنية بسهولة نسبية وبعدل بهذه الطريقة.(24)

 

يتعيّن على المنظمة العالمية للملكية الفكرية وعلى المكتب الاوروبي لتسجيل براءات الاختراع وعلى الدول المتقدمة ان توسع برامجها للمساعدات الفنية ذات العلاقة بالملكية الفكرية توسعا كبيرا. ويمكن جمع التمويل الاضافي اللازم عن طريق زيادات بسيطة في الرسوم المفروضة على مستعملي حقوق الملكية الفكرية، مثل أتعاب معاهدة التعاون في براءات الاختراع، بدلا من جمعها من ميزانيات المساعدات المثقلة بالأعباء. ويمكن للمنظمات المانحة ان توجه مباشرة مساعدات فنية أكثر الى الدول الأقل نموا بالنظر الى حاجتها الى تطوير نظام للملكية الفكرية، بالاضافة الى البنية الاساسية المؤسسية الواسعة التي تحتاج اليها لتنظيم الملكية الفكرية وتطبيق القوانين المترتبة عليها بفعالية.

 

تأمين التقديم الفعال للمساعدات الفنية

 

لقد توصلنا الى احساس نتيجة لمباحثاتنا مع المعنيين بأن هناك مجالا كبيرا للتحسين في تقديم وتنسيق المساعدات في مجال الملكية الفكرية. لقد تم انفاق مبالغ طائلة بشتى الطرق من قبل العديد من المؤسسات المختلفة ولكن لا تبدو بأن النتائج تتعادل مع الجهود المبذولة بهذا الشأن. هناك حاجة لتحسين تصميم وتقديم المساعدات الفنية ذات العلاقة بالملكية الفكرية الى الدول النامية. ويجب دمجها على نحو أفضل مع استراتيجية التنمية الوطنية العامة للدول الفردية. كثيرا ما يبدو بأنه يجري تخطيط وتقديم المساعدات الفنية ذات العلاقة بالملكية الفكرية بمعزل عن برامج التنمية الأخرى. مثلا، يمكن اعداد تشريعات الملكية الفكرية الجديدة للدول من قبل وكالات اختصاصية مثل المنظمة العالمية للملكية الفكرية ولكن بدون وجود البنية الاساسية المؤسسية لادارة النظام الجديد، لأن وكالات التنمية العادية الأخرى لم تكن مشمولة. من ناحية أخرى تنـزع المشاريع الممولة من البنك المركزي في البرازيل واندونيسيا والمكسيك الى اتخاذ اسلوب أكثر تكاملا (هوليستي) لتحديث البنية الوطنية للملكية الفكرية. في تلك الحالات، كان تحديث نظام الملكية الفكرية مجرد برنامج واحد من برامج عريضة للاصلاح وبناء القدرات الموجهة الى حث الانفاق على الأبحاث والتطوير وعلى تحسين التنافسية.

 

لم يجر تنسيق النشاطات دائما كما يجب من قبل المؤسسات المانحة المتعددة المشمولة او من قبل الدول المتلقية لتلك المساعدات. أدى ذلك الى الازدواجية في الجهود او بالأحرى الى تضارب في النصائح. في فيتنام، مثلا، قدّمت ثماني وكالات مانحة مختلفة مساعدات للبلد بين عامي 1996 و 2001.(25) الجزء الكبير من المشكلة هو انه ليس لدى المنظمات المانحة الرئيسية للملكية الفكرية (مثل المنظمة العالمية للملكية الفكرية والمكتب الاوروبي لتسجيل براءات الاختراع) أي موظفين في البلد وهكذا يعرقل التنسيق في تخطيط وتقديم المساعدات نوعا ما. وبهذا الخصوص، قد يكون من المفيد للمنظمات المانحة ان تقوم بتجربة بالتعاون مع مدراء ميدانيين في البلد او في المنطقة من أجل تحسين التنسيق في برامج المساعدات الفنية ذات العلاقة بالملكية الفكرية على أرض الواقع في الدول النامية.

 

يبدو لنا ان الفرصة المؤاتية لتحسين تنسيق المنظمة المانحة ودمج برامج المساعدات ذات العلاقة بالملكية الفكرية على نحو أفضل ضمن الاستراتيجيات التنموية الوطنية، هي "الاطار المتكامل للمساعدات الفنية ذات العلاقة بالتجارة للدول الأقل نموا" (الاطار المتكامل). تجلب تلك المبادرة معا المنظمات المانحة الثنائية والمتعددة الأطراف (بما فيها البنك العالمي وبرنامج التنمية للأمم المتحدة ومؤتمر الأمم المتحدة حول التجارة والتنمية ومنظمة التجارة العالمية ولكن لم تكن بينهم لا المنظمة العالمية للملكية الفكرية ولا المكتب الاوروبي لتسجيل براءات الاختراع) وذلك للقيام بتقييم مشترك للحاجات وبرمجة تطوير التجارة واصلاح التجارة. وبما ان "الاطار المتكامل" يشمل نظريا الدعم لتنفيذ اتفاقية "تريبس" في الدول الأقل نموا، يبدو ذلك الاطار على انه الوسيلة المناسبة لتعميق التنسيق بين المنظمات المانحة حول المساعدات ذات العلاقة بالملكية الفكرية. ومن ناحية عملية، قد تنطوي الخطوة الاولى على قيام المنظمة العالمية للملكية الفكرية والمكتب الاوروبي لتسجيل براءات الاختراع بالانتساب رسميا الى مجموعة المنظمات المانحة الرئيسية في "الاطار المتكامل".

 

يجب تنظيم المساعدات الفنية ذات العلاقة بالملكية الفكرية بحيث تفي بالحاجات التنموية المحددة للبلد وبأولوياته. ومن الطرق التي يمكن اتباعها لتحقيق تلك الغاية هي دمج تلك المساعدات في "الاطار المتكامل" لتسهيل الاندماج الأفضل بالمخططات التنموية الوطنية وباستراتيجيات المساعدات التي تقدمها المنظمات المانحة.

 

وأخيرا، من أجل مواجهة تلك التحديات، تحتاج المنظمات المانحة والدول النامية الى ايجاد طرق جديدة للعمل معا بفعالية أكثر. ويجب، بصورة خاصة، استغلال الآليات المؤسسية الموجودة حاليا استغلالا أفضل، على المستويات الوطنية والاقليمية والدولية، وذلك من أجل تفهم حاجات الدول النامية لبناء قدراتها ذات العلاقة بالملكية الفكرية، وتقاسم المعلومات حول مشاريع المساعدات الفنية، والقيام بمراجعات تعاونية على مستوى القطاعات كجزء من الاجتهاد المتواصل في الممارسات الحسنة.

 

يتعيّن على المنظمات المانحة ان تقوي أنظمة مراقبة وتقييم برامج التعاون التنموي ذات العلاقة بالملكية الفكرية. وكخطوة اولى هامة، يجب تأسيس فريق عمل يضم المنظمات المانحة والدول النامية لتكليف والاشراف على مراجعة تأثير المساعدات الفنية ذات العلاقة بالملكية الفكرية على كافة القطاعات في الدول النامية منذ عام 1995. يجب ان يقوم فريق خارجي من المقيّمين بتلك المراجعة.

 

ونعود في الفصل التالي الى مسألة مناسبة محتوى المساعدات الفنية التي تقدمها الوكالات الدولية والوطنية.

_______________________________________________________

(1) الجدير بالملاحظة بأن العديد من الدول المتقدمة تجد تنسيق سياسة الملكية الفكرية مسألة صعبة أيضا، ولكنها لا تتفاقم عادة بسبب الافتقار الى الخبرة الفنية.

(2) هناك دراسة مثيرة للاهتمام في مجال موارد النباتات الجينية قام بها M. Petit وغيره (2001) وعنوانها "لماذا لا تستطيع الحكومات رسم السياسة: موارد النباتات الجينية على الصعيد الدولي"، سي آي بي، ليما. المصدر: http://www.cipotato.org/market/whygov/FlyerGR1.pdf

(3) من شهر يناير/كانون الثاني عام 1996 الى شهر ديسمبر/كانون الأول عام 2000، تلقت 119 دولة نامية ومنظمة اقليمية مساعدات من المنظمة العالمية للملكية الفكرية بشكل تحضير مسودات قوانين الملكية الفكرية. راجع المنظمة العالمية للملكية الفكرية (2001أ) "المساعدات القانونية والفنية التي قدمتها المنظمة العالمية للملكية الفكرية الى الدول النامية لتطبيق اتفاقية "تريبس" من 1 يناير/كانون الثاني عام 1996 الى 31 ديسمبر/كانون الأول عام 2000"، المنظمة العالمية للملكية الفكرية، جنيف. المصدر: http://www.wipo.org/eng/meetings/2000/ace ip/pdf/wipo trips 2000 1.pdf

(4) P. Drahos (2002) "الدول النامية ووضع المقاييس الدولية للملكية الفكرية"، وثيقة خلفية أعدتها اللجنة 8، لندن، الصفحة 21. المصدر:

http://www.iprcommission.org

(5) معهد الأبحاث الاقتصادية (1996) "دراسة للمتضمنات المالية وغيرها من المتضمنات في تطبيق اتفاقية "تريبس" للدول النامية"، المنظمة العالمية للملكية الفكرية، جنيف.

(6) تقول المنظمة العالمية للملكية الفكرية ان 154 مكتبا من مكاتب الملكية الفكرية في كافة أنحاء العالم تفتقر حاليا الى الوصل بشبكة الانترنت،  المنظمة العالمية للملكية الفكرية (2001ب) "مسودة البرنامج المراجع وميزانية 2002-2003"، المنظمة العالمية للملكية الفكرية، جنيف. المصدر:

http://www.wipo.org/eng/document/govbody/budget2002 03/rev/pdf/introduction.pdf

(7) في وقت كتابة التقرير بلغ عدد الأعضاء المنتسبين الى نظام مدريد 70 دولة وهو عدد أقل من عدد الأعضاء في معاهدة التعاون في براءات الاختراع وهو 115 دولة.

(8) وفقا لموقع شبكة الانترنت التابع للمنظمة العالمية للملكية الفكرية "تقدم خدمات المعلومات الخاصة ببراءات الاختراع التابعة للمنظمة العالمية للملكية الفكرية قناة لتوجيه طلبات الأبحاث من مجموعة واسعة من المستعملين في الدول النامية الى مكاتب الملكية الصناعية في تلك الدول التي قررت المساعدة في توفير تلك الأبحاث, يجري القيام بتلك الأبحاث مجانا للذين يطلبونها. وبالنسبة لبعض طلبات الأبحاث، مثل تلك الواردة من منظمة الملكية الصناعية الأفريقية الأقليمية، تقوم أيضا بفحص الطلبات. ومنذ البدء بالعمل بالبرنامج في عام 1975 حتى نهاية شهر يوليو/تموز عام 2001، تم البت بـ 15000 طلب للبحث من دون مقابل أتت من 90 دولة نامية ومن 14 منظمة مشكلة من الحكومات ودول في المرحلة الانتقالية وفي عام 2000 ورد 1315 طلبا للبحث من 39 دولة نامية. شملت تلك التقارير أيضا طلبات خاصة للبحث بالبدعة (novelty) والفحص الشامل بخصوص صلاحية طلبات التسجيل ببراءة في الدول النامية بالاضافة الى طلبات خاصة للبحث في طلبات التسجيل ببراءة وفحصها تقدمت بها منظمة الملكية الصناعية الأفريقية الأقليمية. وفي أوائل التسعينات من القرن الماضي وردت غالبية الطلبات من المستعملين في آسيا ومنطقة المحيط الهادىء، وفي الآونة الأخيرة من المستعملين في دول أمريكا اللاتينية."

(9) وللحصول على تفاصيل لأنظمة الملكية الصناعية الأقليمية لمنظمة الملكية الصناعية الأفريقية الأقليمية والمنظمة الأفريقية للملكية الفكرية راجع M. M.Leesti و T. Pengelly (2002) "الأمور المؤسسية للدول النامية فيما يتعلق برسم سياسة الملكية الفكرية وادارتها وتطبيقها"، وثيقة خلفية للجنة 9، لندن، الصفحات 38-39. المصدر: http://www.iprcommission.org

(10) مؤتمر الأمم المتحدة حول التجارة والتنمية (1996) "اتفاقية تريبس والدول النامية"، مؤتمر الأمم المتحدة حول التجارة والتنمية، جنيف.

(11) البنك العالمي (2002) "التوقعات الاقتصادية العالمية والدول النامية 2002"، البنك العالمي، واشنطن دي سي، الفصل الخامس، "الملكية الفكرية: توازن الحوافز مع وجود المنافسة". المصدر: http://www.worldbank.org/prospects/gep2002/full.htm

(12) B. Lehman (2002) "تحديث نظام الملكية الفكرية في جاميكا"، المعهد الدولي للملكية الفكرية، واشنطن دي سي، الصفحة 62. المصدر:

http://www.iipi.org/activities/research.htm

(13) مؤتمر الأمم المتحدة حول التجارة والتنمية (1996).

(14) M. Leesti و T. Pengelly (2002)، الصفحة 109

(15) M. Leesti و T. Pengelly (2002)، القسم 3-5.

(16) مثلا، تم تقدير مستويات خرق حقوق برامج الحاسب الآلي في فيتنام والصين في عام 2000، 97% و 94% على التوالي. اتحاد سوفتوير الأعمال (2001) "الدراسة السنوية السادسة لقرصنة برامج الحاسب الالي على النطاق العالمي من اعداد اتحاد سوفتوير الأعمال"،  اتحاد سوفتوير الأعمال. المصدر: http://www.bsa.org/resources/2001-05-21.55.pdf

(17) مثلا، يعود الى أمريكا الشمالية واوروبا الغربية واليابان وحدها أكثر من 65% من الخسائر العالمية في الدخل من جراء البرامج المزورة للحاسب الآلي، اتحاد سوفتوير الأعمال (2001).

(18) M. Leesti و T. Pengelly (2002)، الصفحة 95.

(19) تطبّق المحاكم في الولايات المتحدة، مثلا، اختبارا من أربعة أجزاء قانونية لاصدار او عدم اصدار انذار قضائي مبدئي، بما في ذلك تحليل عما اذا كانت هناك امكانية محتملة من اعلان براءة الاختراع صالحة التطبيق، فيما لو طعن فيها المدعى عليه على انها غير صالحة التطبيق. وهي تفترض بأن صاحب الحق سيتضرر، ولكنها توازن ذلك ازاء الضرر الذي قد يلحق بالمنتهك المزعوم فيما لو تم منح الحق بالخطأ. وتأخذ أيضا بعين الاعتبار تأثير الانذار القضائي على المصلحة العامة (مثلا، الحصول على الأدوية). قلما تمنح الاتذارات القضائية في أعمال المنافسة غير العادلة (inaudita parte). راجع D. Chisum (2000) "Chisum في موضوع براءات الاختراع: بحث في قانون صلاحية براءة الاختراع وصلاحية التطبيق والانتهاك"، دار لويس للنشر، الولايات المتحدة.

(20) مثلا مؤتمر الأمم المتحدة حول التجارة والتنمية (1996) و C. Correa (1999) "حقوق الملكية الفكرية واستخدام التراخيص الاجبارية: الخيارات بالنسبة للدول النامية"، المركز الجنوبي، جنيف. المصدر: http://www.southcentre.org/publications/complicence/toc.htm

(21) M. Leesti و T. Pengelly (2002)، الصفحة 32

(22) C. Correa (1999)، الصفحة 1.

(23) يشمل الدخل الاجمالي المتوقع للمنظمة العالمية للملكية الفكرية 530 مليون فرنك سويسري لعام 2002-2003 ايرادات تتجاوز 455 مليون فرنك سويسري.

(24) اذا بقيت رسوم معاهدة التعاون في براءات الاختراع وحدها في مستوى فترة السنتين 1996-1997 – بدلا من انخفاضها انخفاضا كبيرا – لكان دخل معاهدة التعاون في براءات الاختراع المتوقع من الرسوم لفترة السنتين 2002-2003، 279 مليون فرنك سويسري أعلى من ذلك، راجع "المنظمة العالمية للملكية الفكرية" (2001ب).

(25) M. Leesti و T. Pengelly (2002)، الصفحة 44


الفصل الثامن

 

البنيان الدولي

المقدمة

 

يمكننا الاستنتاج من تحليلنا ان مصالح الدول النامية تخدم على أفضل وجه فيما لو جرى تكييف أنظمة الملكية الفكرية الخاصة بها بحيث تتناسب مع ظروفها الاقتصادية والاجتماعية الخاصة. ومثل ما تبدي الدول المتقدمة في الوقت الحاضر تغايرات هامة في كيفية تطبيقها لحقوق الملكية الفكرية، وفي الواقع قامت بذلك الى حد بعيد في الماضي، يجب ان تكون الدول النامية حرة في المضي على هذا المنوال. وفي الواقع، ربما كان ذلك حتى أهم بالنسبة للدول النامية لأن أخطاء السياسة الباهظة الثمن قد يتعذّر عليها ان تتحمّلها. ولكن، هناك سؤال حرج يواجهنا وهو كيف يمكن استيعاب هذا الهدف ضمن البنيان الدولي المعقّد للقواعد والمعايير المتعددة الأطراف والاقليمية والثنائية المترتبة على الملكية الفكرية والتي تفرض حدودا غير مسبوقة على حرية الدول للعمل مثل ما تراه مناسبا في هذا المجال. (راجع المربّع 1:8 للحصول على رؤية عامة).

 

ويثار هذا السؤال ليس فقط في سياق الأنظمة المتواجدة حاليا بل قد يطرح أيضا على الأنظمة في المستقبل الجاري البحث فيها حاليا. ومثل ما بحثنا في الفصل السادس، يثير النقاش الحالي حول التوافق الدولي الشامل في أنظمة براءات الاختراع في المنظمة العالمية للملكية الفكرية بشكل حاد كيفية حماية مصالح الدول النامية بشكل مناسب وكيفية تعزيزها في النظام الدولي. وعموما، تضع استنتاجاتنا المسؤولية على عاتق المجتمع الدولي ليقوم بتقييم ما اذا كانت الآليات الموجودة للتفاوض بشأن مقاييس الملكية الفكرية، المتعددة الأطراف والثنائية على حد سواء، تأخذ بعين الاعتبار مصالح الدول النامية ومصالح الفقراء. نحن نرى بأن الاطار المؤسسي غير مناسب مثاليا لتلك المهمة وبحاجة الى اظهار حساسية كبيرة جدا لتلك القضايا.

 

نعالج أدناه الأسئلة الجوهرية التالية:

 

·                   هل تقدم المؤسسات الدولية الرئيسية، ولا سيما منظمة التجارة العالمية والمنظمة العالمية للملكية الفكرية، النصيحة الكافية والتحليل الكافي بناء على الحاجات المعيّنة للدول النامية وللفقراء؟

·                   وفي علاقاتها الثنائية مع الدول النامية، هل تأخذ الدول المتقدمة بعين الاعتبار بشكل كاف تأثير حقوق الملكية الفكرية على الدول النامية وبصورة خاصة تأثيرها على الفقراء فيها؟

·                   هل تدرك الدول النامية نفسها ادراكا تاما أين هي مصالحها، وهل لديها القدرات لتأمين تلك المصالح في المفاوضات الثنائية والمتعددة الأطراف؟

 

ولكي نجيب على تلك الأسئلة، من الضروري اكتساب بعض التفهم للمؤسسات الدولية المتعلقة بالملكية الفكرية، وكيفية صياغة القواعد على هذا المستوى وكيف تساعد المؤسسات في احكامها في القانون الوطني.

 

المربّع 1:8 البنيان الدولي للملكية الفكرية: القواعد المتعددة الأطراف والاقليمية والثنائية

 

أصبح بنيان نظام حقوق الملكية الفكرية العالمي معقّدا على نحو متزايد، وهو يشمل مجموعة منوعة من الاتفاقيات المتعددة الأطراف والمنظمات الدولية والمواثيق الاقليمية والترتيبات الثنائية.

 

المعاهدات المتعددة الأطراف

تقوم المنظمة العالمية للملكية الفكرية بادارة معظم تلك الاتفاقيات وهي في ثلاثة أنواع:

 1) معاهدات قياسية تحدد المقاييس الأساسية للحماية. تشتمل تلك الافتقايات على "إتفاقية باريس" و "إتفاقية بيرن" و "اتفاقية روما". وتشتمل المعاهدات الهامة غير المتعلقة بالمنظمة العالمية للملكية الفكرية على "الميثاق الدولي لحماية منوّعات جديدة من النباتات" و "اتفاقية تريبس".

2) ومعاهدات نظام الحماية العالمي، التي تسهّل تقديم طلبات او تسجيل حقوق الملكية الفكرية في أكثر من دولة. تشمل تلك المعاهدات "معاهدة التعاون في براءات الاختراع" و "اتفاقية مدريد المتعلقة بالتسجيل الدولي للعلامات التجارية".

3) ومعاهدات التصنيف التي تنظّم المعلومات المتعلقة بالاختراعات والعلامات التجارية والتصاميم الصناعية في بنيات مفهرسة قابلة للادارة لتسهيل استرجاع المعلومات. ومثال على ذلك هي "اتفاقية ستراسبورغ المتعلقة بالتصنيف الدولي لبراءات الاختراع".

 

تشمل الاتفاقيات الأخرى التي لها محتوى يتعلق بحقوق الملكية الفكرية "المعاهدة الدولية حول موارد النباتات الجينية للطعام والزراعة" و "ميثاق التنوّع الاحيائي".

 

المعاهدات او الاتفاقيات الاقليمية

تشمل الأمثلة على ذلك "الميثاق الاوروبي لبراءات الاختراع" و "بروتوكول هاراري بخصوص براءات الاختراع والتصاميم  الصناعية ضمن اطار منظمة الملكية الصناعية الأفريقية الأقليمية"، و "النظام المشترك للمجتمع الأنديني حول الملكية الصناعية".

 

اتفاقيات التجارة الاقليمية

توجد عادة في اتفاقيات التجارة الاقليمية أقسام تترتب على مقاييس الملكية الفكرية. مثلا، "منظمة التجارة الحرة لأمريكا الشمالية"، و "منطقة التجارة الحرة للقارتين الأمريكيتين" و "اتفاقية كوتونو بين الاتحاد الاوروبي/أي سي بي".

 

الاتفاقيات الثنائية   

تشمل هذه بصورة محددة الاتفاقيات الثنائية التي تتعاطى بحقوق الملكية الفكرية ربما كجزء من قضايا عديدة أخرى. هناك مثال أخير على ذلك وهو "اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة والأردن" ولكن هناك العديد منها (راجع الجدول 1:8)

 

المصدر: UNCTAD/ICTSD (2002)(1).

 

وضع المقاييس الدولية: المنظمة العالمية للملكية الفكرية ومنظمة التجارة العالمية

 

هناك مؤسسات دولية عديدة تعمل في مجال وضع المقاييس للملكية الفكرية. المنظمة العالمية للملكية الفكرية هي المؤسسة الدولية الرئيسية المسؤولة عن تنظيم المفاوضات الخاصة بمعاهدات الملكية الفكرية وبادارتها. ومع ادخال اتفاقية "تريبس" في دورة يوروغواي، تأتي أيضا الملكية الفكرية تحت رعاية منظمة التجارة العالمية، خليفة "الاتفاقية العامة للتعرفات الجمركية والتجارة" (الجات)، ويجادل البعض بأنه بالتالي انخفض نفوذ المنظمة العالمية للملكية الفكرية. جرى تشكيل مجلس خاص لاتفاقية "تريبس" ضمن بنية منظمة التجارة العالمية بغية ادارة اتفاقية "تريبس".

 

تخدم الأمانات العامة لكل من المنظمة العالمية للملكية الفكرية ومنظمة التجارة العالمية منظمات يحكمها أعضاؤها. تقوم الحكومات الوطنية بتحديد السياسة وبتقرير نتيجة المفاوضات. وفي الواقع، مثل أي بيروقراطية حيث الحكم مشتت، تلعب الأمانة العامة وقيادتها دورا أكبر او أقل في تحديد القضايا الهامة وفي تقرير نطاق الحلول الممكنة. وتستجيب كل من المنظمة العالمية للملكية الفكرية ومنظمة التجارة العالمية الى مجموعة من التأثيرات الخارجية، خارج بنية الحكم الرسمية، بما في ذلك من الدول الأعضاء، التي للبعض منها نفوذ أكبر من غيرها، وكذلك الى جماعات ضغط خارجية بما فيها ارباب الصناعة وجمعيات الصناعة والمنظمات الأهلية (اي غير الحكومية). 

 

ترى الحكومات ويرى الآخرون بأن منظمة التجارة العالمية هي مؤسسة هامة لوضع قواعد التجارة الملزمة. يعود ذلك الى عمومية نطاقها ولأن لديها الصلاحيات لفرض عقوبات اقتصادية من شأنها ان تؤثر تأثيرا كبيرا على السياسة الوطنية. هذا هو السبب وراء اختيار الدول المتقدمة للجات/منظمة التجارة العالمية بدلا من المنظمة العالمية للملكية الفكرية بمثابة الآلية المناسبة لعولمة حماية الملكية الفكرية عبر اتفاقية "تريبس". وهذا هو السبب، مثلا، لتركيز الانتباه الكبير على اعلان الدوحة بخصوص اتفاقية "تريبس" والصحة العامة من قبل أرباب الصناعة والحكومات والمنظمات الأهلية. وأهمية منظمة التجارة العالمية في سياق وضع القواعد الخاصة بالملكية الفكرية لا يعود الى كفاءتها الخاصة في وضع المقاييس الدولية الخاصة بالملكية الفكرية (مع انه يوجد فيها قسم رفيع الجودة للملكية الفكرية)، بل لأن آليتها لحل النـزاعات هي أداة قوية يمكن للأعضاء ان يستعملوها لتطبيق التزامات اتفاقية تريبس على شركائهم في التجارة، وهي أداة يدعمها التهديد بالعقوبات التجارية. وحتى تاريخه، تم حل 24 قضية نزاع تتعلق باتفاقية تريبس في منظمة التجارة العالمية، رفعت الغالبية العظمى منها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.(2)

 

بالمقابل لدى المنظمة العالمية للملكية الفكرية عمقا أكبر من الخبرة في مجال الملكية الفكرية. ولكنها منظمة مختلفة جدا لسببين. أولا، حوالي 90% من تمويلها لا يأتي من الحكومات الأعضاء (مثل ما هو الحال بالنسبة لمنظمة التجارة العالمية او وكالات الأمم المتحدة الأخرى) بل من القطاع الخاص بشكل رسوم يدفعها المطالبون ببراءات الاختراع بموجب معاهدة التعاون في براءات الاختراع - أي بالفعل من أصحاب براءات الاختراع.(3) ثانيا، المنظمة العالمية لبراءات الاختراع، بموجب ميثاقها، مهتمة فقط بترويج حقوق الملكية الفكرية. لا تشمل أهدافها ومهامها هدفا تنمويا.(4)

 

ومثل ما نتوقع من تفسير المنظمة العالمية للملكية الفكرية لرسالتها (راجع المربّع 2:8) تؤيد المنظمة تأييدا ثابتا حماية قوية للملكية الفكرية في الدول النامية. وفي الواقع، تولي التحاليل في شتى وثائق السياسة الخاصة بالمنظمة العالمية للملكية الفكرية مجرد القليل من الاهتمام الى النتائج المناوئة المحتملة لمثل تلك الحماية. فهي تعرض حقوق الملكية الفكرية، عموما، على انها مفيدة افادة لا لبس فيها. مثلا، هناك نشرة على موقع شبكة الانترنت للمنظمة العالمية للملكية الفكرية وعنوانها "الملكية الفكرية - أداة قوة للنمو الاقتصادي" تفيد بأن الآراء القائلة بأن:

 

"..براءات الاختراع ليست لها صلة بالدول النامية، او انها غير منسجمة مع الأهداف الاقتصادية للدول النامية هي خرافات مضللة. والسبب لماذا تلك الآراء هي آراء مضللة هو انها تعطي انطباعا بأنه يمكن بكل بساطة الانسحاب من النظام الدولي لبراءات الاختراع وبنفس الوقت تحقيق النمو الاقتصادي. هذا خطأ لأن براءات الاختراع هي مكوّن أساسي للاستراتيجية الاقتصادية بغض النظر عما اذا كانت الدولة دولة متقدمة او في مرحلة التطوّر الاقتصادي."(5)

 

نحن لا نقرأ الشيء الكثير في أي بيان فردي مثل ذلك ولكنه، باعتقادنا، دليل لمنظور معيّن يسود أروقة المنظمة العالمية للملكية الفكرية. ومثلما يظهر بجلاء في هذا التقرير، فلا شك البتة بأن هناك صلة معقدة بين حماية الملكية الفكرية والتنمية أكثر مما توحي به مثل تلك البيانات. نحن نعترف بأن لدى المنظمة العالمية للملكية الفكرية دور تلعبه في ترويج حقوق الملكية الفكرية. ولكننا نعتقد بأنه عليها ان تقوم بهذا الدور بطريقة دقيقة تنسجم انسجاما تاما مع الأهداف الاقتصادية والاجتماعية الملتزمة بها هيئة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي عموما. واتباع اسلوب أكثر توازنا في تحليل حقوق الملكية الفكرية وبالتالي لبرامج المنظمة العالمية للملكية الفكرية من شأنه ان يكون مفيدا

لكل من المنظمة وللعالم النامي، الذي منه تستمد غالبية عضويتها.

 

المربّع 2:8 المنظمة العالمية للملكية الفكرية

 

برزت المنظمة العالمية للملكية الفكرية الى الحياة في عام 1893 وكان اسمها آنذاك "المكتب الدولي المتحد لحماية الملكية الصناعية". تأسست هذه الهيئة بصورة رئيسية لادارة اتفاقيتي باريس وبيرن المتعلقين بالملكية الصناعية وحقوق النشر والتأليف. لم تجر اعادة هيكلتها واعادة تنظيمها كوكالة من وكالات الأمم المتحدة الا في عام 1974.

 

أهداف المنظمة العالمية للملكية الفكرية، كما هو منصوص عليها في ميثاق تأسيسها، هي "تشجيع حماية الملكية الفكرية في كافة أنحاء العالم". وفي ضوء هذه الغاية انطوت مهمتها الاولى على "تشجيع تنمية تدابير مصممة لتسهيل الحماية الفعالة للملكية الفكرية في كافة أنحاء العالم والتوافق في الشريعات الوطنية في هذا المجال."(6) وهي "مقتنعة من الحاجة الى التأمين بأن الدول النامية ...هي مندمجة تماما في النظام الدولي للملكية الفكرية." وهي تعتقد بأنه "يجب السعي الى التوافق في السياسات الوطنية حول تأسيس حقوق الملكية الفكرية بهدف حمايتها على المستوى العالمي."(7) هذا هو المنظور الذي تدير من خلاله تعاونها ومساعداتها الفنية مع الدول النامية.

 

في هذه الأيام، المهام الرئيسية للمنظمة العالمية للملكية الفكرية هي العمل بمثابة منتدى للمفاوضات بخصوص المعاهدات الدولية الخاصة بالملكية الفكرية، وادارة مثل تلك المعاهدات وتشغيل أنظمة الحماية العالمية مثل معاهدة التعاون في براءات الاختراع ونظام مدريد؛ وتوفير المساعدات الفنية والتدريب للدول النامية وللدول في المرحلة الانتقالية.

 

وتهدف معاهدة التعاون في براءات الاختراع الى تبسيط وتخفيض كلفة الحصول على الحماية الدولية لبراءات الاختراع. اذ بتقديم طلب لبراءة اختراع دولية بموجب معاهدة التعاون في براءات الاختراع يمكن لمقدم الطلب ان يسعى في آن واحد للحصول على الحماية لاختراع واحد في أكثر من مائة دولة. تنشر آخر الطلبات المقدمة بموجب معاهدة التعاون في براءات الاختراع في مجلة المعاهدة لتسهيل حصول الجمهور على المعلومات الفنية.

 

WIPONET هي شبكة معلومات رقمية عالمية توفر البنية الاساسية الشبكية والخدمات لتحسين تبادل المعلومات من أجل دمج موارد المعلومات الخاصة بالملكية الفكرية وعملياتها وأنظمتها لجماعات الملكية الفكرية في كافة أنحاء العالم، ولا سيما مكاتب الملكية الفكرية في الدول الأعضاء. وستعمل WIPONET بمثابة بوابة للأنظمة الأخرى التي توفرها المنظمة العالمية للملكية الفكرية، مثل المكتبات الرقمية للملكية الفكرية وفي آخر المطاف لتسجيل الطلبات عن طريق الحاسب الآلي بموجب معاهدة التعاون في براءات الاختراع.

 

تدير "مؤسسة شبكة الانترنت للأسماء والأرقام المخصصة" نظاما لحل النـزاعات المتعلقة بأسماء الملكية التامة المشتملة على العلامات التجارية وكذلك نظاما للممارسات الحسنة لهيئات تسجيل أسماء الملكية التامة من أجل تفادي تلك النـزاعات.

 

وأكاديمية المنظمة العالمية للملكية الفكرية العالمية النطاق هي مؤسسة توفر التعليم والتدريب والاستشارة والأبحاث في الملكية الفكرية.

 

المصدر: http://www.wipo.int

 

يترتب على المنظمة العالمية للملكية الفكرية ان تعترف اعترافا واضحا بأن حماية الملكية الفكرية لها فوائد وتكاليف، ويجب عليها ان تؤكد تأكيدا أكبر على الحاجة الى تكييف أنظمة الملكية الفكرية بشكل يتناسب مع الظروف الفردية للدول النامية. نعتقد بأن ذلك يتطلب حساسية أكبر في توفير المساعدات للدول النامية في مسعاها لتطبيق اتفاقية "تريبس" والتدابير الأخرى المناسبة من أجل تأمين تشغيل حقوق الملكية الفكرية في المصلحة العامة.

 

وكوسيلة للوصول الى هذه الغاية نعتقد أيضا بأن المنظمة العالمية للملكية الفكرية ستستفيد من استمالة مجموعة واسعة من المهتمين بنظام الملكية الفكرية في عملية رسم سياستها، مثل منظمات المستهلكين. كانت المنظمة العالمية للملكية الفكرية تستجيب دائما لحاجات القطاعات الصناعية التي تستخدم الملكية الفكرية بشكل مكثّف. ولكننا لسنا مقتنعين تماما بأنها تستجيب لمصالح المستهلكين او لمستخدمي المنتجات المحمية بالملكية الفكرية. من الأهمية بمكان عظيم بهذا الخصوص ان لا ترى المنظمة العالمية للملكية الفكرية بأنها تستجيب بصورة رئيسية لتلك المنظمات التي لها مصلحة في حماية قوية للملكية الفكرية.(8)

 

ومؤخرا، شكّلت المنظمة العالمية للملكية الفكرية هيئتين استشاريتين وهما: اللجنة الاستشارية السياسية واللجنة الاستشارية الصناعية. نحن نرحب بتشكيل المجموعتين هاتين اللتين ينطوي دورهما على تقديم النصيحة الخبيرة الى المنظمة العالمية للملكية الفكرية. ونحن نرحّب أيضا بالاعتراف، المنوّه اليه أدناه، بالحاجة الى ان تكون مجموعة واسعة من الآراء ممثلة في رسم السياسة. ولكننا نعتقد بأنه من الواجب ان تعكس الهيئتان بشكل نظامي أكبر تلك المصالح المختلفة المهتمة بالملكية الفكرية، كمنتجين او مستعملين على حد سواء. وهكذا بوجود ممثلين عن ارباب الصناعة والعلماء وجماعات المستهلكين وغيرها من منظمات المجتمع المدني، علاوة على خبراء بالملكية الفكرية وممثلين عن الحكومات، ستتمكن المنظمة العالمية للملكية الفكرية من أداء دور فعال أكبر في تسهيل الحوارمع دائرة المهتمين بالأمر. ويمكن تكميل هذا الاشراك الكبير مع تمثيل واسع من المستعملين والجماعات المهتمة بالأمر، باقامة تعاون أوثق مع المنظمات الدولية الأخرى ذات الصلة بالموضوع، مثل منظمة الصحة العالمية (ولا سيما في تطبيق اعلان الدوحة)، ومنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، ومؤتمر الأمم المتحدة حول التجارة والتنمية، وكذلك البنك العالمي.(9)

 

يجب ان تعمل المنظمة العالمية للملكية الفكرية على دمج الأهداف التنموية في الاسلوب الذي تتبعه في تشجيع حماية الملكية الفكرية في الدول النامية. وعليها ان تعترف اعترافا واضحا لا لبس فيه بكل من فوائد وتكاليف حماية الملكية الفكرية وبالحاجة أيضا الى تعديل الأنظمة المحلية في الدول النامية للتأكد من أن كفة التكاليف لا تزيد عن كفة الفوائد في هذا المجال. والأمر يعود الى المنظمة العالمية للملكية الفكرية لتقرير ماهية الخطوات الكبيرة اللازم اتخاذها لتحقيق هذه الغاية، ولكن على الأقل يجب ان تتأكد من ان لجنتيها الاستشاريتين تضمان ممثلين عن مجموعة كبيرة من المهتمين بالأمر، وعلاوة على ذلك عليها ان تسعى الى توثيق عرى التعاون مع المنظمات الدولية الأخرى ذات الصلة بالموضوع.

 

اذا تبنّت المنظمة العالمية للملكية الفكرية الاسلوب الذي نقترحه، سيتساءل المرء عما اذا كانت مواد تأسيسها الحالية تسمح القيام بذلك بشكل مشروع. فالأهداف الموضوعة لعدد كبير من المنظمات الدولية هي أهداف عريضة ومتعددة الأوجه، وهي تجيز مرونة كبيرة في التفسير لو رغبت الدول الأعضاء في تغيير نشاطات منظماتها استجابة للظروف المتغيّرة. ولكن بعكس الكثير من تلك المنظمات، للمنظمة العالمية للملكية الفكرية تفويض محدد جدا في دستورها، الا وهو تشجيع حماية الملكية الفكرية في كافة أنحاء العالم بما في ذلك تناغم التشريعات الوطنية. نحن لسنا متأكدين من أنه يمكن تفسير ذلك التفويض بحيث يجيز للمنظمة العالمية للملكية الفكرية بأن تعدّل اسلوبها في التعامل مع الدول النامية ليعكس الحاجة الاقتصادية في تلك الدول لتوفير توازن بين فوائد حماية الملكية الفكرية وتكاليفها.

 

ما لم يكن بامكان الدول الأعضاء في المنظمة العالمية للملكية الفكرية ان تدمج بوضوح الميزان اللازم في عملياتها باعادة تفسير مناسب لمواد تأسيس المنظمة، يتعيّن على تلك الدول الأعضاء في المنظمة ان تراجع مواد تأسيس المنظمة للسماح لها بالقيام بذلك.

 

 

 

 

اتفاقية "تريبس"

 

هناك مداولات كثيرة حول ما اذا كان موضوع اتفاقية "تريبس" يخصّ منظمة التجارة العالمية. يرى بعض المعلقين بأنه لما كانت منظمة التجارة العالمية هي في الأساس منظمة للتجارة الحرة، يجب ان لا يقع التطبيق العالمي لمقاييس الملكية الفكرية، بين الدول الكائنة في مستويات مختلفة جدا من التنمية الاجتماعية والاقتصادية، ضمن صلاحياتها. فهم يجادلون بالقول ان الملكية الفكرية ليست مسألة تجارة، وعلاوة على ذلك، بما ان اتفاقية "تريبس" تفيد بصورة رئيسية الدول المتقدمة، فان مصداقية منظمة التجارة العالمية كأداة لتشجيع التجارة الحرة لمصلحة جميع الدول ستضعف. ومن قادة المؤيدين لذلك الرأي السيد جاغديش باغواتي:

 

"لا تشمل اتفاقية تريبس كسبا متبادلا بل بالأحرى هي تضع منظمة التجارة العالمية في وضع الجامع لايجارات الملكية الفكرية بالنيابة عن الشركات المتعددة الجنسيات. هذه صورة قبيحة لمنظمة التجارة العالمية وبرأي العديد من الناس، ولا سيما برأي المنظمات الأهلية، فهي تعكس "القبض" على منظمة التجارة العالمية من قبل الشركات المتعددة الجنسيات."(10)

 

يواجه الآخرون تلك الحجة بالقول ان حماية الملكية الفكرية كانت دائما جزءا متمما للتجارة وللدبلوماسية التجارية. ومن وجهة النظر هذه تم الاتفاق على اتفاقية "تريبس" نتيجة لمساومة بين الدول ذات السيادة وذلك كجزء من حزمة أكبر من المساومات التجارية التي كان من المنتظر ان تؤول بالمكاسب للجميع. ومع ان جميع الدول النامية لم تشارك في مفاوضات "تريبس"، فهي كانت حرة للمشاركة ام لا وبعض الدول النامية القيادية، وأهمها الهند والبرازيل، شاركت بنشاط في تلك المفاوضات.

 

يبدو لنا انه على الرغم من تاريخ مفاوضات "دورة يوروغواي" وعدم التماثل في القدرات التفاوضية وفي النفوذ بين الدول المتقدمة والدول النامية، من المحتمل ان تبقى اتفاقية "تريبس" جزءا متمما لاطار منظمة التجارة العالمية. وبينما لدينا تحفّظات على تمديد مقاييس "تريبس" لتشمل جميع الدول النامية، اننا نعترف بأنه من غير المحتمل ان يكون أي عضو من أعضاء منظمة التجارة العالمية توّاق لاعادة التفاوض بالاتفاقية. يتخوّف عدد كبير من الأعضاء من انه بالسعي الى احراز تعديلات معيّنة سيترتّب عليهم ان يتنازلوا عن أمور أخرى لن تكون لمصلحتهم. تخضع اتفاقية "تريبس"، مثلها مثل الاتفاقيات الأخرى تحت مظلة منظمة التجارة العالمية، الى مراجعة دورية ويجب الأخذ بعين الاعتبار المقترحات الحقيقية المقدمة لتحسين شروط "تريبس" من أجل افادة الدول النامية. ولكن فيما عدا تلك النقاط العامة، نودّ الوصول الى استنتاجين محددين من الأدلة ومن استشاراتنا بخصوص اتفاقية "تريبس".

 

مساعدة الدول النامية على تنفيذ اتفاقية "تريبس"  

أولا، من الأهمية بمكان عظيم ان يتم أعضاء منظمة التجارة العالمية أعمالهم في توضيح المرونات المتوفرة في اتفاقية "تريبس" بخصوص الصحة العامة وبأنه بامكان الدول النامية الاستفادة من تلك المرونات ومن مرونات أخرى تتيحها لها الاتفاقية. لقد تم سنّ قدر كبير من التشريعات الجديدة بخصوص الملكية الفكرية في الدول النامية منذ عام 1995 وقد عبّر بعض المعلقين (11)  عن قلقهم بأن المرونات المتوفرة بموجب اتفاقية "تريبس" لم يجر استغلالها بالكامل لكي تعكس الحاجات المحلية. لقد وجدنا من خلال بحثنا في القوانين الحالية او في مشاريع القوانين المترتبة على الملكية الفكرية في حوالي 70 دولة نامية ودولة أقل نموا، مثلا، بأن حوالي ربع واحد فقط من تلك الدول تستثني بصورة خاصة النباتات والحيوانات من حماية براءة الاختراع، وأقل من نصف هذا العدد أخذ بالاعتبار الاستنفاد الدولي لحقوق براءات الاختراع وأقل من خمس هذا العدد أخذ بعين الاعتبار بصورة خاصة ما يسمى باستثناء "بولار" لحقوق براءات الاختراع.(12) طبعا، قد تكون هناك أسباب وجيهة لماذا لا ترغب دولة نامية من استغلال مثل تلك المرونات، بعدما تكون قد اتخذت قرارا مدروسا لعدم الاستفادة منها. وقد تكون حرية حركتهم مقيّدة أيضا بسبب التـزامات أخرى، مثل الاتفاقيات الثنائية.

 

ولكن قد يعود السبب أيضا الى كون المسؤولين عن العملية التشريعية لا يدرون بالخيارات المتوفرة لهم، او بالمتضمّنات الكاملة لتلك الخيارات. مثل ما أشرنا في الفصل السابع، تتلقى الدول النامية مساعدات فنية في مجال الملكية الفكرية من مجموعة واسعة من المؤسسات الوطنية والدولية، مثل المكتب الاوروبي لتسجيل براءات الاختراع ومن المكتب الأمريكي لبراءات الاختراع والعلامات التجارية ومن هيئات الملكية الفكرية في الدول المتقدمة. ولكن للمنظمة العالمية للملكية الفكرية، بصفتها المنظمة الدولية المسؤولة عن تشجيع الملكية الفكرية، دور محوريّ في وضع المقاييس في هذا المجال، وذلك عن طريق نماذج قوانينها وطبيعة المساعدات الفنية التي تقدمها. وهكذا فان تعليقاتنا على الموضوع موجّهة كما يجب الى المنظمة العالمية للملكية الفكرية، ولكنها تنطبق أيضا على الهيئات الأخرى العاملة في تقديم النصيحة للدول النامية حول أمور تتعلق بالملكية الفكرية.

 

لقد وجدنا بأنه على الرغم من أن البعض، ولا سيما مكاتب الملكية الفكرية في الدولة النامية، يقدرون حق تقدير المساعدات الفنية التي تقدمها المنظمة العالمية للملكية الفكرية، أبدى عدد من الأفراد والمنظمات قلقا كبيرا من أن المساعدات التي تقدمها المنظمة العالمية للملكية الفكرية لا تتكيّف دائما كما يجب للأخذ بعين الاعتبار ظروف الدولة النامية المعنية.(13) حتى الآن، ان الطبيعة السرية للاستشارات بين المسؤولين في المنظمة العالمية للملكية الفكرية والدول النامية، بالاضافة الى غياب أي بيان سياسي رسمي للمنظمة حول طبيعة مساعداتها الفنية، تجعل من الصعب التقييم ما اذا كان هناك أساس لهذا القلق. وبالاضافة الى ذلك لم تنشر المنظمة العالمية للملكية الفكرية نماذج قوانينها والحواشي التفسيرية لتلك القوانين المترتبة على الملكية الفكرية الأمر الذي كان ليدلّ على مدى توفيرها نصائح تتساوق مع جميع المرونات المتوفرة بموجب اتفاقية "تريبس". وهناك أيضا أدلة تشير الى انه في حالات الاعتراف بالمساعدات التي تقدمها المنظمة العالمية للملكية الفكرية، لم تدخل في النتيجة جميع المرونات المتوفرة بموجب اتفاقية "تريبس". مثلا، جرى انتقاد "اتفاقية بانغوي" لدول المنظمة الأفريقية للملكية الفكرية، التي اعترفت بمساعدة المنظمة العالمية للملكية الفكرية، في شتى الأوساط لأنها ذهبت أبعد من متطلبات اتفاقية "تريبس". فهي تجبر الدول الأعضاء الأقل نموا  (وغالبيتها من المنظمة الأفريقية للملكية الفكرية) التي تصدّق على اتفاقية "تريبس" ان تطبّق بنودها قبل الحاجة الى القيام بذلك؛ وهي تقيّد صدور التراخيص الاجبارية الى حد أكبر مما تتطلبه اتفاقية "تريبس"؛ وهي لا تسمح بوضوح الاستيراد المتوازي؛ وهي تضم عناصر من "الاتحاد الدولي لحماية الأنواع الجديدة من النباتات 1991" في الاتفاقية وهي تنصّ على فترة 70 عاما لحقوق النشر والتأليف بعد وفاة المؤلف.

 

ولكن، أدخلت مؤخرا المنظمة العالمية للملكية الفكرية صفحة على موقع شبكة الانترنت الخاص بها تصف فيها المساعدات التشريعية التي تقدمها فيما يتعلق باتفاقية "تريبس" و "اعلان الدوحة". تعمل تلك المعلومات على التخفيف نوعا ما من هذا القلق. وبالاضافة الى وضع في المتناول نماذج القوانين المترتبة على الملكية الفكرية، تفيد المنظمة العالمية للملكية الفكرية ما يلي:

 

"تأخذ النصيحة التي تقدمها المنظمة العالمية للملكية الفكرية في الحساب جميع المرونات المتاحة للأعضاء تحت اتفاقية "تريبس" بما فيها تلك التي أكّد عليها "بيان الدوحة الوزاري" حول "اتفاقية تريبس والصحة العامة" ("اعلان الدوحة الوزاري"). تأخذ النصيحة التي تقدمها المنظمة العالمية للملكية الفكرية في الحساب الوضع الفريد لكل دولة، خصوصا وان لكل دولة من الدول الأعضاء أنظمتها القانونية المختلفة وبنياتها السياسية والثقافية المختلفة. وتتابع المنظمة العالمية للملكية الفكرية نصيحتها القانونية الخطية بعملية تفاعلية بين المنظمة والمهتمين الرئيسيين في الدول الأعضاء المعنية بالأمر. وسعيا منها الى تقوية عملية تنفيذ اتفاقية "تريبس" خلال السنوات الأربعة الماضية، تشجّع المنظمة العالمية للملكية الفكرية التفاعل بين المهتمين بالأمر على المستوى القومي بحيث تشمل، مثلا، المسؤولين في لجان اصلاح القوانين، وغرف التجارة واتحادات الصناعة، ومؤسسات الأبحاث والتنمية، والبرلمانيين وكبار المسؤولين في وزارات التجارة والزراعة والصحة والعلوم والتكنولوجيا والثقافة والعدل والبيئة، وغيرها من الوزارات."(14)

 

نحن نرحّب ببيان التـزام المنظمة العالمية للملكية الفكرية لتقديم النصيحة الى الدول النامية، تلك النصيحة التي تأخذ في الحساب المرونات المتوفرة بموجب اتفاقية "تريبس"، والظروف الخاصة لكل دولة. وبالاضافة الى ذلك، نعلّق أهمية، مثل ما ذكرنا في الفصل السابق، على العملية الاستشارية الواسعة النطاق في تطوير وتطوّر التشريعات الخاصة بالملكية الفكرية في كل دولة من الدول. مثل تلك الاستشارات هي استشارات أساسية من أجل استنباط قوانين للملكية الفكرية تتمشى مع أهداف التنمية في الزراعة والصحة والصناعة. ومع ذلك، فاننا نرى بأن ذلك ما هو الا بداية للعملية اللازمة لجعل المنظمة العالمية للملكية الفكرية تستجيب استجابة تامة للحاجات المحددة للدول النامية. مثلا، هناك في نظرنا حاجة الى المزيد من العمل على أنموذج القانون الحالي الخاص ببراءات الاختراع للمنظمة العالمية للملكية الفكرية لتتمكن من تقديم أفضل الارشادات حول كيف يمكن للدول النامية ان تستفيد من المرونات التي توفرها اتفاقية "تريبس".(15) قد تدعو الضرورة أيضا الى القيام بتغييرات تنظيمية واجرائية أخرى من أجل وضع السياسات الجديدة هذه موضع التنفيذ. وتحتاج المنظمات الأخرى التي توفر المساعدات الفنية في مجال الملكية الفكرية الى مراجعة سياساتها على الضوء ذاته.

 

يترتب على المنظمة العالمية للملكية الفكرية ان تأخذ الاجراءات لتنفيذ بفعالية سياستها المعلنة الا وهي الاستجابة أكثر الى الحاجة لتكييف نصيحتها الخاصة بالملكية الفكرية مع الظروف الخاصة للدولة النامية المعينة التي تقدم اليها المساعدة. ونحن نوصي أيضا بأن تقوم هي، والحكومة المعنية، باشراك مجموعة واسعة من المهتمين بالأمر في تحضير قوانين الملكية الفكرية داخل الحكومة وخارجها، وأيضا اشراك منتجي ومستعملي الملكية الفكرية. ويجب على الموفرين الآخرين للمساعدات الفنية للدول النامية ان يتخذوا خطوات مماثلة.

 

الجدول الزمني لتنفيذ اتفاقية "تريبس"

 

واستنتاجنا الثاني، فيما يخص اتفاقية "تريبس" هو اننا تناغما مع التحليل الاجمالي في هذا التقرير، لسنا مقتنعين بالحجج المقدمة بأنه يجب على الدول النامية في مراحل مختلفة جدا من النمو ان تتبنى تاريخا محددا (يناير/كانون الثاني عام 2000 للدول النامية، يناير/كانون الثاني عام 2006 للدول الأقل نموا) لوضع مقاييس "تريبس" لحماية الملكية الفكرية في تشريعاتها المحلية، بغض النظر عن التقدم الذي أحرزته في خلق قاعدة تكنولوجية قابلة للحياة. على العكس، نحن نعتقد بأن هناك حججا قوية لتوفير مرونة كبيرة في وضع جدول زمني أمثل لتقوية حماية الملكية الفكرية، تأخذ بعين الاعتبار مستوى التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية للبلاد.

 

هناك في اتفاقية "تريبس" شروط لتمديد الفترة الانتقالية للدول الأقل نموا، وضعها مجلس "تريبس"، مع ان منطق حجتنا ينطبق على مجموعة واسعة من الدول النامية ذات الدخل المنخفض.(16) نحن نرى انه يمكن تحسين اتفاقية "تريبس" باستغلال تلك الشروط للأخذ بعين الاعتبار الحاجات الخاصة للدول الأقل نموا. تحتاج تلك الدول الى وقت أطول لاستنباط أنظمة مناسبة للملكية الفكرية ولتأسيس البنية الاساسية الادارية والمؤسسية اللازمة، بالاضافة الى الأطر التنظيمية اللازمة، بما فيها التشريعات المكملة مثل قانون المنافسة. التحديات هائلة وستتكبّد الدول النامية تكاليف طائلة اذا اندفعت لتأسيس نظام للملكية الفكرية غير مناسب لمستوى تنميتها. وطبعا، تواجه حكومات العديد من الدول الأقل نموا، ولا سيما في دول افريقيا جنوب الصحراء، طلبات فورية أكثر في مجالات مهمة حرجة مثل الصحة والتعليم وتأمين الطعام.

 

نحن لا نعتقد بأن منح الدول الأقل نموا خيار فترة انتقالية أطول لتنفيذ شروط اتفاقية "تريبس" من شأنه ان يضر ماديا بمصالح الدول المتقدمة. بدأ اعلان الدوحة هذه العملية بالموافقة على تمديد الفترة الانتقالية للدول الأقل نموا لتوفير الحماية لبراءات اختراع الادوية الى عام 2016 على الأقل. يبدو لنا من المنطق ان يجري توسيع تمديد الفترة الانتقالية بحيث تشمل تنفيذ اتفاقية "تريبس" ككل. يمكن تنفيذ ذلك بسهولة من قبل مجلس "تريبس" بشكل يمتثل تماما مع الشروط الحالية المنصوص عليها في المادة 66-1 من الاتفاقية. وعلاوة على ذلك، نرى انه يجب على مجلس "تريبس" ان يأخذ في الاعتبار ادخال معايير لتقرير الأساس الذي بناء عليه يتوجب على الدول الأقل نموا ان تطبق التـزاماتها بموجب اتفاقية "تريبس" بعد عام 2016. يجب ان تشتمل تلك المعايير على مؤشرات للتنمية الاقتصادية والقدرات العلمية والتكنولوجية، ذات العلاقة بالمعيار المحدد في المادة وهو "الحاجة الى المرونة لخلق قاعدة تكنولوجية قابلة للاستمرار."(17)

 

يجب منح الدول الأقل نموا فترة انتقالية ممددة لتنفيذ اتفاقية "تريبس" حتى عام 2016 على الأقل. يترتب على مجلس "تريبس" ان يأخذ بالاعتبار ادخال معايير مبنية على أساس مؤشرات التنمية الاقتصادية والتكنولوجية لتقرير الأساس الذي بناء عليه يمكن منح تمديدات اضافية بعد هذا التاريخ. ويجب ان تكون الدول الأقل نموا التي تبنت مقاييس "تريبس" لحماية الملكية الفكرية، حرة لتعديل تشريعاتها اذا رغبت في ذلك خلال الفترة الانتقالية الممددة هذه.

 

الملكية الفكرية في الاتفاقيات الثنائية والاقليمية 

 

لقد سعت الدول المتقدمة، ولا سيما الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي، الى تشجيع الدول النامية للامتثال بالمعاهدات الدولية المتعلقة بالملكية الفكرية، او ان تتبنى مقاييس عالية من الحماية للملكية الفكرية. في الماضي كانوا يمتنعون عن اعطاء الامتيازات التجارية ويطبقون العقوبات التجارية على بعض الدول النامية التي لم تلبي أنظمتها للملكية الفكرية توقعات شركاء تلك الدول في التجارة في العالم المتقدم.(18) في الآونة الأخيرة، تسعى الدول المتقدمة الى الحصول على التـزامات حول مقاييس الملكية الفكرية من عدد متزايد من الدول النامية وذلك في اتفاقيات تجارية ثنائية او اقليمية واتفاقيات استثمارية تتجاوز اتفاقية "تريبس".(19) يقدم الجدول 1:8 أدناه بعض الأمثلة على ذلك.

 

ونحن نقرّ بأنه الى حد ما، للدول المتقدمة اهتمام مشروع في مقاييس الملكية الفكرية التي يطبقها شركاؤهم في التجارة. نحن نرى بأن الاتفاقيات الثنائية والاقليمية أقل تفضيلا الى حد بعيد من المقاييس المتعددة الأطراف، حيث قدرات التفاوض للدول المتقدمة والدول النامية، مع انها تبقى غير مكافئة، تتساوى بالنظر الى الفائدة العددية لصالح الدول النامية والقدرة على بناء التحالفات. وعلاوة على ذلك هناك خطر من ان تقوّض الاتفاقيات الاقليمية/الثنائية النظام المتعدد الأطراف بالحد عموما من استغلال الدول النامية المرونات والاستثناءات التي تمنحها اياها اتفاقية "تريبس". وبوجه خاص يعني "مبدأ الدولة الأكثر رعاية" بأنه يجب ان تعرض الشروط المتفق عليها ثنائيا او اقليميا على جميع الدول الأعضاء في منظمة التجارة الدولية على الأساس ذاته.

 

من غير المعقول التفكير بأن مقاييس الملكية الفكرية ستتوارى تماما من الدبلوماسية التجارية الثنائية والاقليمية. وهكذا، فان الحاجة الملحّة هي ان تتأكد الدول المتقدمة من انسجام أهداف سياستها لمقاييس الملكية الفكرية في الاتفاقيات التجارية الاقليمية/الثنائية مع أهدافها العريضة الا وهي تشجيع التنمية الدولية وتقليل الفقر. ولتحقيق تلك الغاية، نحن نشجّع الدول المتقدمة، مثل ما نشجّع الدول النامية (راجع الفصل السابع)، على اشراك مجموعة واسعة من المهتمين بالأمر، داخل الحكومات وخارجها، على رسم سياستها المتعلقة بالملكية الفكرية. ويجب ان تدخل أيضا في سياسة الملكية الفكرية الاعتبارات التنموية وهذا يجب ان تقوم به الدول المتقدمة مثل الدول النامية. يجب ان لا تجبر الدول النامية على تقبّل حقوق الملكية الفكرية المفروضة عليها من العالم المتقدم، خارج التـزاماتها الحالية بالاتفاقيات الدولية. ويجب ان تأخذ المفاوضات مع الدول المتقدمة التكاليف التي ستتكبدها الدول النامية من تطبيق مقاييس عالية للملكية الفكرية وكذلك الفوائد التي ستجنيها أعمالها التجارية.

 

الجدول 1:8 أمثلة على الاتفاقيات الثنائية التي تتطلب مقاييس "تريبس" وأكثر (20) 

 

الاتفاقية

التاريخ

أمثلة على شروط "تريبس" وأكثر

اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة والأردن

2000

يتعيّن على كل طرف ان يضع موضع التنفيذ شروطا مختارة من معاهدة حقوق النشر والتأليف للمنظمة العالمية للملكية الفكرية ولمعاهدة التمثيل والفونوغرام للمنظمة العالمية للملكية الفكرية وللاتحاد الدولي لحماية الأنواع الجديدة من النباتات (1991). لا يمكن للأطراف ان تستثني النباتات والحيوانات من حماية براءات الاختراع وعليها ان توفر تمديدا لمدة صلاحية براءة الاختراع وذلك للتعويض عن تأخير غير معقول في قبولها من السلطات التنظيمية.

اتفاقية العلاقات التجارية وحقوق الملكية الفكرية بين الولايات المتحدة وكمبوديا

1996

يجب ان ينضم كل طرف الى ميثاق الاتحاد الدولي لحماية الأنواع الجديدة من النباتات وان يمدّ فترة حماية حقوق النشر والتأليف في بعض الحالات الى 75 عاما من النشر او 100 عام من العمل (تتطلب اتفاقية "تريبس" 50 عاما كحد أدنى في الحالتين)، ولن يسمح الطرفان للآخرين بالاعتماد على المعلومات المقدمة لأغراض تنظيمية صيدلية لفترة معقولة من الوقت لن تقل عادة عن 5 سنوات.

اتفاقية العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة وفيتنام

2000

يجب ان لا يستثني الطرفان من حماية براءات الاختراعات التي تشمل أكثر من نوع من الحيوانات او النباتات.

 

وبما انه تم ايلاء أولوية عالية للأهداف التنموية في اطار سياسة الدول المتقدمة (مثل ما تبيّن في الدوحة ومونتري) فمن غير الحكمة ان نجعل سياسة الملكية الفكرية تتأثر بصورة رئيسية بجماعات المصالح الصناعية والتجارية المحلية في الدول المتقدمة، التي تكون رؤيتهم لما هو مناسب للدول النامية متحيّزة الى حد بعيد برؤيتهم لمصالحهم. يجب على الحكومات في الدول المتقدمة ان تشكّل آراءها الخاصة، في ضوء كافة الأدلة، حول كيف يمكن التوفيق بين المصالح التنموية في الدول النامية ومصالحها التجارية. نرى بأن معظم الدول المتقدمة لا تأخذ بعين الاعتبار بشكل كاف أهداف التنمية عندما تصوغ سياساتها بخصوص الملكية الفكرية دوليا. وبوجه التحديد، اننا نعتقد بأنه على الدول المتقدمة ان تتوقف عن استخدام الاتفاقيات الاقليمية والثنائية كوسيلة لاحداث أنظمة ملكية فكرية تستجيب لمتطلبات اتفاقية "تريبس" وأكثر، في الدول النامية كشيء واقع بحكم الطبع.(21) يجب ان تتوفر للدول النامية الحرية للاختيار، ضمن حدود اتفاقية "تريبس"، أنظمة الملكية الفكرية التي تريدها.

 

ومع ان للدول النامية الحق في اختيار الامتثال المتسارع لمقاييس تتجاوز "تريبس" او في تبني مثل تلك المقاييس، اذا كانت من مصلحتها القيام بذلك، الا انه يجب على الدول المتقدمة ان تراجع سياساتها في الدبلوماسية التجارية الاقليمية/الثنائية مع الدول النامية لتتأكد من أنها لا تفرض على الدول النامية مقاييس او جداول زمنية تتجاوز اتفاقية "تريبس".

 

مشاركة الدول النامية

 

المشاركة النشيطة من قبل الدول النامية هي أمر أساسي لتأمين شرعية وضع المقاييس ومناسبتها وصلتها بالدول في كافة مستويات التنمية المختلفة. عكس انجاز الدوحة، من جهة، الواقع ومفاده انه تمكنت الدول النامية من عرض مقترحات متطوّرة محددة بحذر يمكن استيعابها في وضع قواعد منظمة التجارة العالمية. ومن الأمور الواضحة من ذلك، وهو أمر برز من الكثير من اعمالنا الميدانية، هي ان الدول النامية بحاجة الى القدرات للمشاركة بفعالية أكبر في المفاوضات الدولية المتعلقة بالملكية الفكرية على أساس دوري وليس على أساس استثنائي.

 

وللمشاركة بفعالية تحتاج الدول النامية الى مجموعة مؤتلفة من أربعة عوامل وهي: التمثيل الدائم في جنيف؛ وفود من الخبراء بما يكفي لحضور الاجتماعات والمفاوضات؛ دعم فني كافي لتحليل السياسة؛ وآليات فعّالة لتنسيق السياسة واجراء المحادثات في العواصم المختلفة. تناولنا في الفصل السابع موضوع الحاجة الى "تحالف" أكبر في رسم السياسة في الدول النامية والى المتطلب الحرج لتطوير الخبرات في رسم السياسة المتعلقة بالملكية الفكرية في مؤسساتها الوطنية. نتناول هنا المسألتين الاخرتين.

 

التمثيل الدائم في جنيف    

التمثيل الدائم في جنيف مهم لتأمين حسن تدفق المعلومات الى العواصم؛ وللاشتراك في المشاورات والمفاوضات غير الرسمية؛ ولبناء التحالفات مع الدول من نفس الرأي او التفكير؛ وللاستحقاق في رئاسة الاجتماعات؛ وللحصول على الخدمات والمساعدة التي توفرها الأمانات العامة. ثمة دراسة أخيرة طلبتها "الأمانة العامة للكومنولث" (22) وجدت بأن هناك 36 دولة نامية، اما منتسبة لمنظمة التجارة العالمية او على وشك الانتساب، ليس لديها تمثيل دائم في جنيف لأنه لا يمكنها تحمّل تكاليف تأسيس وادارة بعثة لها هناك.(23) وأظهر تحليلنا بأن 20 دولة من 45 دولة من الدول الأقل نموا المنتسبة اما الى المنظمة العالمية للملكية الفكرية او لمنظمة التجارة العالمية، او هي في مرحلة الانتساب الى منظمة التجارة العالمية، هي حاليا بلا تمثيل دائم في جنيف. وحيث تكون الدول النامية ممثلة تمثيلا دائما في جنيف، فان عدد ممثليها هو معدل نصف عدد ممثلي الدول المتقدمة.(24) هناك ازدواجية بين الدول النامية في قدراتها على المشاركة. ما بين 30 و 35 دولة نامية، من بينها البرازيل ومصر والهند وبعض الدول الأقل نموا مثل بنغلاديش، هي مشاركات فعالة ونشيطة في منظمة التجارة العالمية وفي المنظمة العالمية للملكية الفكرية وبالتالي فهي تمارس نفوذا على عمليات صنع القواعد في تلك المنظمات. اما باقي الدول النامية، بما فيها عدد كبير من الدول الأقل نموا، فهي حاليا لا أكثر من مجرد مشاهدة في مداولات منظمة التجارة العالمية وفي المنظمة العالمية للملكية الفكرية، هذا ان كانت ممثلة هناك بالفعل.

 

الوفود الخبيرة

 

مثاليا، يتعيّن على الدول النامية ان ترسل وفودا خبيرة من عواصمها لحضور المفاوضات والاجتماعات الدولية حول شتى مواضيع الملكية الفكرية. بالنسبة لمعظم الدول النامية فان المانع الرئيسي لذلك الحضور هو الافتقار الى الموارد المالية لتسديد تكاليف السفر، على الرغم من المساعدات المالية التي تقدمها المنظمة العالمية للملكية الفكرية.(25) وحتى عندما تحضر الوفود من العواصم قد تكون خبرتها محدودة في ادارة حقوق الملكية الفكرية مقابل معرفتها بالملكية الفكرية كأداة من أدوات سياسة التنمية. من المفيد، باعتقادنا، لو تمكن عدد أكبر من الدول النامية من شمل الخبراء في الاقتصاد والصحة والبيئة والزراعة في وفودها في الاجتماعات والمفاوضات المتعلقة بالملكية الفكرية ذات الصلة بالموضوع.

 

نعتقد بأن المسألة هذه مسألة مهمة، قد تكون لها عواقب سيئة ان لم تجر معالجتها. بعض المنظمات المانحة تدعم مبادرات هامة مبنية على أساس مشاريع.(26) وهناك عدد من الدول النامية تقوم بتقدم هام (مثلا فتحت بوتسوانا بعثة لها في جنيف في عام 2001 وهي تحضر الآن بانتظام اجتماعات مجلس "تريبس"). ولكن هناك الشيء الكثير الذي يتوجب عمله قبل ان نرى تحسنا كبيرا بالنسبة لعدد كبير من الدول النامية.

 

نقدم أدناه توصيتين الغاية منهما رفع مشاركة الدول النامية في وضع المقاييس الدولية للملكية الفكرية. تهدف التوصية الاولى الى تأمين اتاحة الفرصة للدول النامية الفقيرة، ولا سيما الدول الأقل نموا، لارسال ممثلين من عواصمها الى الاجتماعات الهامة للمنظمة العالمية للملكية الفكرية ولمجلس "تريبس" من منظمة التجارة العالمية. نحن نقترح بأنه يمكن تحقيق ذلك، بسهولة نسبيا ومن دون كلفة طائلة، بتوسيع مشروع الاعانات المالية الحالي الذي تديره المنظمة العالمية للملكية الفكرية ليشمل بعض الاجتماعات. يجب توجيه المشروع الجديد بصورة رئيسية نحو الدول الأقل نموا، لأنها ممثلة أقل من غيرها في جنيف وهي تواجه أقصى القيود المالية التي تحول دون ارسال وفود الى المفاوضات والاجتماعات الدولية للملكية الفكرية. ولكن يجب ان يكون المشروع متاحا أيضا لجميع الدول النامية ذات الدخل المنخفض.

 

يجب على المنظمة العالمية للملكية الفكرية ان توسع مشاريعها الحالية لتمويل ممثلين من الدول النامية حتى تكون الدول النامية ممثلة بفعالية في جميع الاجتماعات الهامة التي تعقدها المنظمة العالمية للملكية الفكرية ومنظمة التجارة العالمية والتي تؤثر على مصالحها. ويترك الأمر للمنظمة العالمية للملكية الفكرية وللدول الأعضاء فيها للبت بكيفية القيام بذلك بفعالية وتمويله من ميزانية المنظمة العالمية للملكية الفكرية نفسها.

 

وتهدف التوصية الثانية التي نقوم بها الى تحسين جودة المشاركة من قبل الدول النامية التي قد يفتقر ممثلوها الى الخبرات عامة والخبرة خاصة في وضع المقاييس الدولية للملكية الفكرية وفي فحص العلاقة بين الملكية الفكرية والمصالح الوطنية، والذين قد لا يكونوا على المام ببعض المواضيع الفنية الجاري مناقشتها في المنظمة العالمية للملكية الفكرية وفي مجلس "تريبس". لمخاطبة تلك المسألة، نحن نقترح احداث منصبين دائمين لمستشارين في الملكية الفكرية (منصب للملكية الصناعية وآخر لحقوق النشر والتأليف والتأليف والمعرفة التقليدية ومواضيع الملكية الفكرية الأخرى) في مقر مؤتمر الأمم المتحدة حول التجارة والتنمية في جنيف. وبعد دراسة حذرة نعتقد بأن مؤتمر الأمم المتحدة حول التجارة والتنمية هو في أفضل وضع للنهوض بهذا الدور لأن لديه تفويض واسع لتقديم المساعدات الفنية والقيام بالأبحاث ليس فقط بخصوص الملكية الفكرية بل على كامل طيف التجارة والأمور التنموية. ويبدو لنا أيضا، وهذا على جانب كبير من الأهمية، ان مؤتمر الأمم المتحدة حول التجارة والتنمية يتمتع بثقة الدول النامية التي من المحتمل ان تشكّل الزبائن الرئيسيين لمثل تلك الخدمة. وفي الواقع، هناك سابقة واضحة لهذا التدبير اذ قام مؤتمر الأمم المتحدة حول التجارة والتنمية مؤخرا باحداث منصب مشابه من أجل الدول النامية في مفاوضات "التجارة في الخدمات" لمنظمة التجارة العالمية، بفضل مساعدات من إدارة التنمية الدولية البريطانية.

 

يجب على مؤتمر الأمم المتحدة حول التجارة والتنمية ان يحدث منصبين جديدين لمستشارين في الملكية الفكرية وذلك لتوفير النصيحة للدول النامية في المفاوضات الدولية حول الملكية الفكرية. ويجب على إدارة التنمية الدولية البريطانية ان تفكّر في تقديم التمويل المبدئي للمنصبين كاجراء تابع لتمويل مؤتمر الأمم المتحدة حول التجارة والتنمية من أجل مشاريع حالية ذات علاقة باتفاقية "تريبس".

 

نود التأكيد بأن تلك التدابير غير معدة لتحل محل تقوية القدرات الادارية والتحليلية ذات العلاقة بالملكية الفكرية ضمن المؤسسات الوطنية في الدول النامية. في الواقع، نود بأن تدعم هذه التوصيات تلك التوصيات التي تقدمنا بها في الفصل السابع.

 

دور المجتمع المدني

 

لقد أعجبنا مؤخرا بمدى ونفوذ نشاطات المنظمات الأهلية في الملكية الفكرية. نحن نعتقد بأن المنظمات الأهلية أي غير الحكومية قد ساهمت ويمكنها ان تساهم في المستقبل في ابداء قلق ومخاوف الدول النامية. كانت حملات التوعية التي شنتها المنظمات الأهلية العاملة في مجال التنمية والصحة عوامل مهمة في دعم الدول النامية في مفاوضات اعلان الدوحة الوزاري. وفي ميادين الزراعة والموارد الجينية والمعرفة التقليدية، لعبت بعض المنظمات الأهلية دورا مهما في تسليط الأضواء على وتحليل القضايا التي تقلق الدول النامية.

 

طبعا هناك تفاوت واسع جدا داخل مجتمع المنظمات الأهلية من حيث المصالح التي تمثلها، وميزان النشاطات بين التأييد والأبحاث ومدى ارتفاع أصواتها في تمثيل مصالحها. لقد أثيرت أسئلة مشروعة حول من تمثّل المنظمات الأهلية ومن يحاسبها. أحيانا، نعتقد بأن هناك حاجة الى اتباع اسلوب أكثر دقة في بعض القضايا. ولكن لا يمكننا ان ننكر الواقع وهو ان المنظمات الأهلية قد رفعت صورة قضايا الملكية الفكرية وان لدى البعض منها خبرات أوسع في هذا المضمار من العديد من المسؤولين في الدول النامية. المهم هو التأكد من ان الدور الذي تلعبه المنظمات الأهلية هو دور بنّاء يقدّر مصالح الدولة النامية وان تمنح تلك المنظمات دورا مناسبا في الحوار الدولي حول تلك المواضيع.

 

وهناك قلق أيضا يساور البعض من قيام بعض المنظمات الأهلية بالعمل بمثابة "ممثلين بالنيابة" عن حكومات الدول النامية في الحوار الدولي. ولكن يشير الآخرون بأن الدول النامية تحسن اختيار، او يجب ان تحسن اختيار، المنظمات الأهلية التي تريد المساعدة منها. ومهما كان شكل هذا الدعم، من الأهمية ان تتوفر الامكانية والمساعدة للدول النامية لتحديد مصالحها ووضعها للمداولة. ونحن نعتقد بأن مصالح الدول النامية تخدم على أفضل وجه اذا توفرت لها مجموعة منوعة من الموارد التي يمكنها ان تستعين بها لمساعدتها في رسم سياستها الخاصة بالملكية الفكرية والمشاركة في المفاوضات.

 

المنظمات الأهلية هي أحد مصادر تلك المساعدة، ولكن الدور الذي تؤديه حاليا يعكس الواقع وهو انها تملأ فجوة الى حد ما. ونحن نرى، مثل ما ذكرنا اعلاه، انه من المهم ان تدرك المصادر الأخرى لتلك المساعدة، ولا سيما المؤسسات المهتمة مثل منظمة الصحة العالمية او منظمة الأغذية والزراعة، كيف يمكنها ان تجعل نصيحتها الأساسية ومساعداتها الفنية تتماشى مع حاجات الدول النامية في مجال الملكية الفكرية. وفي الوقت نفسه، يمكن تحقيق دور بناء أكبر للمنظمات الأهلية، بالاضافة الى المجتمعات المدنية الأخرى، باعطائها فرصا كبيرة للمساهمة في المداولات.       

 

على منظمة التجارة العالمية والمنظمة العالمية للملكية الفكرية ان تزيد الفرص لمنظمات المجتمع المدني لكي تلعب أدوارها المشروعة بشكل بنّاء على قدر الامكان. مثلا، يمكن القيام بذلك بدعوة المنظمات الأهلية والمجموعات المدنية المعنية الأخرى الى الجلوس في اللجان الاستشارية المناسبة، أو مراقبة أعمالها، وبتنظيم حوارات عامة منتظمة حول المواضيع الراهنة التي يمكن ان تشارك فيها المنظمات الأهلية.

 

تعميق الفهم بالملكية الفكرية وبالتنمية

 

تتطوّر القواعد الدولية الخاصة بالملكية الفكرية بسرعة كبيرة. مثل ما ذكرنا في الفصل الخامس، أتمت المنظمة العالمية للملكية الفكرية، بعد عام او نحو ذلك من الاتفاق على اتفاقية "تريبس"، معاهدتين دوليتين جديدتين بخصوص حقوق النشر والتأليف وشبكة الانترنت. لجنة الملكية الفكرية والموارد الجينية، المتشكلة من عدة حكومات، تعالج المعرفة التقليدية والفولكلور في المنظمة العالمية للملكية الفكرية. وفي الآونة الأخيرة بدأ أعضاء المنظمة العالمية للملكية الفكرية بالتركيز على مستقبل نظام براءات الاختراع على المستوى الدولي. ومع تطوّر القواعد من الأهمية الادراك بتأثيرها الحقيقي والمحتمل ادراكا تاما حتى يتم بناء السياسة على أساس متين من الأدلة وأقل على الانطباعات المسبقة لقيمة او عدم قيمة تلك القواعد بالنسبة للدول النامية.

 

للتحدي ناحيتان. أولا، مثل ما قلنا هناك حاجة الى المزيد من الأدلة حول تأثير ادخال حماية قوية للملكية الفكرية في الدول النامية، ولا سيما تلك ذات الدخل المنخفض، التي تفتقر الى قاعدة تكنولوجية قابلة للحياة. ثانيا، ان نطاق القضايا البارزة حيث هناك حاجة الى تحليل وفهم العلاقة بين حماية الملكية الفكرية والحاجات التنموية، هو نطاق واسع جدا. مثلا، قد تشتمل عيّنة من مجرد بعض المواضيع على جدول الأعمال على مدى الخمسة الى العشرة سنوات القادمة ما يلي:

 

·                   نتائج التنفيذ التام لاتفاقية "تريبس" على العالم النامي، بما في ذلك الشروط المتعلقة بالتطبيق القانوني

 

·                   متضمنات الحركة باتجاه توافق ودمج أنظمة براءات الاختراع على المستوى الدولي.

 

·                   تأثير براءات الاختراع وحقوق الملكية الفكرية الأخرى في مجالات التكنولوجيا الجديدة او المتقدمة بسرعة، مثل التكنولوجيا الاحيائية وبرامج الحاسب الآلي.

·                   تأثير الحصول على المعلومات المهمة للتنمية من شبكة الانترنت، بما في ذلك الحماية التكنولوجية لدور النشر ولغيرها من مزودي المعلومات، والتشريعات المناهضة للالتفاف حول الحماية. وبالاضافة الى ذلك، هناك أمور حول كيفية الاستجابة عندما تحاول الدول اتخاذ اجراءات قانونية ضد المزودين الأجانب للمعلومات من أجل التأثير على الطريقة التي يوزع فيها مزوّدو المعلومات تلك المعلومات على شبكة الانترنت.

 

·                   النماذج البديلة لحماية حقوق الملكية الفكرية المناسبة للدول النامية

 

·                   الطريقة الفضلى لبناء القدرات لرسم سياسة الملكية الفكرية وادارتها وتطبيقها في الدول النامية – وكيف يمكن للمنظمات المانحة ان تقدم الدعم بفعالية أكبر.

 

في الوقت الحاضر تقوم منظمات من القطاع العام والخاص برعاية الأبحاث الخاصة بالملكية الفكرية وبالقيام بها - الجامعات، والمنظمات الأهلية، والمنظمات الصناعية، ومعاهد الملكية الفكرية، ووكالات التنمية. تقوم المنظمة العالمية للملكية الفكرية بتكليف دراسات حول مواضيع معيّنة (مثلا، أتمت برنامجا مفيدا جدا من الدراسات في مجال المعرفة التقليدية) وأوراق بحث بين الحين والآخر، ولكننا نتعجب من انها لا تدعم برنامج أبحاث كبير وواسع موجه تجاه المواضيع الناشئة في ذلك المجال. تركّز الأكاديمية العالمية النطاق للمنظمة العالمية للملكية الفكرية حاليا وبصورة رئيسية على التدريب، ولكن الأبحاث هي جزء من صلاحياتها. نحن نرى فائدة في قيام المنظمة العالمية للملكية الفكرية ببناء أعمال الأبحاث الأكاديمية وذلك كوسيلة لتنوير نفسها وتنوير أعضائها، حول تأثير الملكية الفكرية على الدول النامية على مستويات مختلفة من نموها. ومثل ما ذكرنا سابقا، هناك القليل من الأبحاث التي توجه الى الدول النامية ذات الدخل المنخفض؛ وحتى أقل من ذلك تقوم به منظمات الدول النامية نفسها كجزء من البرامج على المستوى القومي.

 

ونحن نعتقد بأن النظام لن يتحسّن من منظور تنموي الا اذ قمنا بتطوير فهم عميق للعلاقة بين الملكية الفكرية والتنمية. من الأهمية، اذا، ان تواجه جماعة منظمات الأبحاث والممارسين حول العالم هذا التحدي. وهناك بكل تأكيد حاجة الى المزيد من الأبحاث وجمع المعلومات عن قضايا معينة في البلاد في مواضيع مثل تلك التي أتينا على ذكرها أعلاه. ولكن لائحة المواضيع هذه ليست لائحة كاملة. وفيما عدا مسائل الموارد وأولويات الأبحاث، اننا نعتقد بأنه هناك فوائد أيضا من تعاون أكبر وتنسيق في هذا المجال بين المنظمات الراعية للأبحاث والممارسين في الدول النامية والدول المتقدمة.

وما يدور في ذهننا هو استئناف مبادرة لتشكيل شبكة دولية ومشاركة تجلب معا وكالات التنمية وحكومات الدول النامية والبحاث في الملكية الفكرية والمنظمات الأهلية. الأهداف هي تحديد الأولويات وتشجيع التنسيق في برامج الأبحاث؛ وتحسين تقاسم المعرفة بين الشركاء؛ وتسهيل التوزيع الواسع للنتائج عن طريق رعاية النشرات والمؤتمرات وشبكة الانترنت. ويمكن للجنة توجيهية ان تشرف على عمليات المبادرة ويمكن تشكيل جماعات عمل حول مواضيع معيّنة. ربما تحتاج المبادرة الى أمانة عامة صغيرة لتكون فعالة ولكن مثاليا يمكن ادخالها في احدى المنظمات المشاركة.

 

يجب ان توفر المنظمات الراعية للأبحاث، بما فيها المنظمة العالمية للملكية الفكرية، الأموال لدعم الأبحاث الاضافية حول العلاقة بين الملكية الفكرية والتنمية في المواضيع التي حددناها في تقريرنا. ويمكن تأسيس شبكة دولية ومبادرة شراكة بين المنظمات الراعية للأبحاث، وحكومات الدول النامية، ووكالات التنمية والمنظمات الأكاديمية في مجال الملكية الفكرية، ان يساعد في تحديد وتنسيق أولويات الأبحاث، وتقاسم المعرفة وتسهيل التوزيع الأوسع للنتائج. وفي المرحلة الاولى نحن نوصي بأن تأخذ إدارة التنمية الدولية البريطانية، بالتعاون مع الآخرين، تعريف مثل تلك المبادرة وأخذها الى الأمام.

 

___________________________________________________________________________________________________

(1) UNCTAD/ICTSD (2001)، "حقوق الملكية الفكرية والتنمية"، مؤتمر الأمم المتحدة حول التجارة والتنمية، جنيف، الصفحات 57-62. المصدر: http://www.ictsd.org/unctad-ictsd/outputs/policypaper.htm

(2) راجع المربّع 1:0 في "النظرة العامة" حول اتفاقية "تريبس".

(3) المنظمة العالمية للملكية الفكرية (2001) "مشروع برنامج تمت مراجعته والميزانية 2002-2003". المنظمة العالمية للملكية الفكرية، جنيف. المصدر:

http://www.wipo.org/eng/document/govbody/budget/2002 03/rev/pdf/introduction.pdf

(4) مؤتمر تأسيس المنظمة العالمية للملكية الفكرية، كما جرى تعديله في عام 1979، المادتان 3 و 4. المصدر:

http://www.wipo.int/clea/docs/en/wo/wo029en.htm

(5) موقع الانترنت للمنظمة العالمية للملكية الفكرية. المصدر: http://www.wipo.int/about-wipo/en/dgo/abstract ip pub.htm

(6) راجع المادة 4 من الميثاق.

(7) مقتطفات من اعلان المنظمة العالمية للملكية الفكرية، المنظمة العالمية للملكية الفكرية، (2000). المصدر:

 http://www.wipo.int/about-wipo/en/

(8) مثلا، مراقبو المنظمات الأهلية الدولية في اجتماعات المنظمة العالمية للملكية الفكرية هم في الغالبية من الجماعات الصناعية. راجع وثيقة المنظمة العالمية للملكية  الفكرية الرقم A/36/INF/3 (3 اكتوبر/تشرين الأول 2001). المصدر:

 content frame=/news/en/conferences.html http://www.wipo.int/news/en/index.html?wipo

(9) هذه هي أيضا وجهة نظر منظمة الصحة العالمية والاتحاد الاوروبي، اللتين أصدرتا بيانا مشتركا في أعقاب اجتماع في بروكسل في 6 يونيو/حزيران عام 2002 تقولان فيه: "ستسعى منظمة الصحة العالمية الى التعاون عن كثب، حيث يكون مناسبا، مع منظمة التجارة العالمية والمنظمة العالمية للملكية الفكرية في تقديم المساعدات الفنية الى الدول النامية المنفذة لاتفاقية "تريبس" تمشيا مع اعلان الدوحة". المصدر:

http://www.who.int/inf/en/pr-2002-45.html

(10) J. Bhagwati (2000) "ما الواجب عمله لجلب الدول النامية الى الجولة الجديدة من المفاوضات التجارية المتعددة الأطراف"، جامعة كولمبيا، نيويورك، الصفحة 21. المصدر: http://www.dfait-maeci.gc.ca/eet/02-e.pdf

(11) مثلا، C. Correa (2000) "حقوق الملكية الفكرية، منظمة التجارة العالمية والدول النامية، اتفاقية تريبس والخيارات السياسية"، زد بوكس، نيويورك وشبكة العالم الثالث، بينانغ.

(12) راجع P. Thorpe (2002) "تنفيذ اتفاقية تريبس من قبل الدول النامية"، وثيقة خلفية أعدتها اللجنة 7، لندن. المصدر: http://www.iprcommission.org

(13) مؤتمر نظمه "أطباء بلا حدود" و "سي بي تك" و "اتش ئي آي" و "اكسفام"، "تنفيذ اعلان الدوحة حول اتفاقية تريبس والصحة العامة: المساعدات الفنية – كيفية الانجاز صحيحا"، 28 مارس/آذار 2002، جنيف. المصدر: http://www.haiweb.org/campaign/access/Report/PostDoha.pdf

(14) المصدر: http://www.wipo.int/cfdiplaw/en/trips/index.htm

(15) مع ان القانون النموذجي المحدّث سيكون بكل تأكيد تحسينا على النسخة السابقة التي رأيناها، لكنه لا زال لا يخاطب بدقة لا في النص ولا في التعليق المرافق له بعض القضايا الرئيسية. تشمل هذه صلاحية التسجيل ببراءة برامج الحاسب الآلي، او المواد الاحيائية مثل الجينات او المواد الموجودة سابقا في الطبيعة. نحن نقترح، مثلا، بأن يقوم القانون بتسليط الأضواء، على الأقل في التعليق المرافق، على المواقف المختلفة المتخذة أيضا في قضايا أخرى مثل حقوق المزارع، وحقوق نسل المواد المسجلة ببراءة وغيرها من الاستثناءات لحقوق براءات الاختراع مثل الاستخدامات التعليمية. يمكن مناقشة أيضا شتى الأسس التي بناء عليها تمنح بعض الدول التراخيص الاجبارية، رهن طبعا بأية تقييدات ضرورية من حيث تضاربها المحتمل مع الاتفاقيات الدولية. وقد تشمل القضايا الأخرى التي يمكن مخاطبتها علنا التفسيرات المحتملة للبدعة والخطوة الابتداعية والتطبيق الصناعي (راجع الفصل السادس) والافصاح عن منشأ المادة الاحيائية (الفصل الرابع).

(16) المادة 66-1 من اتفاقية "تريبس".

(17) راجع S. Lall  و M. Albaladejo  (2001) "مؤشرات للأهمية النسبية لحقوق الملكية الفكرية في الدول النامية"، UNCTAD/ICTSD، جنيف. المصدر: http://www.ictsd.org/unctad-ictsd/docs/Lall2001.pdf . يقدم هذا التقرير شتى التدابير للقدرات العلمية والفنية في الدول النامية.

(18) P. Drahos (2001) "الدول النامية ووضع مقاييس الملكية الفكرية الدولية"، وثيقة خلفية أعدتها اللجنة 8، لندن. المصدر: http://www.iprcommission.org

(19) ينصّ قانون التجارة لعام 2002 (الصلاحية السريعة)، HR3009، على ما يلي:

"أهداف المفاوضات الرئيسية للولايات المتحدة فيما يتعلق بالملكية الفكرية ذات العلاقة بالتجارة هي:

(أ) تشجيع الحماية الكافية والفعالة لحقوق الملكية الفكرية، بما في ذلك عن طريق

 اولاً: (1) تأمين التنفيذ السريع والكامل للاتفاقية حول النواحي التجارية من حقوق الملكية الفكرية المشار اليها في القسم 101(د)(15) من قانون الاتفاقيات في دورة يوروغواي (19 يو اس سي 113511(د)(15)، ولا سيما فيما يتعلق بتلبية التـزامات التطبيق بموجب الاتفاقية؛

     (2) تأمين بأن شروط أية اتفاقية تجارية متعددة الأطراف او ثنائية مترتبة على حقوق الملكية الفكرية التي تدخل فيها الولايات المتحدة تعكس مقياسا من الحماية شبيه بذلك الموجود في القانون الأمريكي؛

ثانيا:  توفير حماية قوية للتكنولوجيات الجديدة والناشئة وأساليب جديدة لنقل وتوزيع المنتجات الشاملة للملكية الفكرية؛

ثالثاً:  منع او ازالة التمييز بالنسبة للأمور التي تؤثر على توفّر وحيازة وصيانة واستخدام وتطبيق حقوق الملكية الفكرية؛

رابعاً: تأمين بأن مستويات الحماية والتطبيق تجاري التطورات التكنولوجية وتأمين بصورة خاصة حيازة أصحاب الحقوق الوسائل القانونية والتكنولوجية للتحكم باستخدام أعمالهم عن طريق شبكة الانترنت ووسائل الاتصالات العالمية الأخرى، ومنع الاستخدام غير المرخّص لأعمالهم؛

خامساً: وتوفير تطبيق قوي لحقوق الملكية الفكرية، آليات ادارية مدنية وتطبيق جنائي سهل الوصول اليها وسريعة وفعالة؛

(ب) تأمين فرص منصفة وعادلة  وغير تمييزية للوصول الى السوق من قبل الرعايا الأمريكيين الذين يعتمدون على حماية الملكية الفكرية؛

(ج) واحترام اعلان اتفاقية تريبس والصحة العامة، التي تبنتها منظمة التجارة العالمية في المؤتمر الوزاري الرابع في الدوحة، قطر في 14 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2001. المصدر: http://waysandmeans.house.gov/

(20) اتفاقية بين الولايات المتحدة الأمريكية ومملكة كمبوديا حول العلاقات التجارية وحماية حقوق الملكية الفكرية (المصدر:

http://199.88.185.106/tcc/data/commerce html/tcc documents/cambodiatrade.html  )؛ اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة والأردن (المصدر: http://www.ustr.gov/regions/eu-med/middleast/textagr.pdf اتفاقية العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة وفيتنام (المصدر: http://www.ustr.gov/regions/asia-pacific/text.pdf) .

(21) هذه هي السياسة الحالية للممثل التجاري للولايات المتحدة كما هو ظاهر في قانون التجارة لعام 2002.

(22) J. Weekes وغيره (2001) "دراسة حول مساعدة وتمثيل الدول النامية التي ليس لديها تمثيل دائم في منظمة التجارة العالمية في جنيف"، الأمانة العامة للكومنولث، لندن.

(23) قدّرت الأمانة العامة للكومنولث الكلمة الاجمالية لتأسيس وادارة بعثة قوامها بين 3 و 4 أشخاص في جنيف بمبلغ 340 ألف دولار أمريكي تقريبا.

(24) C. Michalopoulos (2001) "الدول النامية في منظمة التجارة العالمية"، بالغريف، لندن.

(25) قررت اجتماعات الاتحادات المؤسسة بموجب معاهدة التعاون في براءات الاختراع واتفاقية مدريد، وبموجب معاهدين تديرهما المنظمة العالمية للملكية الفكرية، تمويل سفر ونفقات معيشة موظف حكومي واحد من كل دولة عضو الى اجتماعاتها في دوراتها العادية او الاستثنائية. وبالاضافة الى ذلك، وفي أعقاب قرار اتخذته اجتماعات الدول الأعضاء في المنظمة العالمية للملكية الفكرية في عام 1999، ترعى المنظمة العالمية للملكية الفكرية مشاركة 26 موظفا حكوميا من مختلف الدول النامية والدول الكائنة في المرحلة الانتقالية (خمسة من كل من أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية والبحر الكريبي والدول العربية وبعض الدول في آسيا واوروبا علاوة على شخص واحد من الصين)وذلك في اجتماعات عدد مختار من اللجان (التي تتعاطى ببراءات الاختراع والعلامات التجارية وحقوق النشر والتأليف او التأليف والمعرفة التقليدية). راجع M. Leesti و T. Pengelly (2002) "مسائل مؤسسية للدول النامية في رسم سياسة الملكية الفكرية وادارتها وتطبيقها"، وثيقة خلفية أعدتها اللجنة 9، لندن، الحاشية 17. المصدر: http://www.iprcommission.org

(26) مثلا، يقوم حاليا مؤتمر الأمم المتحدة حول التجارة والتنمية، بالتعاون مع المركز الدولي للتجارة والتنمية القابلة للاستمرار"، بتنفيذ مشروع لتوفير الدول النامية بكتيّب عن تنفيذ اتفاقية "تريبس" وعن المراجعات القادمة للاتفاقية. تقوم إدارة التنمية الدولية البريطانية بتمويل المشروع.  راجع M. Leesti و T. Pengelly (2002)، الصفحات 39-41. 


تلخيص الأسماء

 

AIDS             -        ظاهرة نقص المناعة المكتسبة     

ARIPO            -        منظمة الملكية الصناعية الأفريقية الأقليمية

ARV              -        مضاد ارتجاع الفيروس                  

CBD              -        ميثاق التنوّع الاحيائي

CGIAR            -        المجموعة الاستشارية للأبحاث الزراعية الدولية

CMH             -        اللجنة المختصة بالاقتصادات الكبرى والصحة (منظمة الصحة العالمية)

DFID             -        إدارة  التنمية الدولية البريطانية

DMCA           -        قانون حقوق النشر والتأليف للألفية الرقمية

EPO               -        المكتب الاوروبي لتسجيل براءات الاختراع

EU                -        الاتحاد الاوروبي

FAO              -        منظمة الأغذية والزراعة (الأمم المتحدة)

FDA              -        ادارة الأغذية والعقاقير (الولايات المتحدة)

GATT            -        الاتفاقية العامة حول التعرفة والتجارة

GI                 -        المؤشرات الجغرافية

GM               -        المواد المعدّلة جينيا

GSK              -        غلاسكو سميث كلاين بي ال سي

HIV               -        فيروس نقص المناعة البشرية

ICTSD            -        المركز الدولي للتجارة والتنمية القابلة للاستمرار

IFAD             -        الصندوق الدولي للتنمية والزراعة

IP                 -        الملكية الفكرية

IPC               -        التصنيف الدولي لبراءات الاختراع

IPGRI             -        المعهد الدولي لموارد جينات النباتات

IPRs              -        حقوق الملكية الفكرية

ITPGR            -        المعاهدة الدولية حول موارد النباتات الجينية

IUPGR            -        التعهّد الدولي حول موارد النباتات الجينية

LDC              -        الدول الأقل نموا

MRC              -        مجلس الأبحاث الطبية (المملكة المتحدة)

MSF              -        أطباء بلا حدود

NGO              -        منظمة أهلية (أي غير حكومية)  

NIH               -        مؤسسات الصحة الوطنية (الولايات المتحدة)

OAPI             -        المنظمة الأفريقية للملكية الفكرية

OAU              -        منظمة الوحدة الأفريقية

OECD             -        منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية

PBR               -        حقوق مربي النباتات

PCT               -        معاهدة التعاون في براءات الاختراع

PIC               -        الموافقة المدروسة مسبقا

PVP               -        حماية تنوّع النباتات

R&D              -        الأبحاث والتنمية

SME              -        المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم

STD              -        الأمراض المنقولة جنسيا

TB                -        داء السل

TK                -        المعرفة التقليدية

TKDL             -        المكتبة الرقمية للمعرفة التقليدية

TRIPS            -        الاتفاقية حول النواحي التجارية من حقوق الملكية الفكرية (تريبس)

UN                -        الأمم المتحدة

UNAIDS          -        برنامج الأمم المتحدة المشترك حول فيروس نقص المناعة البشرية/الايدز

UNCTAD         -        مؤتمر الأمم المتحدة حول التجارة والتنمية

UNDP            -        برنامج التنمية للأمم المتحدة

UNESCO         -        منظمة التربية والعلم والثقافة التابعة للأمم المتحدة

UNIDO           -        منظمة التنمية الصناعية التابعة للأمم المتحدة

UPOV             -        الاتحاد الدولي لحماية الأنواع الجديدة من النباتات

USDA            -        وزارة الزراعة الأمريكية

USPTO           -        المكتب الأمريكي لبراءات الاختراع والعلامات التجارية

WHO             -        منظمة الصحة العالمية    

WIPO             -        المنظمة العالمية للملكية الفكرية

WTO             -        منظمة التجارة العالمية

 

 


شرح الكلمات

 

القرصنة الاحيائية (Biopiracy): لا يوجد تعريف مقبول لكلمة "القرصنة الاحيائية". تعرّف "مجموعة العمل حول انجراف التربة والتكنولوجيا وتركيز الشركات" (ETC Group) على انها "الاستيلاء على المعرفة وعلى المواد الجينية الخاصة بالجماعات الزراعية والأهلية القديمة من قبل أفراد او مؤسسات تسعى الى التحكم الاحتكاري المقتصر (عادة بواسطة براءات الاختراع تنوي الاستيلاء على حقوق مربّي النباتات)  على تلك الموارد والمعرفة".

 

استثناء بولار (Bolar Exception): هذا استثناء لحقوق براءاة الاختراع يسمح لطرف آخر القيام، بدون تصريح من صاحب البراءة، بأفعال تتعلق بمنتج مسجّل ببراءة، تكون ضرورية لغرض الحصول على موافقة تنظيمية للمنتج.

 

الترخيص الاجباري (Compulsory Licence): هذا ترخيص لاستغلال اختراع محمي ببراءة تمنحه الدولة بناء على طلب من طرف آخر، مثلا من اجل علاج انتهاك للحقوق من قبل صاحب البراءة.

 

حقوق النشر والتأليف (Copyright): (راجع المربّع 1:1) هذه حقوق مقتصرة تمنح الى محدثي الأعمال الأدبية الأصلية والأعمال العلمية والفنية، والتي احدثت بدون رسميات بابتداع العمل وهي تدوم (كقاعدة عامة) مدى حياة الشخص المحدث للعمل اضافة الى 50 عاما (70 عاما في الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي). وهي تمنع الاستنساخ والأداء العام والتسجيل والاذاعة والترجمة او الاقتباس غير المصرّح به وتسمح بجمع الجعالة للاستعمال المصرّح به.

 

الترخيص المتقاطع (Cross Licensing): تبادل متبادل للتراخيص بين أصحاب براءات الاختراع.

 

حماية قواعد المعلومات العلمية (Database Protection): (راجع المربّع 1:1 و المربّع 2:5) هذا نظام حماية فريد sui generis يحول دون الاستخدام غير المصرّح به للمعلومات العلمية حتى وان لم تكن أصلية.

 

التسعير التفاضلي او التسعير المدرّج (Differential or Tiered Pricing): هذه ممارسة يجري بموجبها وضع أسعار مختلفة لأسواق مختلفة، أي أسعار عالية في الأسواق الغنية وأسعار منخفضة للأسواق الفقيرة.

 

الافصاح بالمنشأ (Disclosure of Origin): (راجع المربّع 4:4) يترتب على مقدمي طلبات التسجيل ببراءة ان يفصحوا في طلباتهم ياسم المنشأ الجغرافي للمادة الاحيائية المبني الاختراع على أساسها.

 

اعلان الدوحة (عن اتفاقية تريبس والصحة العامة) ((Doha Declaration (on Trips and Public Health): (راجع المربّع 1:2) هذا اعلان تم الاتفاق عليه في الاجتماع الوزاري لمنظمة التجارة العالمية المنعقد في الدوحة في عام 2001. وهو يفيد بأنه يجب تفسير وتنفيذ اتفاقية تريبس بشكل يدعم الصحة العامة ويوضّح بعض المرونات التي تسمح بها الاتفاقية لهذا الغرض.

 

الفحص (الفحص الكبير) ((Examination (Substansive Examination): هذا فحص تام وكامل لطلب براءة الاختراع، يقوم بها فاحص براءة الاختراع لتقرير ما اذا كان الطلب يمتثل بالمتطلبات القانونية لصلاحية التسجيل ببراءة المنصوص عليها في التشريعات. يأخذ الفحص بعين الاعتبار أية وثائق توجد خلال عمليات البحث.

 

استنفاد الحقوق (Exhaustion of Rights): هذا مبدأ يعتبر بموجبه بأن حقوق أصحاب الملكية الفكرية فيما يتعلق بمنتج ما قد استنفدت (أي لا يحق له بعد ذلك ممارسة حقوقه) عندما يكون صاحب الملكية الفكرية قد أنزل هذا المنتج الى السوق، او نزل المنتج الى السوق من قبل طرف مصرح له القيام بذلك.

 

الاستخدام المنصف او المعاملة المنصفة (Fair Use or Fair Dealing): (راجع المربّع 1:5) هذا استثناء لحقوق النشر والتأليف يسمح لأطراف أخرى باستخدام مواد محمية بحقوق النشر والتأليف في ظروف معيّنة. تشمل القوانين الوطنية المترتبة على حقوق النشر والتأليف في معظم الدول استثناءات تسمح بنسخ المواد للاستعمال الخاص وللأبحاث وللتعليم وللنسخ الأرشيفي ولاستعمال المكتبات واذاعة الأخبار في وسائل الاعلام، بناء على مبادىء "المعاملة المنصفة" او "الاستخدام المنصف" (الولايات المتحدة).

 

حقوق المزارعين (Farmers` Rights): (راجع المربّع 2:3) هذه حقوق ناشئة عن مساهمات ماضية وحاضرة ومستقبلية يقوم بها المزارعون في صون وتحسين ووضع في المتناول موارد النباتات الجينية، ولا سيما تلك الكائنة في صميم النشوء/ التنوّع.

 

الدواء او العقار العامّ أي غير المصون من طريق التسجيل (Generic Medicine or Drug): العقار العامّ هو المساوي الكيماوي للعقار المسجّل ببراءة.

 

الجينوميات (Genomics): هو النظام العلمي المتبع في رسم خريطة الجينومات وترتيبها التسلسلي وتحليلها.

 

المؤشر الجغرافي (Geographical Indication): (راجع المربّع 1:1) الاسم الذي يحدد المنشأ الجغرافي الدقيق للمنتج عندما يمكن ربط بعض الميزات او السمعة او الخصائص الأخرى للمنتج بذلك المنشأ. مثلا تتميّز احيانا منتجات غذائية بخصائص مستمدة من مكان انتاجها والعوامل البيئية المحلية. "المؤشر الجغرافي" يمنع الأطراف غير المصرح لها باستعمال مؤشر جغرافي محمي لمنتجات لا يكون أصلها من تلك المنطقة او من تضليل الناس بخصوص المنشأ الحقيقي للمنتج.

 

المنوّعات الهجينية (Hybrid Varieties): هذه منوّعات يجري تسويقها عن طريق بذور مستمدة على انها نتاج نوعين مختلفين من النبتة.    

 

حقوق الملكية الفكرية (Intellectual Property Rights): (راجع المربّع 1:1) هذه حقوق يمنحها المجتمع الى الأفراد او المنظمات لاختراعات ولأعمال أدبية وفنية ولرموز ولأسماء ولصور ولتصاميم تستعمل في التجارة. فهي تمنح صاحبها الحق في منع الآخرين من الاستعمال غير المصرّح به لملكيته لفترة محددة.

 

سلالة أرض (Landrace): حصاد محصول او سلالة حيوانية طوّرها وحسّنها جينيا خبراء تقليديون في الزراعة، ولكنها لم تتأثر بممارسات التربية الحديثة.

 

المصدر المتاح (Open Source): برامج الحاسب الآلي التي توضع شيفرة مصدرها في متناول الناس.

 

الواردات المتوازية (Parallel Imports): استيراد منتج مسجّل ببراءة من دولة أخرى حالما يضعها صاحب ملكيتها في سوق تلك الدولة، او يضعها في تلك السوق طرف آخر مصرّح له. مثلا، في الاتحاد الاوربي يمكن قانونا شراء منتج من بائع بالجملة في البرتغال لبيعه بالمفرّق في المملكة المتحدة مع ان المنتج مسجّل ببراءة في الدولتين. يعود الوضع القانوني للواردات المتوازية الى قرار وطني وهو يتعلق بموضوع "استنفاد الحقوق".

 

براءاة الاختراع (Patent): (راجع المربّع 1:1) هذا حق مقتصر على حامله يمنح الى مخترع لمنع الآخرين من صنع او بيع او توزيع او استيراد او استخدام اختراعه بدون ترخيص او تصريح، فترة ثابتة من الوقت. وبالمقابل يفرض المجتمع على صاحب البراءة ان يفصح اختراعه الى الشعب. هناك عادة ثلاثة متطلبات لصلاحية التسجيل ببراءة وهي: البدعة (خصائص جديدة ليست "فنا قديما")؛ خطوة ابتداعية او غير بديهية (معرفة غير بديهية لشخص ماهر في هذا المجال)؛ والتطبيق الصناعي او المنفعي (الولايات المتحدة).

 

حقوق مربّي النباتات (Plant Breeders` Rights): (راجع المربّع 1:1) هذه حقوق تمنح الى مربّي منوّعات جديدة ومميّزة ومتساوقة وثابتة من النباتات. توفر عادة حماية لمدة عشرين سنة على الأقل. لمعظم الدول استثناءات يمكن بموجبها للمزارعين توفير واعادة زرع البذور على أراضيهم المستأجرة الانتفاع من الأبحاث الاضافية والتربية.

 

حماية منوّعات النباتات (Plant Variety Protection): راجع "حقوق مربّي النباتات".

 

الفن القديم (Prior Art): هذه عبارة عن نشرات او افصاحات عامة أخرى يتم القيام بها قبل تاريخ تقديم طلب براءة الاختراع والتي على أساسها يجري الحكم على بدعة او ابتداعية الاختراع في طلب براءة الاختراع.

 

الموافقة المدروسة مسبقا (Prior Informed Consent): هذه موافقة يعطيها طرف لنشاط بعد ابلاغه مسبقا بجميع الحقائق المادية المتعلقة بذلك النشاط. يتطلب ميثاق التنوّع الاحيائي ان تخضع حرية الحصول على الموارد الجينية الى الموافقة المدروسة مسبقا للدولة الموفرة الموارد.

 

التسجيل (Registration): هذا اجراء رسمي للحصول على حق الملكية الفكرية وهو يتطلب تقديم طلب وفحص ذلك الطلب. بعض حقوق الملكية الفكرية مثل حقوق النشر والتأليف متوفرة اوتوماتيكيا بدون حاجة الى التسجيل. في بعض الدول يمكن تسجيل طلبات براءات الاختراع بكل بساطة بعد فحص أساسي.

 

أدوات الأبحاث (Research Tools): المجموعة الكاملة من الموارد والأساليب والأدوات الفنية المستخدمة في الأبحاث.

 

الهندسة العكسية (Reverse Engineering): عملية تقييم شيء لمعرفة كيفية عمله من أجل استنساخه او تعزيزه. هذا ينطبق بصورة خاصة في مجال حقوق النشر والتأليف حيث الهندسة العكسية لبرامج الحاسب الالي قد تكون ضرورية لتأمين تشغيله المتبادل مع البرامج الأخرى. وهي ذات صلة أيضا بشبه الموصلات وبانتاج الأدوية العامّة (generic medicines).

 

البحث (Search): بحث لفن قديم من قبل فاحص براءة الاختراع والتي تلفت انتباه مقدم طلب البراءة الى وثائق يعتقد فاحص البراءة بأنه تأكد ما اذا كان الاختراع الوارد في الطلب هو بدعة (novelty) واختراع. مواد البحث الأولية هي الافصاحات في طلبات براءات الاختراع الأخرى، ولكن يجب تغطية كافة انواع "الفن القديم" من حيث المبدأ.

 

فريد (sui generis): هذا تعبير لاتيني يعني "فريد من نوعه". نظام الحماية الفريد، مثلا، للمعرفة التقليدية هو نظام من الحماية مستقل عن نظام الملكية الفكرية الحالي.

 

الحماية التكنولوجية (Technological Protection): تشير الحماية التكنولوجية الى طرق لادخال بوسائل تكنولوجية دفاعات ضد النسخ او الاستعمال غير المصرّح به. والأمثلة على ذلك الأكثر شيوعا هي أشكال التشفير في وسائل الاعلام الرقمية، وادخال خصائص في النباتات تجعل البذور المحصودة أقل انتاجية او عقيمة.

 

سر تجاري (Trade Secret): (راجع المربّع 1:1) هذه عبارة عن معلومات ثمينة تجاريا حول أساليب الانتاج وخطط الأعمال التجارية والزبائن الخ. هذه المعلومات محمية طالما بقيت سرية بموجب قوانين تمنح حيازتها بأساليب غير منصفة تجاريا والافصاح غير المصرّح به.

 

العلامة التجارية (Trademark): (راجع المربّع 1:1) تمنح العلامة التجارية حقوقا مقتصرة لاستعمال اشارات مميزة مثل الرموز والألوان والأحرف الأبجدية والأشكال او الأسماء لتحديد هوية صاحب المنتج وحماية سمعته المرافقة له. تتفاوت فترة الحماية ولكن يمكن تجديد العلامة التجارية الى أجل غير مسمى.

 

المعرفة التقليدية (Traditional Knowledge): مع انه لا يوجد لها تعريف مقبول عموما تشمل المعرفة التقليدية مثلا، الاحداثات المبنية على أساس التقاليد والابتداعات والأعمال الأدبية والفنية او العلمية والتمثيل والتصاميم. تنقل مثل تلك المعرفة من جيل الى جيل وهي مرتبطة عادة بشعب معيّن او بأراضي معيّنة.

 

نماذج المنفعة (Utility models): (راجع المربّع 1:1) نموذج المنفعة هو حق مسجّل يمنح صاحبه حماية مقتصرة لاختراع، باسلوب شبيه ببراءة الاختراع. عدد كبير من الدول المتقدمة والكثير من الدول النامية لديها شكل من أشكال انموذج المنفعة بالاضافة الى نظام براءات الاختراع، ولكن الأشكال الدقيقة لتلك الأنظمة تتفاوت تفاوتا كبيرا. وعموما، كما هو الحال بالنسبة لبراءة الاختراع، لكي تتوفر حماية انموذج المنفعة لاختراع ما يجب ان يكون هذا الاختراع جديدا وينطوي على خطوة ابتداعية وان يكون له استعمال صناعي. وبالاضافة الى ذلك يمكن منح نماذج المنفعة بدون فحص مسبّق للتأكد من تلبية تلك الشروط.


كلمة تقدير

 

تود اللجنة ان تشكر العدد الكبير من الناس الذين استشارتهم خلال قيامها بتحقيقاتها في الموضوع والذين قدموا لها أفكارهم القيّمة وخبرتهم ووقتهم. لقد أخذنا بعين الاعتبار وجهات نظرهم عند اعداد هذا التقرير. ونحن نقرّ بالجميل لجميع الذين قابلناهم خلال زياراتنا الى الصين والهند والبرازيل وكينيا وجنوب أفريقيا وجنيف وبروكسل وواشنطن ولندن ونحن نقدّر مساهمات جميع الذين حضروا مؤتمرنا الدولي في شهر فبراير/شباط عام 2002. ونحن نشكر بصورة خاصة الذين خطّوا الوثائق الخلفية للجنة والخبراء الذين ساهموا في ورشات العمل.

 

لائحة بالمنظمات التي تمت استشارتها

البرازيل:صندوق البيئة أ2ر، ABAPI ، ABES ، ABRASEM ، منظمة مساعدة البرازيل، Bioamozonia، مكتبة البرازيل الوطنية، CREA ، Daniel & Cia ، Dannerman ، Siemsen & Ipenema Moreira ، EMPRAPA ، Extracta ، FAPESP ، FINEP ، FIOCRUZ ، Forum ONG Aids ، ClaxoSmithKline ، Grupo dela Vidda ، IBAMA ، IBPI ، INPI ، Instituto Socio Ambiental ، Interfarma ، وزارة الزراعة، وزارة الثقافة، وزارة التنمية والصناعة والتجارة، وزارة البيئة، وزارة الشؤون الخارجية، وزارة الصحة، وزارة العلوم والتكنولوجيا، Monsen  ، Leonardos & Cia ، SBACEM ، SOCIMPRO  ، Sun Microsystems.

 

بروكسل، البلجيك: Association Internationale de la Mutualite (AIM) ، EFPIA (الاتحاد الاوروبي لصناعات الصيدلة والهيئات التابعة)، اللجنة الاوروبية – التنمية DG ، الاتحاد الاوروبي – التجارة DG.

 

الصين: محكمة بيكين العليا، المكتب الصيني لحقوق النشر والتأليف، الأكاديمية الصينية للعلوم، Double Crane للادوية، جامعة فودان، للحاسب الالي ليجند، مايكروسوفت، وزارة العلوم والتكنولوجيا، مكتب حماية المنوّعات الجديدة من النباتات، مركز شانغهاي بودنغ للملكية الفكرية، شركة شانغهاي للفديو والسوفتوير السمعي المحدودة، SIBS ، مونسانتو، SIPO ، Tong Ren Tang ، جامعة تسينغهوا، السفارة البريطانية في بيكين، المعهد المتحد للجينات، القنصلية العامة الأمريكية في بيكين، شركة يونغ يو للسوفتوير.

 

جنيف، سويسرا: البعثة الدائمة الاسترالية، البعثة الدائمة الكندية، مركز القانون الدولي للبيئة، البعثة الدائمة الغانية، IFPMA ، البعثة الدائمة الهندية، البعثة الدائمة الماليزية، البعثة الدائمة للبيرو، مكتب الأمم المتحدة للكويكرز، شبكة العالم الثالث، البعثة الدائمة للمملكة المتحدة، مؤتمر الأمم المتحدة حول التجارة والتنمية، منظمة الصحة العالمية، منظمة التجارة العالمية، صندوق الكائنات الحية البرية.

 

الهند: أبوت، أناند وأناند، شركة بي دي اتش للتكنولوجيا الاحيائية المحدودة، مركز تكنولوجيا الكيمياء الاحيائية، شركة سيبلا المحدودة، مجموعة قوانين الشركات، دائرة أنظمة الأدوية والمعالجة المثلية الهندية، وزارة سياسة وتشجيع الصناعة، وزارة العلوم والتكنولوجيا، شركة GlaxoSmithKline بي ال سي، شركة آي سي آي الهند المحدودة، ICRIER ، IDMA ، IPA ، Kumaran & Sager ، المعهد الوطني للأبحاث في النبات، أمانة الابتداع الوطنية، المعهد الوطني للاتصالات العلمية، مجموعة العمل الوطنية في قوانين براءات الاختراع، Nicholas Piramal India Ltd ، Novartis Ltd ، OPPI ، شركة  Pfizer المحدودة، مختبرات رانباكسي المحدودة، Subramaniam, Nateraj & Associates ، شركة Themis Medicare المحدودة، Unichem.

 

كينيا: المركز الأفريقي للدراسات التكنولوجية، منظمة الملكية الصناعية الأفريقية الأقليمية، الرابطة الأفريقية للاتجار بالبذور، أمانة الأبحاث بالقهوة، شركة كوزموس للادوية المحدودة، GlaxoSmithKline ، معهد الشؤون الاقتصادية، معهد كينيا للأبحاث الزراعية، مكتب كينيا للملكية الصناعية، مصلحة كينيا للتفتيش في صحة النباتات، الائتلاف الكينيي للحصول على الأدوية اللازمة، الاتحاد الوطني الكينيي للمزارعين، وزارة الزراعة، وزارة الصحة – كبير الصيدليين، وزارة السياحة والتجارة، مكتب المسجّل العام، رابطة الاتجار بالبذور في كينيا، أمانة الأبحاث في الشاي.

 

لندن، المملكة المتحدة (مؤتمر اللجنة الدولي وورشات العمل): ActionAid ، Actions Jeunesses ، المركز الأفريقي لدراسات التكنولوجيا، AIPPI ، Amersham PLC ، مركز أمستردام للقانون الدولي، معهد الأبحاث بأمراض الحيوانات، Aslib-IMI ، Assinsel ، رابطة أساتذة الجامعات، أسترا زينيكا، جامعة استراليا الوطنية، جمعية ترخيص وجمع الجعالات للمؤلفين المحدودة، اعلان بيرن، شركة الجينات الاحيائية انك، رابطة الصناعة الاحيائية، كلية بويدون، السفارة البرازيلية في المملكة المتحدة، جمعية الحاسبات الآلية البريطانية، المجلس البريطاني لحقوق النشر والتأليف، الجمعية البريطانية لحقوق الموسيقى، صناعة الفونوغراف البريطانية، Buko Pharma-Kampagne, Burns, Doane, Swecker and Mathis ، LLP ، CAB الدولية، كافود، شركة كيمبريدج لزملاء السياسة الاقتصادية، آلية التفاوض الاقليمية الكاريبية، مركز التنمية الدولية في جامعة هارفارد، مركز البرامج والوصلات الدولية، CGIAR-ISNAR ، المعهد القانوني لوكلاء براءات الاختراع، CIPLA المحدودة، CISAC ، أمانة الكومنولث، اتحاد أرباب الصناعة البريطانية، منظمة صون أفريقيا الدولية، مشروع المستهلك حول التكنولوجيا، منظمة المستهلكين الدولية، وزارة البيئة والطعام والشؤون الريفية، وزارة الصحة، إدارة التنمية الدولية، برقيات الأخبار داو جونز، مجموعة دراسة العقاقير، كلية القانون في جامعة ديوك، خدمات اكو الصحية الدولية، اللجنة الاقتصادية لأفريقيا، EPSRC ، مشروع العقاقير الأساسية، e-TALC ، الوكالة الاوروبية لتقييم الأدوية، المكتب الاوروبي لبراءات الاختراع، فالكو – أرشر انك، وزارة الخارجية وشؤون الكومنولث، كلية القانون لجامعة فلوريدا، فوغا، ديلي وشركاؤهما، Food Right ، منبر التكنولوجيا الاحيائية وسلامة الطعام، أمانة قانون البيئة الدولي والتنمية (فيلد)، الأمانة الاوروبية للسوفتوير المجاني، القسم الاقتصادي في السفارة الفرنسية، حملة الجينات، تحالف الهندسة الجينية، مراقبة الجينات المملكة المتحدة، المكتب الألماني لبراءات الاختراع والعلامات التجارية، GlaxoSmithKline ، التحالف العالمي لتطوير عقار ضد داء السل، هربرت سميث، وزارة المالية، Honeybee Network ، مجلس اللوردات، IFPI ، المعهد الهندي للادارة، المعهد الهندي الوطني لأبحاث النباتات، شبكة الشعوب للتنوّع الاحيائي، مراكز المحطات المتوسطة والمراحل الاعلامية، معهد سياسة الزراعة والتجارة، معهد الصحة العالمية، معهد الأبحاث في المحاصيل الزراعية، معهد دراسات التنمية، المؤسسة الدولية لحماية الملكية الفكرية، المعهد الدولي للتجارة وغرف التجارة الدولية، الاتحاد الدولي لرابطات شركات الادوية، الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، المجلس الدولي للمعاهدات الهندية، شبكة السياسة الدولية، الاتحاد الدولي لحماية الأنواع الجديدة من النباتات، المعهد الدولي للقاحات، IPPPH المنبر العالمي للأبحاث بالصحة، ITDG ، مركز جون اينيس، كلية كينت للحقوق، بعثة كينيا لمنظمة التجارة العالمية، مفتشية كينيا لصحة النباتات، مكتب كينيا لحقوق مربّي النباتات، رابطة كيتشوا-ايمارا للأرزاق القابلة للاستمرار، انتاجات لاخنبال، رابطة المكتبات، الملكية الفكرية Light Years ، حديقة ليمبي للنباتات، Linklaters and Alliance ، جامعة ليفربول، معهد ماكس بلانك لبراءات الاختراع الأجنبية والدولية، قانون حقوق النشر والتأليف والمنافسة، McDermot, Will and Emery ، أطباء بلا حدود، شركة ميرك وشركاؤه المحدودة، شركة مايكروسوفت، مونسانتو، المركز الوطني للهندسة الجينية والتكنولوجيا الاحيائية (تايلاند)، معهد الموارد الطبيعية، شركة الموارد الطبيعية الدولية المحدودة، ائتلاف نيجيريا للحصول على الأدوية الأساسية، مركز نيجيريا الطبي الفدرالي، ن م روثتشايلد وأولاده المحدودة، ائتلاف لا براءات على الحياة، مكتبة لا جني الأرباح، كونغو دي آر، منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، الجامعة المفتوحة، اكسفام، مركز اكسفورد للأبحاث بالملكية الفكرية، PATH ، فايزر انك، المعهد البرتغالي للملكية الصناعية، بروسبكت، مكتب الكويكرز في الأمم المتحدة، معهد الملكة ماري للأبحاث بالملكية الفكرية، نظام الأبحاث والاعلام للدول النامية، وكالة رويترز، روثهامستد الدولية، شركة راوس وشركاؤه الدولية المحدودة، حدائق النباتات الملكية في كيو، محاكم العدل الملكية، SCF ، SciDev.Net ، مركز العلوم للأبحاث الاجتماعية في برلين، جامعة شيفيلد، Sociedad Peruana de Derecho Ambiental ، المركز الجنوبي، شركة SSL الدولية بي ال سي، جامعة ستانفورد، Steptoe and Johnson ، حملة ايقاف الأيدز، التنمية القابلة للاستمرار، المعهد الفدرالي السويسري للملكية الفكرية، رابطة صناعة الادوية البريطانية، مجلس الثقافة البريطاني، الجمعية البريطانية لمربّي النباتات، مجموعة بيرنامز، مجلة ذي اكونوميست، The Journal Server Trust ، مجلة ذي لانست، مكتب براءات الاختراع، وقف روكفيلر، الجمعية الملكية، البنك العالمي، شبكة العالم الثالث، اتحاد العلامات التجارية وبراءات الاختراع والتصاميم، برنامج الأمم المتحدة حول نقص المناعة البشرية/الأيدز، مؤتمر الأمم المتحدة حول التجارة والتنمية، برنامج التنمية للأمم المتحدة، الحلول الفريدة، جمعية الأمم المتحدة، كلية السياسة العامة التابعة للكية الجامعية لندن، جامعة غربي انجلترا، UNU/INTECH ، الأمانة الأمريكية الوطنية للعلوم، USTR ، VSO ، أمانة ولكام، Catalyst Biomedica ، شركة ويلوبي وشركاؤه، منظمة الصحة العالمية، المنظمة العالمية للملكية الفكرية، مركز الأبحاث في الأسواق العالمية، مركز الصحافة العالمي، بعثة زامبيا في جنيف، شركة زيكوندا وزملاؤه.

 

ميونيخ، المانيا:المكتب الاوروبي لبراءات الاختراع.

 

واشنطن دي سي، الولايات المتحدة:  AEI ، BIO ، CPTech ، وزارة الصحة والخدمات الانسانية، اللجنة القضائية في الكونغرس، IIPA ، IIPI ، Merck ، المعهد الوطني للصحة، PGFM ، PhRMA ، اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ، وزارة الخارجية، USTR ، Venable ، البنك العالمي.